ملخص
قد تواجه إيران خارجياً مزيداً من العزلة وربما تخسر حتى بعض الشركاء التجاريين مع احتمال انتكاسة جهود لتخفيف تأثير العقوبات الاقتصادية.
جاء رد فعل الأسواق على مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادثة تحطم طائرة معتدلاً إلى حد كبير، ففي البداية ارتفعت أسعار العقود الآجلة للنفط في التعاملات الآسيوية خلال أول جلسات الأسبوع، صباح أمس الإثنين، لكن الأسعار عادت واستقرت بعد ذلك، وعاد سعر برميل "خام برنت" القياسي إلى أقل من حاجز 84 دولاراً (83.96 دولار للبرميل) أما سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) فاستقر عند نحو 80 دولاراً للبرميل.
وارتفع سعر الذهب متجاوزاً 2440 دولاراً للأونصة، لكن ارتفاع سعر المعدن مع بداية تعاملات الأسبوع يعود في الأساس لعودة التفاؤل بأن "الاحتياط الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) ربما يخفض سعر الفائدة مرتين قبل نهاية العام، لكن بالنسبة إلى أسعار النفط فكان التأثير طفيفاً لاطمئنان الأسواق إلى عدم حدوث تغير في جانب العرض مع استمرار قطاع النفط الإيراني كما هو، وأيضاً لاجتماع "أوبك" وحلفائها مطلع الشهر المقبل، وقناعة السوق بأن التحالف سيحافظ على استقرار معادلة العرض والطلب حتى لو حدثت اضطرابات في إنتاج إيران.
لكن رد الفعل البسيط هذا قد لا يستمر في ضوء تطور الأوضاع داخل إيران عقب مقتل الرئيس ووزير خارجيته، وتولي نائبه الرئاسة موقتاً للعمل على إجراء انتخابات في غضون 50 يوماً كما يقتضي القانون.
الرئيس والاقتصاد
وبما أن الاعتقاد السائد هو أن الرئيس في إيران ليس صاحب قرار تماماً، وإنما يعمل في ظل المرشد الأعلى الذي يمسك بكل الخيوط في البلاد، فإن غياب الرئيس واستبداله قد لا يعني تغييراً في السياسات الاقتصادية، لكن الوضع في إيران منذ انتخاب الرئيس الراحل قبل ثلاثة أعوام يسير من سيئ إلى أسوأ اقتصادياً، ولا يرجع ذلك للعقوبات المشددة على البلاد فهي موجودة منذ عقود، وإنما لما يعتبره كثير من الإيرانيين سوء إدارة الرئيس وحكومته للاقتصاد.
ومنذ عام 2021 فقدت العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها إذ هبط الريال بنسبة 55 في المئة، وفضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم بشدة لا يجد الإيرانيون أملاً في تحسن الأوضاع المعيشية في المستقبل، ووصل الأمر إلى ارتفاع أصوات داخل البرلمان تتهم الحكومة بفساد إدارة الاقتصاد، وحتى المرشد الأعلى علي خامنئي طالب الحكومة والمسؤولين في تصرف نادر في العلن بالعمل على تحسين أوضاع الاقتصاد.
كل ذلك والمصالح الاقتصادية للحرس الثوري، التنظيم العسكري الموازي الذي تعتبره دول كثيرة منظمة إرهابية، لم تقل بل على العكس أعاد هيكلة شاملة أبقت على كثير من شركاته التي تعمل تقريباً في مناحي الاقتصاد كافة، كما هي مع تغيير شكلي.
ومع أن الرئيس الراحل يعد من تيار المتشددين وملأ حكومته بالعسكريين ورجال الدين، فإن بعض المراقبين يرون أن الحرس الثوري كان يدفع دائماً إلى إلقاء اللوم في الأزمة الاقتصادية الطاحنة عليه وعلى حكومته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع العالم، وبخاصة الشركاء التجاريون لإيران في آسيا وأميركا اللاتينية، تلك الأوضاع وأعينهم على احتمالات أي تغيير في السياسات مع تغيير الرئيس، وإن كان الغالب أن الأمور ستستمر على ما هي عليه في الأقل حتى الانتخابات بنهاية يونيو (حزيران) المقبل لاختيار رئيس جديد وتشكيل حكومة.
التأثير على المدى الطويل
وفي تحليل سريع صباح الإعلان عن مقتل الرئيس الإيراني ومرافقيه في حادثة الهليكوبتر المحطمة، توقعت مجلة "فوربس" أن يكون هناك تأثير طويل الأمد لتطورات الأوضاع في إيران، بخاصة على أسواق الطاقة، وينطلق التحليل من توقع ألا يكون الرئيس المقبل وحكومته من تيار الاعتدال، بل على الغالب ستكون حكومة أكثر تشدداً من حكومة الراحل إبراهيم رئيسي.
وتشارك مجلة "إيكونوميست" في تقرير لها وجهة النظر التي تتوقع ألا تمر الانتخابات نهاية الشهر المقبل بسلام، أو كما اعتادت القيادة الإيرانية من قمع المحتجين على النظام، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية أكثر مما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام، وفي حال حدثت احتجاجات كما توقعت "فوربس" فإنها ربما تمتد إلى إضراب العاملين في قطاع النفط والغاز، كما حدث خلال الثورة الإيرانية عام 1979، وسيعني ذلك توقف إنتاج وتصدير النفط الإيراني.
وصحيح أن بإمكان الدول الأعضاء في "أوبك" وحلفائهم من خارجها ضمن تحالف "أوبك+" تعويض أي نقص في الإمدادات ينتج من توقف الإنتاج الإيراني، لكن بعض زبائن إيران في آسيا سيواجهون مشكلة، لذلك فالترقب في الصين والهند واليابان لتطور الأوضاع في إيران أكثر منه في بقية الأسواق حول العالم، لكن أي تغير في سوق الطاقة مهما كان بسيطاً يترك آثاراً على العالم كله، كما يخلص تحليل "فوربس".
وفي حال مرت الانتخابات وجاءت برئيس أكثر تشدداً فالأغلب، بحسب تحليل "إيكونوميست"، أن النظام الذي يعد هجيناً من المتشددين الدينيين والعسكريين سيتجه أكثر نحو العسكريين، ويعني ذلك أن "الحرس الثوري" سيتحكم أكثر في الاقتصاد، وهو ما يزيد حنق الشعب الإيراني وقطاعاته المدنية التي تعاني بشدة وبخاصة مع العقوبات المشددة على البلاد، بل ويمكن أن تؤدي زيادة نفوذ "الحرس الثوري" إلى مزيد من العقوبات الأميركية والغربية على إيران، مما يزيد تفاقم أزمتها الاقتصادية الداخلية.
الخلاصة أن الشعب الإيراني الذي ربما كان يحمّل الرئيس الراحل وحكومته ذنب معاناته الاقتصادية ربما لا يجد بديلاً أفضل في من ستأتي به الانتخابات التي يرى بعضهم من الآن أنها لن تعكس الإرادة الشعبية، بقدر ما تعكس رغبة المرشد وتيار التشدد و"الحرس الثوري"، أما خارجياً فإن إيران قد تواجه مزيداً من العزلة وربما تخسر حتى بعض الشركاء التجاريين مع احتمال انتكاسة جهود طهران للانفتاح على الجيران وتخفيف تأثير العقوبات الاقتصادية.