Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقتل الرئيس الإيراني وعودة لطهران وأسواق النفط

يتعلق تأثر الأسواق بتحركات النظام ومواقفه وليس بوضع أفراد يعملون به مهما كان منصبهم

النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر ومقعد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي بجانبه فارغاً (أ ف ب)

ملخص

السياسة النفطية الإيرانية سياسة نظام وليست سياسة رئيس، والعلاقة مع الأميركيين كذلك. ومن ثم فلن يتغير شيء

السؤال الذي تكرر منذ مساء الأحد وحتى وقت كتابة هذه المقالة كان عن أثر مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، خلال حادثة الطائرة المروحية، في أسواق النفط وعلاقة إيران بـ"أوبك" و"أوبك+" (الدول التي وقعت على مثياق التعاون المشترك).

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أنه نتج من وجود إيران في الأخبار بشكل دائم عبر السنوات الماضية كتابة عديد من المقالات عن دورها في أسواق النفط، كما ركز عليها في مساحات عدة في منصة "إكس"، وهذا يعني تكرار بعض المعلومات في مقالة اليوم.

هناك حقيقة تاريخية وهي أنه منذ اكتشاف النفط في إيران منذ أكثر من 110 سنوات وحتى الآن كانت أكثر دولة نفطية مؤثرة في أسواق النفط العالمية، بسبب جسامة الأحداث التي مرت بها. فالنفط الإيراني كان السبب الرئيس في تحول النفط إلى سلعة استراتيجية عالمية تخاض الحروب من أجلها، وذلك بعد قرار تحول البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط ثم سيطرة الحكومة البريطانية على شركة نفط "الأنجلو - فارسية" التي أصبحت تعرف بشركة النفط البريطانية (بي بي) الآن. ثم جاء بعدها الاحتلال البريطاني - السوفياتي لإيران (تم التحول من اسم "فارس" إلى "إيران" في عام 1935).

ونتج من الاحتلال وإنهاء حكم رضا بهلوي تعيين ابنه الشاب محمد رضا بهلوي الذي وافق على شروط بريطانية عديدة منها السيطرة البريطانية الكاملة على النفط الإيراني، وهو ما أثار حفيظة كثير من الإيرانيين، بما في ذلك الملالي والمثقفون وقادة التيارات اليسارية، وهذا بدوره أدى إلى فوز محمد مصدق بالانتخابات، الذي نتج منه فرار الشاه محمد رضا بهلوي إلى العراق ثم إلى إيطاليا وقيام مصدق بتأميم النفط الإيراني. 

بعدها فرضت بريطانيا "حظراً عسكرياً" على صادرات النفط الإيراني كونه "نفطاً بريطانياً مسروقاً"، وأجبرت الدول الأخرى على عدم شراء النفط الإيراني. 

هذه الأحداث هزت أسواق النفط العالمية هزة عنيفة، على رغم نجاح مصدق في الحصول على قرار من محكمة دولية بشرعية تأميم النفط الإيراني، وذلك لأن مصدق أخطأ في أمرين. الأول أنه قام بتأميم النفط وليس لدى إيران ناقلات نفط. لهذا تم لاحقاً التركيز على هذه النقطة، إذ قامت الحكومات الإيرانية لاحقاً بجعل ملكية ناقلات النفط هدفاً استراتيجياً. وتعلمت بعض دول الخليج من التجربة الإيرانية فركزت بشكل كبير على ملكية أساطيل من ناقلات النفط، ولاحقاً من ناقلات الغاز المسال.  

أما الخطأ الأخير فتمثل في أن مصدق ظن أن رحيل المهندسين والخبراء البريطانيين لن يسبب أية مشكلة لأن الدول الأوروبية الأخرى الطامعة في النفط الإيراني سترسل البديل، ولكن هذا لم يحصل! لهذا ساءت الأوضاع داخل إيران حتى قام الأميركيون بتنسيق انقلاب أطاح بمصدق، وشارك في هذا الانقلاب الملالي الذي أيدوا مصدق في البداية.

دخول الأميركيين بهذه القوة وإعادتهم للشاه من إيطاليا أضعف الدور البريطاني، كما أجبر الشاه على توقيع وثائق تعطي الحق للشركات الأجنبية بالسيطرة الكاملة على قطاع النفط الإيراني وبأسعار منخفضة. 

وكان من ضمن الاتفاق أنه لا يحق للحكومة الإيرانية التدخل في شؤون الإنتاج والتصدير، ولا حتى مراجعة الدفاتر المحاسبية. هذه السيطرة المجحفة للأميركيين لعبت دوراً كبيراً لاحقاً في رفع أسعار النفط في عام 1973، إذ نتج من تغيير العقود في الستينيات ثم عن ارتفاع أسعار النفط منذ بداية السبعينيات زيادة إيرادات الدول الخليجية بشكل كبير، بينما لم يحصل الشاه على أية زيادات. 

هذا الأمر هو الذي جعل الشاه يدفع دول "أوبك" بقوة لزيادة الأسعار المعلنة بمقدار 70 في المئة عشية المقاطعة النفطية في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، على رغم أن إيران لم تشارك في المقاطعة. ولكن الشاه لم يحصل على ما يريد وظلت إيرادات إيران منخفضة مقارنة بإيرادات دول الخليج بسبب السيطرة الأميركية المجحفة، وهذا كان أحد أسباب قيام الثورة وطرد الشاه من إيران عام 1979. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسهمت الثورة الإيرانية في رفع أسعار النفط بشكل كبير بسبب قرار الحكومة الجديدة خفض الإنتاج من 6 إلى 3 ملايين برميل يومياً. وهنا يتضح مدى الاستغلال الأميركي لثروات إيران من جهة، ومدى خضوع الشاه للأميركيين: ألغت الثورة الإيرانية في عام 1979 كل الاتفاقات بين الشاه والأميركيين، ومن ثم أصبح النفط الإيراني يباع  في الأسواق العالمية بسعر السوق، بحيث إن إيرادات صاردات 3 ملايين برميل تساوت مع إيرادات 6 ملايين برميل في عهد الشاه. 

وكانت هناك تحذيرات كثيرة من المهندسين الإيرانيين منذ عام 1976 بأن إنتاج النفط الإيراني سينهار بسبب استنزاف الأميركيين وغيرهم للحقول الإيرانية. لهذا كان من المنطقي أن تقوم الحكومة الجديدة بخفض الإنتاج من 6 إلى 3 ملايين برميل يومياً، مما أسهم في بقاء أسعار النفط مرتفعة. 

ثم بدأت الحرب العراقية - الإيرانية في 1980، وارتفعت أسعار النفط وقتها إلى مستويات  تاريخية. استمرت الحرب ثماني سنوات تم خلالها تدمير أغلب المنشآت النفطية في البلدين، وأدت إلى تغيير مسارات التجارة الدولية في النفط، وأنشئت أنابيب من شرق السعودية حيث منابع النفط إلى موانئ في غرب المملكة تفادياً لآثار الحرب التي طاولت الخليج بسبب ضرب ناقلات النفط والألغام البحرية. كما أنشئ أنبوب ينقل النفط العراقي عبر السعودية إلى الموانئ غرب المملكة.

وما إن ألقت الحرب أوزارها حتى ظهر موضوع البرنامج النووي الإيراني، الذي نتجت منه مشكلات كثيرة وعقوبات دولية وأميركية أثرت في أسواق النفط. ثم جاء اتفاق الرئيس أوباما مع الإيرانيين في 2014، الذي أسهم في زيادة إنتاج إيران بشكل ملحوظ، وكان له دور في خفض أسعار النفط عامي 2015 و2016، وصعوبة عودة التوازن للسوق. وعندما أعاد الرئيس ترمب العقوبات على إيران في الربع الرابع من 2018 ارتفعت أسعار النفط قبل ذلك بشكل كبير، ولكن ترمب أعطى استثاء لمستوردي النفط الإيراني فانهارت الأسعار. 

ومع سيطرة الحوثيين بدعم إيراني على صنعاء، ثم تشكيل التحالف العربي لإعادة الشرعية، والحرب الذي تلت ذلك، ضربت أهداف نفطية في السعودية مرات عدة، كان أهمها ضرب منشآت لأرامكو في سبتمبر (أيلول) 2019، التي رفعت أسعار النفط بشكل كبير، ولكن لمدة محدودة بسبب قدرة الشركة على إعادة الإنتاج والصادرات لما كانت عليه خلال فترة قصيرة من الزمن. 

بايدن وإيران

فوز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الأميركية غير مسار العلاقات الأميركية – الإيرانية، إذ وعد خلال حملته الانتخابية بالعودة للاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما، ولكن رفض الإيرانيون ذلك. إلا أن التناغم الإيراني مع حكومة بايدن كان واضحاً منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، وهذا التناغم يعكس سياسة النظام الإيراني، وليس بالضرورة سياسة الرئيس إبراهيم رئيسي. لهذا فإن مقتل رئيسي لن يغير من هذا التناغم:

1- لم يقبل الإيرانيون بالعودة لاتفاق أوباما وحاول بايدن التفاوض للتوصل إلى اتفاق جديد، فاضطر إلى عدم تطبيق عقوبات ترمب حتى يستمر التفاوض، لهذا استمر النفط الإيراني بالتدفق على رغم وجود العقوبات. 

2- بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ورفض دول الخليج طلب بايدن زيادة الإنتاج لجأ إلى إيران إذ أعطاها ضوءاً أخضر لزيادة الإنتاج والصادرات، وبناء على ذلك تم التخلص من كل المخزون الإيراني العائم، ثم قامت إيران بزيادة الإنتاج والصادرات. 

3- مع بداية الحرب في غزة ثم شن الحوثيين هجمات على السفن ثم ناقلات النفط، تجاهلت إدارة بايدن إيران لأنها لا تريد ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات الأميركية. وعلى رغم قيام حكومة بايدن بفرض عقوبات على إيران بعد مهاجمتها إسرائيل بالصواريخ رداً على ضرب القنصلية الإيرانية في سوريا، إلا أن هذه العقوبات كانت شكلية ولا تؤثر في إمدادات النفط الإيرانية، وكان هذا مقصوداً من إدارة بايدن تحسباً من ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات.

كانت إدارة بايدن أوقفت عمليات ملء المخزون الاستراتيجي في شهري أغسطس (آب) وسبتمبر قبل الانتخابات الأميركية، بعد أن علمت مسبقاً بأن إيران ستضرب إسرائيل، وتخوفها من ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات. 

الآن عودة للسؤال الرئيس بعد هذه المقدمة الطويلة جداً:

ما أثر مقتل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية في أسواق النفط؟ الواقع أن السياسة النفطية الإيرانية هي سياسة نظام وليست سياسة رئيس، والعلاقة مع الأميركيين هي علاقة نظام، وليست علاقة رئيس، ومن ثم فلن يتغير شيء، ولن يكون هناك أي أثر في أسواق النفط.  وظهر هذا واضحاً عندما افتتحت الأسواق في آسيا صباح أمس الإثنين، إذ حصل ارتفاع طفيف في أسعار النفط لفترة قصيرة ثم انخفضت بعدها. 

وكان الوضع سيكون مغايراً تماماً لو ثبت أن إسرائيل ضربت الطائرة المروحية، لأن ذلك يعني حرباً علنية بين البلدين سيدخل فيها كل أذرع إيران بالمنطقة. خلاصة القول إن أثر إيران في أسواق النفط يتعلق بتحركات النظام الإيراني ومواقفه وما يؤثر فيه، وليس بوضع أفراد يخدمون النظام.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء