ملخص
منذ مغادرته المملكة المتحدة إلى كاليفورنيا قضى هاري كثيراً من الوقت على هواء الإذاعات والمحطات، ولم يبد قلقاً كبيراً في شأن الكشف عن التفاصيل الخاصة بحياته وبعائلته
بعد أكثر من يوم ونصف اليوم في منصة الشهود انتهت أخيراً محنته في قاعة المحكمة. "كيف تشعر إزاء ذلك؟" سأله بتعاطف محاميه ديفيد شيربورن، نفخ هاري خديه وأجاب في شكل عاطفي "إن الأمر ثقيل".
كان الأمر في الواقع جولة واحدة فقط من معركة الأمير الخاصة لإصلاح ما يصر على أنه خطأ في الصحافة الحرة في بريطانيا، ووفق هاري فقد وصف والده الملك تشارلز هذا المسعى بأنه "مهمة انتحارية".
كونه أول عضو بارز في العائلة المالكة يقوم بتقديم أدلة في المحكمة منذ أكثر من قرن لم يكن الأمر تماماً بهذا السوء، ولكن على عكس ما كان عليه الحال حين قال إدوارد السابع، الذي سيتوج ملكاً لاحقاً، كل ما في جعبته حول ما أصبح يعرف باسم فضيحة القمار الملكية [حادثة تاريخية تتعلق بالملك المستقبلي إدوارد السابع في أواخر القرن الـ 19، اُتهم إدوارد السابع الذي كان آنذاك أمير ويلز بالمشاركة في أنشطة قمار غير قانونية، وحظيت الفضيحة باهتمام إعلامي كبير وأثارت ضجة عامة، إذ اعتبرت المقامرة غير أخلاقية وغير مناسبة لأحد أفراد العائلة المالكة، وكان للحادثة تداعيات على سمعة إدوارد السابع وتسبب في توتر علاقته بوالدته الملكة فيكتوريا]، ثمة أمور كثيرة حالياً على المحك.
يعتقد بعضهم بأن قرار هاري مهاجمة الصحف الشعبية (تابلويد) في شأن قرصنة الهواتف المزعومة واختراقات الخصوصية غير القانونية قرار شجاع، وإذا قبلت المحكمة مزاعمه فمن الصواب أن يتلقى تعويضاً واعتذاراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشعر آخرون بأن قراره متهور وخطر دستورياً، ولن يحقق في نهاية المطاف سوى قليل من العناوين الرئيسة حول حياته الخاصة.
منذ مغادرته المملكة المتحدة إلى كاليفورنيا قضى هاري كثيراً من الوقت على هواء الإذاعات والمحطات، ولم يبد قلقاً كبيراً في شأن الكشف عن التفاصيل الخاصة بحياته وبعائلته التي كان من شأن نشرها أن يثير انتقاده بوصفه تدخلاً من قبل الصحف نفسها التي يقاضيها الآن.
توفرت له ساعات لطرح وجهات نظره في أفلام وثائقية ومقابلات تلفزيونية مخصصة للترويج لكتابه الذي سيطر فيه على كامل سرديته. أشارت مذكراته "البديل" Spare التي كتبها كاتب شبح بإصبع اللوم إلى كثر ممن لم يُعطوا أي حق في الرد.
في الواقع يبدو أن هاري أمضى وقته كله، منذ أن تنحى من منصبه كعضو "عامل" في الأسرة الملكية وانتقل إلى الولايات المتحدة، وهو يخبر "حقيقته" من خلال كل وسيلة متاحة له.
لكن هذه المرة كانت حقيقته تحت القسم، إذ لم يستجوبه صديق تلفزيوني بل مستشار ملكي حاد هو أندرو غرين، نيابة عن صحف مجموعة "ميرور".
وعلى رغم توفر سنوات له للإعداد ليومه هذا في المحكمة، لم يملك هاري إجابات على الأسئلة الأكثر وضوحاً على الإطلاق، فلقد رد هاري مراراً على أسئلة السيد غرين بالقول "لا أعرف".
سُئل هاري عن 33 قصة مختلفة كان قد زعم بأنها جاءت من "جمع غير قانوني للمعلومات"، لكن قضيته لم تتعزز عندما أُشير إلى أن كثيراً من هذه القصص ظهرت في صحف أخرى خلال أسابيع سابقة، حتى إن بعضها نشر حتى قبل أن يمتلك الأمير هاتفاً محمولاً.
لم يكن هاري ليترك هذه النقاط تردعه، و سأل مراراً "من كتب هذه القصة؟ يمكنكم طرح هذا السؤال عليهم".
خلال مناسبات عدة كان يجب أن يذكره السيد غرين بأن دوره هو طرح الأسئلة وأن على هاري ببساطة الإجابة عنها.
وسار يومه الثاني في منصة الشهود على المنوال نفسه، وهذه المرة ووجه بعناوين رئيسة صارخة حول زيارته لأحد نوادي "سبيرمنت رينو" للرقص الإباحي والخلاف الذي أعقب ذلك بينه وبين صديقته ذلك الوقت تشيلسي دايفي.
أوردت صحيفة "ذا صنداي بيبول" The Sunday People في ذلك الوقت أن دايفي "صرخت في وجهه لنصف ساعة" عبر الهاتف، ووصفت قصة أخرى نقاشات "ضخمة" دارت بين الاثنين، وعندما طلب منه إثبات أن هذه القصص وغيرها كانت نتيجة لاختراق الهواتف لم يستطع الأمير إلا الرد على أن الأمر كان "مثار شبهة".
في بعض الأحيان ناقضت إجاباته التي أدلى بها في منصة الشهود روايته الخاصة للأحداث في مذكراته التي انتهك فيها بشكل مذهل خصوصيته وخصوصية عائلته، وفي مناسبات أخرى تبين أن المعلومات التي زعم أنها جمعت من طريق القرصنة كان أخرجها إلى المجال العام المكتب الصحافي للقصر.
في أسوأ الأحوال ذكرت ردوده التي أدلى بها في المنصة بالمقابلة الكارثية التي أجراها برنامج "نيوزنايت" مع الأمير أندرو من ناحية افتقاره الواضح إلى فهم الواقع.
بالنسبة إلى رجل يبدو أنه ملتزم بإصلاح الصحافة، أظهر قليلاً من الفهم للطريقة التي تعمل بها، وفي أحد الأمثلة البارزة سمعت المحكمة أن هاري غير راض عن قصة نشرت في مايو (أيار) 2005 حول الوقت الذي أمضاه في المدرسة الحربية بساندهيرست، وحينها قيل إن الأمير عانى إصابة في الركبة مما أدى إلى شكاوى من زملائه الطلاب من إعفائه من المسيرات الشاقة.
وقال هاري للمحكمة إن القصة لا بد وأنها جمعت من طريق القرصنة، وإن نشرها جعله "قلقاً في شأن الثقة بأي شخص خوفاً من أن ينتهي الأمر بأي موضوع إلى صحف الـ "تابلويد".
في الواقع، كما أشار السيد غرين، ظهرت هذه القصة بداية في "اندبندنت" عبر مقالة بقلم "مراسل الدفاع المحترم" كيم سنغوبتا، ولم تأت هذه القصة بالقرصنة بل بجهات اتصال، على غرار ما تفعله الصحافة الجيدة، وهي نقطة يبدو أن هاري غير مستعد للاعتراف بها.
لطالما بدا انتقاده الصحافة مألوفاً إلا أنه قام بدفعه إلى مستويات جديدة من المبالغة عندما اتهم الصحافيين بأن "الدم" يلطخ "أصابعهم التي يطبعون بها".
كذلك وضع هاري هدفاً جديداً نصب عينيه في المحكمة وهو "الحكومة"، فلقد قام بما يفترض ألا يقوم به أفراد العائلة المالكة أبداً، فانتقد الحزب الحاكم مباشرة متهماً إياه بالتواطؤ.
ففي شهادته قال "يُحكم على بلدنا عالمياً من خلال حال صحافتنا وحكومتنا، وأعتقد بأن كليهما في أدنى مستوياتهما. تفشل الديمقراطية عندما تفشل الصحافة في التدقيق في عمل الحكومة ومحاسبتها، وتختار بدلاً من ذلك أن تتواطأ معها حتى يتمكنا من ضمان الوضع الراهن".
يبدو أنه لم يفكر في الصعوبات التي ستتسبب بها أفعاله للملك وشقيقه وليام، وعلى رغم أنه الخامس في ترتيب تولي العرش إلا أنه قد تحول إلى عبء دستوري.
بصفته رأس الدولة سيتولى تشارلز، ووليام في يوم من الأيام عندما يصبح ملكاً، واجبات دستورية وتمثيلية تطورت على مدى 1000 عام من التاريخ، وفي هذه الأدوار كلها من المفترض أن يكون الملك مدعوماً من أفراد أسرته المباشرة، ويبدو أن هاري قد قرر أن يكون دوره هو التعطيل، ولا عجب أن الاثنين بالكاد يتحدثان إلى بعضهما بعضاً.
حتى الآن قرر الملك عدم التصرف متجاهلاً الدعوات الموجهة إليه لتجريد ابنه الثاني من لقبه، لكن نظراً إلى أن هاري حوّل أسلحته الآن إلى الحكومة المنتخبة، فقد يشعر النواب وناخبوهم بأن هناك تناقضاً في أن يحتل هذا الأمير المغترب المرتبة الخامسة في ترتيب العرش.
لا شك في أن كلمات هاري أثارت قلق الملك وكبار أفراد العائلة المالكة والموظفين المدنيين في القصر، فقد كانت كلماته مضلّلة وخطرة أيضاً، وبالطبع يخضع ريشي سوناك ووزراؤه إلى المساءلة من قبل الصحافة، أما الإيحاء بخلاف ذلك فهو هراء، كما ستعلمون من إلقاء نظرة خاطفة على الصفحات الأولى.
في الواقع قضية هاري ليست مع الحكومة على رغم أنه يشارك في معركة قضائية أخرى لضمان حصوله على الأمن الذي ترعاه الدولة، بل مع الصحافة الحرة.
الصحافة الحرة التي في رأيه تنفق كثيراً من الوقت في كتابة أشياء عنه وعن زوجته لا يمكنه السيطرة عليها، وقد قال مرة أخرى هذا الأسبوع إنه يرفع قضيته ضد صحف مجموعة "ميرور" لوقف "التسلل والكراهية" اللذين يستهدفانه هو وميغان.
لكن كثيراً مما يشكو منه يسبق تحقيق ليفيسون [في أخلاقيات الصحافة البريطانية بعد حالات تنصت على الهواتف] منذ ذلك الحين، ولحسن الحظ تغير كثير في المشهد الإعلامي للأفضل. إنه مكان مختلف تماماً.
قال لي هاري ذات مرة على متن رحلة جوية إلى نيوزيلندا عندما سألته عما سيفعله بعدما كنت كتبت أولاً عن موضوع تركه للجيش، إنه قد يخبرني عن ذلك أولاً لأقوم بنشره.
كان ودوداً آنذاك ومنفتحاً وتسعده الدردشة مع الصحافيين، حتى إنه دعانا إلى إدخال فريق صحافي في مسابقة بحانة في جزيرة ستيوارت الصغيرة والنائية، وفي غضون بضعة أعوام كان موقفه قد تصلب وبدأ يعامل الصحافيين الذين يعرفهم بازدراء.
أنا أدعم الملكية وأعتقد بأن الملك وأفراد العائلة المالكة العاملين يؤدون دوراً مهماً كرعاة لأكثر من 1000 جمعية خيرية ومنظمة، أما بالنسبة إلى هذه القضية المعروضة أمام المحكمة فالقاضي هو من سيبت في أسسها الموضوعية، لكن في رأيي حان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم من قبل الملك أو البرلمان في شأن شخصية الأمير هاري المثيرة للانقسام.
يبدو أنه عازم على إلحاق الضرر بالمؤسسة الملكية على رغم إصراره على الاحتفاظ بلقبه الملكي، وعليه بالطبع أن يكون إما في العائلة المالكة أو خارجها، وإذا كان فيها فيجب أن يلتحق بها مثل أفراد العائلة المالكة الآخرين، وإذا كان خارجها فيجب من ثم إخراجه من ترتيب الخلافة.
روبرت جوبسون مؤلف كتاب "ملكنا: تشارلز الثالث – أسرار الرجل والملك"
© The Independent