ملخص
توقعات باستهلاك يصل 4900 ميغاواط بسبب الارتفاع المتزايد لاستعمال مكيفات التبريد وإنتاج الكهرباء من الطاقات البديلة لا يكاد يبلغ ثلاثة في المئة
تستعد تونس لاستقبال الموسم الصيفي الذي يشهد ارتفاعاً في استهلاك الطاقة وبالتحديد التيار الكهربائي بحكم الإقبال على اعتماد المكيفات.
سجلت أشهر الصيف تصاعداً مطرداً في استعمال التكييف في السنوات الأخيرة بحكم تزايد درجات الحرارة التي تجاوزت المعدلات المعهودة، وتسببت التغييرات المناخية في ارتفاع الطلب على الكهرباء، مما تحول إلى تحد إضافي لعجز الطاقة الذي تشهده تونس، إذ تفاقم الاعتماد الكلي للغاز في توليد الكهرباء واعتماد البلاد على واردات الغاز الجزائري.
وكشف المرصد التونسي للطاقة والمناجم عن الارتفاع الملحوظ لواردات الكهرباء الجاهزة من الجزائر والتي أسهمت في تغطية 12 في المئة من الحاجات التونسية من الكهرباء منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية مارس (آذار).
بلغ إنتاج الكهرباء إلى نهاية مارس 2023 نحو 4312 غيغاواط في الساعة مسجلاً شبه استقرار في المعدل بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفع الإنتاج الموجه إلى الاستهلاك المحلي بنسبة واحد في المئة.
اعتمدت البلاد في إنتاج الكهرباء بصفة شبه كلية على الغاز الطبيعي، إذ تقدر مساهمته بأكثر من 97 في المئة وأمنت الشركة التونسية للكهرباء والغاز 99 في المئة من الإنتاج فيما أنتج القطاع الخاص واحداً في المئة.
معضلة التبعية للغاز الجزائري
بلغ الطلب في السوق التونسية على الغاز الطبيعي 1.2 مليون طن حتى مارس الماضي، مسجلاً انخفاضاً بنسبة سبعة في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وانخفض الطلب على هذه المادة لإنتاج الكهرباء بنسبة خمسة في المئة مقارنة بالفترة نفسها عام 2022، لكن لم يعكس ذلك انخفاض الحاجات التونسية من الكهرباء بل إلى محدودية توفر الغاز، إذ واصلت الحاجات التونسية نموها وتم تغطية جزء منها بتوريد الكهرباء من الجزائر. وتبلغ حصة الطلب لإنتاج الكهرباء من الغاز نحو 62 في المئة، بينما سجل استهلاك الغاز في بقية القطاعات انخفاضاً بنسبة 11 في المئة.
كانت موارد البلاد من الطاقة الأولية سجلت انخفاضاً بين إنتاج محلي تونسي والإتاوة من الغاز الجزائري بنسبة 13 في المئة، وبلغت 1.1 مليون طن مكافئ نفط، ويعود ذلك إلى انخفاض الإنتاج الوطني من النفط الخام والغاز الطبيعي، في حين بلغ الطلب الإجمالي على الطاقة الأولية 2.3 مليون طن في مارس الماضي، مسجلاً انخفاضاً بنسبة ستة في المئة بالمقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بعد أن شهد الطلب على المواد البترولية انخفاضاً بنسبة أربعة في المئة، وشهد الطلب على الغاز الطبيعي انخفاضاً بنسبة سبعة في المئة بالمقارنة بمستوى العام الماضي.
وتراجع منحى الطلب على الغاز بسبب محدودية توفره، مما ترتب عنه نقص في الكميات اللازمة لإنتاج الكهرباء، بالتالي اللجوء إلى توريد الكهرباء مباشرة من الجزائر.
العجز المستفحل
عرف ميزان الطاقة عجزاً بـ1.19 مليون طن مكافئ نفط في الفترة نفسها مقابل عجز قدره 1.17 مليون طن مكافئ نفط العام الماضي، أي بارتفاع اثنين في المئة، كما انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي في الطاقة إلى حدود 47 في المئة مقابل 51 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي.
وانخفضت قيمة الصادرات بنسبة 39 في المئة مقابل ارتفاع الواردات بنسبة 13 في المئة وبخاصة على مستوى الغاز الجزائري الذي ارتفع بنسبة اثنين في المئة على مستوى الكمية، وبنسبة 47 في المئة على صعيد القيمة.
سجل عجز الميزان التجاري في الطاقة ارتفاعاً إلى نهاية مارس 2023 بالمقارنة بالسنة الماضية، إذ بلغ 2.7 مليار دينار (870 مليون دولار)، مقابل 1.91 مليار دينار (616 مليون دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي، كما تراجع إنتاج الغاز التجاري الجاف بنسبة 13 في المئة، إذ بلغ نحو 0.43 مليون طن مكافئ نفط مقابل 0.49 مليون طن مكافئ نفط في الفترة نفسها من 2022. وانخفضت كميات الإتاوة الإجمالية عن الغاز الجزائري بنسبة 10 في المئة لتبلغ 222 ألف طن مكافئ نفط، كما زاد شراء الغاز الجزائري ارتفاعاً بنسبة اثنين في المئة لتبلغ 588 ألف طن مكافئ نفط في الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2023.
الاستعداد للذروة
تتوقع الشركة التونسية للكهرباء والغاز أن تتراوح ذروة استهلاك الكهرباء هذا الصيف بين 4700 و4900 ميغاواط بسبب الارتفاع المتزايد لاستعمال مكيفات التبريد، وفق ما ورد على لسان مدير التعاون والاتصال بالشركة منير الغابري.
وتعمل الشركة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمجابهة هذه الذروة لتأمين وضمان استمرارية التزويد بالكهرباء.
ونبه الغابري إلى تسجيل تونس ظاهرة تعد الأولى من نوعها، وهي ذروة طلب على الكهرباء لغرض التكييف يوم 8 سبتمبر (أيلول) 2022، اعتبرت قياسية وقد بلغت 4677 ميغاواط. وكشف عن أن الشركة شرعت في الإعداد لتفادي الأعطال ولحسن تأمين عمل سير كامل مكونات منظومة التزويد بالكهرباء.
مشاريع طموحة ولكن
بينما أشار الممثل السامي للمدير العام لمنظمة الطاقة النووية والطاقات البديلة لمنطقة جنوب المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا، الوزير السابق المكلف الملف الاقتصادي نضال الورفلي، إلى الإشكال الأساسي الذي تعانيه تونس وهو استفحال عجز الطاقة وبخاصة في الفترة الصيفية على خلفية الاعتماد المتزايد على مكيفات التبريد، وقد عمق استعمال المكيفات غير المطابقة للمواصفات والمهربة من الأقطار المجاورة هذا العجز بسبب إفراطها في استهلاك الكهرباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل لا تتحمل الشركة التونسية للكهرباء والغاز مسؤولية العجز الحاصل في الكهرباء بسبب موسمية الذروة (الصيف فحسب) وإمكانية تسجيل فائض في الكهرباء في حال رفع الإنتاج وصعوبة تخزينه في الفترات المتبقية من السنة وارتفاع كلفة التخزين.
وتحدث الورفلي لـ"اندبندنت عربية" عن أهمية حملات التوعية الموجهة إلى التونسيين والتي تقوم بها حالياً الشركة التونسية للكهرباء والغاز والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة للضغط على الاستهلاك، في حين يمثل اللجوء إلى استيراد الكهرباء من الجزائر أحد الحلول لكنه يظل هشاً وحساساً بسبب تزامن ذروة الاستهلاك مع الشقيقة الجزائر التي تشهد موجات حرارة في الفترة نفسها.
أما أفضل آلية لمواجهة هذه المعضلة وفق الوزير السابق فهي التسريع في مشاريع الطاقات البديلة وبخاصة منها الطاقة الشمسية، وذلك عن طريق تشجيع الإنتاج الذاتي لدى المؤسسات والمنازل على حد سواء، علماً أن إنتاج الكهرباء من الطاقات البديلة لا يكاد يبلغ ثلاثة في المئة وهي نسبة ضئيلة للغاية.
وتواجه المشاريع والاستثمارات في الطاقات المتجددة عديداً من العراقيل الإدارية والإشكاليات البيروقراطية إضافة إلى محدودية التمويل.
من جهة أخرى دعا الورفلي إلى الإسراع في تنفيذ المشروع الواعد للشبكة الكهربائية الذكية، والمعتمدة على عدادات ذكية تضبط فواتير الكهرباء بالنظر إلى الكميات المستهلكة، والممول من الوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة 120 مليون يورو (128.4 مليون دولار) وينتظر التنفيذ.