Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوجبات السريعة في مصر "نهم" إلى الموت

تسبب السمنة وضغط الدم والقلب والسكر والكبد والسرطان والاكتئاب والشباب أكثر عرضة للمخاطر

ثقافة الغذاء والاستهلاك غائبة لدى قطاع عريض من المصريين، بحسب متخصصين (أ ف ب)

ملخص

من يتناولونها يحصلون على كميات هائلة من السعرات الحرارية مما يتسبب في مشكلات صحية خطرة، فما حدود هذه المخاطر؟

في أحد شوارع ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة، وقف الشاب أحمد مصطفى أمام أحد مطاعم الوجبات السريعة، ممسكاً بساندويتش "برغر" في يد، وبالأخرى زجاجة مشروبات غازية.

لم تلق تحذيرات ونصائح الأطباء بضرورة تجنب الأطعمة والمأكولات سريعة التحضير وغير الصحية أذناً مصغية لدى الشاب العشريني الذي يعاني السمنة، مما أثر بدوره على حاله الصحية وسبب له مشكلات متفاقمة نتيجة كثرة تناول الوجبات سريعة التجهيز والمواد المصنعة.

حال أحمد ليست متفردة بذاتها، لكنه واحد من بين كثيرين يقبلون على تناول الوجبات السريعة من المطاعم المنتشرة بكثافة في مختلف محافظات مصر، التي تملأ إعلاناتها الجذابة لافتات الشوارع والطرقات ومواقع التواصل الاجتماعي ومختلف منصات الدعاية.

أكثر عرضة للخطر

يقول المتخصص في أمراض المناعة بجامعة "نوتنغهام ترينت" في بريطانيا ياسر الشربيني، إن الوجبات السريعة هي التي تحوي نسبة كبيرة من الدهون المشبعة والكوليسترول والسكريات والأملاح، ونتيجة قلة الألياف والمعادن تكون المحصلة النهائية لتلك الوجبات غير مكتملة غذائياً أن من يتناولونها يحصلون على كميات هائلة من السعرات الحرارية.

يرى الشربيني أن تلك الوجبات تتسبب في مشكلات صحية خطرة، أبرزها الإصابة بأمراض ضغط الدم والسمنة والقلب والسكر والكبد الدهني غير الكحولي والسرطان بأنواعه المختلفة، فضلاً عن مشكلات بالهضم والقولون العصبي، وعدم ثبات الدورة الدماغية العصبية، علاوة على الاكتئاب، لذلك ينصح بالابتعاد عن تلك الوجبات واستبدالها بالمأكولات الغنية بالعناصر الصحية مثل الفواكه والخضراوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف المتخصص في أمراض المناعة، أن الفئات الشبابية أكثر عرضة لتلك المشكلات الصحية بسبب ساعات العمل الطويلة والاعتماد على وجبات غير صحية أثناء تلك الفترات، وهو ما يستلزم منهم الحصول على فترات راحة ملائمة تتوافق مع قوانين العمل لحماية أنفسهم من مخاطر الإجهاد، وهو أمر شائع في مصر والغرب أيضاً، مما يستوجب بدوره ضرورة اتباع أنظمة غذائية صحية ومتوازنة لتفادي الإصابة بتلك الأمراض الخطرة.

في مايو (أيار) من العام الحالي، أظهر أطلس البدانة العالمي التابع للاتحاد العالمي للسمنة، أن أكثر من نصف سكان العالم معرضون للإصابة بالسمنة هذا العام، داعياً إلى اتباع حلول جديدة ومختلفة، مثل "فرض الضرائب والقيود على إنتاج وتسويق الأغذية غير الصحية، والمنتجات ذات الدهون العالية أو الغنية بالسكريات".

وفق التقرير، حلت الكويت في المرتبة الأولى في معدلات البدانة عربياً، بمعدل 34 في المئة، تليها قطر والسعودية تباعاً، وجاء الأردن في المركز الرابع، يليه الإمارات ثم لبنان فالبحرين وليبيا والعراق وعمان ومصر وسوريا والمغرب وتونس.

البرلمان يتصدى

منذ أسابيع قليلة، سلطت وسائل الإعلام المحلية الضوء على ما حذرت منه شابة مصرية زعمت في فيديو لها على منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك" تعرض شقيقها الأصغر لأضرار صحية بالغة بسبب "النودلز" سريعة التحضير مما أفضى إلى وفاته.

وظهرت الشابة، وتدعى شريهان يوسف، خلال الفيديو باكية وفاة شقيقها، وزاعمة أن "الشطة" الحارة التي يحتوي عليها "الإندومي الكوري" هي السبب في وفاته، مضيفة "الشطة أتلفت الكلى وفقأت له المرارة وتوفي خلال خمسة أيام".

على مدى السنوات القليلة الماضية، خاض نواب مجلسي النواب والشيوخ بمصر، مواجهات عدة للتصدي للظاهرة بإجراءات تشريعية حاسمة، ونالت وجبة "المعكرونة المجهزة" النصيب الأكبر من الهجوم ووجهت إليها أصابع الاتهام بسبب انتشارها بكميات هائلة في الأسواق والمحال التجارية، ومن بين تلك النماذج ما أعلنت عنه نائبة مجلس الشيوخ ريهام عفيفي في أعقاب واقعة وفاة طفل بسبب تناول وجبة "الإندومي" الحار، بتقديمها طلب مناقشة للجهات المعنية بذلك الملف في شأن مخاطر تناول "الإندومي" على صحة الأطفال والشباب، مطالبة بضرورة الاستماع إلى وزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء للتعرف على حقيقة المخاطر التي تحدث داخل جسم الإنسان حال استمرار تناول هذه الوجبة.

أيضاً في تصريحات تلفزيونية سابقة أعلنت النائبة البرلمانية عبلة الألفي، عضو لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب المصري أن وجبة المعكرونة المجهزة (الإندومي) التي يقبل عدد كبير من الأطفال على تناولها تعد من أخطر الوجبات غير الصحية، مشيرة إلى احتواء هذا المنتج على نسبة مرتفعة جداً من الدهون والأملاح والتوابل والمواد الحافظة الرافعة لضغط الدم، التي تؤثر في صحة القلب.

ضحايا مهنتهم

يقول المتخصص في الطب المهني والبيئي ومؤسس المركز القومي للسموم محمود محمد عمرو، إن هناك مخاطر عدة مرتبطة بالوجبات السريعة التحضير، يكمن أبرزها في التركيبات الكيماوية التي تجري إضافتها لتلك الأطعمة، وإعادة استخدام الزيوت في الطهي أكثر من مرة، علاوة على إضافة مكملات غذائية مجهولة الهوية وغير معروفة الشكل العلمي، واستخدام عناصر رديئة وغير صالحة للاستخدام الآدمي، وهي إما ملوثة بالميكروبات أو المواد الكيماوية، وتلك الأسباب جميعها تنذر بكارثة حقيقية.

 

 

يؤكد عمرو لـ"اندبندنت عربية" أن مرضى الكبد والفئات الشبابية أكثر عرضة للخطر، فهناك كارثة قد تصيب من هم أقل من 20 عاماً تسمى "الكبد الدهني" قد تكون سبباً في المستقبل لأمراض الفشل الكلوي والسرطان، بسبب الاعتماد في سن مبكرة على تلك الأطعمة السريعة.

يرى أستاذ الطب المهني والبيئي أن عمال "الدليفري" من أكثر المهن المعرضة للخطر بسبب طبيعة عملهم التي تتطلب العمل لساعات طويلة واعتمادهم طوال الوقت على المأكولات المصنعة وتناول الوجبات التي تعدها المطاعم التي يعملون بها، وهو ما يجعلهم ضحايا محتملين للمخاطر الناجمة عن تلك المأكولات والأطعمة، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعداد تشريعات للتأمين الطبي السريع والشامل لحماية جميع فئات المجتمع، لا سيما أن نصف الشعب يعاني أمراضاً متنوعة، كما أن احتمالات الخطر لديهم ستكون متفاقمة مع تقدم العمر.

الأبحاث تحذر

وحذر عديد من الدراسات والتقارير الدولية التي أعدها علماء وباحثون متخصصون من خطورة تناول الوجبات السريعة، ففي أغسطس (آب) عام 2021 حذرت دراسة أميركية من خطورة الوجبات السريعة والأطعمة الفائقة المعالجة والمصنعة المليئة بالدهون المشبعة على صحة الأطفال والمراهقين.

كما كشفت نتائج دراسة علمية أخرى قام بها فرع بحوث التمثيل الغذائي لدى معهد "ماكس بلانك" الألماني أن الوجبات الغنية بالدهون والسكر لها تأثير سلبي على الدماغ.

كذلك أظهرت دراسات نشرت في المجلة الطبية البريطانية "The BMJ" أن تناول كثير من الأطعمة الفائقة المعالجة يزيد من خطر إصابة الرجال بسرطان القولون والمستقيم، ويمكن أن تتسبب بأمراض القلب والوفاة المبكرة لدى كل من الرجال والنساء.

ثقافة الغذاء

استشاري التغذية مجدي نزيه، يوضح أن ثقافة الغذاء والاستهلاك غائبة لدى قطاع عريض من المصريين، وهو ما يظهر جلياً في طرق تعاملهم مع الوجبات السريعة التجهيز، مشيراً إلى أن تلك المعضلة يعزى السببان الرئيسان فيها إلى نقص الوعي، وغياب الدور الأسري.

 

 

يرى نزيه أن استيراد أنماط غذائية من الخارج ونقلها من بيئة لها ظروفها وطبيعتها الخاصة إلى بيئة أخرى أمر خطر، متسائلاً "هل يعقل أن يكون هناك إقبال من قطاع عريض من المستهلكين بمصر على الأطعمة المقلية في ظل ارتفاع درجات الحرارة، في حين أن هذا الأمر قد يكون ملائماً للغرب أكثر منا؟".

ويوضح أن لكل مجتمع ظروفه وطبيعته التي تحدد طبيعة المأكولات التي يشتهر بها وتناسبه، مشدداً على ضرورة العودة إلى الأغذية التقليدية المناسبة لبيئة كل مجتمع وتجنب استيراد أنماط غذائية من الخارج، وهو الحل الأمثل للتخلص من المشكلات الصحية السارية وغير السارية، فـ"جميع الأغذية مسبقة التصنيع ينبغي التعامل معها تعامل الدواء وليس الغذاء، إذ تضاف إليها مواد كيماوية، لذلك يفضل الاعتماد على الأطعمة التقليدية الطبيعية وليست المصنعة".

فوضى السوق

الاقتصادي وأستاذ التمويل والاستثمار مدحت نافع يرصد بعداً آخر في القضية، إذ يرى أن هناك فوضى في سوق الوجبات الغذائية السريعة يعمقها تراجع دور الأسرة في احتواء جميع أفرادها على مائدة الطعام، موضحاً أن مصر لا تنتشر فيها عادات الغذاء الصحية عبر وسائط التربية والتعليم والإعلام بالشكل الملائم، والتي ينبغي أن تراعي في الوقت ذاته ميزانية الأسرة المصرية، سواء المنخفضة أو المتوسطة الدخل.

أظهرت إحصاءات رسمية حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) وصول حجم إنفاق المصريين على الطعام والشراب إلى 62 مليار جنيه (2.01 مليار دولار) كل شهر، ووفق التقرير تصدرت اللحوم القائمة بنسبة 26.1 في المئة، ثم الخضر 16.2 في المئة، تليه الحبوب والخبز 13.7 في المئة، والألبان والجبن والبيض 13 في المئة.

ورجحت مؤسسة "فيتش سوليوشنز" أن نمو مبيعات المواد الغذائية في مصر سيحتفظ بنسبة 15.3 في المئة على أساس سنوي، وعلى المدى المتوسط وخلال الأعوام الثلاثة المقبلة سيتسع الإنفاق على الغذاء بمعدل سنوي 11.8 في المئة، لتبلغ مبيعات السوق نحو 1.3 تريليون جنيه بحلول 2026.

يوضح نافع لـ"اندبندنت عربية" أن الوجبات السريعة تؤثر سلباً على إنتاجية أهم عنصر اقتصادي في المنظومة وهو الإنسان، وترفع فاتورة العلاج والدواء في موازنتي الدولة والأسرة، نظراً إلى افتقارها للعناصر الأساسية التي يحتاج إليها الجسم، ناهيك بتأثيرها على أجيال متعاقبة تعاني التقزم ومشكلات صحية مزمنة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات