Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارة ماسك للصين تحد لواشنطن أم تعزيز لعلاقة مطلوبة؟

لا يعارض بلاده لكنه يحاول طمأنة الشركات الأجنبية بأن بوابة بكين لا تزال مفتوحة

يكتسب ماسك شعبية متزايدة في الصين من خلال أكثر من مليوني متابع له على موقع "ميبو" الصيني المشابه لموقع "تويتر" (رويترز)

ملخص

تشير الحفاوة التي استقبل بها أغنى رجل في العالم في الصين إلى الأهمية الكبيرة التي توليها بكين لزيارة ماسك الذي استعاد لقب أغنى رجل في العالم

بعد زيارة الملياردير إيلون ماسك إلى الصين، التي استغرقت 44 ساعة، ووصفت بأنها عالية المخاطر في عصر "فك ارتباط" الغرب مع بكين، الذي أكدته قمة الدول الصناعية الكبرى "السبع" في قمة هيروشيما الأخيرة باليابان، يبرز الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" كواحد من بين عدد قليل من رؤساء شركات التكنولوجيا في "وادي السيليكون" الذين لا يزالون ملتزمين بعلاقة وثيقة مع الصين، ما يثير تساؤلات حول سبب هذه العلاقة وما إذا كانت تمثل تحدياً لسياسة الولايات المتحدة، أم إنها حلقة من حلقات التعاون المطلوب بين أكبر اقتصادين في العالم على رغم كل التوترات السياسية بين بكين وواشنطن؟

رسالة إلى واشنطن

تشير الحفاوة التي استقبل بها أغنى رجل في العالم في الصين إلى الأهمية الكبيرة التي توليها بكين لزيارة ماسك الذي استعاد لقب أغنى رجل في العالم وفقاً لمؤشر "بلومبيرغ" للمليارديرات، على اعتبار أنها فرصة لتوجيه رسالة إلى واشنطن وسط توتر العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين وباعتبار ماسك حليفاً يعارض حملة أميركية لفصل أكبر اقتصادين في العالم، وهو ما توضحه تصريحات وزير الخارجية الصيني تشين غانغ لدى لقائه ماسك أن تنمية الصين فرصة للعالم، ودعوته إلى علاقة صحية مع الولايات المتحدة، قائلاً إنها في مصلحة البلدين والعالم، بينما ردد ماسك أيضاً هذا الشعور، حينما أشار إلى أن شركة "تسلا" التي يمتلكها ويديرها كانت ضد فكرة "فك الارتباط" عن الصين وتعارض فصل سلاسل التوريد ومستعدة لتوسيع الأعمال التجارية والمشاركة في فرص التنمية الصينية.

ويعكس هذا التوجه أيضاً ما نقلته وزارة الخارجية الصينية عن ماسك بأن مصالح الولايات المتحدة والصين متشابكة مثل "توأمين ملتصقين"، كما نقلت وزارة التجارة الصينية عنه قوله، إن العلاقات بين البلدين ليست "معادلة صفرية" إذ يجب أن يفوز أحد الطرفين بكل شيء ويخسر الآخر كل شيء.

بيئة منفتحة

وبدا من تعليقات ماسك وكأنه يحاول طمأنة الشركات الأجنبية المتأثرة بالتوترات المتصاعدة بين واشنطن وبكين بأن بوابة الصين لا تزال مفتوحة، وأن زيارته الأولى للبلاد منذ ثلاث سنوات، تتماشى مع تطلع ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى تقديم نفسه كبيئة منفتحة وودية لأعمال التصنيع والتجارة الأجنبية وسط توترات جيوسياسية مع الولايات المتحدة.

ويعود السبب في هذا الانفتاح الصيني إلى تغير الوضع في البلاد، إذ إنه، حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كانت الصين مغلقة إلى حد كبير في ظل قيود صارمة أملتها سياسة "صفر كوفيد"، مما أدى إلى تصعيد الدعوات في مجتمع الأعمال الدولي لتقليل اعتمادهم على البلاد، لكن هذه القيود اختفت، وبدأ التعافي الاقتصادي في الربع الأول من هذا العام، مع دعوات لحشد الأعمال التجارية، في وقت حض القادة الصينيون الشركات الأجنبية على زيادة الاستثمار في البلاد ووعدوها بميدان مفتوح ومتساو.

ليس استثناء

ولا يبدو أن زيارة ماسك تعد استثناء أو تحدياً لسياسة واشنطن الخارجية الداعية بشكل رسمي إلى فك الارتباط وإن لم تحدد الصين بالاسم، فقد حضر عدد من الرؤساء التنفيذيين لبعض أكبر الشركات الأميركية إلى الصين خلال الأيام الماضية بهدف قياس نبض أسواق البلاد الكبرى، ومن بين هؤلاء جيمي ديمون رئيس بنك "جيه بي مورغان" ولاكسمان ناراسيمان رئيس شركة "ستاربكس"، كما سبق هؤلاء قادة شركات عالمية أخرى مثل "أبل" و"فولكس فاغن" و"سامسونغ" و"أرامكو" و"كيرنغ" و"بنك ستاندارد تشارترد"، وينتظر أن يصل إلى الصين لاحقاً رئيس شركة "لوي فيتون" للملابس والمنتجات الفاخرة. 

وليس بغريب أن هذه الزيارات بالنسبة إلى المديرين التنفيذيين، تمثل فرصة لإعادة الاتصال بموظفيهم وبالمسؤولين الحكوميين الصينيين لأول مرة منذ سنوات، وعلى سبيل المثال كان تلقى جيمي ديمون الذي اجتمع مع رئيس الحزب الشيوعي في شنغهاي، طلباً من الحكومة بأن تستخدم "جيه بي مورغان" نفوذها الدولي لتعزيز الاستثمار في المركز المالي للصين، مؤشراً قوياً إلى أهمية الاتصال المباشر بين المسؤولين وقادة الشركات الأميركية.

وضع معقد

ومع ذلك، فإن وضع التعامل مع الصين أصبح أكثر تعقيداً عما كان عليه في السابق، وهو ما أقر به ديمون في مقابلة تلفزيونية مع قناة "بلومبيرغ"، إذ توقع أنه بمرور الوقت ستكون هناك تجارة أقل بين الصين والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن هذا ليس فك ارتباط، وإنما تقليل من المخاطر التي نشأت عن ضغوط تعرضت لها الشركات الغربية في السنوات الأخيرة، ودفعتها إلى تقليل المخاطر على أعمالها من خلال تنويع سلاسل التوريد خارج الصين، وكان الدافع وراء ذلك عدداً من العوامل، بما في ذلك المخاوف من احتمال غزو الصين تايوان والتوتر المستمر بين بكين وواشنطن.

ومن بين الشركات التي فعلت ذلك، شركة "أبل" التي لطالما كانت الطفل اللصيق للاستثمار الأميركي في الصين، كما يقول موقع "سي أن أن"، إن الزيارات الأخيرة للمسؤولين التنفيذيين للشركات الأميركية والدولية، تتزامن مع حملة صينية على الشركات الاستشارية الأجنبية، ما يثير قلق هذه الشركات، فعلى سبيل المثال، قالت سلطات أمن الدولة الصينية هذا الشهر، إنها دهمت مكاتب عدة لشركة "كابفيجين"، ومقرها في شنغهاي ونيويورك، كما أغلق المسؤولون الصينيون مكتب بكين لمجموعة "مينتز"، وهي شركة أميركية للعناية بالشركات، واستجوبوا موظفين في الفرع المحلي لشركة "باين" الاستشارية، وذلك ضمن جهود أوسع من قبل بكين لزيادة الرقابة، وفق ما تعتبره معلومات حساسة ذات صلة بالأمن القومي.

تأثير مخيف

وكان للحملة تأثير مخيف على الشركات الأميركية في الصين، ما دفع البعض إلى التساؤل عن الشركة التالية التي من الممكن أن تلاحقها الجهات الأمنية والتحقيقات، كما أعلنت غرفة التجارة البريطانية في الصين أن أعضاءها يشعرون بعدم الاستقرار، وطالبت الحكومة الصينية بتوضيح المبادئ التوجيهية التنظيمية التي تتبعها.

ومن الطبيعي في هذه الأجواء أن تؤدي مشاعر عدم اليقين إلى تراجع بعض الشركات عن تخصيص مزيد من الأموال للاستثمار في الصين، وهو ما كشف عنه استطلاع أجرته غرفة التجارة البريطانية، الشهر الماضي، بأن 70 في المئة من الشركات تتبنى نهج الانتظار والترقب في شأن قرارات الاستثمار على المدى الطويل في البلاد، وفي هذا المناخ بدا أن الشركات غير متأكدة حول أين توجد الخطوط الحمراء للحكومة، وما الخطوات التي يتعين عليها اتخاذها لتجنب الوقوع في مواجهة المنظمين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول بن كافندر المدير الإداري لمجموعة أبحاث سوق الصين للاستشارات الاستراتيجية، إن عديداً من الشركات والمستثمرين يجلسون على الهامش في الوقت الحالي، لأنهم ما زالوا يبحثون عن مزيد من الوضوح حول السياسة الاقتصادية للصين بما في ذلك كيفية إدارة الصين لعلاقتها مع الولايات المتحدة.

وعلى رغم أن بكين وواشنطن تعملان على استقرار العلاقات وتوقع الرئيس الأميركي جو بايدن بعد قمة هيروشيما الأخيرة أن تتحسن العلاقات مع الصين، فإن التوترات لا تزال قائمة، فقد حظرت الصين هذا الشهر شركة "ميكرون" الأميركية من بيع الرقائق الإلكترونية التي تصنعها للموردين الرئيسين في البلاد، خوفاً مما وصفته بمخاطر الأمن السيبراني، وهي خطوة ينظر إليها في الولايات المتحدة على أنها انتقامية ضد القيود التي فرضتها أميركا على شركات صناعة الرقائق الصينية.

اتجاه معاكس

ومع ذلك، بدا في بعض الحالات، أن شركات أخرى تعزز استثماراتها في الصين، ومن بينها شركة "فولكس فاغن" التي كشفت عن خطط لضخ مليار دولار في مركز تطوير جديد للسيارات الكهربائية في الصين، كما أعلنت شركة "تسلا"، الشهر الماضي، عن مصنع ثان في شنغهاي، مخصص لإنتاج البطاريات على نطاق واسع، على رغم أن زيارة ماسك انتهت من دون الحصول على موافقة صينية على إنشاء هذا المصنع بحسب ما تشير صحيفة "واشنطن بوست"، لكن زيارة ماسك للصين ولقاءاته مع كبار المسؤولين والوزراء، تشير إلى القدرة على تعزيز علاقات "تسلا" مع أكبر سوق للسيارات الكهربية في العالم، التي ستكون لها تداعياتها على استراتيجية "تسلا" المستقبلية للصين، وفق تقدير موقع "تك كرنش" الاقتصادي.

سبب التزام ماسك

ولهذا فإن التزام ماسك تعضيد العلاقة مع الصين ليس مفاجئاً، نظراً إلى الدور المحوري المتزايد الذي تلعبه الصين في إمبراطورية "تسلا" للسيارات الكهربائية الآخذة في التوسع، ففي الربع الأول من العام الحالي، اشترت الدولة الصينية أكثر من نصف إنتاج شركة صناعة السيارات، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى استراتيجية التسعير التنافسي، كما لا يخجل ماسك من دعمه ثقافة العمل المتطلبة في الصين حتى في الوقت الذي أثار فيه جدول العمل الصارم المعروف باسم "996" الانتقادات من العاملين في مجال التكنولوجيا داخل الصين في السنوات الأخيرة.

وعلاوة على ذلك، يكتسب ماسك شعبية متزايدة في الصين يعكسها رد فعل الشعب الصيني على تقارب ماسك من خلال أكثر من مليوني متابع له على موقع "ميبو" الصيني، المشابه لموقع "تويتر"، حيث يشارك ماسك أفكاره وإعجابه بالصين، مما أكسبه لقب "الرجل الحديدي" المحبب، في وقت امتنع فيه ماسك عن التغريد على "تويتر" منذ أن هبطت طائرته الخاصة في بكين، صباح الثلاثاء، وحتى عاد للولايات المتحدة، وهو مما اعتبره المراقبون خروجاً عن تغريداته الغزيرة المعتادة منذ أن تم حظر "تويتر" في الصين، بهدف تجنب أي جدل، لكن المثير للانتباه، أن ماسك لجأ إلى "ويبو" ليقول المديح للصين حيث كتب أن "برنامج الفضاء الصيني أكثر تقدماً بكثير مما يدركه معظم الناس" في تعليق أثار الاهتمام في أميركا لأسباب ليس أقلها أن "سبيس إكس"، وهي شركة ماسك الخاصة، تساعد جهود الولايات المتحدة في إعادة رواد الفضاء إلى سطح القمر بحلول عام 2025 في وقت أصبح الفضاء الخارجي ساحة مهمة للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، مع تكثيف كلا البلدين للاستثمارات في برامج الفضاء، حيث أعلنت الصين أيضاً عن خططها لإرسال رواد فضاء إلى القمر قبل عام 2030.

مصلحة أولى

غير أن السبب الأول الذي يدفع ماسك إلى تعزيز علاقته بالصين هو سبب تجاري اقتصادي عكسته لقاءاته بوزراء التجارة وتكنولوجيا المعلومات في بكين، مما أدى إلى ارتفاع سعر سهم "تسلا"، إذ توقع المحللون أن الرحلة ستساعد شركة صناعة السيارات الكهربائية على مواجهة المنافسة الشديدة من المنافسين المحليين.

ولا شك أن الفضل يعود إلى "تسلا" في إشعال اهتمام المستهلكين الصينيين بالسيارات الكهربائية عبر افتتاح مصنعها في شنغهاي عام 2019، الذي أدى إلى تعميق المنافسة بين العشرات من المنافسين الصينيين وإثارة موجة مبيعات تجاوزت الأهداف الحكومية العام الماضي في السيارات الكهربائية.

وفي مواجهة هذه المنافسة، اضطرت "تسلا" إلى خفض الأسعار مراراً في الصين بعد أن أصبحت شركة "بي واي دي" المنافسة المدعومة من الملياردير الأميركي وارن بافيت العلامة التجارية الأكثر مبيعاً للسيارات الكهربائية في العالم، والعلامة التجارية الأولى للسيارات في الصين من حيث المبيعات.

وفي قلب هذه المنافسة تحسين أداء وخفض أسعار البطاريات التي تنتجها شركة "كاتل" المصنفة كأكبر مصنعة للبطاريات في العالم، والتي تستخدمها "تسلا" في سياراتها المصنوعة في الصين، حيث تعد البطاريات هي قلب المركبات الكهربائية، وتؤثر بشكل كبير على كفاءة الطاقة الكلية للسيارة وكلفتها، بالتالي يعد تأمين إمداد مستقر للبطارية أمراً حيوياً لضمان الإنتاج السلس، مما يدفع صانعي السيارات الكهربائية إلى إقامة علاقات وثيقة مع شركائهم في مجال البطاريات.

ومع ذلك، يبدو أن "تسلا" بدأت تتخذ نهجاً مختلفاً من خلال الدخول في تصنيع البطاريات وتعدين الليثيوم في خطوة تهدف إلى تعزيز التحكم في سلسلة التوريد، ما يشير إلى أنها لن ترغب في الاعتماد فقط على مورد واحد.

وفي كل الأحوال، انتهت زيارة "تسلا" للصين برسالة واضحة مفادها بأن المصلحة التجارية والاقتصادية لأغنى رجل في العالم، تتفوق على ما عداها، وأن هذا لا ينبغي أن يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة بفك الارتباط مع بكين، حتى ولو كان ماسك وشركته "سبيس إكس" في قلب تنافس آخر للفوز بسباق الفضاء الخارجي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير