Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صهاريج طلميثة "متاهة مائية" على الساحل الليبي

نموذج هندسي فريد على إبداع الرومان قبل ألفي عام

منذ القرن الثاني قبل الميلاد تقف صهاريج طلميثة في وجه تقلبات الزمن وتحولات الطبيعة (اندبندنت عربية)

ملخص

منذ القرن الثاني قبل الميلاد تقف صهاريج طلميثة في وجه تقلبات الزمن وتحولات الطبيعة، دالة وشاهدة على البراعة الهندسية والتقدم المعماري، في زمن الحضارة الرومانية، عندما كانت حاكمة الدنيا ومن فيها.

موقع استراتيجي ومكان ساحر شق طريقه في حد السهول قبالة الجبل الأخضر شرق ليبيا على ساحل البحر المتوسط أصبح شاهداً على صمود صهاريج تخزين المياه في مدينة طلميثة الأثرية أو بطليموس كما سميت بعد ذلك.

فمنذ القرن الثاني قبل الميلاد تقف صهاريج طلميثة في وجه تقلبات الزمن وتحولات الطبيعة، دالة وشاهدة على البراعة الهندسية والتقدم المعماري، في زمن الحضارة الرومانية، عندما كانت حاكمة الدنيا ومن فيها.

ما يميز هذه الصهاريج الضخمة العدد والسعة غير جمالها الهندسي هو بقائها على حالها الذي شيدت به في زمن غابر، دون نظيراتها المتناثرة، في مدن ودول شتى مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وأنها الأكبر بين نظيراتها الباقية حتى يومنا هذا بشكل جزئي أو شبه كلي.

مدينة بطليموس

أنشئت مدينة طلميثة في القرن الثالث قبل الميلاد كميناء بحري لمدينة برقة (المرج حالياً) حتى أطلق بطليموس فيلادلفيوس الثالث أحد ملوك مصر (258- 246 ق.م) اسمه عليها، احتفاءً وتخليداً لزواجه من الأميرة برنيق أميرة قورينا (شحات اليوم)، وفي عام (96 ق. م) انتهى الحكم البطلمي في برقة بعد أن اخترقها النفوذ الروماني وعين أول حاكم له فيها سنة (74 ق. م).

ازدهرت طلميثة في العصر الروماني، إذ أصبحت في عهد الإمبراطور ديوقليسيان عاصمة إقليم برقة كله، واحتلت مكانة مدينة قورينا أو شحات حالياً، فأنشئت فيها القصور الخاصة مثل قصر الفصول الأربعة وقصر الأعمدة، وهذا الأخير يرفل بأدق وأصغر وأجمل أنواع الفسيفساء.

ولطلميثة مسرحان رومانيان ومدرج يقع داخل مقلع الأحجار القديمة، حيث يقوم هناك أيضاً "الضريح الهيلينى" الضخم الشبيه بالقباب الواقع غربي المدينة، وفيه جبانة مخصصة لحكام برقة البطالمة، علاوة على مسرح يوناني منحوت يربض بجانب الجبل خلف المدينة، ويرجح أن يكون أنشئ في العهد نفسه، وأن البوابة القريبة لسور المدينة التي كانت تعرف ببوابة (توكرة) أنشئت في عهد يوناني أو روماني متأخر.

جر المياه إلى "طلميثة"

تتويج مدينة طلميثة عاصمة لإقليم برقة في العهد الروماني، كان ينقصه أهم عنصر لقيام الحضارة في ذلك الزمان وهو المياه التي كانت شحيحة فيها بعكس العاصمة القديمة في العهد الإغريقي مدينة قورينا التي تزخر بالينابيع العذبة.  

نجح الرومان في تزويد طلميثة بالماء الوافي والكافي بإبداع هندسي مدهش، وذلك ببناء آبار متشعبة الأطراف مائلة تحت ما يعرف بساحة المدينة العالية (الفوروم) هذا إلى جانب خزانات مائية كبيرة لتخزين المياه، ولا تزال هذه المنظومة المائية ماثلة للعيان، خصوصاً صهاريج تخزين المياه، وهي الأكبر من نوعها في شمال أفريقيا.

وحتى اليوم تحتفظ صهاريج تخزين المياه التي بناها الرومان بحالة جيدة جداً، وتقع في الساحل الشرقي لمدينة طلميثة، وتتوسط المنطقة الأثرية وعددها 15 خزاناً موازية لبعضها البعض ولها أسقف معقودة، وتعتبر نموذجاً هندسياً فريداً في كيفية نقل وتخزين المياه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تصل المياه إلى هذه الخزنات من الأودية المجاورة مثل أودية زاوية والزير وجبون، وزودت هذه الأودية بقناطير لإيصال المياه إلى الخزانات، حيث تنبع المياه من وادي "الملكة" الذي يبعد عن المدينة قرابة 20 كيلومتراً باتجاه الشرق، عن طريق حواجز صخرية مغلفة يطلق عليها اسم "الساقية" وتصب هذه المياه في هذه الخزانات الكبيرة.

أصبحت المياه العذبة ومنظومة الرومان لجرها إلى طلميثة العامل الأهم والأكثر تأثيراً في التاريخ اللاحق للمدينة، بدليل أنه مع نهاية القرن الخامس الميلادي عندما أصيبت خزانات المياه بعطب كبير اضطر حكام المدينة إلى نقل عاصمتهم إلى أبولونيا (سوسة) مما أدى إلى نزوح معظم سكان بتوليمايس عن ديارهم، إلا أن الإمبراطور جستنيان وفي محاولة منه لإعادة الحياة إلى المدينة بنى لها قناة جديدة تحمل المياه من ينابيع الأودية الواقعة شرق المدينة.

ولا تزال أطلال تلك القناة (الخزان) ماثلة للعيان بالقرب من الجسر الروماني خارج أسوار المدينة الشرقية، وتعرف باسم "مرصصات بتوليمايس أو بطليموس".

تاريخ عريق

مدير مكتب آثار طلميثة فرج عبدالكريم تحدث إلى "اندبندنت عربية" عن الأهمية التاريخية لهذه الصهاريج المائية وتصميمها البديع، قائلاً "بالنسبة إلى الخزانات المائية المعروفة باسم صهاريج طلميثة هي من أشهر المعالم الأثرية داخل المدينة التي تعج بالآثار، وترجع إلى عصر الإغريق المتأخر نحو القرن الثاني قبل الميلاد، وسعتها 5 ملايين متر مكعب، وطولها 76 متراً بينما عمقها يتراوح بين أربعة أمتار إلى ستة".

وأوضح أن هذا الاختلاف في ارتفاع الخزانات له أسباب هندسية محسوبة بدقة، مضيفاً "سبب اختلاف ارتفاع الصهاريج هو أن ميولها في الأرضية غير متساوية، بمعنى أنها ترتفع من جهة وتنخفض في أخرى لتأمين انسياب وتدفق المياه بسهولة".

وتابع "يبلغ عددها 15 خزاناً مفتوحة على بعضها بعضاً ووزعت على الاتجاهات الأربعة مع وجود خزان رئيسي كبير بالمنتصف يستخدم نقطة أخيرة لتجميع المياه، وتشكل مجتمعة ما يشبه المتاهة المائية البديعة الصنع والشكل الهندسي"، لافتاً الانتباه إلى أن "هذه الخزانات كانت تتغذى من عيون كانت جارية شرق مدينة طلميثة من وادي يسمى الملكة على مسافة تقدر بعشرين كيلومتراً".

وبالنسبة إلى الوضع الحالي لهذه الخزانات وحالتها ومدى احتياجها إلى عمليات ترميم، قال "حالة الخزانات حتى اليوم جيدة جداً، السقف والجدران ما زالا وضعهما ممتازاً ويحتاجا فقط إلى عميات تنظيف وبعض الترميمات".

وبين عبدالكريم الأهمية السياحية لهذه الخزانات، قائلاً "يكفي أن ندرك أنها سبب شهرة مدينة طلميثة على رغم أنها أثرية عريقة، لتميزها بتصميم هندسي فريد من نوعه، ولأنها تعتبر أكبر خزانات أثرية في شمال أفريقيا".

واختتم حديثه بالإشارة إلى بعض الميزات الهندسية في هذه الخزانات "التصميم المقوس الجميل يجعلها لا تمتلئ بالمياه حتى السقف، ما يمنح متنفساً يمنع الضغط عليها وبداخلها، وبها فتحات لتصريف الماء الزائد عن الحاجة إلى نفس السبب، دون أن ننسى طبعاً شبكة القنوات البديعة التي تؤمن انسياب المياه بسهولة ويسر من المنبع إلى موقع التخزين".

المزيد من منوعات