Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتسع ظاهرة "شرع اليد" في المغرب؟

السكوت عن مثل هذه التصرفات من شأنه أن يشيع الفوضى داخل المجتمع ويؤدي إلى الاستخفاف بالقانون

عرف المجتمع المغربي العديد من حوادث "شرع اليد" بدل الاحتكام إلى القانون والقضاء (أ ف ب)

ملخص

تداول المغاربة بشكل واسع مقطع فيديو يظهر ثلاثة أشخاص يقومون بضرب شاب أمام باب مبنى سكني في الرباط لرفضهم استقباله فتاة في شقته وهو أعزب

أعادت حادثة اعتداء مواطنين على شاب بسبب مرافقته لفتاة داخل شقة وسط العاصمة المغربية الرباط بالضرب المبرح واللكم والشتم، إلى الواجهة من جديد السجال بشأن ظاهرة يسميها المغاربة "شرع اليد" أو "قضاء الشارع".

ويعني المغاربة بمصطلح "شرع اليد" هو استخدام العنف في معاقبة مخالفين للقوانين من طرف مواطنين أنفسهم من دون اللجوء إلى السلطات المختصة من شرطة وقضاء، وهي الظاهرة التي يُجمع فاعلون وحقوقيون على استنكارها والتحذير من تبعاتها على السلم المجتمعي.

التلبس و"شرع اليد"

وتفجرت قضية "شرع اليد" قبل أيام قليلة عندما تداول المغاربة بشكل واسع مقطع فيديو يظهر فيه ثلاثة أشخاص يقومون بضرب شاب يعمل مهندساً أمام باب مبنى سكني في الرباط، بسبب رفض المعتدين مرافقته لفتاة إلى داخل شقة وهو أعزب.

وملخص القصة، وفق شهود عيان حضروا واقعة الاعتداء ووثقوها بمقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، أن شاباً يعمل مهندساً استقبل فتاة في شقته، غير أن بعضاً من الجيران رفضوا ما حصل باعتبار أن الشاب غير متزوج وليس من حقه مرافقة فتاة في شقته، ليتطور الوضع إلى ضربه والتنكيل به.

وباشرت مصالح الأمن في الرباط تفاصيل هذه القضية التي استأثرت باهتمام فئات واسعة من المغاربة، مبرزة أن "البحث القضائي المتواصل يعكف حالياً على تحديد ظروف وملابسات الخلاف، وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق، وكذا كشف مدى ومستوى تورط كل واحد ممّن ظهروا في مقطع الفيديو".

وأبدى فاعلون وحقوقيون رفضهم لما حصل من اعتداء على الشاب وتحول المواطن إلى قاض يعاقب ويصدر الأحكام وينفذ بالضرب والتعنيف، بينما لا ينص القانون الجنائي المغربي على معاقبة تواجد رجل وامرأة في منزل على انفراد"، وفق المحامي محمد ألمو.

وتبعاً لما أورده ألمو، فإن "هذا الوضع لا يشكل إثباتاً على ارتكابهما لجريمة الفساد، لأن هذه الأخيرة لا تتحقق إلا بقيام الفعل الجنسي وفق الفصل 490 من القانون الجنائي، وهو الذي يجب أن يكون موضوع الإثبات المحدد حصراً بمقتضى الفصل 493 من القانون الجنائي في حالة التلبس".

وبعد أن أبرز المحامي أن "القرائن والشهود وغيرها من وسائل الإثبات الأخرى مستبعدة بخصوص جريمة الفساد"، شدد على أن "تواجد رجل وامرأة في منزل لا يبرر للأفراد اقتحام المنزل ولا محاصرته، ولا منعهما من المغادرة، لأنهم لم يعاينوا بشكل مباشر حالة التلبس الجنسي".

نسف السلم المجتمعي

ولم تكن واقعة الاعتداء على المهندس الشاب لاستضافته فتاة في شقته بالرباط الوحيدة التي تابعتها وسائل التواصل الاجتماعي، فقبل أيام أيضاً تم تداول مقطع فيديو لأشخاص يعنفون متسولاً بالضرب والسب، بعد أن ضبطوه يحتال على الناس باصطناع إعاقة لاستدرار عطف المارة.

وعرف المجتمع المغربي من قبل أيضاً العديد من حوادث "شرع اليد" التي تدخلت فيها ردود أفعال المواطنين بدل الاحتكام إلى القانون والقضاء، أشهرها ما حصل قبل بضعة أشهر عندما عمد أربعة أشخاص إلى التعنيف والتنكيل برجل مثلي الجنس كان يرتدي ملابس نسائية بمدينة طنجة شمال المغرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول في هذا السياق الناشط رفيقي أبو حفص، إن هذه السلوكيات تمثل خطورة على المجتمع المغربي، لكونها تنسف السلم المجتمعي، وتُطَبع مع تجاوز القانون، مما قد يسبب إثارة الفوضى، ويؤدي إلى ردود أفعال سيئة وخطيرة.

وأوضح رفيقي أن عدداً من أفراد المجتمع المغربي ما زالوا للأسف يعتقدون أنهم بإمكانهم تغيير المجتمع بما بتناسب ومعتقداتهم بشكل فردي، خصوصاً في حوادث تتعلق بالمرأة أو ما يسمى "الشرف" في العرف الاجتماعي المغربي.

وعزا المتحدث ذاته تكرار حوادث "قضاء الشارع" إلى ما سماه "تبرير المجتمع وشرعنته لهذه التصرفات من ناحية أولى، وأيضاً بسبب ارتفاع منسوب العنف من جهة ثانية، حيث يُشاهد العنف في صور كثيرة داخل الأسرة وفي الشارع، وداخل الملعب وفي الحافلات والمدرسة".

وتابع المتحدث قائلاً "هناك من لا يزال لديه نقص في الوعي بمعنى الدولة العصرية والحديثة، ودولة القانون والاحتكام إليه، واحتكار السلطة لممارسة العنف المشروع"، مشدداً على أن "هذه القضايا تحتاج إلى التوعية للحد من هذه الظاهرة التي يمكن أن تنسف السلم الاجتماعي بالبلاد".

تغيير المنكر

من جهته، يرى خالد السموني الشرقاوي، الرئيس السابق للمركز المغربي لحقوق الإنسان، أن "هناك من يزعم تطبيق تعاليم الإسلام بتغيير المنكر بيده بحسب اعتقادهم، من دون اللجوء إلى السلطات العمومية المختصة بإنفاذ القانون أو الجهات القضائية".

وأورد الشرقاوي أن "مثل هذا التصرفات تقع في المجتمع المغربي، حيال مثليي الجنس، والمفطرين نهار رمضان، أو متلبسين في حالة فساد أخلاقي، أو من يقومون بسلوكيات مخالفة للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع".

ولفت المتحدث عينه إلى أن ظاهرة "شرع اليد ارتبطت بالمجتمعات البدائية، حينما كانت تنعدم القوانين والمحاكم بصورة واضحة خلال تلك الفترة، حيث دأبت تلك المجتمعات على معاقبة المذنبين عملاً بمنطق الانتقام، لأنهم كانوا يعتبرون أن ذلك ينطوي على اعتداء على الفرد أو المجتمع".

واستدرك السموني "لكن اليوم، في ظل دولة القانون، هذه الممارسات الإجرامية لا معنى لها وغير مقبولة قانونياً ولا دينياً ولا أخلاقياً، إذ لم يعد يحق لأي فرد في المجتمع تطبيق شرع اليد على أي إنسان، بأي مبرر مهما كان نوعه، حتى في حالة خرق القانون أو القيام بتجاوزات".

وخلص السموني إلى أن "السلطات العمومية المختصة هي الأحق بتطبيق القانون، من دون اعتداء جسدي على الأفراد"، منتهياً إلى أن "السكوت عن مثل هذه التصرفات غير القانونية من شأنه أن يشيع الفوضى داخل المجتمع، ويؤدي إلى الاستخفاف بالقانون والمؤسسات التي تسهر على إنفاذه".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات