Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصائر الحرب في ظل الدعوة إلى انخراط المدنيين في السودان

المؤشرات تدل بوضوح على أنه لا يمكن أن ينتصر فيها أحد الطرفين إلا على نحو كارثي

تخوفات من اللجوء إلى وضع السودان تحت الفصل السابع إذا اتسع نطاق الحرب (أ ف ب)

ملخص

تخوفات من اللجوء إلى وضع السودان تحت الفصل السابع إذا اتسع نطاق الحرب واستمرت خروقات الهدنة

يوماً بعد يوم تتطور اتجاهات الحرب السودانية بين الجيش والدعم السريع إلى آفاق نخشى القول إنها آفاق كارثية خطرة على مستقبل السودانيين، فقد كان واضحاً أن ثمة إشكالات مؤسساتية وأخرى سياسية ستؤدي إلى انفجار هذه الحرب في نهاية المطاف بين الطرفين، على رغم كل المؤشرات التي أثبتت اليوم لطرفي الحرب كيف أن سياق تطورها على النحو الذي استمرت عليه لأكثر من 45 يوماً يدل على استحالة انتصار أحد الطرفين على الآخر إلا على نحو كارثي يكون انتصاره نصراً بطعم الهزيمة! وفيما يبدو أن أحد طرفي الصراع راهن على حرب خاطفة، أو أن ثمة من أوحى له بذلك، إلا أن هذه الحرب، سواء من جهة طبيعتها التي خيضت كحرب بين قوتين عسكريتين داخل المدن الثلاث للعاصمة القومية، وفي بعض ولايات ومدن دارفور، أو من حيث الأسباب السياسية التي فرقت بين اتجاه القوتين المتصارعتين (بعد أن كانتا متفاهمتين تصدران عن تنسيق واحد) إثر وقوف إحداهما (قوات الدعم السريع) مع دعم الاتفاق الإطاري، فيما تذبذبت مواقف قادة الجيش حيال الموقف من الاتفاق الإطاري عبر تصريحات متناقضة، هي حرب تدل كل مؤشرات الصراع فيها على أنها تعكس اليوم ملامح صراع طويل تبدو أسبابه الكامنة أكبر من مجرد أسباب مباشرة للحرب بين الطرفين، إذ نرى بوضوح في النقاشات السودانية حول هذه الحرب - لا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي - أن ثمة استقطاباً جهوياً ترتفع وتيرته الساخنة على خلفية الانحياز لطرفي هذه الحرب كلما طال أجلها، بما قد يحولها مع مرور الوقت من عنف سياسي بين قوتين عسكريتين إلى حرب أهلية شاملة تنخرط فيها مكونات إثنية ومناطقية باتجاه قد يدخل السودان في نفق طويل من الفوضى وصولاً إلى نقطة اللاعودة.

نداء لفئات أخرى

ولعل من أهم الملاحظات التي تدل على ما نحاول الإشارة إليه من خطر الحرب الأهلية، أنه على رغم اتفاق جدة للهدنة يوم 20 مايو (أيار) الجاري بين الطرفين بتسهيلات أميركية - سعودية، الذي امتد على مدى أسبوع، تم تمديده بعد ذلك لأيام خمسة، بدا حتى اليوم قبل الأخير منه يعكس ممارسات عنيدة بين الطرفين لخرق الهدنة، فيما ظهرت اتجاهات خطرة يخشى معها أن تتحول الحرب إلى أهلية.

فقد وردت في بيان وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم دعا فيه متقاعدي القوات المسلحة إلى حمل السلاح، عبارة مقلقة في ثنايا الفقرة التي تقول "نهيب بكل متقاعدي القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود وكل القادرين على حمل السلاح التوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأميناً لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم والعمل وفق خطط هذه المناطق".

فعبارة "وكل القادرين على حمل السلاح" تفهم بوضوح على أنها نداء لفئات أخرى غير العسكريين المتقاعدين من قوات الشعب المسلحة، الأمر الذي يعكس لنا أنها قد تنطوي على دعوة مضمرة لتسليح المدنيين.

ويأتي هذا في ظل ورود أنباء عن بيان آخر ظهر بصورة خطية لدى بعض المصادر الصحافية لوزير الدفاع، لا يتضمن عبارة: "وكل القادرين على حمل السلاح"، وهي العبارة الموجودة في البيان الذي نشرته مواقع إخبارية وصحف عدة، إلى جانب ذلك دعا حاكم دارفور مني أركو مناوي أهل دارفور كافة إلى حمل السلاح لحماية أنفسهم.

وفي ظل هذا البيان الذي صدر عن وزير الدفاع السوداني المنشور في مصادر ومواقع إخبارية متضمناً عبارة: "وكل القادرين على حمل السلاح"، ودعوة حاكم دارفور مواطني الإقليم إلى حمل السلاح، هل يمكن القول إن تلك الدعوة إلى انخراط المدنيين في الحرب لا ترقى إلى "اعتبارها إعلان هزيمة صادماً فحسب، بل دعوة إلى الفوضى الشاملة، وهذه الدعوة قطعاً ستضع المواطن أمام مواجهة ميليشيات مسلحة باسم 9 طويلة وتسميات أخرى، باختصار المواطن بدلاً من مواجهة عناصر الدعم السريع فقط سيضطر إلى مواجهة جبهات متعددة"، بحسب الصحافية السودانية شمائل النور.

عجز الجيش؟

لقد أحدث البيان الذي صدر عن وزير الدفاع متضمناً تلك العبارة الغريبة ردود فعل في الشارع السوداني حيال الموقف من الدعوة إلى حمل السلاح في ظل هذه الحرب العبثية. وجاءت تلك الردود لتؤكد الهاجس العام الذي يتملك السودانيين من مصائر هذه الحرب واتجاهاتها التي تنحو يوماً بعد يوم إلى مزيد من التعقيد والميل باتجاه الانخراط في حرب أهلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لطالما تساءل كثيرون عن مغزى تلك العبارة في بيان وزارة الدفاع، وما إذا كانت مؤشراً إلى عجز الجيش عن تحمل مسؤوليته المتصلة بحماية المدنيين وممتلكاتهم والدفاع عنهم، بدلاً من توريطهم في حمل السلاح ضد القوة العسكرية التي يواجهها (الدعم السريع)، ناهيك بمواجهة العصابات الإجرامية التي استغلت مناخ الفوضى والحرب، إلى جانب الأعداد الهائلة التي تقدر بنحو 15 ألف سجين تم إطلاق سراحهم من سجون العاصمة إثر الفوضى التي تلت اندلاع الحرب، بمن فيهم سجناء قادة نظام البشير الذين لا يزالون طلقاء حتى اليوم.

وفيما يبدو هناك تخوفات من اللجوء إلى وضع السودان تحت الفصل السابع إذا اتسع نطاق الحرب، واستمرت خروقات الهدنة على النحو الذي أكده راعيا اتفاق الهدنة السعودية والولايات المتحدة حين صرحا بأن كلا طرفي القتال تجاوز شروط الهدنة وتورط في استئناف الاشتباكات المتقطعة. وعكست رسالة قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان إلى الأمين العام للأمم المتحدة داعياً إلى تغيير رئيس البعثة الأممية في الخرطوم فولكر بيرتس، تشكيكاً في جدوى عمل البعثة الأممية ورئيسها، حين وصف البرهان في رسالته رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس بأنه "مارس التدليس والتضليل في تقاريره إلى الأمين العام، بزعم الإجماع على الاتفاق الإطاري، بينما الواقع يخالف ذلك بصورة جلية". وجاء في رسالة البرهان الداعية إلى تغيير فولكر بيرتس "كما أصر (بيرتس) على فرض الاتفاق بوسائل وأساليب غير أمينة على رغم ما طال هذا الاتفاق من ضعف وثغرات وإشارات سالبة، مثلت بؤر توتر في الساحة السياسية والاجتماعية، وأفضى إلى ما حدث من تمرد ومواجهات عسكرية".

الخلفيات السياسية للحرب

ولقد ووجه طلب البرهان في رسالته تلك لتغيير رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس بما يؤكد عكس طلبه، حين تمسك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بضرورة وجود فولكر بيرتس في منصبه رئيساً للبعثة. وقال تعليقاً على طلب البرهان إنه "فخور بالعمل الذي قام به ممثله الخاص في السودان".

كما أكدت الولايات المتحدة ما ذهب إليه رأي الأمين العام للأمم المتحدة في مبعوثه، في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية جددت فيه "ثقتها في المبعوث الخاص بالسودان، ودعمها الشعب السوداني في سبيل تحقيق مستقبل سلمي وديمقراطي".

يبدو واضحاً، سواءً لناحية دعوة المدنيين إلى حمل السلاح، من خلال العبارة المضمرة ببيان وزارة الخارجية، أو عبر ما صرح به حاكم إقليم دارفور، ثم رسالة البرهان للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص تغيير رئيس البعثة السياسية فولكر بيرتس أن مجريات هذه الحرب تتجه نحو التعقيد والفوضى.

إن رسالة البرهان التي تعكس حكماً سلبياً واضحاً حيال ما قام به المبعوث الأممي من دور في التسهيلات التي قدمتها تلك البعثة (ومنها التوصل إلى الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه البرهان كقائد للجيش)، تضعنا بوضوح أمام تفسير سياسي يردنا بالضرورة إلى الخلفيات السياسية للحرب، والتي قدرنا فيها أن سبب اندلاعها هو تباين موقف القوتين العسكريتين (الجيش والدعم السريع) في الموقف من الاتفاق الإطاري، فإذا عرفنا أن أي خلاف بين قوتين عسكريتين سيحتكم فيه إلى السلاح كما هو الوضع الآن، سيردنا ذلك أيضاً إلى عملية إقصاء المدنيين من السلطة السياسية في الانقلاب الذي قام به البرهان يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وجمد به العمل بأغلب بنود الوثيقة الدستورية التي حكمت البلاد بموجب اتفاق 17 أغسطس (آب) 2019.

غياب الشرطة

وفي ظل إفادات كثيرة وروايات تذكر تغيب أعداد كبيرة من منسوبي الشرطة وبعض القوات النظامية عن أداء أعمالهم منذ اندلاع الحرب، إذ شوهد غياب تام للشرطة في أحياء الخرطوم منذ اندلاع الحرب، وهو تغييب يحتاج إلى تفسير سنجد أن اتجاه الحرب يعكس إرادة واضحة للاستمرار فيها بلا أفق، الأمر الذي يؤشر إلى غياب كامل لأي مسؤولية أخلاقية يمكن أن يتمتع بها الطرف الذي كان سبباً مباشراً في إشعال هذه الحرب من القوتين.

هناك من لديه مصلحة في استمرار هذه الحرب، لأنه يعتقد أن حرباً كهذه يمكن الانتصار فيها سريعاً وحسمها وشيكاً، فيما كل المؤشرات تدل بوضوح على أنها حرب لا يمكن أن ينتصر فيها أحد الطرفين إلا على نحو كارثي.

الهوية السياسية لأسباب الحرب، فيما تبدو واضحة في علاقتها بالموقف من الاتفاق الإطاري، ستعكس لنا بالضرورة اصطفافاً للقوى السياسية (التي لديها مصلحة في إجهاض الاتفاق الإطاري) مع أجندة الدعاية لاستمرار الحرب، وهي قوى بدا اليوم موقفها المؤيد لهذه الحرب موقفاً واحداً اجتمع عليه طيف مما كان يسمى تحالف "الكتلة الديمقراطية"، إلى جانب فلول نظام البشير الذين نقدر أن في هرب قادتهم من السجون في الأيام الأولى من فوضى الحرب دوراً في الدعاية لهذه الحرب بمختلف الأسباب التي تؤهلهم للانخراط فيها، وهذا بالتأكيد سيطيل أمد الحرب ويعقدها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل