Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يعرض المقرضون عن سندات الدين البريطانية؟

وسط تعثر البلاد المالي مجدداً مع استمرار التضخم وتوقع رفع أسعار الفائدة

كان سعر العائد على سندات الخزانة البريطانية قبل أقل من ثلاث سنوات عند نسبة 0.075 في المئة فقط (رويترز)

ملخص

ارتفع العائد على سندات الخزانة البريطانية متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات بربع نقط مئوية ليصل إلى نسبة 4.4 في المئة

ارتفعت كلفة اقتراض الحكومة البريطانية إلى المستويات العالية التي شهدتها في الخريف الماضي على أثر فقدان المستثمرين الأجانب الثقة بالاقتصاد البريطاني عقب إعلان الميزانية التكميلية لحكومة ليز تراس التي لم تستمر سوى ستة أسابيع، وعلى رغم أن وزير الخزانة الحالي جيريمي هنت ألغى تلك الميزانية التكميلية تماماً، وحاول استعادة ثقة الأسواق في بريطانيا، فإن التحسن الذي جاء به كان موقتاً على ما يبدو، بحسب وصف صحيفة "الصنداي تلغراف".

وارتفع العائد على سندات الخزانة البريطانية متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات الأسبوع الماضي بربع نقطة مئوية ليصل إلى نسبة 4.4 في المئة، وهي تقترب من ارتفاعها القياسي، في سبتمبر (أيلول) الماضي، مع ميزانية تراس الكارثية حين وصل إلى نسبة 4.49 في المئة، كذلك ارتفاع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين، وهي الأكثر تأثراً بأسعار الفائدة الأساسية ومعدلات التضخم بالقدر نفسه تقريباً.

وللمقارنة كان سعر العائد على سندات الخزانة البريطانية قبل أقل من ثلاث سنوات عند نسبة 0.075 في المئة فقط، ولأن سعر سند الدين يتناسب عكسياً مع نسبة العائد عليه، فذلك يعني انهيار أسعار سندات الدين السيادي البريطاني، فما الذي جعل المستثمرين في سوق السندات يطلبون فائدة أعلى على سندات الدين السيادي لبريطانيا؟ ولماذا يفقد المستثمرون الأجانب مجدداً ثقتهم ببريطانيا؟

سوق السندات

ويقبل المستثمرون على شراء السندات لأنها مضمونة العائد المعروف مسبقاً، مع الحفاظ على قيمة أصل الثروة، وغالباً ما تشتري صناديق معاشات التقاعد السندات كتحوط مقابل استثماراتها الأخرى عالية الأخطار، لأن عائدها مضمون بشكل ثابت على رغم أنه أقل كثيراً من العائد على استثمارات بها أخطار كالأسهم وغيرها.

وتعد السندات الوسيلة الأهم للحكومات للاقتراض من السوق عبر بيعها، وهي مضمونة من الخزانة ويعتمد الاكتتاب في كل طرح دوري لسندات الدين على مدى ثقة المشترين في قدرة الحكومات على السداد، ويحدد العائد بحسب سعر الفائدة الأساسية للبنك المركزي إضافة إلى توقعات أسعار الفائدة، لأن نسبة العائد على السند تظل ثابتة، وستكون هناك خسارة إذا اشترى المستثمر سندات الدين بنسبة عائد منخفضة ثم ارتفعت أسعار الفائدة، وإلى جانب كونها أهم أدوات الاقتراض الحكومي فإن أسعار السندات ونسبة العائد عليها تستخدم أساساً في تحديد الفائدة على قروض الرهن العقاري، إذ تستخدم السندات كشكل من أشكال التحوط من قبل المقرضين في حال تعثر المقترضين أو التقلبات الشديدة في أسواق العقار.

لذا مع ارتفاع نسبة العائد التي يطلبها المستثمرون على سندات الخزانة تزيد كلفة الاقتراض الحكومي وكذلك نسبة الفائدة على قروض الرهن العقاري، فتتضرر الميزانية العامة وقدرة الحكومة على الإنفاق العام وأيضاً تزيد أعباء أقساط الرهن العقاري الشهرية على المواطنين، لذا فسوق السندات لا تعني فقط مسؤولي المالية العامة والمستثمرين المتخصصين، وإنما تؤثر تقلباتها بشدة في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين.

أما ما جعل أسعار السندات ونسبة العائد عليها تتحرك بفوارق كبيرة، على رغم أن الأساس للاستثمار في السندات هو ضمان عائد ثابت لفترة معقولة، فهو ارتفاع معدلات التضخم بالتالي ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية.

تقلبات كبيرة

وعلى رغم تراجع معدل التضخم في بريطانيا بحسب البيانات الرسمية للشهر الأخير، فإن نسبته عند 8.7 في المئة تظل الأعلى بين الدول المماثلة لبريطانيا في "مجموعة السبع" وغيرها، ذلك لأن أسعار الأغذية تواصل الارتفاع بمعدلات لم يشهدها الناس منذ سبعينيات القرن الماضي.

لكن حتى مع استبعاد أسعار الأغذية والطاقة من مؤشر التضخم العام يظل مؤشر التضخم الأساسي مرتفعاً بقوة أيضاً وبأكثر مما هو عليه في الولايات المتحدة وأغلب دول أوروبا، كذلك تشهد الأجور ارتفاعاً في ظل النقص الشديد في سوق العمل، وتنقل "الصنداي تلغراف" عن العضو السابق في لجنة السياسات النقدية ببنك إنجلترا (المركزي البريطاني) مارتين ويل قوله "أعتقد أننا نشهد حالياً مزيجاً من ارتفاع الأسعار والأجور، ومن أجل وقف هذا التوجه علينا أن نجعل من الصعب على الشركات زيادة أسعار منتجاتها ومن الصعب على العاملين الدفع نحو زيادة أجورهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومزيج ارتفاع الأسعار والأجور هو ما يؤدي إلى الركود التضخمي وربما الكساد، ولأن ارتفاع معدلات التضخم يعني استمرار البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة، فإن المستثمرين في سوق السندات يطالبون بنسبة عائد أكبر على سندات الخزانة، فمن غير المنطقي أن يضع المستثمر أمواله في سندات بنسبة عائد متواضعة بينما التوقعات أن ترتفع أسعار الفائدة الأساسية بالتالي الفائدة في البنوك.

ويشكل ذلك أزمة كبيرة للحكومة البريطانية التي تستعد لطرح مزيد من سندات الخزانة لتمويل الإنفاق العام وعجز الميزانية، وبالفعل تم تكليف مكتب إدارة الدين الحكومي، الذي يعتبر مصدر التمويل الأكبر للخزانة العامة، بطرح سندات دين بقيمة 240 مليار جنيه استرليني (297 مليار دولار) هذا العام، وباستثناء فترة أزمة وباء كورونا يعد ذلك أكبر اقتراض حكومي على الإطلاق.

عزوف المقرضين

وإذا كان تهديد مستثمري السندات في الخريف الماضي وقت أزمة ميزانية ليز تراس بإفلاس صناديق معاشات التقاعد بخروجهم من سوق السندات، فإن المبرر الحالي لعزوف المقرضين يتعلق أساساً بتراجع الثقة في السياسة الاقتصادية البريطانية عامة والاضطراب المحتمل في أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، وتقول مسؤولة استراتيجيات الفائدة البريطانية في بنك "ناشيونال وستمنستر" (نات ويست) إيموجين باشرا إن صناديق التقاعد والمستثمرين الأجانب الذين يشترون عادة القدر الأكبر من السندات البريطانية أصبحوا يتشككون الآن في ما إذا كان استثمارهم في الدين العام البريطاني يستحق فعلاً.

تضيف باشرا "اختفى هؤلاء المشترون التقليديون لسندات الخزانة البريطانية هذا العام، ولا نتوقع أن يعودوا (لشراء السندات) ما لم يقتنعوا بأن معدلات التضخم تنخفض باضطراد، فالمستثمرون يريدون توقعات شبه منطقية لمسار أسعار الفائدة، أو في الأقل التأكد من أن أسعار الفائدة وصلت ذروتها أو كادت، وهذه التقديرات أصبحت مؤجلة الآن بعد بيانات التضخم المرتفعة التي صدرت هذا الأسبوع"، وبحسب التقديرات فإن الأسواق كانت تتوقع أن يصل سعر الفائدة الأساسية في بريطانيا إلى نسبة 4.5 في المئة، أي ما هي عليه الآن، لكن بعد بيانات التضخم الأخيرة يتوقع أن يواصل بنك إنجلترا رفع سعر الفائدة، والتي قد لا تصل إلى ذروتها إلا عند نسبة 5.5 في المئة، لذا، كانت إيموجين باشرا وفريقها في بنك "نات ويست" يقدرون أن تصل نسبة العائد على سندات الخزانة البريطانية متوسطة الأجل (لمدة 10 سنوات) إلى ذروتها عند 4.3 في المئة، لكن الآن تم رفع تلك التوقعات إلى نسبة عائد عند 4.6 في المئة، ومع ذلك ربما يطالب المستثمرون بنسبة عائد أعلى وإلا انصرفوا عن الشراء، وفي حالة تراجع الطلب في اكتتابات إصدار السندات تضطر الخزانة إلى خفض سعر السند، أي زيادة العائد، بالتالي ترتفع كلفة الاقتراض أكثر.

اقرأ المزيد