Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأحمر... شريان الحياة المفتوح

لون الجريمة الأولى وروابط الأخوة والدفاع ورمز الحب والعنف والغضب والحرية والإثارة

خلال آلاف السنين اكتسبت النساء القدرة على تمييز ألوان الأحمر المتدرجة بسبب مراقبتهن مراحل نضج الثمار (مواقع التواصل)

ملخص

بحسب الإحصاءات يختار الناس اللون الأحمر كأحد لونين مفضلين، وهو اللون الأكثر شيوعاً في الأعلام والرايات والشعارات والملابس الرياضية ووسائل الإعلان والدعاية في جميع أنحاء العالم، وما يقرب من 77 في المئة من الإعلام الوطنية تحتويه

بينت التجارب العملية والمقابلات المباشرة أن الإناث يمكنهن التمييز بين درجات مختلفة من اللون الأحمر أكثر من التي يميزها الذكور. وأفادت بأن النساء المتروكات في المخيمات البدائية كن يعتنين بالمزروعات وقطف الثمار من الطبيعة المحيطة من فواكه وزهور ومحاصيل لأصباغ الحياكة وتلوين الملابس، بينما يترجل الرجال لأكثر من نصف العام في رحلات الصيد الضرورية لتأمين الفصول القاسية.

وخلال عشرات الآلاف من السنين اكتسبت النساء القدرة على تمييز ألوان الأحمر المتدرجة بسبب مراقبتهن مراحل نضج الثمار، بينما اضطر الرجال إلى تطوير بوصلاتهم الخاصة لتمتين معرفتهم بالاتجاهات من أجل العودة إلى جماعاتهم بعد انتهاء زمن الترحال والتنقل بحثاً عن الكلأ والماء، ليبدأ تدجين الحيوانات والزراعة بأشكالها البدائية.

لون الخطيئة الأولى

يقول علماء اجتماع وباحثون في الميثولوجيا والتاريخ القديم ومعهم رجال دين وكهنوت أن اللون الأحمر في التفاحة التي أدت إلى إخراج البشر من الجنة جعله لوناً سلبياً لفترات طويلة، لكن الأحمر السائل في شرايين الكائنات الحية، ومنها الإنسان، مهم جداً لعمليات التنفس والتغذية ومد أعضاء الجسد بالطاقة، فهذا السائل الثمين لا يمكن تركه ينزف أو يسيل وإلا فهناك الموت المحتم، لهذا فإن أول ما يتعلمه الجنود في الجيوش الكبيرة هو وقف نزيف أقرانهم من الجرحى، إذ إن أكثر القتلى هم من الجرحى الذين نزفوا الدم الأحمر الثمين.

يقول مؤرخو الأنواع البشرية البدائية من إنسان الننتيردال إلى الهوموسابيان القديم والحديث، إن البشر شاهدوا دماءهم تنزف من أجسادهم أو من أجساد أعدائهم أو من جروح الحيوانات التي يتصيدونها. فالأحمر المتوهج من الدم سبق اكتشاف النار وشي اللحوم، وأحمر الدم سابق على أحمر النار. ولهذا التطور المؤثر في مسيرة البشرية، أي الانتقال من أكل اللحم الأحمر النيئ واستخدام النار للشواء، يعبر عنه في الميثولوجيا الدينية عبر قصة الأخوين الأولين هابيل وقابيل الواردة في الكتب السماوية الثلاثة، فقتل الأخ أخاه بسبب قربان اللحم المقبول وقربان الخضراوات المرفوض، كانت أول جريمة يرتكبها الإنسان قبل أن يتعلم كيفية الدفن ومواراة جثة الميت.

وبالنسبة إلى علماء النفس الجماعي الذي يتناول المعتقدات الراسخة، فإن دلالات هذه القصة تتناول انتقال البشر نحو أكل لحوم الثدييات العليا، وتدل أيضاً على انتهاء زمن تقديم الأضاحي والقرابين البشرية لتحل محلها الحيوانات. وقد كتب شعراء كثر عن البحار الحمراء التي فاضت منذ الجريمة الأولى، والتي تم تدوينها لتصبح أسطورة متوارثة في حضارات كثيرة، كدليل على أن التعايش بين البشر كان منذ البدء قائماً على الصراع الذي لا يحسمه إلا الدم الأحمر.

بديلاً من العقيدة

وكان للدماء الحمراء استخدامات أخرى منذ بدأ العمل بالعقود الاجتماعية والدفاعية والتجارية والتوافق بين الجماعات في الحضارات الأولى، فهو علامة تحالف أبدي أو خلاف دائم بين الجماعات البشرية. فاتحاد نقطتي دم من شخصين يجعلهما أخوة بالدم، أي يصير لزاماً عليهما تبادل الحماية، ويتشاركان في السراء والضراء وفي أزمنة السلم والحرب.

ورابطة الدم ما زال معمولاً بها بين عصابات الشوارع في أكبر المدن العالمية، وبين المجموعات العسكرية المرتزقة التي لا تجمع بين مقاتليها مبادئ وعقائد موحدة فيكون رباط الدم بديلاً من العقيدة.

 

 

ثم صار الأحمر لوناً للتعبير عن مجموعة كبيرة من العواطف والمشاعر والأحاسيس التي قد تكون متناقضة تماماً، فقد كان دائماً رمزاً للحب حول العالم، ولا يزال حتى اليوم، وهو رمز الغضب أيضاً. وكذلك الحرية والثورة والظلم والرعب والقسوة والعنف الدموي، وهو إشارة تنبيه إلى خطر، وفي المجتمعات المعاصرة نستخدم الأحمر في إشارات السير الضوئية والعادية التي تنبه السائق إلى التوقف، لكن الأحمر إشارة انطلاق أيضاً في كثير من مباريات الرياضة أو في الحروب، وهو إشارة ترحيب من الفاكهة الناضجة لقطفها، ومن المضيفين الذين يقدرون أهمية ضيوفهم فيفرشون لهم السجاد الأحمر كدليل على التقدير والاحترام البالغين، والسجادة الحمراء صارت ممشى الفنانين والممثلين ومشاهير العالم في مهرجانات كثيرة تزدحم بها عدسات المصورين، وتجذب إليها المشاهدين حول العالم. فالسير فوق السجادة الحمراء بين أضواء الكاميرات حلم كل مراهق ومراهقة يعتبر أن فناناً ما هو مثله الأعلى.

في الرايات والحظ السعيد

بحسب الإحصاءات العالمية يختار الناس اللون الأحمر كأحد لونين مفضلين. وهو اللون الأكثر شيوعاً في الأعلام والرايات والشعارات والملابس الرياضية ووسائل الإعلان والدعاية في جميع أنحاء العالم، وما يقرب من 77 في المئة من الأعلام الوطنية تضم اللون الأحمر. وهو لون الحظ السعيد في آسيا، والأكثر شعبية في الصين الشيوعية، وقبلها في الإمبراطورية الصينية، يليه اللون الأصفر. والأحمر لون الشمس التي تتوسط العلم الياباني، ويرسم معظم الأطفال اليابانيين الشمس كدائرة حمراء كبيرة في رسوماتهم. وهو اللون المستخدم في أسواق المال والبورصة وعالم الأسهم للإشارة إلى ارتفاع في أسعار الأسهم في شرق آسيا، بينما في أسواق الأسهم في أميركا الشمالية يدل السهم الأحمر المتوجه نزولاً على انخفاض أسعار الأسهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك الخط الأحمر، المعنوي والمادي، أي الخطوط الحمراء الاجتماعية والسياسية والثقافية التي لا يمكن تعديها، أو التي تجعل متخطيها إما مخالفاً لقواعد معينة متفق عليها جماعياً، أو شجاعاً وجريئاً يقوم بموقف اعتراضي يؤدي إلى توسيع المساحة الواقعة قبل الخط الأحمر، وكانت ثورة الطلاب في الولايات المتحدة وأوروبا في الستينيات من القرن الـ20 واحدة من الثورات السلمية التي تمكنت من محو خطوط حمراء اجتماعية كثيرة تبدأ من رفض المناهج التعليمية والضوابط الأسرية لتصل إلى التحرر الجنسي.

حين يرفع حكم الراية العلم الأحمر في ألعاب القوى فهذا يعني فشل المحاولة، والبطاقة الحمراء في لعبة كرة القدم تعني طرد اللاعب المرفوعة بوجهه من أرض الملعب بسبب ارتكابه مخالفة واضحة ومتعمدة ومؤذية، وغالباً ما تترك البطاقة الحمراء غضباً لدى الجمهور وشعوراً بالمهانة لدى اللاعب المطرود. والعلم الأحمر طالما كان علم الثورات والثوريين، وتحديداً الشيوعية منها التي انطلقت منذ بدايات القرن الـ20، وما زال العلم الشيوعي الأحمر المكلل بالنجوم المثال الشكلي الأول على سيطرة الحزب الشيوعي على السلطة في الصين، وبعد أن سقط العلم الأحمر السوفياتي كان ينبئ بسقوط الإمبراطورية السوفياتية الحمراء كلها، فالراية الواقفة بثبات إنما تشير إلى ثبات ما تدل عليه، بل وفي الحروب القديمة كان حامل الراية أحد أهم الجنود في الجيش، فسقوطه يعني هزيمة جيشه، لهذا كانت هذه الحروب أقرب ما تكون إلى حماية للراية ومحاولة لإسقاط راية الجيش الآخر، وأهدرت دون ذلك بحار من الدماء. وهو ما عبر عنه الشاعر المصري أحمد شوقي، بقوله "وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق".

 

 

وتستخدم الكائنات الحية الصغيرة اللون الأحمر لجذب الإناث في موسم التناسل، وعلى رأسها أنواع من الطيور والفراشات والضفادع والحشرات والأسماك والثدييات العليا الاستوائية والأفاعي وأنواع من السحالي التي تبدل ألوانها بحسب البيئة المحيطة، وهو أيضاً لون التحذير الذي يطلقه حيوان سام تجاه مفترسه، والأكثر شهرة هو ضفدع السم القاتل الذي لا يتعدى حجمه عقلة الإصبع، وكان سكان الأمازون القدماء يغمسون أسهم الصيد في سمه الذي يقتل الفريسة مباشرة بعد إصابتها.

الأكثر جمالاً وإثارة

مسارات الأمور لدى البشر متشابهة تقريباً عما هي عليه في الطبيعة، إذ تشير الدراسات إلى أن التعرض للأحمر أو ارتداءه يمكن أن يسبب آثاراً جسدية سريعة، مثل ارتفاع طفيف في ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب والتنفس، وهذه مؤشرات لارتفاع حجم الطاقة الجسدية. وفي دراسة اعتبرت على قدر كبير من الأهمية نشرت عام 2008، عرض الباحثون على مجموعة من الرجال صورتين لامرأة ترتدي في الصورة الأولى قميصاً أحمر، وفي الثانية قميصاً أزرق، وقيل للرجال إن الاختبار يهدف إلى تقييم جمال المرأتين على رغم أن المرأة في الصورتين هي نفسها، ولكن بقميصين من لونين مختلفين. وكانت النتيجة أن معظم أعضاء المجموعة اختاروا صاحبة القميص الأحمر على أنها أكثر جمالاً وإثارة.

يرى العلماء أن طول موجات الضوء الأحمر هو ما يفسر قدرته على الوصول إلى البصر ومنه إلى الدماغ أكثر من باقي الألوان، لكن اللون الأحمر الأخاذ والنادر في الطبيعة، شغل الإنسان في محاولة نقله من الطبيعة إلى الملابس، فقد كان ارتداء ملابس حمراء بالكامل حلماً لا يحققه سوى قلة قليلة من الأثرياء، بسبب صعوبة تحضيره في الطبيعة لاستخدامات صناعية.

في الأسطورة المشرقية اكتشف الصباغ الأحمر لأول مرة في مدينة صور الفينيقية، عندما كانت ابنة ملك المدينة تنزه كلبها على الشاطئ، وأكل الكلب حلزوناً بحرياً من نوع "الموريكس" فاصطبغ فمه بلون أحمر أرجواني، فطلبت الأميرة المنبهرة من والدها أن يصنع لها ثوباً من هذا الصباغ. وهكذا بدأ استخراج الأحمر القاني من أصداف "الموريكس" لينتقل من الحوض الشرقي للبحر المتوسط إلى أنحاء العالم القديم. وعرف في التاريخ القديم مصدر آخر للون الأحمر الجميل المقاوم لعوامل الزمن في حشرة "الأحمر الأرمني" التي تعيش في أرمينيا وأذربيجان وجورجيا وتركيا وإيران. واستخدم اللون الأحمر المستخرج منها في صباغة الأقمشة وأرقى أنواع السجاد اليدوي، قبل أن تظهر مساحيق الألوان الكيماوية والمصنعة على نطاق واسع، لتجعل اللون الأحمر في متناول الجميع في كل الأدوات والأزياء والشعارات والرايات واللوحات والأقمشة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات