Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتحمل فاتورة غذاء باهظة العام الحالي

محصول حبوب هزيل هذا الموسم لا يتخطى الـ500 ألف طن والحاجات الشهرية تصل إلى مليون قنطار

تستهلك تونس 3.4 مليون طن من الحبوب سنوياً موزعة بين القمح والشعير (أ ف ب)

ملخص

التغيرات المناخية تمنع تونس من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب

يبدو أن تونس ستدفع فاتورة واردات غذاء ثقيلة العام الحالي، إذ إن الصورة العامة لحقول الحبوب خصوصاً في محافظات الشمال لا تبشر بالخير، إذ تنذر ملامح القلق والحيرة على أوجه جل المزارعين من موسم حصاد حبوب هزيل مع شح الأمطار وزيادة كلفة الزراعة والإنتاج وصعوبة التزود بمستلزمات الإنتاج لحراثة مساحات الزراعات الكبرى بموسم كارثي، ويجد مزارعو الحبوب التونسيون أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها بمحصول ضعيف سيزيد من متاعبهم المالية ويضاعف مديونياتهم.

وعن تلك الصورة القاتمة يقول عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة نقابية وطنية) المكلف الإنتاج الفلاحي إبراهيم الطرابلسي إن "الوضعية الخطرة قد تدفع بعديد من المزارعين إلى الخروج من دائرة الإنتاج"، محذراً من تفاقم مديونية القطاع الفلاحي لدى البنوك.

سيناريو خطر

ويحذر الطرابلسي في حديثه لـ"اندبندنت عربية" من السيناريو الأخطر والأعمق "قد تجد تونس نفسها أمام فاتورة واردات حبوب باهظة ومكلفة جداً، نتيجة صابة (محصول) حبوب هزيلة جداً لن تتعدى 500 ألف طن (خمسة ملايين قنطار) في أضعف حصيلة تعرفها تونس في العشرين عاماً الأخيرة".

ويتابع أن "أضعف حصيلة في صابة الحبوب لتونس تعود إلى عام 2000 عندما بلغ المحصول آنذاك نحو ثمانية ملايين قنطار (800 ألف طن)". ويشير إلى أن "عملية جمع المحصول لهذا العام لا تتجاوز الـ200 ألف طن (مليوني قنطار) سيتم تخصيصها بالكامل كبذور لتأمين الموسم المقبل 2023/2024".

ويضيف أن "المحصول المرتقب لن يكون كافياً لتغطية حاجات عملية البذر للموسم المقبل". ويؤكد أن تونس ستجد نفسها أمام فاتورة باهظة لتوريد حاجاتها من الحبوب في ظرف عالمي يتسم بتقلب الأوضاع وتذبذب أسعار الأقماح في الأسواق العالمية جراء النزاع الروسي - الأوكراني.

يشار إلى أن موسم حصاد القمح الصلب واللين سينطلق في مطلع شهر يونيو (حزيران) المقبل وتسبقه عملية حصاد الشعير في مايو (أيار) الجاري.

ويقول الطرابلسي إن "من تداعيات ضعف المحصول أن تونس قد تضطر إلى توريد كامل حاجاتها من الحبوب في الأشهر المقبلة، في ظل تسجيل أزمة في الوقت الراهن في توافر مادة (الفارينة)".

جفاف للعام الرابع

وأنتجت تونس في الموسم الماضي صابة حبوب بلغت 1.9 مليون طن (19 مليون قنطار وتم تجميع نحو 700 ألف طن (سبعة ملايين قنطار).

وتعرف تونس حالة من الجفاف تقريباً للعام الرابع على التوالي اتسمت بنقص فادح في الأمطار أثر بشكل سلبي، خصوصاً على موسم الزراعات الكبرى.

وبحسب معاينات مختلفة لفرق الإرشاد الفلاحي وتقييم اتحاد الفلاحين التونسيين فإن أهم مناطق إنتاج الحبوب في تونس وهي محافظات بنزرت وباجة وجندوبة وزغوان قد شهدت نقصاً في الإنتاج بنسبة وصلت إلى 50 في المئة، بينما شهدت مناطق أخرى مثل الكاف وسليانة وجانب من القيروان إجاحة (مصطلح فلاحي تقني يعني صفر إنتاج من الحبوب) بنسبة 100 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المنتظر أيضاً أن تعرف عديد من المناطق الفلاحية في البلاد المتخصصة في زراعة الحبوب سواء القمح الصلب أو اللين أو الشعير وخصوصاً الزراعات المطرية نسب إجاحة عالية جداً.

وتم خلال هذا الموسم زراعة نحو 950 ألف هكتار من الزراعات الكبرى ضمن مساحة قابلة للبذر بنحو 1.5 مليون هكتار، علماً أن المساحة المبذورة في الموسمين الأخيرين لم تتخط حدود مليون هكتار.

التأثير في نسق التوريد

ويعتقد الطرابلسي أن "موسم الحبوب الكارثي سيؤثر بشكل كبير في نسق واردات تونس من الحبوب، خصوصاً القمح اللين بإمكانية تأمين كامل حاجات تونس من الحبوب عبر التوريد في ظل الصابة الهزيلة".

ومن غرائب الموسم الفلاحي الحالي، وفق المتحدث، فإن تونس قد تضطر إلى توريد حاجاتها من التبن (القرط) من الخارج وتحديداً من أوروبا بالعملة الأجنبية في تأكيد على دقة الوضع وموسم الحبوب الكارثي.

إلى ذلك فقد ترتفع قيمة توريد الحبوب لتونس إلى نحو 1.17 مليار دولار (ما يعادل 3.5 مليار دينار) أي ما يساوي قيمة القرض الذي ترغب تونس الحصول عليه من صندوق النقد الدولي والمقدر بـ1.9 (5.7 مليار دينار).

هبة أميركية

يشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية قد قدمت هبة (منحة) لتونس تتمثل في نحو 25 ألف طن من الحبوب، إذ أعلنت السفارة الأميركية في تونس بتاريخ 21 أبريل (نيسان) الماضي عن وصول باخرة محملة بأكثر من 25 ألف طن من القمح الأميركي الصلب لـمساعدة الشعب التونسي في مواجهة نقص الإمدادات الناتج من الغزو الروسي على أوكرانيا"، بينما قالت السفارة في بيانها إن "واشنطن والبنك الدولي وفرا بالشراكة مع ديوان الحبوب التونسي هذا المكون الأساسي للأكل وغيرها من الأطعمة التي تعتمد على الحبوب".

وكان البنك الدولي قد ذكر في تقرير في ديسمبر (كانون الأول) الماضي حول الظروف الاقتصادية لتونس بعنوان "إدارة الأزمة في وضع اقتصادي مضطرب"، أن ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً تسبب في زيادة مستوى ديون ديوان الحبوب الحكومي التي بلغت ثلاثة مليارات دينار (مليار دولار).

ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 مليون طن موزعة بين 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللين، ومليون طن شعير، وفق بيانات رسمية لديوان الحبوب الحكومي، ويتم تعديل واردات الحبوب تبعاً لمعدلات الإنتاج المحلي.

برنامج توريد استثنائي

لكن إبراهيم الطرابلسي يؤكد أن "تونس ستضطر إلى تنفيذ برنامج توريد استثنائي هذا العام"، مشيراً إلى أن الإنتاج المحلي لن يوفر سوى 10 في المئة من غذاء التونسيين.

ويضيف أن التقديرات الأولية لمحصول الحبوب المتوقع تجميعها لن تزيد على 250 ألف طن، مقابل 740 ألف طن في العام الماضي، لافتاً إلى أن "هذا المحصول المرتقب لن يكون كافياً لتغطية حاجات البذر للموسم المقبل".

وخلص بأن مصير موسم الحبوب هذا العام أصبح محسوماً، مشدداً على أهمية وضع خطط مبكرة لتوريد الغذاء والاستعداد الجيد لموسم البذر المقبل لتفادي التعويل التام على توريد القمح لمواسم لاحقة.

فشل تحقيق الاكتفاء من الحبوب

وفي الأثناء تبخر حلم تحقيق تونس الاكتفاء الذاتي من الحبوب، إذ إنها لا تزال بعيدة عن تحقيق هذا الهدف في ظرف مناخي صعب اتسم بشح الأمطار وارتفاع مستلزمات الإنتاج من مواد أولية وبذور.

ووضعت البلاد خطة استراتيجية لتقليص تبعيتها الكبيرة من توريد الحبوب وخصوصاً القمح اللين من خلال تحفيز المزارعين بالترفيع في أسعار قبول الصابة وتوفير البذور اللازمة والتوسع في مساحات القمح اللين.

ويرى الطرابلسي أن "تحقيق الاكتفاء الذاتي يحتاج إلى مراجعة شاملة لمنظومة الحبوب بما في ذلك الاستهلاك"، داعياً إلى ضرورة حوكمة استهلاك القمح اللين والحد من التبذير.
وتابع أن "معدل استهلاك الفر سنوياً من الحبوب في دول العالم يتراوح بين 70 و80 كيلوغراماً، بينما تصل هذه النسبة إلى 200 كيلوغرام في تونس".
ويقترح الطرابلسي لتحقيق الاكتفاء من القمح تنفيذ خطة محكمة متعددة الأطراف يسهم فيها القطاع البنكي بدور كبير عبر تمويل خطوط تمويل ميسرة ونسب فوائد تفاضلية تساعد المزارعين على زيادة الإنتاج.

 وبلغت قيمة الواردات من الحبوب 1417 مليون دينار، إذ مثلت حصة واردات الحبوب 55.3 في المئة من جملة الواردات الغذائية المسجلة إلى غاية شهر أبريل 2023 وفق المرصد الوطني للفلاحة (حكومي).

وتركزت واردات الحبوب في تلك الفترة على الأقماح، إذ بلغت قيمتها 797 مليون دينار (257 مليون دولار)، لتمثل 56.2 في المئة من واردات الحبوب، بينما سجل معدل أسعار توريد القمح الصلب انخفاضاً بنسبة 20.2 في المئة، فيما ارتفع متوسط أسعار توريد القمح اللين بـ7.4 في المئة.

اقرأ المزيد