Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقيفات جديدة تطاول صحافيين ونشطاء في تونس

مخاوف من تجميد مكاسب انتفاضة 2011 وأوساط الرئيس سعيد تؤكد أنه لا يوجد تضييق على حرية التعبير

يواجه كثير من الصحافيين ملاحقات قضائية في تونس (أ ف ب)

ملخص

حوادث متزامنة ضد صحافيين ونشطاء أيقظت مخاوف لدى الأوساط الحقوقية والصحافية في تونس من تقويض الحريات التي اغتنمها أبناء هذا البلد بعد انتفاضة 14 يناير وسط اتهامات للرئيس قيس سعيد بالسعي إلى ذلك وهو ما ينفيه الرجل.

مع إحالة دفعة جديدة من الصحافيين والمدونين إلى القضاء، تصاعد التوجس في تونس من تقويض حرية التعبير والصحافة، وهما مكسبان نادران أفرزتهما انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، مما دفع نقابة الصحافيين إلى تنظيم احتجاج دقت فيه ناقوس الخطر من الوضع الراهن.

احتجاج الخميس الماضي شارك فيه العشرات من الصحافيين التونسيين بعد استدعاء زميلين لهما بإذاعة "موزاييك أف أم" واسعة الانتشار، وهما هيثم المكي وإلياس الغربي إلى التحقيق بعد شكوى من نقابة أمنية. والغربي يقدم برنامجاً سياسياً وحوارياً ينتقد توجهات السلطة في تونس، فيما يبث المكي معرضاً للصحافة يومياً في البرنامج نفسه بطريقة ساخرة، وانتقد في وقت سابق تعامل الأمن مع اعتداء جربة الذي استهدف معبداً لليهود وخلف عدداً من الضحايا وأيضاً توقيف شبان بسبب أغنية ساخرة.

وأوقف شابان في تونس بسبب ترديدهما أغنية تنتقد الأمن بطريقة ساخرة قبل أن يتدخل الرئيس قيس سعيد ويتم الإفراج عنهما، وبالتوازي قضت محكمة في ولاية قفصة (جنوب)، الخميس، بسجن أستاذ لمدة شهر واحد مع النفاذ العاجل بتهمة التطاول على رئيس الجمهورية والمس من هيبة الدولة، انطلاقاً من تدوينة نشرها عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك".

وقبل أيام أيضاً، قضت محكمة تونسية بسجن الصحافي خليفة القاسمي خمس سنوات في تطور استثنائي، بسبب رفضه إفشاء مصادره إثر نشره خبراً حول عملية أمنية تستهدف إيقاف إرهابيين. وجاء الحكم بعد قرار قضائي من محكمة ابتدائية يقضي بسجن القاسمي لعام واحد وهو قرار طعن فيه الصحافي المذكور.

وأيقظت هذه الحوادث المتزامنة مخاوف لدى الأوساط الحقوقية والصحافية في تونس من تقويض الحريات التي اغتنمها أبناء هذا البلد بعد انتفاضة 14 يناير، وسط اتهامات للرئيس قيس سعيد بالسعي إلى ذلك وهو ما ينفيه الرجل.

أزمة موزاييك

تطورات بدت لافتة في توقيتها بتونس، بينما تستمر الإيقافات التي تستهدف نشطاء سياسيين في إطار تحقيقات واسعة أطلقت في وقت سابق، سواء بسبب قضية عرفت بالتآمر على أمن الدولة وسجن بسببها العشرات من هؤلاء النشطاء أو غيرها.

ومنذ نحو ثلاثة أشهر، سجنت السلطات القضائية مدير إذاعة "موزاييك" وهو الصحافي نور الدين بوطار بسبب شبهات بتبييض الأموال، لكن هيئة الدفاع عنه تقول إنه طلب منه تغيير الخط التحريري للإذاعة والكف عن الانتقادات الحادة التي يتم توجيهها إلى السلطات. ورفض الرئيس سعيد في وقت سابق هذه الاتهامات قائلاً "هل هناك شخص واحد حوكم بسبب رأي أو عمل صحافي، حرية التعبير مضمونة لكن حرية التفكير يجب أن تكون قبل حرية التعبير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن سعيد سبق وأن عبر عن امتعاضه مما تبثه إذاعة "موزاييك" التي تعتبر أبرز وسيلة إعلامية مستقلة ومنتشرة في تونس، إذ قال في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 على هامش احتضان بلاده القمة الفرنكوفونية بجربة "في موزاييك وفي غيرها من المؤسسات الإعلامية بعض المدعوين والعاملين يتحدثون عن ديكتاتورية لأنهم للأسف يتحدثون باسم أطراف سياسية معلومة، ومع ذلك يتحدثون كما يشاؤون، فعن أي ديكتاتورية يتحدثون؟".

وقال رئيس النقابة الوطنية للصحافيين في تونس، مهدي الجلاصي "بالفعل بدأت مساحات حرية التعبير تضيق بالبلاد في ظل التضييقات المستمرة ضد حرية الصحافة والتعبير".

وأوضح الجلاصي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "نسب الانتهاكات التي تستهدف الصحافيين ارتفعت بشكل كبير، وهناك أيضاً ضرب لحق النفاذ إلى المعلومة ويومياً نشهد محاكمات للصحافيين وغيرهم من النشطاء والمدونين والمواطنين والسياسيين".

وما زاد المخاوف من تصعيد الحملة ضد حرية التعبير في تونس - وهي مسألة باتت تثير غضباً لدى المنظمات الحقوقية ودول غربية - توقيف الشابين ضياء نصير (26 سنة) ويوسف شلبي (27 سنة) بسبب بثهما أغنية تسخر من الأمن وطريقة تعامله مع المتهمين باستهلاك المخدرات. ولقي هذان الشابان مساندة من قطاع واسع من التونسيين مما دفع الرئيس سعيد إلى التدخل خصوصاً أنهما طالبان يستعدان لامتحانات هذه الأيام.

وتم إطلاق سراح الشابين بعد لقاء جمع سعيد برئيسة الحكومة نجلاء بودن، قال فيه "أعبر عن شديد الاستغراب من اعتقال عدد من الطلبة بولاية نابل (شرق)، أنا لا أتدخل في القضاء لكن لا أريد أن يظلم أحد في هذه البلاد، نحن نحترم القضاء لكن فقط القضاء المستقل"، داعياً ما سماهم القضاة المستقلين إلى التصدي لمثل هذه الممارسات.

الجلاصي علق على واقعة الطالبين بقوله "حتى الشابان اللذان رددا أغنية تم استهدافهما، وكل التونسيين معنيون بهذه التضييقات وبالترسانة التشريعية التي وضعتها السلطة من أجل التضييق على الحريات مثل المرسوم 54، هناك سلسلة من المحاكمات الممنهجة للصحافيين بسبب أعمالهم مثل نشر أخبار أو آراء أو حقائق، وهم مهددون بالسجن اليوم، نحو 20 من الصحافيين والمدونين مهددون بالسجن اليوم".

إعلام بناء

ودائماً ما يرفض الرئيس التونسي، الذي يمسك معظم الصلاحيات بيديه بعد العودة إلى نظام الحكم الرئاسي القوي إثر تغيير الدستور في استفتاء شعبي تم في 25 يوليو (تموز) 2022، هذه الاتهامات بالتضييق على حرية التعبير والصحافة شأنه في ذلك شأن أحزاب موالية له.

وأقر سعيد في وقت سابق عديداً من التشريعات التي عدت تضييقاً على حرية التعبير والصحافة، مثل المرسوم 54 الذي ينص على مكافحة الجرائم الإلكترونية بهدف الحد من انتشار الأخبار الزائفة ومخالفات الفضاء الافتراضي، لكن عديداً من الصحافيين ملاحقون اليوم بسبب طبيعة عملهم بناءً على هذا المرسوم.

وقال الجلاصي "اليوم هناك هجمة واضحة وضرب لحرية الرأي والتعبير"، لكن هذه الانتقادات لا تحجب تساؤلات تطلق من حين إلى آخر مفادها هل الصحافيون محصنون من النقد أو الملاحقات؟

وسعت السلطات الانتقالية والهياكل الصحافية في تونس منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إلى تأمين إصلاح إعلامي يكرس صحافة مستقلة ومهنية.

الجلاصي تابع "لم نقل يوماً إن الصحافيين فوق المحاسبة أو محصنون من الملاحقة القضائية، لكن القانون يفرض على السلطة ضرورة احترامه في هذه الملاحقات ووفق قانون الصحافة مثل المرسوم 115 الذي ينظم المهنة، مهنتنا لا ينظمها قانون مكافحة الإرهاب ولا المراسيم الرئاسية بل تنظمها قوانين خاصة، وأي أخطاء مهنية أو بث لإشاعات أو غيرها يجب تتبعها وفقاً للمرسوم 115 وليس المرسوم 54".

وفي المقابل تعتبر أوساط مقربة من الرئيس سعيد أنه لا يوجد تضييق على حرية التعبير، بل يجب أن تكون هناك صحافة ناقدة لكن بشكل بناء.

وقال الناطق باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي الذي يساند حزبه توجهات الرئيس سعيد إن "ما نريده من الإعلام والصحافة في تونس هو نقد لكن بناء، وليس تجنياً مثل ما نراه الآن من انتقادات تجاه السلطة".

وأضاف النابتي في تصريح خاص "لم نطلب يوماً من الإعلام أن يكون موالياً للسلطة، بل العكس نريد نقداً لكن نقد للخيارات وبشكل بناء، وللأسف الإعلام لا يزال خاضعاً لشبكة مصالح غير راضية عن هذا الوضع".

ومنذ إطاحة الرئيس قيس سعيد البرلمان السابق في 25 يوليو 2021 ألقت السلطات الأمنية القبض على العشرات من النشطاء السياسيين الذين ينتقدون خياراته، ووضعت آخرين قيد الإقامة الجبرية وغيرها من الإجراءات التي فجرت مخاوف لا تنتهي من التراجع عن الحريات.

وفي ظل غياب أي حوار بين السلطة والصحافيين فإنه من المرجح أن تستمر القبضة الحديدية بين الطرفين، خصوصاً أن المرحلة المقبلة قد تكون حاسمة في مسارات التحقيق مع عدد من الصحافيين وحتى المدونين، إذ سيمثل هيثم المكي وإلياس الغربي أمام التحقيق الإثنين انطلاقاً من الشكوى التي رفعتها ضدهما نقابة أمنية تونسية.

المزيد من العالم العربي