خيم الوضع السياسي المتأزم في تونس على قطاع الصحافة، من خلال الضغط على الإعلاميين والتضييق عليهم، وخلفت الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد حالة من التشنج في تعاطي قيادات الأحزاب السياسية والنواب مع الصحافيين والمصورين، من خلال التدخل في تفاصيل عملهم، ومحاولة فرض زوايا خاصة للتصوير، خاصة أثناء المسيرات التي تنظمها الأحزاب السياسية، علاوة على ردود فعل غاضبة على نقل التصريحات في وسائل الإعلام.
25 اعتداءً في شهر واحد
في المقابل، سجلت وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، 25 اعتداءً طاول الصحافيين خلال شهر فبراير (شباط ) الماضي، مؤكدة ارتفاع نسق الاعتداءات مقارنة بشهر يناير (كانون الثاني) 2021، وطاولت الاعتداءات 38 بين صحافيين ومصورين.
وتصدرت الاعتداءات على الصحافيين أثناء عملهم، المواضيع السياسية في 18 مناسبة، والمواضيع الاجتماعية في أربع مناسبات، ومواضيع مكافحة الفساد في ثلاث مناسبات. وكان الصحافيون ضحية الاعتداءات اللفظية في سبع مناسبات، وضحية الاعتداءات الجسدية في خمس مناسبات، كما تعرضوا في ثلاث مناسبات للمنع من العمل، وإلى التتبع العدلي في مناسبتين.
كما سجلت الوحدة ولأول مرة ثلاث حالات تحرش جنسي استهدفت الصحافيات، أثناء تغطيتهن مسيرة حركة النهضة، وتصدرت لجان التنظيم ترتيب المعتدين على الصحافيين خلال شهر فبراير الماضي.
يذكر أن حركة النهضة أصدرت بياناً اعتذرت من خلاله لجميع الصحافيين الذين تعرضوا للاعتداء، أو التحرش، من قبل أعضاء لجان تنظيم المسيرة التي نظمتها الحركة في السابع والعشرين من فبراير الماضي، متعهدة بالتحقيق في هذه الحادثة. كما عبرت منظمات وطنية عن تضامنها مع الصحافيين أثناء ممارستهم مهامهم، داعين إلى مزيد من تأطير قوات الأمن وتوفير الحماية الضرورية للصحافيين حتى يمارسوا مهامهم بعيداً عن أي ضغوط.
فتح تحقيقات في الاعتداءات
من جهة ثانية، دعت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، رئاسة مجلس نواب الشعب، إلى إلغاء كل التدابير المعيقة لعمل الصحافيين داخل المجلس، والإدانة العلنية للاعتداءات التي مارسها نواب المجلس في حقهم. كما طالبت رئاسة الحكومة بالتحقيق في الاعتداءات التي مارسها أعوان الأمن الرئاسي المرافقون لرئيس الحكومة، في حق الصحافيين وضربهم لحرية العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما دعت وزارة الداخلية إلى فتح تحقيق في الاعتداءات التي مارسها أعوانها على الصحافيين ومحاسبتهم، وإلى إخطار أعوانها بقواعد احترام حرية العمل الصحافي، والتدخل لفائدة الصحافيين، في حال تعرضهم للخطر.
وطالبت النقابة، المجلس الأعلى للقضاء، بتوعية القضاة، وتنمية قدراتهم في مجال حرية التعبير والصحافة، مشيرة إلى تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب كلما تعرض صحافيون إلى الاعتداء من قبل قوات الأمن.
كما دعت النقابة المنظمات الوطنية، إلى التضامن مع الصحافيين ضحايا الاعتداءات، والدفع في اتجاه استراتيجية وطنية لحماية الصحافيين، من كل أشكال العنف، وخاصة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
انصاف الصحافيين
في سياق متصل، شددت أميرة محمد، عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين، على أن النقابة ماضية في اتخاذ الإجراءات القانونية، ضد المعتدين، بالتنسيق مع الصحافيين الذين تعرضوا للاعتداء، لافتة إلى أن النيابة العامة، لا تتحرك بالسرعة المطلوبة، في قضايا الاعتداء على الصحافيين، أثناء ممارستهم مهامهم، بينما تعجل النظر في القضايا التي يتم تلفيقها للصحافيين بدعوى الاعتداء على قوات الأمن والتهم الجاهزة، على حد قولها، مؤكدة أن مشروع القانون الجديد، الخاص بالإعلام السمعي البصري، الذي سيعوض المرسومين 115 و116، سيتضمن آليات أكثر نجاعة لحماية الصحافيين أثناء ممارستهم مهامهم.
واعتبرت أميرة محمد أن التهم الكيدية التي تكال بشكل مستمر ضد الصحافيين، والتي تتعلق "بالاعتداء على موظف عام"، تهدف إلى السيطرة على الإعلام، والعودة إلى مربع الدولة البوليسية، داعية الأحزاب السياسية إلى الاقتناع بأن الإعلام ليس في خدمة أي جهة، مهما كانت، مشيرة إلى أن الأحزاب السياسية في تونس، لا تعترف باستقلالية الإعلام، وتعتبره إما مناصراً، وإما معارضاً لها.
من جهة أخرى، شددت عضو النقابة على أن "ثمة أحزاباً تونسية تعادي الصحافة والصحافيين"، منددة بالهجمة المستمرة على الإعلام والإعلاميين من "أجل التضييق عليهم وتركيعهم".
ودعت الصحافيين إلى الحفاظ على استقلاليتهم، وعدم الاصطفاف إلى جانب أي جهة سياسية، مهما كانت، مشددة على أن النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، تثق في الصحافيين، وهم لن يخضعوا للتهديد أو الابتزاز الذي تمارسه الأحزاب السياسية، خاصة في هذه الفترة، حيث تمر البلاد بأزمة سياسية، تنامت فيها الصراعات الأيديولوجية بين الأحزاب.