Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صحة متردية بكلفة باهظة و"ملائكة الرحمة" في السوق السوداء لحرب اليمن

شهد القطاع الصحي انهيارات متلاحقة جراء استمرار الصراع فتوسعت ظاهرة استغلال المرضى في المستشفيات الخاصة

شهدت سنوات الحرب في اليمن ازدهار الأسواق السوداء للمحروقات والكهرباء والعملة والتعليم لتصل حتى إلى القطاع الطبي (أ ف ب)

ملخص

لجأ مواطن يمني إلى الاستدانة وبيع قطعة أرض كان يملكها ليتمكن من الإيفاء بتكاليف علاج والدته

ألقت الحرب بظلالها القاتمة على نواحي الحياة كافة في اليمن، حتى طاولت أهم القطاعات الخدمية ممثلة في القطاع الصحي الذي أنهكته بحملها في بلد ثقل كل فيه شيء إلا الإنسان الذي يلوذ بمشافيها باحثاً عن ترياق لجراحه الغائرة والمفتوحة على كل احتمالات النزف المستمر.
وبات بفعل الحرب كل شيء مباحاً للمتاجرة حتى معاناة الناس وآلامهم، ولذلك يتوقع المواطن اليمني وهو يطلب العون الطبي الاعتقال أو حجز سيارته أو ذهب زوجته حتى يسدد ما عليه من أموال باهظة للمستشفى الخاص الذي لجأ إليه في لحظة ضعف.

من صور الحرب

هي الحرب التي تغير النفوس كما تفعل سطوة آلة القتال بالمشهد العام للحياة، مما دفع الكوادر الطبية إلى المغادرة وإفراغ هذا القطاع من قيمته الإنسانية الجليلة لتتضاعف معاناة ملايين المرضى وجرحى الحرب. وبات المواطن هو المتحمل الوحيد لكل هذا الألم الذي يتطلب تخفيفه استنزاف أمواله ومدخراته، إن أبقت منها ظروف البلد الصعبة شيئاً للأيام السوداء، في ظل الأسعار الباهظة التي تطلبها المستشفيات الخاصة لأبسط التدخلات الجراحية، فعملية الولادة القيصرية على سبيل المثال يراوح سعرها من 600 ألف إلى مليون ريال يمني (نحو 1000 دولار) في حين تخصص للعمليات الكبرى، كجراحة القلب، مبالغ تتراوح بين 7 و10 ملايين ريال (نحو 10 ألف دولار)، وتتفاوت من مرفق صحي إلى آخر في بلد متوسط دخل الفرد فيه يقل عن 200 دولار.

للعلاج أم الابتزاز؟

مع حال الانهيار الصحي الذي عانته البلاد منذ بدء الحرب في عام 2014 بفعل الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، وتردي الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية التي يروي حالها المزري ما فعلته الحرب باليمنيين، يضطر معظم المواطنين إلى قصد المستشفيات الخاصة خصوصاً للحالات الحرجة أو تلك التي تتطلب المساعدة الطبية العاجل، وهنا يكتشفون أنهم دخلوا في معاناة طائلة بفعل أسعار الخدمات المرتفعة التي يجدون أنفسهم عالقين في مشكلات عويصة جراءها. غير أن كثيرين منهم لم يتوقعوا أن يصل الأمر إلى حد الاعتقال أو رهن السيارة أو ذهب الزوجة إلى حين الوفاء بدفع ملايين الريالات التي لا يملكونها، مما يدفع إلى التساؤل عن قانونية هذا السلوك ومصادرة حرية المريض أو مرافقه بسبب عدم قدرته على سداد فاتورة الدواء، مما يكشف عن إشكالية فادحة تتعلق بتحول الخدمة الطبية إلى سلعة تعرض في مزادات الكسب والخسارة.
ويقول المواطن اليمني ناصر قران إنه اضطر إلى رهن سيارته لدى إدارة أحد المستشفيات الخاصة حتى يتسنى له تدبر دفع تكاليف غسيل الكلى وإجراء القسطرة القلبية العاجلة لوالدته المسنة التي انهارت حالها الصحية بشكل مفاجئ.
ويوضح أنه لجأ إلى الاستدانة وبيع قطعة أرض كان يملكها ليتمكن من الإيفاء بتكاليف علاج والدته الباهظة التي لم يتوقعها ولم تكن بهذه الحال في السابق، بسبب انهيار المستشفيات الحكومية وتردي خدماتها.
ولم يكتف قران من الشكوى جراء تكاليف العمليات والعلاج، لكنه أشار أيضاً إلى تكاليف المبيت والمعيشة في مستشفى المدينة البعيدة التي قصدها للعلاج في ظل وضع اقتصادي صعب كونه موظفاً حكومياً وأصبح يعمل في القطاع الخاص.

حجز الموتى

كل هذه الصور التي تكشف عن هول المعاناة التي كلت منها أكتاف اليمنيين، لا تصل إلى صورة أخرى أشد إيلاماً ووجعاً وتتعلق بحجز جثة المتوفى حتى تسدد فاتورة العلاج الذي تلقاه قبل وفاته.
ويقول علي أ. وهو من سكان محافظة عمران (شمالي اليمن) إن أحد المستشفيات الخاصة في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين أخفى عنه وفاة والده لأيام عدة حتى يسدد فواتير العلاج التي بلغت نحو 3 ملايين ونصف مليون ريال (نحو 6 آلاف دولار بحسب سعر الصرف الرسمي) تكاليف مكوث المتوفي في العناية المركزة لنحو أسبوعين، وعندما طالب بإمهاله حتى يتسنى له دفنه مع أخذ رهونات رفضوا ذلك.

"ملائكة الرحمة" في السوق السوداء

وشهدت سنوات الحرب ازدهار الأسواق السوداء للمحروقات والكهرباء والعملة والتعليم لتصل حتى إلى القطاع الطبي بعد تسلل تجار الأزمات الذين يزدهر حضورهم في أوقات الحرب، ولهذا شهد الاستثمار الطبي اتساعاً كبيراً يقابله بالتالي ارتفاع خيالي في تكاليف الخدمات الطبية المقدمة.
وتأتي صنعاء في مقدمة المدن التي تنتشر فيها المستشفيات والمنشآت والمرافق الطبية الخاصة، التي زاد عددها خلال سنوات الحرب إلى نحو 100 مرفق من 65 مرفقاً قبل الحرب.
ويفيد أطباء بأن عدداً قليلاً من هذه المرافق يطابق المعايير الطبية والقانونية المطلوبة، فيما البقية تفتقر إلى أبسط المواصفات والمعايير المطلوبة، من أهمها الإمكانات والأجهزة الطبية الضرورية واللازمة في عملها، في حين يحتاج أكثر من 40 مرفقاً إلى مراجعة عمله وتصحيح أوضاعه.
وبلغ عدد المنشآت الطبية باليمن في عام 2006 نحو 4085 منشأة صحية، منها 2302 عيادة إسعاف أولي. أما المستشفيات المركزية العامة فقليلة الانتشار، إذ يوجد في بعض المحافظات مستشفى حكومي واحد على الأكثر يفتقر إلى أبسط الخدمات الصحية. وبلغ عدد المستشفيات الخاصة في عام 2006 نحو 145 مستشفى تحتوي على 14970 سريراً. ويوجد 229 مستشفى عاماً بحسب إحصاءات عام 2007 موزعة في عموم اليمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حلول للحق الإنساني

من جانبه أوضح الطبيب في محافظة مأرب الشامي داود أن "الحصول على الرعاية الصحية حق إنساني يلزم كل المرافق الصحية العامة والخاصة وفقاً للقانون، حيث لا يجوز في أية حال من الأحوال التأخر أو المماطلة في تقديم المساعدة الطبية اللازمة والكاملة لأي شخص لجأ إلى منشأة صحية، كما لا يجوز احتجازه أو تقييد حريته أو التقصير في رعايته الكاملة لمجرد عدم توفر المال لديه. وبهذا يصبح القطاع الصحي مجرد سوق سوداء تتنافس على الكسب لا جودة الخدمة الطبية".

ولإيجاد معالجات موضوعية تمكن من تقديم الخدمات الصحية لقاصديها وفي الوقت ذاته تزيل الهلع الذي يعتري المواطن اليمني من "غول" هذه المرافق الصحية وجشعها، اقترح داود "تفعيل قانون التأمين الطبي الذي يحد من هذه الظاهرة ويخفف من حال الجشع السائدة واستغلال حاجات الناس ومعاناتهم في بلد منشغل بالحرب ومأساتها". ويشكل مجموع الإنفاق على الرعاية الصحية في اليمن نحو 3.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام، ولهذا فإنفاق الفرد الواحد على الرعاية الصحية منخفض جداً مقارنة مع بلدان الشرق الأوسط الأخرى.

ضغط الواقع

من جانب آخر عبرت وكيلة وزارة الصحة اليمنية الدكتورة إشراق السباعي عن الأسف "للإشكالات الحاصلة في المستشفيات الخاصة". وأوضحت أن "الحرب فاقمت مشكلات القطاع الصحي عموماً وخصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، إضافة إلى الضغط الكبير الذي تواجهه المستشفيات الحكومية نتيجة الحرب وظروفها الصعبة ووجود النازحين، كون المستشفيات الحكومية أنشئت في فترة زمنية معينة ولمجتمع سكاني محدود، فيما عدن الآن لوحدها مكتظة بنحو 5 ملايين نسمة، وكذلك الحال في مأرب وحضرموت وغيرها من المدن".
ورأى السباعي أن "هذه الحال وسعت إشكالات المستشفيات الخاصة التي تصل إلى حد حجز المرضى ورهن أموالهم للحصول على مقابل مالي باهظ".

معالجات العلل

وإزاء ذلك أشارت وكيلة وزارة الصحة اليمنية إلى دور الوزارة في الحد من شكاوى المواطنين من خلال "السعي المستمر إلى تحسين مستوى الخدمات وإيجاد خدمات مجانية متكاملة كخدمات الطوارئ التوليدية مدفوعة الأجر والكلفة، ونظام القسائم والتأمين الصحي لذوي الدخل المحدود". واستدركت بالقول "نحن نسعى إلى تحسين هذه الخدمات، ولكن لأن المستشفيات الحكومية بلا دعاية إعلامية فلا أحد يلتفت لهاـ وفي الوقت ذاته لا نستطيع أن نمنع المواطن من الذهاب إلى مستشفيات القطاع الخاص"، وأضافت أن "السمعة أحياناً تلعب دوراً سلبياً فتدفع الناس إلى المستشفيات الخاصة على رغم أن بعضها غير مكتمل المعايير".
وتطرقت وكيلة وزارة الصحة إلى أن "مستشفى عدن العام الذي جرى افتتاحه الأسبوع الماضي بتمويل من مركز الملك سلمان بن عبدالعزيز سيشكل إضافة نوعية لدعم القطاع الصحي الحكومي بتجهيزاته المكتملة بأحدث الوسائل الطبية، إضافة إلى أن كل التكاليف مدفوعة بما فيها العلاجات والفحوص والقسطرة وغيرها، وهذا سيحل كثيراً من المشكلات المتراكمة التي يعانيها المواطنون في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية".
وألقى الانهيار الاقتصادي بظلاله على القطاع الصحي اليمني، إذ توقع تقرير صادر عن قسم الدراسات والتوقعات الاقتصادية الحكومي بالتعاون مع منظمة "يونيسف" والبنك الدولي أن تبلغ الخسارة التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي حوالى 181 مليار دولار في حال استمر الصراع والحرب في اليمن عامين إضافيين.
ولهذا تبرز كلفة اجتماعية موازية نتيجة تردي الوضع الإنساني، إذ تسببت الحرب بأسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب تقديرات الأمم المتحدة، التي تشير إلى أن 24.3 مليون شخص، أي أكثر من 80 في المئة من إجمالي عدد السكان في حاجة إلى نوع من المساعدات، بينهم 14.4 مليون في عوز شديد.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات