Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انخفاض فيضان النيل 5 مليارات متر مكعب... ومصر تعلن الطوارئ

وزارة الري: لا علاقة لسد النهضة بالعجز ونعمل على الموارد البديلة... وخبراء يؤكدون: خزانات إثيوبيا لم تملأ بعد

وزارة الري المصرية ترصد مخالفات زراعة محصول الأرز الذي يستهلك كميات ضخمة من المياه (أ.ف.ب)

سعى المصريون القدماء لإرضاء النيل بتقديم القرابين له سنويا، فكانت أسطورة "عروس النيل" رمزا للتضحية البشرية تقديرا لـ"وفاء النيل" بالفيضان الذي يبعد عن مصر شبح الجفاف والقحط الذي عانوا منه خلال حقب تاريخية غابرة، لكن بعد آلاف السنين لا يزال هذا الشبح يطل برأسه من جديد، فالمشروعات التي تقيمها دول منابع النيل كسد النهضة الإثيوبي ومخاطر التغير المناخي، وتراجع حصيلة الأمطار وارتفاع معدلات البخر وزيادة استهلاك المياه كلها عوامل تعيد إلى الأذهان هاجس "السنوات العجاف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية تفعيل حالة الطوارئ القصوى للتعامل مع انخفاض متوقع في فيضان النيل هذا العام بمقدار 5 مليارات متر مكعب، مقارنة بالعام الماضي، مؤكدة متابعة مناسيب الخزانات والسدود والتصرفات داخل السودان حتى السد العالي عبر صور الأقمار والتنبؤات بالفيضان، ومتابعة تقارير الأحوال الجوية والأمطار على السودان والهضبة الإثيوبية، وأوضحت الوزارة أنها ستعمل على توفير مياه الشرب، لمواجهة الطلب على الاستخدامات المنزلية، علاوة على رصد مخالفات زراعة محصول الأرز الذي يستهلك كميات ضخمة من المياه.

 

 

من المسؤول عن انخفاض إيراد النيل؟

تزامنت التحذيرات من انخفاض إيراد فيضان النيل مع مطالبة مصر لإثيوبيا بـ"إجراءات عملية" سريعة لاستئناف عملية التفاوض المتوقفة منذ نهاية العام الماضي بعد رفض إثيوبيا لتعديلات مصرية على دراسات المكتب الاستشاري الفرنسي المعني بإعداد التقرير الاستهلال لدراسات التأثير المتوقع لبناء السد على حصة دولتي المصب مصر والسودان.

وقال المهندس محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية لـ"اندبندنت عربية"، "أن مركز التنبؤ بالفيضان توقع انخفاضا بمعدل 5 مليارات متر مكعب للسنة المائية التي تبدأ في الأول من أغسطس (آب) المقبل ولمدة 3 شهور، وفقا لحسابات الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار وغيرها من البيانات، مقارنة بالسنة الماضية، مما دفع الوزارة إلى تفعيل التدابير اللازمة للتعامل مع هذا الوضع"، مؤكدا "أن مسؤولية الوزارة تتمثل في إدارة الموارد المائية المتاحة ومواجهة الاحتياجات سواء كانت الزراعية أو المنزلية أو الصناعية". وشدد السباعي على "أن الانخفاض الحاصل ليس له علاقة بسد النهضة الإثيوبي، ولكن يتعلق بانخفاض كمية الأمطار والبخر وعدد من العوامل الطبيعية"، مشيرا إلى "أن التدابير التي يتم اتخاذها تتسق مع استراتيجية مصر2037 التي وضعتها وزارة الري بالتعاون مع العديد من الجهات الحكومية لترشيد المياه في النشاط الزراعي والاستخدام المنزلي وتقليل الزراعات الشرهة في استخدام المياه مثل الأرز وقصب السكر والموز، والتوسع في استخدام وسائل الري الحديثة ودعم مبادرات الاستخدام الامثل والرشيد للمياه المنزلية من خلال تركيب (القطع الموفرة) في صنابير المياه المنزلية والتوسع في اعادة التدوير واستخدام المعالجة الثلاثية وغيرها".

وأكد السباعي على وجود خطة قومية للدولة للتوسع في إنتاج المياه المحلاة خصوصا في المدن الساحلية لتخفيف أعباء الطلب على مياه النيل، مشيرا إلى "أن حصة مصر من مياه النيل لا تغطي نصف احتياجاتها، إذ تصل حصتها النيلية إلى 55.5 مليار متر مكعب وتزيد من خلال استخدام الموارد الأخرى مثل المياه الجوفية والأمطار إلى نحو 60 مليار متر مكعب ولكن يظل هناك فجوة كبيرة مقابل الاستهلاك الذي يصل إلى نحو 114 مليار متر مكعب، وتعتمد مصر على توفير 24 مليار متر مكعب من إعادة الاستخدام وحوالي 34 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية التي تعني المياه المستخدمة في إنتاج الواردات المصرية من السلع الغذائية والصناعية لتعويض احتياجاتنا من المياه".

يقول هاني إبراهيم، الخبير في المياه، "إن تصريحات وزارة الري عن توقعات بتراجع إيراد الفيضان الإجمالي بحوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه مقارنة بإيراد فيضان العام الماضي يستلزم الإشارة إلى عدة ملاحظات ترتبط بإيراد فيضان النيل الأزرق الذي يسهم بالنسبة الأكبر من الإيراد الإجمالي للفيضان. ففي ضوء قراءات صور الأقمار الصناعية "لاندسات 8" التي تؤكد أن فيضان النيل الأزرق هذا العام بدأ مبكرا عن العام الماضي حيث تم رصد مرور مياه الفيضان من الممر الأوسط غير مكتمل في السد الإثيوبي بتاريخ 19 يونيو (حزيران) الماضي في حين خلال فيضان 2018 لم تمر المياه من الممر الأوسط قبل 10 يوليو (تموز) 2018".

وتابع: "للتوضيح الممر الأوسط هو مبنى غير مكتمل بالسد يبلغ ارتفاعه حوالي 42 مترا، ولا تستطيع المياه المرور من خلاله إلا مع بدء تدفق مياه الفيضان وزيادة كميتها إلى درجة تعجز بوابات السد عن تمريرها فترتفع وتشكل بحيرة صغيرة نسبيا في موقع خزان السد لتتدفق من خلال الممر الأوسط، بما يفيد بأن توقعات فيضان العام الحالي أعلى من الماضي حيث لم ينحسر بعد الفيضان حسب قراءات صور الأقمار الصناعية تلاحظ ارتفاع في كمية المياه أمام السد رغم استمرار تدفقها باتجاه السودان وهي ملاحظة تؤكد وجود فواقد ضخمة من المياه بدأت ومستمرة في ضوء عدم قدرة الممر الأوسط في السد الإثيوبي علي تمرير التدفق الطبيعي للنهر في مثل هذا الوقت من العام".

وأوضح "إبراهيم"، "أن الفواقد المائية في نطاق السد الإثيوبي ترتبط في المقام الأول بعملية تشبع الصخور الجافة بمياه الفيضان في ضوء تشكيل بحيرة صغيرة بسبب عدم تناسب قدرة الممر الأوسط مع تصريف التدفق اليومي، بما يؤدي إلى وصول المياه لنطاقات جافة تتشبع بالمياه كذلك ترتبط الفواقد بما قد يتسرب إلى باطن الأرض"، وتابع: "لا ننسى تصريح مدير السد الإثيوبي عندما أعلن منذ فترة عن المشكلات التي واجهت السد"، وأشار إلى "ظهور وادٍ عميق أعاق عمل السد بما يفيد بعدم دراسات حقيقية عن طبيعة موقع بحيرة السد واحتمالية وجود أودية عميقة أخرى قد تتسرب اليها المياه تطفو السطح بقوة".

 

 

توقف مفاوضات سد النهضة

وأكد هاني إبراهيم "أنه فيما يتعلق بسير المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا أصبحت شبه معطلة تماما، على الرغم من اتفاق البلدان الثلاثة في وثيقة أديس أبابا الأخيرة على تشكيل لجنة للتوافق بشأن نتائج التقرير الاستهلالي الصادر عن مكتبي "بي ار ال" و"ارتيليا" الفرنسيان فإن اللجنة لم يصدر عنها شيء حتي الآن، ولم يحدث اجتماعات تضم الدول الثلاث الشركاء في القضية بسبب أحداث السودان حسب تصريحات الجانب الإثيوبي خلال الفترة الماضية".

وشدد "على أن التأثير الفعلي لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر من مياه النيل لم يبدأ بعد، فلم يتم احتجاز سعة التخزين الميت اللازمة لتشغيل السد وهي كمية من المياه ضرورية لتشغيل السد، ولم يتم الإعلان بعد الموعد الفعلي للتشغيل، فلم تنته بعد إثيوبيا من إغلاق الممر الأوسط في السد حيث تمر المياه منه حاليا ومع إغلاقه فعليا سوف يبدأ ملء السد الأول وهي عملية متوقع أن تبدأ عقب انتهاء فيضان العام الحالي، ولكن نسبة الضرر المتوقعة على مصر يتم تحديدها وفقا لكمية المياه المقرر احتجازها، وفي جميع الأحوال لن تقل سعة (التخزين الميت) عن 14 مليار متر مكعب من المياه، ويكفي أن نعلم أن استهلاك المياه لزراعة مليون فدان يتراوح بين 2 و4 مليارات متر مكعب من المياه، وأن استهلاك مصر من مياه الشرب يقترب من 10 مليارات متر مكعب من المياه سنويا".

وأكد الدكتور خالد أبوزيد، المدير الإقليمي للموارد المائية بمركز سيداري والمجلس العربي للمياه والخبير الدولي، "أن انخفاض إيراد الفيضان أو زيادته يمثل أمرا متغيرا كل عام، ولا يمكن مقارنة إيراد العام الحالي بالعام الماضي كمرجعية، ولكن يجب مقارنته بمتوسط إيراد الفيضان وهو 84 مليار متر مكعب"، مؤكدا "أنه لم يتم بعد البدء في ملء خزان سد النهضة، وأن الانخفاض الحالي في فيضان النيل مرتبط بمتغيرات طبيعية، إلا أنه مع بدء تشغيل سد النهضة سيكون هناك فواقد تسريب وفواقد بخر من بحيرة السد".

وأكد "أبوزيد"، "أنه لابد من الجدية في مفاوضات سد النهضة للوصول إلى اتفاق حول الملء والتشغيل لسد النهضة، واستئناف الدراسات المتوقفة"، معتبرا "أنه من الصعب الوصول إلى اتفاق نهائي قبل تشكيل حكومة انتقالية في السودان، ولكن لا يجب أن يطول الانتظار فمن الممكن أن يشارك الحكم الانتقالي في عملية التفاوض لأنه موضوع حيوي ومهم ولابد أن يتمتع بالجدية الكافية".

وأكد مصدر دبلوماسي رفيع المستوى بجامعة الدول العربية "أن البلدان العربية تواجه أزمة مياه مزمنة وترتبط بالأساس بواقع أن جميع الأنهار العربية تنبع من أراضٍ غير عربية"، وأوضح "أن طبيعة العلاقة بين البلدان العربية ودول المنابع غير العربية هي التي تحدد شكل العلاقة في ملف المياه"، مشيرا إلى "أن الجامعة تدعم إدراج ملف المياه ضمن ملفات التعاون وعدم عزل هذا الملف وتسييسه"، وأضاف "أن الجامعة العربية والمجلس العربي للمياه لديهما استراتيجية يعملان على تحديثها لتعزيز التعاون مع الدول غير العربية في إطار تعاوني، وأن التعامل مع دول المنابع على أنها عدو لم ينفعنا في الماضي ولن ينفعنا مستقبلا".

وتابع: "الجغرافيا حكمت علينا أن نكون دول مصب وليس دول منبع، وعلينا أن نعمل سياسيا بشكل ينصف الدول العربية، وأعتقد أن تجربة التفاوض بين العراق وتركيا وايران كانت مجدية خلال السنوات الأخيرة، ومصر أيضا تسير في الاتجاه الصحيح من خلال وضع إطار للتنمية الإقليمية ولها ميزة نسبية في كون اقتصادها أقوى من دول منابع النيل مما سيشكل آفاقاً للتفاوض وتحسين التعاون بين دول الحوض".

 

 

ترشيد استخدام المياه

وفي مواجهة الفقر المائي الذي تعانيه مصر، الذي يعني أن نصيب الفرد من المياه انخفض إلى أقل من 600 متر مكعب، اتجهت الدولة لجعل ملف ترشيد المياه ضمن أولى أولوياتها، وقال المهندس ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب، "إن الشركة تعمل على التوعية بترشيد الاستهلاك من خلال حملة قومية ممنهجة بمشاركة أكثر من 11 وزارة ومؤسسة بالدولة تحت شعار (كل نقطة بتفرق) التي تخصص أسبوعا من شهر مارس (آذار) من كل عام يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للمياه من أجل توعية قرية في كل محافظة، وتكثيف التعاون مع وسائل الإعلام، كما قامت الحملة العام الماضي بتوعية ما يصل إلى 9 ملايين مواطن من خلال الاتصالات الجماهيرية والاتصال المباشر".

وأكد رسلان "أن تركيب القطعة الموفرة يسهم في توفير نحو 50% إلى 70% من الاستهلاك، ما يعني ضمان توفير نصف الاستهلاك على الأقل، وتعمل الشركة القابضة حاليا على تعميم استخدامها على كل المؤسسات الحكومية، فضلا عن تعميم استخدام عدادات المياه مسبقة الدفع في المصالح الحكومية والمدن الجديدة".

تعويض العجز بالمياه الرمادية والمعالجة الثلاثية

وبحسب "رسلان"، "فإن الدولة تقوم أيضا بتعزيز الاستفادة من المياه "الرمادية" التي تستخدم في المنازل وأغراضها المتعددة، وتعالج من خلال شبكات مياه خاصة لري الحدائق على سبيل المثال"، مشيرا إلى "أن هذه التجربة تم تطبيقها بتوسع في منطقة البحر الأحمر وأيضا بصورة أقل في محافظة الإسكندرية"، مشيرا أيضا إلى "التوسع في استخدام أفضل تقنيات معالجة مياه الصرف الصحي من خلال المعالجة الثلاثية بحيث يستفاد منها في الزراعة"، مؤكدا "أن المعالجة الثلاثية تسهم في تحسين نوعية المياه في المصارف وتوفير كميات كبيرة منها".

ونظمت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي على مدار اليومين الماضيين، ورشة عمل "إعداد خطط عمل التوعية للعام 2019-2020" ومراجعة أدلة تنفيذ الأنشطة ومعايير التقييم"، لمديرين إدارات التوعية والخطوط الساخنة بشركات مياه الشرب والصرف الصحي من مختلف محافظات مصر، وبحضور ممثلي وزارات الأوقاف، والثقافة، والتنمية المحلية، والموارد المائية والري، والشباب والرياضة، والإنتاج الحربي، وممثلي الأزهر الشريف والكنيسة، كما شارك بالورشة عدد من خبراء الإعلام لتحديد أهم المداخل الإقناعية من خلال منهجية علمية مدروسة، كما شارك بها العديد من المبادرات الشبابية مثل مبادرة "Save Egypt Water" لتجنب العجز المائي.

وأكد المهندس ممدوح رسلان على "أهمية وضع منهجية علمية مدروسة لتغيير السلوكيات والممارسات الخاطئة في التعامل مع المياه، ونشر الوعى بأهميتها والحفاظ عليها، وفتح قنوات اتصال جديدة للتواصل مع المواطنين من خلال تطبيق الهاتف المحمول "125" لنشر رسائل التوعية، وتلقي الشكاوى".

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة