Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة الطيران بين روسيا وجورجيا هل هو اختراق للعقوبات؟

مخاوف في أبخازيا من احتمالات "ضياع الحماية" وتظاهرات في تبليسي ضد قرارات موسكو

خبر استئناف الرحلات لم يكن مفاجئاً لكثيرين في جورجيا (رويترز)

ملخص

إلغاء التأشيرات الروسية لمواطني جورجيا يعيد النظر في طلب تبليسي الانضمام لـ"الناتو"

لعله من الغريب أن تكون خطوة إلغاء التأشيرات واستئناف الرحلات الجوية، وبدلاً مما ترومه موسكو من جنوح نحو الوفاق والاتفاق مع جورجيا، مبرراً لاحتدام الجدل وانفجار مزيد من الخلافات والشقاق داخل ومع هذه الجمهورية، التي لطالما ارتبطت بها منذ أولى سنوات الإعلان عن تأسيس الاتحاد السوفياتي السابق عام 1922، بعلاقات وحدوية تاريخية، فما إن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراره حول إلغاء التأشيرات الروسية لمواطني جورجيا، واستئناف رحلات الطيران بين البلدين، حتى عادت فصائل المعارضة الجورجية ومعها رئيسة الجمهورية سالومي زورابيشفيلي الفرنسية الجنسية، إلى التلويح بسابق شعارات العداء لروسيا وتوجهاتها، وذلك في الوقت نفسه الذي كشفت فيه "جمهورية" أبخازيا، التي سبق وانفصلت عن جورجيا من جانب واحد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، عن مخاوفها من احتمالات تخلي موسكو عن دعمها وحمايتها التي سبق وعاشت في كنفها لعقود طويلة.

وكانت جورجيا تكاد تكون "الشقيقة" الأولى التي اتسمت علاقاتها مع روسيا منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي السابق بكثير من التوتر والارتباك، لتعود وتتحول إلى ما هو أقرب إلى العداء بعد اندلاع "ثورة الورود" عام 2003، الأولى في سلسلة "الثورات الملونة" التي اجتاحت بلدان الفضاء السوفياتي السابق، ومنها "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا عام 2004، و"ثورة السوسن" في قيرغيزيا في 2005، ولم يمض من الزمن كثير حتى بلغ الأمر حد "غزو" القوات الروسية لأراضي جورجيا عام 2008، رداً على محاولة القوات الجورجية استعادة جمهورية "أوسيتيا الجنوبية"، وما أعقب ذلك من اعتراف روسيا باستقلال كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا، وعقد عديد من اتفاقيات التعاون مع هاتين "الجمهوريتين" في مختلف المجالات وفي مقدمتها العسكرية.

"الثورات الملونة"

ومن اللافت أن إصدار الرئيس بوتين قراره حول إلغاء التأشيرات وعودة الطيران، جاء في توقيت مواكب لاستمرار "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا من جانب، ولإصرار الحكومة الجورجية على رفضها لطلب أوكرانيا الانضمام إليها في معركتها ضد روسيا، على رغم سابق انحيازها إلى جانبها في "حربها" ضد روسيا في أغسطس (آب) 2008، من جانب آخر. كما يتوقف المراقبون كذلك عند صدور هذا القرار في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها جورجيا في مارس (آذار) من العام الجاري، وما جرى من محاولات استغلالها لتكون مبرراً جديداً لإشعال نيران موجة جديدة من موجات "الثورات الملونة"، على غرار تلك التي سبق وأطاحت في 2003، برئيسها السابق إدوارد شيفرنادزة. وكان مراقبون كثر ألقوا بمسؤولية تدبير تلك الأحداث آنذاك على الولايات المتحدة، في الوقت الذي يعتبرون صدور القرارات الروسية الأخيرة، محاولة من جانب موسكو "لإذابة ما تراكم من جليد على طريق التقارب مع جورجيا"، والعودة إلى ما سبق واتخذته من قرار مماثل حول إلغاء التأشيرات لمواطني جورجيا، واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين عام 2019، الذي كانت موسكو عادت وتراجعت عنه لأسباب يظل الغموض يكتنف كثيراً من جوانبها.

غير أن هناك من خصوم التقارب بين البلدين من يقول "إن خبر استئناف الرحلات لم يكن مفاجئاً لكثيرين في جورجيا، إذ كانت موسكو وتبليسي تبادلتا العلاقات الدبلوماسية، حتى قبل توقيع الرئيس الروسي لما أصدره من مراسيم". وثمة من اعتبر منهم استئناف الرحلات الجوية "أمراً غير مقبول" على خلفية الحرب في أوكرانيا، واتهموا السلطات الجورجية بـ "التعاون مع روسيا في قطاع الطيران"، وكانت الرئيسة سالومي زورابيشفيلي أعلنت قرارات موسكو بوصفها "أمراً غير مقبول طالما استمرت روسيا في حربها على أوكرانيا"، فيما وصفتها بأنها "عمل استفزازي جديد"، وهو تقدير يبدو قريباً من اعتبار فصائل المعارضة الجورجية لهذه القرارات الروسية وكأنها "مكافأة" على الموقف المتحفظ للسلطات الجورجية وحزبها الحاكم في شأن "الحرب" في أوكرانيا. وكانت المعارضة الجورجية اتهمت السلطات الحاكمة أيضاً باتباع نهج موال لروسيا، في الوقت الذي يشهد تدهوراً في علاقات السلطات الرسمية في جورجيا، مع كييف على خلفية "الدعاية المعادية لأوكرانيا وحلفائها من البلدان الغربية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الملاحظ أن هذه التقديرات تصطدم بأخرى تقف منها على طرفي نقيض، وتشي بكثير من الارتياح، على غرار ما كشف عنه عدد من ممثلي حزب "الحلم الجورجي" الحاكم، ومنهم وزير خارجية جورجيا إيليا داركياشفيلي ورئيس حكومتها أيراكلي غريباشفيلي من ترحيب واضح باستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، واعتباره "ضرورة للمواطنين الجورجيين الذين يعيشون في روسيا"، وذلك ما أعرب عنه رئيس الحكومة الجورجية أيراكلي غريباشفيللي في قوله "إن هناك ما يقرب من مليون شخص من أصل جورجي، موجودون في روسيا، ولديهم أقارب وأفراد عائلات وأقارب هنا، وبالطبع، فمن المهم جداً تسهيل تنقلهم"، وإن سارع آخرون إلى تأكيد "أن العدد لا يزيد على 113،687 من أصل جورجي في روسيا الاتحادية، وفق تعداد عام 2020". أما عن التزام الحكومة الجورجية العقوبات الغربية ضد روسيا، فتقول المصادر في تبليسي إنه "على رغم حقيقة أن جورجيا صوتت لصالح عقوبات دولية ضد روسيا، فقد امتنعت الحكومة عن فرض عقوباتها الخاصة".

بغرض التصالح؟

أما عن مواقف الجانب الروسي، فقد نقلت المصادر الإعلامية عن دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، ما قاله حول إن ما وقعه الرئيس بوتين من مراسيم "قرارات إنسانية"، فسرها ليونيد كالاشنيكوف، رئيس لجنة مجلس الدوما لشؤون رابطة الدول المستقلة (السوفياتية السابقة)، بأنها "خطوة تعكس الاهتمام بمصير المواطنين الروس، وليس علامة على المصالحة بين موسكو وتبليسي". وأضاف كالاشنيكوف "روسيا ألغت تأشيرات دخول مواطني جورجيا، ورفعت الحظر المفروض على الرحلات الجوية، ليس بغرض التصالح أو عدم التصالح، كما أنه ليس تعبيراً عن التنازل بطريقة أو بأخرى عن مواقف موسكو تجاه أبخازيا أو أوسيتيا الجنوبية". ولمزيد من التفسير أضاف كالاشنيكوف "إن ذلك جرى اتخاذه من أجل تسهيل حياة المواطنين". ومع ذلك فقد ظهر من يرى في الأمر أسباباً أخرى، على غرار ما أشار إليه قسطنطين زاتولين، النائب الأول لرئيس لجنة شؤون البلدان المستقلة، من "اعتبار القرار حافزاً على تحسين الخدمة السياحية في أبخازيا على ضفاف البحر الأسود". ونقلت صحيفة "جازيتا رو" الإلكترونية عن زاتولين ما قاله أيضاً حول أنه لا يستبعد الاعتراف بأن أبخازيا قد ترى في خطوات روسيا نحو التقارب مع جورجيا، تهديداً لوضعها السياسي". لكنه سارع إلى تأكيد "أن سكان الجمهورية ليس لديهم ما يخشونه". وذلك في الوقت الذي اعتبرت وزارة الخارجية الروسية من جانبها أن ما اتخذه الرئيس بوتين من قرارات وصفتها بالمبدئية، "يستهدف تسهيل التواصل والاتصالات بين مواطني روسيا وجورجيا، بغض النظر عن غياب العلاقات الدبلوماسية بين البلدين"، التي سبق وأعلنت تبليسي عن قطعها مع روسيا منذ اندلاع الحرب الروسية - الجورجية عام 2008.

ويذكر المراقبون في هذا الشأن أن الجانبين سبق واختلفا حول قضية إلغاء التاشيرات واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين عام 2019، لأسباب تعلقت بضرورة "ضمان سلامة المواطنين الروس من جانب، وبما طالبت به موسكو من وقف للدعاية المضادة لروسيا في وسائل الإعلام الجماهيرية الجورجية من جانب آخر، وهي الأمور نفسها التي لم يتوصل الجانبان إلى أية حلول لأي منها حتى اليوم، بل وهناك من الأوضاع الراهنة ما يزيد من تفاقم الموقف بين البلدين، على ضوء تصاعد المعارك القتالية بين القوات الروسية، ومثيلاتها الأوكرانية المدعومة من جانب الولايات المتحدة وما يزيد على 50 من الدول الغربية، بما فيها بلدان "الناتو". ومما يزيد الأمر إثارة وغرابة، أن يصدر قرار إلغاء التأشيرات واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين في وقت تكشف فيه بعض استطلاعات الرأي في جورجيا عن اعتبار ما يزيد على 80 في المئة من المشاركين فيها من الجورجيين، لروسيا بوصفها "الخطر الرئيس" الذي يهدد المنطقة!

ردود أفعال بالغة الحدة

ولعل المتابع لما يجري على صعيد تنفيذ ما أعلنه الرئيس بوتين من قرارات دخلت حيز التنفيذ اعتباراً من 15 مايو (أيار) الحالي، يمكن أن يرصد ارتياحاً واسع النطاق من جانب بعض المواطنين من البلدين، في الوقت نفسه الذي تتصاعد فيه احتجاجات وردود أفعال بالغة الحدة، ليس فقط من جانب القوى المعارضة للحكومة الحالية، ورئيسة الجمهورية زورابيشفيلي، بل وأيضاً من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وكان ممثلو الاتحاد الأوروبي سارعوا إلى تذكير السلطات الجورجية بما تقدمت به من مطالب وما أعربت عنه من رغبات حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وأعلنت السلطات المسؤولة في بروكسل عن موقفها الذي يتمثل في أن جورجيا في حال تمسكها بما سبق وطالبت به من "وضعية دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي"، فإنها تظل مدعوة إلى الامتثال بتنفيد ما صدر من عقوبات ضد روسيا، كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن مطالبتها لتبليسي، بالالتزام بما صدر عنها من بيانات تقول، "لقد نأى المجتمع الغربي بأكمله بنفسه عن النظام الروسي، والآن ليس الوقت المناسب لأي دولة لتوسيع تفاعلها مع روسيا". ولعل ذلك يمكن أن يكون تفسيراً لما شهدته تبليسي من "وقفات احتجاجية" على مقربة من مبنى وزارة الخارجية الجورجية من جانب ممثلي المعارضة ونشطاء المجتمع المدني ضد إلغاء روسيا لنظام التأشيرات، وما يعتبرونه بمثابة "خطوات تهدف إلى تقريب جورجيا من روسيا الاتحادية"، على النقيض مما سبق ورفعته حكومات جورجية سابقة من شعارات تضع "الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو" في صدارة توجهاتها وأهدافها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير