Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا تحرز انتصارا في جورجيا

على أميركا أن تتصرف بصرامة مع تبليسي

متظاهرون في تبليسي، جورجيا، مارس 2023 (إيراكلي جيدينيدزه / رويترز)

ملخص

ثمة أدلة متزايدة على أن حكومة "الحلم الجورجي" تساعد #روسيا على التهرب من #العقوبات_الغربية

بينما تركز الولايات المتحدة، وحلفاؤها في الناتو، على حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، يغفل الجميع عن المساعي التي تبذلها روسيا من أجل ضم دولة أخرى إلى فلكها. وعلى غرار دول كثيرة كانت في يوم سابق جزءاً من الاتحاد السوفياتي، جزء من سكان جورجيا يؤيد الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، إلى حد كبير.

وتعاظم هذا التوجه بعد غزو موسكو للبلاد عام 2008، وانتهى باحتلال نحو 20 في المئة من الأراضي الجورجية. ورغم ذلك، لم يفشل قادة جورجيا الحاليين في دعم أوكرانيا، في كفاحها ضد العدوان الروسي فحسب، بل فاقموا الجهود الرامية إلى نشر البروباغندا المعادية للغرب، وحصلوا على ثناء موسكو على عدم مشاركتهم في العقوبات والقيود التجارية التي فرضها الغرب على روسيا، وشنّوا على المجتمع المدني الناشط في جورجيا حملةَ قمع صارمة على الطراز الروسي. ففي مارس (آذار)، حاولوا إبرام قانون يصنّف منظمات المجتمع المدني الموالية للغرب والمؤيدة للديمقراطية منظمات عميلة لـ "جهات نفوذ أجنبية" [عملاء أجانب]. وبدعم وتشجيع من موسكو، تنشئ الحكومة الجورجية دولة استبدادية على صورة روسيا.

وما يثير مخاوف كبيرة من انزلاق تبليسي إلى حكم استبدادي هو أنّ رجلاً واحداً يقود معظم هذه المسيرة هو: بيدزينا إيفانيشفيلي. وهو ملياردير انعزالي، وزعيم حزب، وصاحب سلطة ونفوذ كبيرين. ورغم تولّيه رئاسة الوزراء مدة وجيزة في 2012-2013، لم يعد إيفانشفيلي يشغل أي منصب رسمي في الحكومة.

لكن بصفته المؤسس والرئيس السابق لحزب "الحلم الجورجي" Georgian Dream، وهو حزب شعبوي موالٍ لروسيا على نحو متعاظم- فرض سيطرة شاملة على مؤسسات الدولة في جورجيا. ويحكم إيفانيشفيلي جورجيا بواسطة وكلائه في أثناء معظم العقد الماضي.

ويخشى إيفانيشفيلي، وهو جمع ثروته الأصلية في روسيا، من أن تهدد تلبية المعايير الديمقراطية اللازمة لدمج جورجيا في الاتحاد الأوروبي قبضته على المؤسسات والحكومة الجورجية. لذا يعارض إيفانيشفيلي بشدة توطيد العلاقات بأوروبا، ويقدم على توثيق الوفاق مع موسكو.

وخلافاً للأوليغارشيين في أوكرانيا، وهم اضطروا إلى التنافس على النفوذ السياسي، لم يواجه إيفانيشفيلي أي منافسة تُذكر في جورجيا. فعمد إلى شراء الأصوات وعيّن أتباعه تدريجاً في مواقع القوة في المجلس التشريعي والمحاكم والسلطة التنفيذية.

وكما هي الحال مع الأحزاب الحاكمة في المجر وروسيا، استخدم حزب "الحلم الجورجي" المؤسسات في التمكين لقوته، وتوسيعها من طريق الانتخابات المتتالية. ووظّف صلاحياته في توطيد العلاقات بموسكو. لذا، من أجل إضعاف سيطرة روسيا على جورجيا، على الولايات المتحدة وحلفائها دعم المعارضة الديمقراطية الجورجية، واتخاذ إجراءات ضد إيفانيشفيلي، وأي مؤسسة جورجية تساعد روسيا على الإفلات من العقوبات. فقد آن الأوان لأن تفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات على أعضاء حكومة جورجيا.

أحلام محطمة

فقبل عقدين من الزمن، بدت جورجيا نموذجاً تحتذي به الجمهوريات السوفياتية السابقة في عملية "الانتقال الديمقراطي". وبعد "ثورة الورود" في عام 2003، وهي عبارة عن سلسلة من التظاهرات احتجاجاً على الانتخابات البرلمانية المتنازعة أدت إلى الإطاحة بحكومة جورجيا الفاسدة (الكليبتوقراطية)، أجرى الرئيس الجورجي الثالث، ميخائيل ساكاشفيلي، مجموعة من الإصلاحات الملحوظة.

وللمرة الأولى، اضطلعت الدولة بتقديم الخدمات لشعبها في الوقت المناسب. وعزّزت الحكومة الجديدة الانفتاح الاقتصادي، وقلصت الفساد بشكل كبير. ولكن بعد سنوات في المنصب، تجاوز ساكاشفيلي الأعراف الديمقراطية. واتهمه منتقدوه بإساءة استخدام السلطة، بما في ذلك السماح بإساءة معاملة السجناء.

وأثار الأمر ردوداً في الداخل أدّت، في النهاية، إلى ظهور حزب "الحلم الجورجي" الذي تأسس في عام 2012. وجمع الحزب، في البداية، قوى معارضة متفرقة توحّدت تحت قيادة إيفانيشفيلي. ومذذاك، طرد "الحلم الجورجي" الشركاء الموالين للغرب، الذين شكّلوا في يوم من الأيام جزءاً من ائتلافه. ومنذ تولي الحزب وإيفانيشفيلي السلطة في عام 2012، شهدت البلاد انهياراً في مؤسساتها، وبدأت تبليسي تقتفي خطى موسكو، وتقلّد سلوكها في أمور كثيرة.

وتزامن بروز "الحلم الجورجي" بشكل وثيق مع محاولات موسكو إعادة جورجيا وأوكرانيا إلى دائرة نفوذها. واكتسبت تلك المساعي زخماً للمرة الأولى في عام 2008، عندما اصطفّت جورجيا وأوكرانيا مع الغرب، وأيدتاه، وسعتا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

ورأت موسكو في هذه المبادرات تهديداً مباشراً، وسعت إلى الحؤول دونها بأي ثمن. وإلى غزوها جورجيا، في عام 2008 وشرق أوكرانيا، في عام 2014، مدت الحكومة الروسية حزب "الحلم الجورجي" بموارد تقوية باعتباره بيدقها في تبليسي. وفي عام 2022، شنت هجومها الشامل على أوكرانيا.

لكن، بعد أكثر من عام على الحرب، جاءت خطة موسكو بنتائج عكسية. وعوضاً من نصر سريع وحاسم يؤدي إلى انضواء كييف النهائي تحت لواء روسيا، أسهم الصراع في حمل أوكرانيا على الانضمام إلى الغرب بشكل راسخ، من غير أن تلوح في الأفق بادرة على نهاية الحرب. وفي الأثناء، انضمت فنلندا إلى حلف الناتو، وتخطط السويد للحذو حذوها، فيما تطالب أوكرانيا ومولدوفا بالانضمام السريع إلى الاتحاد الأوروبي.

تبليسي تسير على خطى موسكو وتقلّد سلوكها في أمور كثيرة

لكن بسبب توجهات حزب "الحلم الجورجي" المؤيدة بشكل متزايد لروسيا، خرجت تبليسي عن هذا المثال. وبينما أظهرت الدول الأخرى الواقعة على أطراف روسيا رغبة شديدة في الانضمام إلى المؤسسات الغربية، أحجمت جورجيا.

وشعر القادة الأوروبيون بالقلق من الخطاب والسياسات المعادية للغرب التي انتهجها "الحلم الجورجي". ورغم نص دستور جورجيا على التزامٍ بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، حاول حزب "الحلم الجورجي" تقويض مساعي البلاد في الحصول على عضوية المؤسسات الغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عام 2022، عندما كان الاتحاد الأوروبي يناقش منح جورجيا وضع المرشح، سجنت سلطات البلاد نيكا جفاراميا، الرئيس التنفيذي لوسيلة إعلامية جورجية مستقلة بتهمة الاختلاس وإساءة استخدام منصبه في قناة تلفزيونية شهيرة، وهو إجراء ينتهك معايير الاتحاد الأوروبي التي تتناول حرية الإعلام.

واعتبرت بعض المنظمات، ومن بينها منظمة العفو الدولية، أنّ لتلك الاتهامات دوافع سياسية. وأدت هذه الخطوة فعلاً إلى إنهاء ترشُّح البلاد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على الأقل في المدى القصير. وعلاوة على ذلك، دانت حكومة "الحلم الجورجي" ساكاشفيلي بتهمة إساءة استخدام السلطة غيابياً، واعتقلته بعد عودته إلى جورجيا في عام 2021.

ووجّهت منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك "هيومن رايتس ووتش"، اتهاماً للحكومة بحرمان ساكاشفيلي من العلاج الطبي المناسب، بعد ادعاء هذا الأخير في عام 2023 بأن "عملاء روساً" قد سمّموه في السجن. وفي فبراير (شباط) 2023، أعربت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن مخاوفها بشأن تدهور صحته.

والجدير بالذكر أنّ طريقة التعامل هذه مع الرئيس الجورجي السابق هي محاولة أخرى من حزب "الحلم الجورجي" تهدف إلى تقويض سيادة القانون، وإلى الإضرار، تالياً، بفرصة اندماج جورجيا في الغرب.

وحين كانت تبليسي خاضعة لسيطرة "الحلم الجورجي"، ازدادت قرباً من موسكو. وبعد غزو أوكرانيا، في فبراير 2022، رفضت جورجيا دعم العقوبات الغربية على موسكو، لا بل تفاخرت بأنها انتهزت فرصاً جديدة لزيادة صادراتها إلى روسيا.

وثمة أدلة متزايدة على أن حكومة "الحلم الجورجي" تساعد روسيا على التهرب من العقوبات الغربية. وفي هذا السياق، اتهمت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية علناً الحكومة الجورجية بعقد صفقة مع موسكو لتهريب البضائع المدنية والعسكرية الغربية إلى روسيا. وزادت واردات جورجيا من الاتحاد الأوروبي بشكل كبير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ما عزز الشكوك في أن جورجيا تُستخدم ممراً للتهرب من العقوبات.

وفي يناير (كانون الثاني) 2023، أشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف علناً بالحكومة الجورجية لأنها لم تشارك في العقوبات على روسيا، و"قاومت ضغط الغرب". وفي مارس (آذار) 2022، صرح غريغوري كاراسين، المفاوض الذي عيّنه الكرملين لإجراء حوار غير رسمي مع تبليسي، أن موقف جورجيا "المتوازن" من العقوبات "لن يمر مرور الكرام" في موسكو.

المقلّدون

وبينما تنامت العلاقات بين الحزب الحاكم وموسكو، أثار إعلان الحكومة، في أوائل مارس (آذار) 2023، عن خطتها إقرار قانون "العميل الأجنبي" توتراتٍ مع المعارضة الديمقراطية الجورجية بلغت مرحلة حرجة. واستهدف التشريع المقترح مجموعات المجتمع المدني الجورجية المستقلة التي تنتقد "الحلم الجورجي"، وصيغ استناداً إلى قانون أقرته الحكومة الروسية في بداية غزو أوكرانيا، ومن شأنه أن يؤدي إلى اعتقال منتقدي "الحلم الجورجي" أو نفيهم.

ويحول سَنُّهُ وإقراره دون حصول جورجيا، في نهاية المطاف، على عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن القانون "لا يتوافق مع قيم الاتحاد الأوروبي ومعاييره".

ورغم أن المعارضة السياسية لحزب "الحلم الجورجي" كانت منقسمة وضعيفة، في أعقاب سنوات من المراقبة غير القانونية والابتزاز والسيطرة الحكومية الواسعة على وسائل الإعلام، جاء رد عدد كبير من الجورجيين على إعلان القانون المقترح قوياً، ونظموا سلسلة من التظاهرات الحاشدة في أنحاء البلاد نجحت في جذب انتباه وسائل الإعلام الغربية.

وفي المقابل، شبّهت قنوات البروباغندا الروسية والحكومة الجورجية الاحتجاجات على قانون العملاء الأجانب، باحتجاجات انتفاضة ميدان في أوكرانيا عام 2014، وهذه الاحتجاجات أجبرت الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش على ترك منصبه بعد رفضه توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وذكّر حزب "الحلم الجورجي" الجورجيين بأن طرد يانوكوفيتش أدى إلى غزو روسيا شرق أوكرانيا عام 2014، وضم شبه جزيرة القرم، وذلك في محاولة لإخافة الجورجيين وحملهم على الاعتقاد بأن روسيا قد تغزو جورجيا مرة أخرى إذا مالت إلى الغرب علناً.

وزعم قادة "الحلم الجورجي" أن البلاد آمنة طالما أن الحزب في السلطة. والحق أن أصداء هذه الرسالة تقلق بعض الجورجيين، ليس بالضرورة أولئك الذين يؤيدون روسيا، بل الذين يساورهم الشك في رسوخ أمنهم، ويخشون امتداد حرب أوكرانيا إلى بلادهم.

دعوة جورجيا للانضمام

فعلى الولايات المتحدة، وحلفائها الأوروبيين، الحؤول دون انزلاق جورجيا نحو المعسكر الروسي. وطالما عاد حكم جورجيا إلى إيفانيشفيلي وحزبه استحال حصولها على عضوية الاتحاد الأوروبي. ولكنّ قطع آمال البلاد في عضوية الاتحاد، عقاباً لحزب "الحلم الجورجي"، لا يعود بالنفع إلا على إيفانيشفيلي، وهو نفسه حاول الحؤول دون انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، منتهكاً سيادة القانون في سبيل ذلك.

وعوضاً عن معاقبة البلد كله، الاستراتيجية الأفضل هي ملاحقة إيفانيشفيلي وثروته، وإضافته إلى قائمة العقوبات الغربية. وفي 5 أبريل (نيسان) 2023، عاقبت وزارة الخارجية أربعة قضاة جورجيين بتهمة الفساد. وهي خطوة نادرة في العلاقات الأميركية - الجورجية، قد تؤدي إلى تحذير إيفانيشفيلي، وغيره من مسؤولي "الحلم الجورجي"، ونذيراً لهم بأنهم سيكونون التاليين.

ولا يزال إيفانيشفيلي يتمتع بعلاقات شخصية اقتصادية قوية مع روسيا، إلا أن جزءاً كبيراً من ممتلكاته في الدول الغربية. وليس من المنطقي استهداف مجموعة واسعة من الأوليغارشيين الروس بالعقوبات، وفي الوقت نفسه ترك الملياردير الجورجي، وهو أقرب سياسياً إلى بوتين منهم، يفلت من العقاب. وعلى الولايات المتحدة وحلفائها تطبيق عقوبات ثانوية على الشركات والكيانات الجورجية التي تساعد روسيا على التهرُّب من العقوبات.

وبعد مواجهة احتجاجات ضخمة ضد قانون العملاء الأجانب، ألغى حزب "الحلم الجورجي" هذا التشريع موقتاً. لكن من الممكن طرحه من جديد في أي وقت. ومن المحتمل أن تحسب الحكومة أنها ستتمكّن من إنهاك المعارضة ببطء وتحقيق غايتها.

ولا يزال المجتمع المدني الجورجي مخلصاً بشدة لمستقبل أوروبي أطلسي. وبدعم كافٍ من الغرب، يمكنه مقاومة مزيد من التعديات التي ترتكبها موسكو. ففي نهاية المطاف، الجورجيون هم الضحايا الأساسيون للإمبريالية الروسية، ما بعد الاتحاد السوفياتي.

وشُبّهوا بطير الكناري في منجم الفحم [في إشارة إلى أن عمّال المناجم كانوا يأخذون معهم طيور كناري في قفص كي ينذرهم بخطر نقص الأوكسجين]. لكن لم تلقَ تحذيراتهم، في عام 2008، أضعف اهتمام. وهذه المرة، يجب الإصغاء إلى تحذيراتهم، إلا إذا كان الغرب لا يمانع في استيلاء روسيا الكامل على هذه الدولة الديمقراطية والمعرّضة لأخطار داهمة.

*فرانسيس فوكوياما هو زميل رفيع الشأن لأوليفييه نوميليني في "معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية" بجامعة ستانفورد.

**نينو إيفجينيدز هي مديرة مركز أبحاث السياسة الاقتصادية في تبليسي، جورجيا.

مترجم من فورين أفيرز، أبريل (نيسان) 2023

اقرأ المزيد

المزيد من آراء