Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مثقفون روس غاضبون من إيقاظ "خيانة" يلتسين

تصاعد دعوات تطالب بإغلاق مركزه الثقافي

يلتسين (يمين) مع ميخائيل غورباتشوف 1991 (غيتي)

ملخص

حملة واسعة في روسيا ضد نشاط مركز يلتسين واتهامات تلاحق الرئيس الأسبق بـ"الخيانة"

منذ افتتاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس حكومته السابق دميتري ميدفيديف في نوفمبر (تشرين ثاني) عام 2015، مركز يلتسين الذي يضم متحفاً للرئيس الأسبق بوريس يلتسين ومعرضاً فنياً ومكتبة ومركزاً للمحفوظات وسينما ومحالاً تجارية، والجدل لا يتوقف حول وضعيته، فيما يعده آخرون أحد أسوأ رموز الماضي بكل ما حفلت به من سلبيات التسعينيات، وما سبقها من عثرات وخطايا القيادات التي شاركت في ارتكاب كارثة انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.

المخرج والفنان السينمائي العالمي نيكيتا ميخالكوف، الحائز على جوائز الأوسكار وغيرها من كبريات الجوائز العالمية، كان أول من انتقد افتتاح مركز يلتسين، مؤكداً أنه يسهم مع كل يوم جديد في "تدمير الهوية الوطنية للشعب الروسي".

ودأب ميخالكوف في كثير من حلقات برنامجه الأسبوعي التلفزيوني الشهير بيسوغون (طارد الشياطين) على انتقاد ما يقدمه المركز من أنشطة يصفها بالتخريبية، بما تتضمنه من تحريف لتاريخ روسيا، وما تستهدف غرسه من مُثُل ونماذج غربية ضارة، على غرار ما ينادي به الملياردير الأميركي جورج سوروس صاحب أفكار "الثورات الملونة" وشعاراتها.

غضب عائلة الرئيس

وقد أثار كل ما يتردد من انتقادات في حق مركز يلتسين بلغت حد المطالبة بإغلاقه، غضب عائلة الرئيس الروسي الأسبق وقرينته التي انتفضت للدفاع عن سيرة زوجها وتاريخه، ومشروعية الإبقاء على هذا المركز. وكانت ناينا يلتسينا قرينة الرئيس الأسبق بوريس يلتسين أول من انبرت للتعليق على ما دأب الفنان العالمي المعروف بعلاقته الوثيقة بالكرملين على توجيهه من انتقادات، وصفتها بـ"إلقاء الأحطاب في أتون نقد عصر كان سيئا مقارنة بالخير الحالي".

توقفت ناينا لطرح مجموعة من الأسئلة، "من سيكون وجه ذلك العصر السيء (حقبة التسعينيات) إن لم يكن أنت يا نيكيتا ميخالكوف؟ ألم تكن من المخرجين السينمائيين السوفيات البارزين ممن لم يضيعوا فرصة تصوير الأفلام ذات الميزانية الكبيرة التي انتقدت فيها الحياة السوفياتية الماضية؟ وبالمناسبة، شخصياً أحببت هذه الأفلام، ومن كان المقرب من الرئيس يلتسين؟ ومن أوضح موقفه على شاشة التلفزيون؟ لماذا لا يحق للشخصيات الثقافية الابتعاد عن الرئيس بتصنيف ناقص؟ يبدو أنك قلت شيئاً كهذا: (مهمة المثقفين وكل من يحب بلدهم هي الحفاظ على القوة التي يمكن أن تخرج البلاد من الدمار، وتمنع الفوضى) لقد دعمتها".

 

 

ولم يكن ما قالته ناينا يلتسينا، بعيداً عن الحقيقة، بنفس القدر الذي يبدو فيه ميخالكوف أيضاً قريباً من واقع وحقيقة ما يسرده من انتقادات، بل ويكيله من اتهامات في حق الرئيس الأسبق وصحبه الذين أدمنوا السير في ركاب ممثلي الدوائر الليبرالية الغربية، خصماً من رصيد المصالح القومية للوطن، وهو ما أكده الرئيس بوتين في أكثر من مناسبة.

وبينما حظيت حملة ميخالكوف المضادة لنشاط المركز واستمرار وجوده بكثير من الدعم والتأييد بين ممثلي الأوساط السياسية والاجتماعية في الداخل الروسي، انطلاقاً من مواقف الشجب والإدانة لكثير من سياسات وقرارات يلتسين، وما اتسمت به من "ميول غربية الهوى" و"تفريط في المصالح الوطنية للبلاد"، حرصت المصادر الرسمية للكرملين على أن تبدو مواقفها من هذا الجدل المحتدم حول هذه القضية أكثر مرونة وابتعاداً عن الحسم.

العميل الأجنبي

وتعليقاً على الدعوات التي تنادي بضرورة إدراج مركز يلتسين بوصفه منظمة تنطبق عليها وضعية "العميل الأجنبي" وتسجيلها لدى وزارة العدل الروسية وإخضاع أنشطتها إلى الرقابة، اكتفى الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بالقول "إن هناك معايير معينة للوكيل الأجنبي في القانون، ووزارة العدل في الواقع تسترشد بهذه المعايير المنصوص عليها بوضوح في القانون".

أما عن علاقة الرئيس بوتين شخصياً بمركز يلتسين، قال بيسكوف "لا أستطيع الإجابة بالضبط، لكنني أعلم أنه زار هذا المركز مرة واحدة". وأضاف الناطق باسم الكرملين أنه لا يعرف شيئاً عن الأسباب التي تدعو إلى مثل هذه الجلبة، مناشداً المعارضين لوجود المركز، التريث وعدم التسرع في إصدار الأحكام، والتركيز على ما قد يظهر من أخبار أو حالات أو معلومات موثوقة حول وقوع أعمال مناهضة للدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مرونة الكرملين هذه تزامنت مع طرح ممثلي بعض الأوساط الثقافية في موسكو، ومنهم الفنانة ماريا شوكشينا، اقتراح إغلاق المركز وافتتاح ما يسمى بالمركز السلافي بديلاً عنه. كما انضم آخرون من ممثلي الأوساط البرلمانية إلى ذات التوجه. ومن هؤلاء أنستاسيا أودالتسوفا عضو مجلس الدوما عن الحزب الشيوعي التي توجهت بندائها إلى الرئاسة الروسية تطالب بإغلاق مركز يلتسين في يكاترينبرج، وعدم افتتاح أي أفرع أخرى له في موسكو.

كما طالبت أودالتسوفا بإزالة اسم بوريس يلتسين كأول رئيس لروسيا الاتحادية من أسماء مكتبات الدولة والمتاحف. وتقدمت بنداء آخر إلى مكتب المدعي العام للدولة الروسية تطالب فيه بالتحقيق في الأنشطة المالية والاقتصادية للمركز، فيما راحت تعيد إلى الأذهان ما شهدته الدولة الروسية من فظائع وكوارث خلال عهد يلتسين، إلى جانب ما أسهم به من أدوار محورية فيما لحق بالاتحاد السوفياتي من انهيار وخراب.

وفي الوقت نفسه الذي أعلن فيه زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف عن انضمامه إلى ممثلي الأحزاب البرلمانية الأخرى المعارضة لاستمرار وجود المركز، كشف عن تقدمه بطلب استبداله بآخر تاريخي أو علمي أو تقني للشباب في المدينة.

رفض الشيطنة

لكن الحملة السابقة لم تمنع وجود آخرين ممن يحاولون التوصل إلى ما يمكن تسميته بالحل الوسط، ومن هؤلاء أندريه كوزنيتسوف عضو التحالف البرلماني (روسيا العادلة - الوطنيون - من أجل الحقيقة)، الذي اقترح تخليص مركز يلتسين من الذاتية الأيديولوجية للأشخاص المعنيين، على حد تعبيره، إلى جانب ما قاله حول ضرورة الابتعاد بنشاط المركز عن محاولات تمجيد الرئيس الأسبق، وإن أشار في الوقت نفسه إلى ضرورة الابتعاد عن محاولات "شيطنته" كذلك.

وللمزيد من الحلول الوسط للخروج من الأزمة الراهنة، اقترح آخرون ومنهم ساردانا أفكسنتييفا عضو مجلس الدوما ونائبة رئيس حزب "الشعب الجديد"، إجراء استفتاء شعبي يشارك فيه مواطنو يكاترينبرج لتحديد مستقبل مركز يلتسين.  

ورغم أن مركز يلتسين كان اتخذ من "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، موقفاً مضادا، شأن عدد من المواقع والأجهزة الإعلامية التي انتقدت اندلاع المعارك القتالية في 24 فبراير (شباط) 2022، فإن قراراً بإغلاقه أو حجبه، مشابهاً لما صدر في حق إذاعة "صدى موسكو"، وقناة تلفزيون "دوجد"، ومؤسسة "ميموريال" وغيرها، لم يصدر بعد عن مكتب المدعي العام بسبب "التحريض على التطرف والتزوير حول العملية خاصة لتحرير دونباس".

وفي هذا الصدد، قال المخرج نيكيتا ميخالكوف إن مركز يلتسين في يكاترينبرج يسبب ضرراً لا يقل عن محطة إذاعة "صدى موسكو" ورئيس تحريرها السابق أليكسي فينيديكتوف (تم تقديمه في سجل الوكلاء أو العملاء الأجانب). ولذا، وحسب اعتقاده، فإنه من "غير العدل ألا يتم الاعتراف بالمركز حتى الآن كوكيل أجنبي".

ومن المفارقات التي تثير كثيراً من الدهشة والغرابة معاً، أن ما أعلنه ويعلنه ميخالكوف من مواقف وتقديرات طرح الكثير من جوانبها داخل المجالس التشريعية الفيدرالية، حيث حظي بتأييد واسع النطاق من جانب أعضائها، يلقى تعاطف ودعم كثيرين من ممثلي الأوساط الفنية والثقافية والإعلامية، ومن هؤلاء فلاديمير ميدينسكي وزير الثقافة الروسية السابق المستشار الحالي للرئيس بوتين، وفلاديمير سولوفيوف أحد أكبر الشخصيات الإعلامية المعروفة بعلاقاتها الوثيقة بالكرملين.

وقد شن ميدينسكي حملة انتقادات واسعة للقائمين على نشاط مركز الرئيس الروسي الأسبق في يكاترينبرج بقوله "إنه يدمر حقاً الوعي الذاتي القومي ويقضي، من بين أمور أخرى، على يلتسين نفسه".

 

 

شواهد إدانة

ويبدو ما يشبه الإجماع بين ممثلي الدوائر المحافظة في المجتمع الروسي أن يلتسين خان الحزب الشيوعي وأفكاره التي خدمها لعقود عديدة خلال الحقبة السوفياتية، ليتحول لاحقاً إلى الاتجاه المعاكس ويصبح زعيماً للحركة المناهضة للشيوعية أوائل التسعينيات، بل مضى إلى ما هو أبعد، بعد أن شغل منصب رئيس روسيا، ليقضي في معرض المنافسة مع ميخائيل غورباتشوف على الاتحاد السوفياتي، ويستعيد الرأسمالية التي سبق ووصفها عدد من نجوم المرحلة بأنها "الرأسمالية المتوحشة"، على حد تعبيرات مراقبين كثر في موسكو.

ولعل هذا ما توقف عنده نيكولاي أطلسوف نائب مجلس الدولة الروسي عن الحزب الشيوعي في تتارستان في مقال نشره موقع كازان فيرست تحت عنوان "تضخيم العار"، متسائلا "ألم يحن الوقت لإغلاق مركز يلتسين؟". وضرب البرلماني التتاري بعضاً من الأمثلة التي يروج لها مركز يلتسين، مما وصفها بـ"القيم غير التقليدية" لروسيا التي قال إن لها جذوراً قوية في يكاترينبرج، بوصفها دليلاً على "أن أنشطة "مركز يلتسين" مدمرة، حسب تقديره.

ومن الأنشطة التي يقوم بها مركز يلتسين وتوقف عندها نيكولاي أطلسوف، توزيع "كلمات الأورال" الذي وصفه بـ"الكتاب الفاضح"، حيث يحتوي على كلمات وتعبيرات يزعم أنها تستخدم بنشاط من قبل سكان يكاترينبرج وتشيليابينسك وبيرم.

واستشهد أطلسوف ببعض مما ورد في "الكتاب - القاموس"، ومنه على سبيل المثال، كلمة "تعفن" تعني "العيش في روسيا"، أو مثال آخر كاسم إيفان الذي يعني "الروسية الغبية". كما توقف أمام عرض مجموعة مختارة من "أفضل الأفلام القصيرة للأطفال"، في إطار "النموذج السويدي"، جرى الإعلان عن أنها "بدون قيود عمرية"، ما كان يكفل السماح بحضور الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً ممن تيسر لهم مشاهدة فيلم عن المراهقين المشاركين في الجنس والتدخين وشرب الكحول.

وفي محاولة لتبرير هذه "الكارثة"، أوضح ممثل مركز يلتسين، أن الأفلام قدمتها القنصلية السويدية، لكن ذلك لم يحل دون انفجار القضية وتسببها في "فضيحة رفيعة المستوى"، على حد تعبير كثيرين من المتابعين لهذه القضية المثيرة للجدل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل