Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 شخصيات "متاهة الأوهام" تقع في حيرة كافكاوية

المغربي محمد سعيد احجيوج يؤدي لعبة السرد المزدوج من داخل الحكاية

لوحة للرسام سموقان أسعد (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

لعبة سرد مزدوج من داخل الحكاية في رواية المغربي محمد سعيد احجيوج "متاهة الأوهام"

يخوض الكاتب المغربي الشاب محمد سعيد أحجيوج في روايته الثانية بعنوان "متاهة الأوهام" (دار نوفل 2023) تجربة روائية، طارحاً فيها تحديات على نفسه وأسلوبه منذ البداية. ثم  يطرح على القراء ما يمكن إدراجه في خانة "فن الرواية" أو ما يمكن تسميته "ميتا رواية". أي النظريات التي يمكن انطباقها على الرواية، على رغم تمتع الرواية الجديدة بمواصفات الرواية، من حيث صدقيتها وشخصياتها النموذجية وإطارها المكاني (مدينة طنجة) وحبكتها الغريبة لا الغرائبية التي أفصلها لاحقاً.

ولكن قبل الكلام على الرواية تحلو لي الإشارة إلى جملة دالة وردت في كتاب "فن الرواية" للكاتب ميلان كونديرا، يقول فيها: "إن الرواية جنة متخيلة للأفراد، بل هي الأرض حيث لا يملك أحد الحقيقة". وبناء عليه تطلق حرية الكاتب في بناء شخصياته على هواه، وتجميع صفاتها مما يعرفه من الشخصيات الواقعية، أو مما يمكن استخلاصه من سجلات المشافي والسجون ومراكز المخابرات وقيود العائلات وغيرها، على ما اعتمدته الرواية الواقعية من عهد بلزاك وفلوبير أواسط القرن الـ19.

حبكة الرواية، المقسمة ثلاثة كتب، أو ثلاثة فصول، هي حبكة بسيطة وغير متفرعة أو متداخلة مع حبكات أخرى، إذ تتبدئ شخصية كاتب شاب، متزوج حديثاً، وله طفلة وزوجة، وهو الراوي نفسه، ولكن بصيغة المخاطب، يفهم منه أنه واقع في ورطتين، الأولى مهنية لكونه طرد من وظيفته "منذ شهر"، والثانية - وهي الأهم - أنه بات عاجزاً عن الإبداع، وسط اهتمامات منزلية مثل تغيير حفاظة الطفلة الوليدة، والرد على مكالمات غريبة. مع ذلك، يتوصل إلى كتابة عنوان روايته "متاهة الأوهام"، ويتابع سرد تفاصيل يومه على أنها جزء من هذه الرواية. وكأن الكاتب يرغب في أن يبين للقراء مسار تكوين الرواية في أثناء سرد وقائع وتفاصيل وأوصاف، كانت لا تزال جارية، للراوي ولغيره في خلال الكتابة، قبلها وبعدها، بخلاف الروايات التي تبنى على الوقائع المنصرمة وأوصاف الشخصيات والأماكن المنظور إليها عن بعد، أو المعاد تركيبها من الذاكرة والمخيلة.

دائرة المراقبة

وبينما هو كذلك، واقع في حيرة من أمر الحبكة المقترحة للعنوان (متاهة الأوهام)، إذا به يتلقى اتصالاً من مديرية مراقبة التراب الوطني (أو الأمن العام) يدعوه فيه أحد المسؤولين الأمنيين (العميد ش.) إلى لقاء يجري بعد أيام. ولكن، يحدث أن يلتقي بإسراء، الفتاة التي يغازلها، فتخطر له للحال، فكرة قديمة مفادها بأن يكتب رواية عن شخص يدعى "جواد"، اكتشف للتو خيانة زوجته له، وأراد الانتقام منها، فالتقى برجل ملتحف سواداً، يمنحه سلطة التحكم بشيطان الانتقام. وإذا بجواد الساعي إلى الانتقام يتحول، في اليوم التالي، إلى مسخ، على الطريقة الكافكاوية، يمضي إلى ملاحقة الزوجات الخائنات أينما كن ليقتلهن، على صورة شهريار في حكايات "ألف ليلة وليلة".

ويصل أخيراً إلى دائرة مراقبة التراب الوطني، وبينما هو منتظر دخول العميد ش. إلى القاعة، قال الراوي الكاتب لنفسه ما مفاده بأن من الخير أن يؤلف مشهداً لروايته، من أن يقضيه منتظراً. وبالفعل، يروح الكاتب يتصور نفسه إلى جانب امرأة فاتنة، تقود سيارتها، في شارع محمد الخامس، وتتحرش به، ثم تقوده إلى شقتها، عارضة عليه أن يقيم معها علاقة وامرأتين أخريين. وفي النهاية تبين له أن المرأة تدعى "حنان" وهي جارته، مقيمة في البناية نفسها، وأن المرأة فعلت ما فعلته انتقاماً من زوجها الضابط الذي خانها مع عشيقة قائده.

من النافل الكلام على ختام الحبكة التي يتوقعها القارئ، أو يضع لها سيناريو ممكناً ومعقولاً، كأن يتصور أن العقيد ش. سيقترح على الراوي والمعني بالحكي، أعني شخصية الكاتب الباحث عن حكايته، أن يكتب رواية عن دور امرأة مغربية، حامل، في الإيقاع بشخص إسباني كان الرأس المدبر لحلقة الاستخبارات الإسبانية العاملة في المغرب، وكيف أن المرأة ضحت بجنينها لإقامة علاقة بهذا الإسباني قصد اعتقاله وترحيله.

ولكن ما يطرحه الكاتب محمد سعيد أحجيوج، أو يجربه في بناء الرواية العربية، هو أن يدخل إليها عناصر ليست من طبيعة السرد، أو أي من أساليب القص المألوفة، في ما يسمى بميتا الرواية، أي تلك العناصر التي تقترب أن تكون قواعد للرواية الحديثة، كأن يورد الكاتب تعريفاً للرواية وحجمها، إذ يقول: "عظمة الرواية تأتي من تناغم شكلها الخارجي مع مضمونها الداخلي". ويضيف: "حين يتعامل الكاتب مع الرواية أنها وعاء لنقل أفكاره تكون النتيجة رواية سطحية تقريرية مباشرة مليئة بالحشو يمكن الاستعاضة عنها بمقالة صحافية لا تتجاوز 500 كلمة. الرواية عندي انسجام بين الشكل والمضمون.." (ص:43).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن الأمر لا يقتصر على هذه المداخلات الجزئية التي يبثها الكاتب في تضاعيف السرد ليزيد القارئ العادي حيرة وتوهماً، في ما هو الواقعي أو الحقيقي وما هو المصطنع والمتخيل أو ما لا يمكن إدراجه في سجل السرد، بحسبه، وقد عاينه ههنا. بل يمضي إلى إيراد مقاطع سردية من روايات له سابقة، على أنها اقتراحات ممكنة لبناء رواية "مثالية"، من تلك الاقتراحات حبكة لرواية "لهيب الصحراء" عن شخصية الإرهابي "أبي حفص"، وسيل آخر من المداخلات حول الرواية، ويسوق كل ذلك التدافع السردي وغير السردي، صوت، بل سوط، يلح عليه بأن ينجز الرواية في حدود أيام سبعة، أو أسبوعين على الأكثر.

وتماشياً مع هذا التدافع، والتخالط المنمق، بلغة أدبية شيقة، يصل الراوي إلى الكتاب الثالث، أو الفصل الثالث، وفيه يتحد هاجسان، هاجس الهوية والإبداع، يتلاعب الكاتب بهما، وبنبرة مشوبة بالتهكم الخفي، فيستثمر حيناً نرجسية المؤلف الذي اسمه "محمد سعيد أحجيوج" إذ يصف نجاحاته، ونيله الجوائز على روايات سابقة، ويستعيد حيناً آخر بعضاً من حوارات جرت معه بمناسبة صدور روايته "أحجية إدمون عمران المالح"، وفيها مزيد من الإضاءات على أنماط معالجة ثيمة اليهودية في المغرب، ومفهوم الدهاليز في الرواية، ومفهوم الكاتب - القارئ المتطلب أو الموسوعي، على رأي أومبرتو إيكو، ومسألة التجريب في الكتابة الروائية، وغيرها.

ولم يزل الكاتب باحثاً عن ذاته، في النصوص السردية بين يديه، حتى وقع على بينات دال على أنه هو نفسه محمد سعيد أحجيوج من خط هذه السطور، ومن يقرأها، وأن الرواية المدفوع إلى إنجازها، من قبل أصوات واعية ولا واعية لشخصيات نموذجية، يمكن التوقف عند مدلولاتها، ومن قبل سوط الزمن الداخلي، إن هي إلا خلاصة تجارب الكاتب ورؤيته للعالم، ونزعته إلى التجديد.

يطرح الروائي أمام القارئ العربي تحديات كثيرة، وربما تكون أخطرها، أن يقبل خلطة الكاتب وحواراته ومداخلاته، على حساب مسرى الأحداث السوي، لا الدهليزي، في بنية الرواية التقليدية، ويتفاعل مع مضامينها. وقد أشار الكاتب نفسه إلى هذه الخطورة في سياق الرواية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة