ملخص
ما يجري على أرض السودان هو بشكل أو آخر صراع إرادات ونفوذ دولي يستهدف القارة الأفريقية
نهار الخميس الماضي، كان الرئيس الأميركي جو بايدن يوسع من سلطات حكومته لإصدار عقوبات تتعلق بالسودان، واصفاً الصراع على السلطة هناك بأنه "خيانة لمواطنيه، ويجب أن ينتهي سريعاً".
بايدن ومن جديد أكد ضرورة انتهاء النزاع في السودان، مهدداً بفرض عقوبات على كل من يستهدف المدنيين ويعرقل الانتقال السلمي للسلطة.
التوجه الأميركي الجديد هذا استدعى طرح عديد من التساؤلات حول موقف واشنطن من السودان أول الأمر، ومن بقية المخططات الأميركية للقارة الأفريقية، وباتت علامة الاستفهام المطروحة: هل السودان هو الأرضية التي تجري عليها لعبة الأمم في هذا التوقيت، وكمدخل للقارة الأفريقية برمتها، حيث يجري الصراع على موارد القارة البكر حتى الساعة، والتي تحتمل دولها أعمال بنية تحتية واستثمارات تحتاج إلى مئتي عام، فيما فرص الاستثمارات في القارتين الأوروبية والأميركية تتضاءلان أمام أعين المستثمرين؟
ما من شك في أن صراعاً مثيراً، بل وعنيفاً، بين واشنطن وموسكو وبكين، قد كشفت عنه أزمة السودان، والذي تتنازعه قوى قطبية لا تقيم وزناً سوى لأهدافها الاستراتيجية، ومن غير أن تعير أدنى اهتمام لمصالح السودان أو بقية الدول الأفريقية.
ويجمع عديد من المراقبين على أن واشنطن غير بريئة مما حدث أخيراً في السودان، لا سيما أنها رأت منذ فترة إرهاصات الصراع بين المكونين العسكريين فيه، والتي قادت إلى حرب الجنرالين، ومع ذلك لم تحرك ساكناً، مما يجعل من تدخلها على هذا النحو أمراً مثيراً إلى حد القلق للسودانيين، ولبقية الشعوب الأفريقية.
من أين يمكن تشخيص الحالة السودانية، والصراع الدائر هناك في هذه الأوقات العصيبة؟
"فاغنر" وحديث الكونفيدرالية الروسية
بعد نحو أسبوع من احتدام المعارك بين أطراف النزاع السوداني، خرجت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، المعروفة بقربها من البيت الأبيض ومراكز صنع القرار، بحقائق جديدة عن الوثائق الاستخباراتية التي تسربت أخيراً عن وزارة الدفاع الأميركية.
تقول بعض من تلك الوثائق، إن مجموعة "فاغنر" الروسية التي تمثل قوات مرتزقة شديدة القرب من الرئيس بوتين، تعمل جاهدة وفي الخفاء، من أجل إنشاء كونفيدرالية تضم البلاد المعادية للولايات المتحدة الأميركية، فيما يقوم هولاء المرتزقة بإذكاء الصراعات باستخدام إمكاناتهم شبه العسكرية وقدراتهم في نشر معلومات غير صحيحة، لتقوية شوكة حلفاء موسكو في القارة السمراء.
ترى ما صحة ما جاء في الوثائق الأميركية، في شأن وجود "فاغنر" في السودان وبقية أرجاء أفريقيا؟
من الواضح، وبحسب تقارير أمنية واستخباراتية على مستوى عالٍ من الدقة، أن قوات "فاغنر" لعبت دوراً واضحاً في زخم قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، في مواجهة قوات الجيش السوداني بقيادة الجنرال البرهان، ومرد وجود قوات "فاغنر"، هو حماية المصالح الروسية في السودان والتي تمضي في اتجاهين:
الأول: يخص التوجه العسكري والمتمثل في الوجود الروسي هناك، لا سيما جهة بورتسودان، حيث القاعدة البحرية الروسية التي طالما تطلعت إليها موسكو لتكون نقطة ارتكاز على البحر الأحمر، عطفاً على تزويد السودان بما يحتاج إليه من أسلحة ومعدات عسكرية.
الثاني: اقتصادي بحت، ويدور حول تعاطي الروس مع قوات الدعم السريع، عبر الذهب السوداني، والذي يرجح كثيرون أنه كان أحد العوامل التي ساعدت بوتين في تقوية خزانته، وبخاصة بعد العقوبات الأميركية والأوروبية منذ غزو أوكرانيا.
والثابت أن "فاغنر"، رأس الرمح الروسي في أفريقيا، باتت منتشرة اليوم عبر الآلاف من عناصرها، في عدد من دول القارة، ففي جمهورية أفريقيا الوسطى على سبيل المثال يدعم 1800 مدرباً روسياً، القوات الحكومية في الحرب الأهلية المستمرة، وفي ليبيا يعتقد أن هناك ما يصل إلى 1200 من مرتزقة "فاغنر" يقاتلون إلى جانب بعض الأطراف الليبية المتصارعة بدورها، كذلك يعتقد مراقبون أن المجلس العسكري الموالي لروسيا في مالي والمناهض للغرب قد جلب أيضاً مئات من مقاتلي "فاغنر" إلى البلاد.
هل يفهم تحذير بايدن الأخير على أنه إنذار لـ"فاغنر"، وغيرها وممن يساعدهم ويحتويهم أفريقيا؟
واشنطن في مواجهة النفوذ الروسي
لم يكن حضور "فاغنر" في السودان أمراً جديداً، لكن يمكن اعتبار المواجهة هناك، سياسياً أول الأمر، وعسكرياً لاحقاً، أولى حلقات الصراع الأميركي – الروسي في الأراضي الأفريقية.
أخفقت واشنطن في الضغط على "فاغنر"، وفشلت العقوبات الاقتصادية عن توسعها وانتشارها، ولم تقم واشنطن إلا بضربات عسكرية محدودة ضدها، بعضها في سوريا، وعملية واحدة في ليبيا.
هنا تبدو "فاغنر" وكأنها تقوم بدور عقائدي له خلفية أيديولوجية متينة، وهو ما لم ينكره مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين الذي كتب عبر "تيليغرام" يقول "إن عمليات (فاغنر) في أفريقيا، صادقة وعادلة، وهي تأتي لأجل الدفاع عن الشعوب الأفريقية، بما في ذلك أولئك المضطهدون من قبل قطاع الطرق والإرهابيين والجيران غير الموثوق بهم".
في هذا السياق تبدو واشنطن وكأنها أعلنت خطتها الاستراتيجية لإخلاء أفريقيا من "فاغنر"... هل هي خطة سياسة أم عسكرية؟
البدايات غالباً سياسية، وهو ما أشار إليه تقرير ورد في صحيفة "لوموند" الفرنسية لكاتبه "سيريل بن سميون"، وفيه أن واشنطن عرضت على بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، تدريب جيشها وزيادة مساعداتها الإنسانية لها، مقابل طرد القوات شبه العسكرية الروسية من أراضيها، فيما بدا أنها صفقة كلاسيكية، بدأت مع تلقي فوشين آرشانج تواديرا رئيس الجمهورية، مذكرة من الإدارة الأميركية، منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، توضح له الفوائد التي قد يجنيها من الانفصال عن الجماعات شبه العسكرية التابعة لـ"فاغنر"، والعواقب التي يمكن أن يتكبدها مقابل بقاء تحالفه معها.
وتعتقد وزارة الخارجية الأميركية أن صعود "فاغنر" ينذر بموجة جديدة من المنافسة بين القوى العظمى في أفريقيا، فضلاً عن عودة الاستبداد معها، وترى إدارة بايدن أن "فاغنر" تمثل حلاً للمشكلات التي يتعرض لها الديكتاتوريون الأفارقة لصد الديمقراطية، لا سيما أنهم يساعدونهم من خلال التلاعب بأصوات الاقتراع، أو ما إذا كان الأمر متعلقاً بحرب وحشية يشنها هؤلاء المرتزقة على حركات التمرد كما حدث في أفريقيا الوسطى وجنوب لبنان.
أميركا تنطلق عسكرياً من السودان
الخطوة التالية التي غالباً ستبدأ أميركياً من السودان أيضاً، ستكون عسكرية، لا سيما أن هناك علامات في الأفق تدلل على ذلك... كيف؟
لا تزال الولايات المتحدة تمتلك أكبر قوة عسكرية على وجه الكرة الأرضية، وتحوز 835 قاعدة عسكرية في أكثر من 80 دولة حول العالم، وتتنوع مهام هذه القواعد بين القيام بالواجبات العسكرية المباشرة أو الدعم والمساندة.
وتبدو ردود فعل الولايات المتحدة على ما جرى في السودان، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية مثيرة جداً، لا سيما أن المشهد يتجاوز فكرة إجلاء الرعايا الأميركيين من هناك وبصورة عاجلة كما هو الحال دوماً وأبداً، حين تضطرب الأمور.
البداية كانت من عند الإغلاق التام لسفارتها لدى الخرطوم، وهو أمر لم يحدث منذ أكثر من عقدين من الزمن، مما طرح تساؤلات معمقة عن ما ورائيات المشهد، وما الهدف، وهل سيتحول السودان إلى أرض عمليات عسكرية أميركية، تكون مخلب القط لعموم القارة الأفريقية؟
هنا يمضي أصحاب نظرية المؤامرة إلى القول إن واشنطن ربما ساعدت ولا تزال تساعد الطرفين السودانيين المتصارعين، حتى يصلا إلى نقطة اللارجوع، ومن ثم يحدث ما يتم التخطيط له، أي تدخل قوات أجنبية عسكرية، وعلى رأسها القوات الأميركية، والتي لديها عادة خطط استراتيجية لمثل هذه المتغيرات السريعة، والتي عادة ما تحدث في الدول الأفريقية.
مهما يكن من أمر هذه التفسيرات، فإن ما رصدته الأقمار الاصطناعية حول العالم، بعد أيام قليلة مما جرى في السودان، ربما يدعم رواية التدخل العسكري الأميركي القادم هناك.
باختصار غير مخل، أظهرت الصور الفضائية، أن واشنطن تقوم بما يشبه الجسر الجوي الممتد من قواعدها العسكرية الكبرى سواء داخل الأراضي الأميركية أو خارجها لجهة السودان.
على سبيل المثال، بدت التحركات المكثفة من قواعد "فورت بينينج"، و"وفورت كامبل"، وجميعها كما يعرف الذين لهم دراية بالاستراتيجيات العسكرية الأميركية، تعمل كقواعد لاحتياط الجيش الأميركي والقوات الخاصة تحديداً.
إلى أين كانت تمضي تلك القوات؟
إلى معسكر "كامب ليمونييه"، أي القاعدة العسكرية الأميركية في جيبوتي، وربما إلى جهات أخرى في القارة غير معلن عنها.
الجسر الجوي العسكري الأميركي، والذي ظهر في صور الأقمار الاصطناعية، يتكون من 19 طائرة "سي 17 جلوب ماستر"، والتي تمثل مفرق سلاح النقل الجوي الأميركي، ويعمل معظمها في مهام القوات الخاصة والاستطلاع والإنزال خلف خطوط العدو.
وبالتوازي مع هذه التحركات، بدت هناك أيضاً حركة أخرى لتحركات عسكرية أميركية من قواعد "الأفريكوم" (القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا) من إحدى القواعد في ألمانيا نحو "كامب ليمونييه" أيضاً.
هنا التساؤل: هل من علاقة لهذه التحركات بعمليات الإجلاء الخاصة بالمواطنين الأميركيين؟
بالقطع لا، لا سيما أن هناك جزئية أكثر مدعاة للتأمل في السلوك الأميركي خلال عملية الإجلاء، تلك التي جرت بوسم عرقي، بمعنى أن من تم إجلاؤهم في الساعات الأولى هم الأميركيون (الواسب)، أي البيض البروتستانت الأنغلو ساكسون، فيما خلفوا وراءهم نحو 15 ألف سوداني أميركي الجنسية، ما يفيد بتهافت نظرية "بوتقة الانصهار" التي بني على أركانها النظام الديموغرافي الأميركي.
الصراع الأميركي - الصيني في السودان
لا تبدو رقعة السودان الجغرافية خريطة شطرنج إدراكية لروسيا و"فاغنر" فقط، إذ إن الوجود الصيني هناك يعد أحد أهم المحددات التي تلعب دوراً في رسم خريطة النفوذ القطبي سودانيا وأفريقيا معاً.
ليس خافيا على أحد أن صراع الصين مع الولايات المتحدة في السودان وما وراءها من دول أفريقيا، ليس صراعاً لوجيستيا عسكرياً، وإنما صراع تجاري اقتصادي.
وبنوع خاص يمكن إرجاع الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وبصورتها القوية، إلى عهد إدارة الرئيس ترمب، والذي اعتبر حتى من قبل أن يدخل البيت الأبيض، أن الصين هي العدو الاستراتيجي الرئيس لأميركا.
ولعله من المقطوع به القول إن الخرطوم اعتبرت محطة أفريقية مهمة بالنسبة إلى الصين، وقامت الأخيرة بتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة في السودان، لا سيما في قطاع النفط والإنشاءات.
اتجه السودان إلى الصين لاستخراج النفط عقب الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة منذ العام 1997، وساعدت الصين السودان في دخوله إلى قائمة الدول النفطية في عام 1990.
كيف نجحت الصين في جعل السودان كعب أخيل في الجسد الأفريقي؟
المؤكد أن الأخطاء الأميركية التقليدية، والتي جعلت البعض يصف الولايات المتحدة بأنها مصابة بنسيان قاتل، يجعلها تكرر أخطاءها من غير اعتبار للتاريخ وحكاياه وللإنسانية وأحاجيها، كانت هي السبب في ذلك، إذ إنها لم تنظر إلى السودان إلا بوصفه سوقاً للسلاح الأميركي تارة، وميدان ضرب نار واختبار أسلحتها المتطورة في استهداف الجماعات الإرهابية على أراضيه تارة أخرى، كما حدث مراراً وتكراراً في الهجمات ضد تنظيم القاعدة مرات أخرى، عطفاً على السعي المستمر والمستقر للحصول على موارده النفطية وبقية ثرواته المعدنية، ومن غير أن يشكل السودان والسودانيين أدنى اهتمام إنساني أو وجداني لصناع الاستراتيجيات الأميركية.
ولعل الميزة التي توافرت للصين في السودان وغيره من الدول الأفريقية، كونها من جهة دولية ذات اقتصاد يحتل المرتبة الثانية في الاقتصادات العالمية، ومرشح لأن يحتل المركز الأول بحلول العقد القادم.
يعني هذا أنه يتوافر لديها فوائض مالية عالية، تمكنها من تقديم قروض ومنح بالغة الأهمية للسودان ولدول أفريقيا.
عطفاً على ذلك، فإن الصين لا تتدخل في الشؤون السياسية للدول التي تتعاطى معها، كما أنها لا تفرض عليها شروطاً من قبيل الديمقراطية، والحريات، وحقوق الإنسان، مما يجعل معادلتها مقبولة ومعقولة من كافة الأفارقة بصيغة بسيطة: الموارد الأولية في مقابل الأموال الساخنة.
وعلى رغم أن الحضور العسكري الصيني في السودان ضعيف للغاية ولا يقارن بنظيره الروسي، فإن السودان يمثل أهمية كبيرة من الناحية الجيوبوليتيكية، وتدرك بكين وضعية الخرطوم كنقطة محورية على خريطة مبادرة "الحزام والطريق"، والسودان لديه ثروات كبيرة، فهو ثالث دولة أفريقية من حيث إنتاج الذهب، وفيه اليورانيوم والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة التي يمكن لبكين استثمارها لسنوات طويلة.
ولعل ما يوضح اهتمام أميركا بالدور الصيني في أفريقيا بنوع خاص، هذا التصاعد الهائل في التبادل التجاري بين الجانبين، فقد وصل حجم التبادل في عام 2022 إلى 280 مليار دولار، فيما لم يتجاوز التبادل التجاري بين القارة السمراء والولايات المتحدة الأميركية، رئيس مجلس إدارة الكون، والقطب المنفرد بمقدرات العالم حتى الساعة، 80 مليار دولار.
عطفاً على ذلك، فإن واشنطن باتت تخشى من الغطاء الدبلوماسي الأممي الصيني للسودان، وهو ما تجلى بنوع خاص في شهر مارس (آذار) الماضي، حين امتنعت الصين عن التصويت على قرار مجلس الأمن الداعي إلى تمديد العقوبات المفروضة على السودان، وكان قد حظي وقتها بموافقة 13 دولة، في حين أمتنعت الصين وروسيا عن التصويت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السودان وعودة أميركا إلى القارة الأفريقية
تبدو الولايات المتحدة، وكأنها أدركت أخيراً الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته في حق القارة الأفريقية، بهجرانها لها وتركها للأقطاب المناوئة سيما الصين وروسيا ومن يدور في فلكهما من التخوم.
تكاد المعادلة الأميركية الآنية، والتي تتبدى من خلال تصريحات بايدن الأخيرة عن معاقبة من يهدد الأمن والسلم في السودان، بمثابة عودة من النافذة إلى البوابة التي تفتح القارة الأفريقية أمام العم سام مرة جديدة.
وفي 25 أبريل (نيسان) الماضي كتب المتخصص في الشؤون الأفريقية وعضو إدارة المجلس الأطلسي أحمد الشرعي عبر مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية يقول "إن الحرب في السودان والتدخل الأميركي بقوة، باتا أولوية للمسؤولين بواشنطن، وإن هناك نية لوقف تقدم أعداء الولايات المتحدة الذين استغلوا ابتعادها عن القارة المليئة بالخيرات ليندفعوا بدلاً منها في محاولة لتحقيق مصالحهم الخاصة".
هنا يبدو التساؤل الذي نختتم به هذه السطور: عبر أي بوابة يمكن للولايات المتحدة العودة لأفريقيا من خلال السودان؟
البوابات الأميركية عادة ما تنفتح على مصراعيها عبر القوة المسلحة الخشنة، لكن هذه أثبتت فشلها من قبل في الصومال على سبيل المثال، الأمر الذي يجعل محاولة تكرار الخطأ في السودان من جديد مسألة كارثية.
هنا يبدو التناقض الأميركي واضحاً جداً، فواشنطن التي تتهيأ لدعم ومساندة القوات الأوكرانية في هجوم الربيع، أو ما بعده، ضد القوات الروسية، ليس لديها رفاهية الاهتمام بالسودان أو التدخل العسكري في أراضيه، كما أن الملف النووي الإيراني المفتوح على مصراعيه، والتحذيرات الأميركية الأخيرة، من أنها لن تسمح بإيران نووية من جديد، كلها تجعل من العمل العسكري الأميركي على الأراضي السودانية أمر مشكوك فيه.
هل ستغازل واشنطن الأفارقة بالمعونات الاقتصادية؟
ربما ستجد تحدياً مزدوجاً، وبخاصة في ظل التكامل الصيني - الروسي، والذي يسعى لطرد النفوذ التقليدي الأميركي، وربما الأوروبي من القارة السمراء، عبر محورين، الأول عسكري روسي، والثاني اقتصادي صيني.
وفي الخلاصة، حكماً تبدو واشنطن أمام إشكالية عميقة، لن تصلح معها الأوات التقليدية، ما يجعل مراكز التفكير هناك تسعى إلى تقديم ربما ضفيرة من الرؤى والحلول، لا بد أن يأتي في مقدمتها احترام الشعوب الأفريقية وإرثها التاريخي المجتمعي ومزيد من فهم ديناميكيات تلك الشعوب، ونسج خيوط تجمع ما بين التعاون الاقتصادي والسياسي، وتشجيع صعود الأمم من خلال نموذج أميركا المدينة فوق جبل، وليس عبر فوهات البنادق ونيران المدافع التي أثبتت فشلها في كثير من التجارب السابقة.