Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آسيا رائدة المسرح السوداني وزوجة الفيتوري ضحية للحرب

أول ممثلة تكسر سلطة التقاليد ورفيقة شاعر "اذكريني يا أفريقيا" وحافظة أسراره

رائدة المسرح السوداني آسيا عبد الماجد وزوجة محمد الفيتوري (صفحة نقابة الفنانين)

ملخص

أول ممثلة تكسر سلطة التقاليد ورفيقة شاعر "اذكريني يا أفريقيا" وحافظة أسراره

رحلت في الثالث من مايو (أيار) الجاري الممثلة السودانية البارزة آسيا عبدالماجد، ضحية لأحداث الحرب الجارية في العاصمة الخرطوم منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، وهي الرائدة المسرحية السودانية، وزوجة الشاعر المتنازع عليه بين السودان ومصر وليبيا محمد مفتاح الفيتوري. وتركت وفاتها أثراً كبيراً في الوسط الثقافي في السودان، بخاصة أن أسرتها اضطرت إلى دفن جثمانها في منزلها الذي وافتها فيه المنية، في مدينة الخرطوم بحري، إذ صعب نقل جثمانها ليوارى في مقابر المدينة، وسط دوي القذائف وأزيز الرصاص، بحسب ما ذكر ابنها تاج الدين الفيتوري.  

وتعد الراحلة إحدى رائدات المسرح السوداني، ممن اخترن طريق صقل موهبتهن بالدراسة الأكاديمية، فسافرت إلى مصر عام 1968 للدراسة في أكاديمية الفنون المسرحية وتخرجت في 1972. وولدت آسيا محمد توم الطاهر الكتيابي، وهو اسمها بحسب شهادة الميلاد عام 1943 في حي العمدة - مدينة أم درمان، وانفصل والداها وهي لم تتجاوز العامين، وعاشت من بعد ذلك في كنف زوج والدتها عبدالماجد، واشتهرت باسم آسيا عبدالماجد كاسم فني.

في عام 1959 التحقت آسيا بكلية المعلمات في أم درمان، وعملت بعد تخرجها في الكلية نفسها. وكانت في السبعينيات موظفة في وزارة الثقافة والإعلام. واهتمت الراحلة بالتعليم ما قبل المدرسي، وأسست روضة "أم إيهاب" في مدينة الخرطوم بحري، ثم توسعت مؤسستها التعليمية لتضم جميع المراحل حتى المرحلة الثانوية، وهي أول ممثلة سودانية تصعد على خشبة المسرح في ستينيات القرن العشرين، وأطلقت عليها الصحافة حينها لقب ممثلة السودان الأولى.

ومن زملائها في أكاديمية الفنون المسرحية مسرحيون كبار مثل أحمد زكي وأحمد عبدالوارث وأحمد ماهر وسميرة محسن وشهيرة وعفاف شعيب ومحمد صبحي. ونالت الراحلة درجة الماجستير من معهد الخرطوم الدولي لتعليم العربية والدراسات الإضافية.

بوابة الممثلات

المخرج المسرحي والتلفزيوني محمد علي مخاوي يقول إن "ارتباط اسم آسيا عبدالماجد بالشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري حجب عنها ما تستحق من إلقاء الضوء، فقد فتحت للممثلات السودانيات باباً محترماً يدخلن إليه واثقات، وينظر إليهن باحترام، حين كان التمثيل يعد في الأعراف السودانية منتقصاً من مكانة المرأة. وكان يستعاض عن وجود المرأة بالإتيان برجال ليقوموا بأدوار نسائية". ويضيف مخاوي "لولا التضحية العظيمة التي قدمتها آسيا لما جاءت ممثلات مثل تحية زروق وبلقيس عوض وبنات محمد محمود والرضية آدم وفوزية يوسف، ولا أجيال ضمت مثل تماضر شيخ الدين ونادية بابكر ومريم محمد الطيب، ولا شهدنا تهاني عبدالله أو أميرة أحمد إدريس، فقد كنست الشارع لهن، كما يقال".

ويوضح مخاوي "حين صعدت آسيا في الستينيات من القرن الماضي على خشبة المسرح في أول موسم مسرحي منتظم، كان كثير من البيوت السودانية تتوارى خجلاً من مجرد ذكر المسرح، وكانت الحلول أمام أهل المسرح لا تزيد على صعود الرجال في ثياب النساء. المغامرة التي بدأتها آسيا بذلك الصعود المدوي قطعاً دفعت ثمنها". ويعتبر مخاوي أن "آسيا واحدة من ملهمات الفيتوري العظيمات، فإذا لم تصنع للشعب السوداني شيئاً سوى مرافقتها لذلك الشاعر الكبير لكفاها".

 جذبت الفيتوري إلى المسرح الشعري

يرجح مؤلف كتاب "الفيتوري... المسار والمصير" طلال الناير، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن آسيا كانت سبباً في تعارف الفيتوري والشاعر والمؤلف المسرحي السوداني خالد أبو الروس (1908-2013)، وهي أيضاً التي لفتت نظر الفيتوري إلى مجال المسرح الشعري، فكتب مسرحية "سولارا" التي عرضت في القاهرة في عام 1970. وهي المسرحية التي رأى فيها الفيتوري تجربة لإثبات أن النص الشعري يمكن أن يملك قوة التعبير أكثر من النثر، وأنه لا يوجد تضاد بين رومنطيقية الشعر ودرامية المسرح، وقد أخرج المسرحية المصري السيد راضي، أبرز رواد المسرح المصري، لكنها فشلت من الناحية التجارية.

مثلت آسيا في مسرحيات تعتبر من الكلاسيكيات التي أسست المسرح السوداني مثل "خراب سوبا" لخالد أبو الروس، و"المك نمر" للشاعر السوداني إبراهيم العبادي (1894-1981)، ومسرحية "بامسكيا" لحميدة تور الجر (1925-1997)، ومسلسل "المقاطيف" الإذاعي في عام 1969. وفي القاهرة مثلت في مسرحية "البكاشين" مع الراحل فريد شوقي التي عرضت في عام 1962. ويقول الناقد السر السيد لـ"اندبندنت عربية" إن سبب لقائها الفيتوري هو نشاطها في كلية المعلمات، مما دفعه إلى كتابة مقال في أدائها.

وعلى رغم توقفها عن نشاطها المسرحي في نهاية الستينيات، يذكر السيد أن آسيا اتجهت بعد ذلك إلى مجال التعليم ما قبل المدرسي، وأسست روضة "أم إيهاب". وبحسب السيد فإنها زاملت الممثلة السودانية نعمات حماد وفوزية يوسف والرضية آدم في الدراما الإذاعية، وسبق ظهورها بروز ممثلات قديرات مثل فتحية محمد أحمد وتحية زروق.

امرأة رائدة خلف شاعر كبير

وكما أثرت جدة الفيتوري "زهرة" في تجربته الشعرية كما يذكر الكاتب وفنان الكاريكاتير طلال الناير في كتابه عن الشاعر، فإن للراحلة آسيا عبدالماجد كبير الأثر في حياته، كما تقول ابنتهما التي يوافق اسمها إحدى مسرحيات الفيتوري الشهيرة "سولارا".

وتذكر سولارا الفيتوري ابنة الراحلة أن والدتها كانت تردد أن الفيتوري كان في نظرها رسالة ولا بد لها أن تسانده وتحتويه. وتقول سولارا في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن والدتها كانت ملهمة عظيمة للفيتوري، إذ كان يرى فيها نضج المرأة السودانية. وكان كثير من القصائد الشعرية التي تعد من أفريقياته قد أنشئت على صورتها، ورمز إليها في بعض قصائده بالأبنوسة والسمراء وأفريقيا. وتضيف "كانت العلاقة بينهما فكرية، وكانت تجمعهما أفكار وقضايا المجتمع، وتجاوزت علاقة الحب والزواج، وكثيراً ما فكرا في ثورة أكتوبر (تشرين الأول) والاضطهاد ومشكلات الإنسانية والانقلابات والتحولات السياسية، مثل انقلاب هاشم العطا على الرئيس الأسبق للسودان جعفر نميري في يوليو (تموز) 1971". وتقول "كان والدي يعتز ويفتخر بها ويحترم عقليتها".

وتلفت سولارا إلى أن الراحلة أسهمت في تدريبه على الإلقاء الشعري بحسب ما اكتسبته من خبرة ودراسة للدراما، وكان يستفيد منها في بعض النصوص الشعرية. وتصف علاقتهما بالمميزة والمتكاملة، ورسخ ذلك التوافق الفكري بينهما وكذلك اهتمامهما بالقضايا الإنسانية، فكانا مؤثرين بعضهما في بعض كما أثرا في مجتمعاتهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يستشهد الشاعر والصحافي محمد نجيب محمد علي بمقولة مؤلف كتاب "محمد الفيتوري" أحمد سعيد محمدية، في وصف الممثلة الرائدة آسيا عبدالماجد بأنها "فنانة سمراء، حادة الذكاء، صارخة الجمال، مسكونة بجنون الفن". ويضيف نجيب أن آسيا قد "تنازعت حياتها بين حلمها ورغبتها في الانطلاق والتحرر والصعود إلى مدارج الفن وأسر العائلة التقليدية في السودان، وهذا ما كان يراه الفيتوري فيها ويرويه". وعن علاقة الشاعر والفنانة يقول نجيب لـ"اندبندنت عربية"، "كانت تتنازع حياتهما أمواج ما بين المد والجزر ورغبة الانطلاق، بين شاعر بعلو قدر الفيتوري وفنانة رائدة في مجالها"، ويضيف "ظلت وفية لسيرة الفيتوري حتى أواخر أيامها، وزارت معه عديداً من العواصم العربية، مثل بيروت والقاهرة وطرابلس، وشاركت في أفلام ومسرحيات ودراما إذاعية في السودان والقاهرة، وتعد الممثلة السودانية الأولى، وعملت بالتعليم ما قبل المدرسي. ومن سخريات القدر أنها ذهبت شهيدة ودفنت في منزلها، الذي اقتطعت جزءاً منه للمؤسسة التعليمية التي أسستها". ويرى نجيب أن "آسيا مشروع إبداعي كبير، وحياة ممتلئة بمواقف عظيمة، ولا شك في أن رفقتها لمحمد الفيتوري كان فيها كثير جداً من الخبايا عن حياة الشاعر، والطريقة التي توفيت بها دليل حي على بشاعة الحرب الدائرة الآن".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة