Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

5 سيناريوهات محتملة للرد على "محاولة اغتيال بوتين"

تكهنات حول ماهية الانتقام المرتقب وأسباب غامضة عجلت مغادرة زيلينسكي كييف قبل وقوع الحادثة

ملخص

السيناريو الخامس والأخير ينص على "استخدام الأسلحة النووية التكتيكية"، وهو السيناريو الذي شدد متخصصون على عدم اعتباره حقيقياً على الإطلاق، إلا إذا كانت روسيا على وشك الدمار

الجدل لا يتوقف حول حقيقة ما أعلنته موسكو حول ما وصفته بـ"محاولة اغتيال" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فالغموض يكتنف الموقف برمته وسط تصاعد الاتهامات من جانب الأوساط الرسمية الروسية لكل من كييف وواشنطن بالوقوف وراء تلك الحادثة التي ظلت مثار عديد من التساؤلات، ومنها ما ينسف كل ما صدر من تعليقات رسمية وغير رسمية.

وكان مواطنو روسيا والعالم استيقظوا صباح الأربعاء الماضي على وقع خبر ظهور مسيرتين في سماء "الكرملين"، أعقبه انفجار أضاء قبة المبنى الذي يعلوه علم الدولة الروسية، وما تلا ذلك من ظهور للمكان من دون آثار لأي تفجير أو انتشار لشظايا، مما قد يعني أن "الهدف تم تفجيره من الداخل". وتلك فرضية بالغة التعقيد تظل في حاجة إلى مزيد من التفسيرات.

قبيل عيد النصر

المفاجأة ألجمت ألسنة المشاهدين والمعلقين بالداخل والخارج على حد سواء، في توقيت بالغ الدلالة عميق المغزى، فقد وقعت الحادثة في موقع له من القدسية ما له في قلب العاصمة الروسية، وفي توقيت يسبق موعد عيد النصر على الفاشية، أحد أهم الأعياد السوفياتية سابقاً والروسية حالياً، بأيام قلائل، وهو الذي تحتفل به روسيا في التاسع من مايو (أيار) من كل عام.

كما جاءت الحادثة في وقت مواكب أيضاً لما توالى من تصريحات حول قرب موعد انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد الذي طالما حددت له السلطات الأوكرانية موعداً في ربيع العام الحالي، وهو مما اعتبره بعض المراقبين بمثابة الإعلان عن تحول نوعي في المواجهة التي تتواصل منذ ما يزيد على العام، مقرون بما أعلنته موسكو بوصفه "محاولة لاغتيال بوتين".

لذا لم يكن غريباً أن يعترف بعض الأجهزة الإعلامية الروسية، ومنها "كومسومولسكايا برافدا" أوسع الصحف الروسية انتشاراً، في معرض التساؤلات التي حملتها إلى الناطق الرسمي باسم "الكرملين" دميتري بيسكوف، بأن "سقوط الطائرات من دون طيار على أراضي الكرملين يبدو نوعاً من الأحداث الصادمة"، إلى جانب تساؤلات تقول "كيف يمكن أن يحدث هذا في ظل وجود أنظمة الدفاع الجوي؟ ألا يعني ذلك أنهم لم يقوموا بواجبهم على أكمل وجه؟".

وتلك تساؤلات نضيف إليها ما قد يعيد إلى الأذهان ما جرى في أعقاب حادثة هبوط الشاب الألماني ماتيوس روست على متن طائرته الشراعية على مقربة من الميدان الأحمر والكرملين في مايو 1987، مخترقاً كل الدفاعات الجوية السوفياتية من دون اعتراض، وما أسفر عنه من قرارات اتخذها الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف من قرارات لتصفية كثيرين من مناوئيه في النسق الأعلى للقيادات السياسية والعسكرية في ذلك الحين.

نعود لنشير إلى أن موسكو بادرت بالإعلان عن "اختراق المسيرتين" سماء الكرملين، لتتجه أصابع الاتهام صوب كييف والولايات المتحدة، إذ قالت السلطات الروسية إن "محاولات التملص من المسؤولية، سواء من جانب كييف أو واشنطن، تبدو سخيفة للغاية".

وفيما سارع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى دحض ما يصدر عن موسكو من اتهامات، حرص وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على تأكيد عدم معرفته بملابسات ذلك الهجوم "الليلي" ضد الكرملين، وأنه "لا يستطيع التحقق من صحة ما تقوله موسكو"، مناشداً الجميع الانتظار إلى حين الكشف عن الحقائق، وتوخي الحذر لدى التعليق على ذلك.

من وراء المحيط

على أن ذلك كله لم يمنع الصحف والبرامج الحوارية الروسية ومعظمها يرتبط بشكل أو بآخر بالأجهزة الرسمية للدولة، من أن تعكف على تقصي الحقائق والانخراط في محاولات التحليل والتفسير. ومن هذه الصحف الروسية "كومسومولسكايا برافدا" التي نجحت في نقل ما يتناثر من تساؤلات إلى دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الرئيس بوتين، والذي قال "إننا نعلم جيداً أن القرار في شأن مثل هذه الأعمال الإرهابية لا يتم اتخاذه في كييف بل في واشنطن، وكييف هي المنوطة بتنفيذ ما يطلب منها القيام به".

ولمزيد من التأكيد أن واشنطن تقف وراء تدبير مثل هذه المخططات، قال بيسكوف "في الواقع نحن نعلم أنه غالباً ما يتم تحديد الأهداف نفسها، ليس من قبل كييف ولكن من قبل واشنطن"، مضيفاً "ليس في كل مرة يتم منح كييف الحق في اختيار الوسائل، فغالباً ما يتم إملاء ذلك أيضاً من وراء المحيط".

ولعل ما قاله المتحدث باسم الكرملين يحمل بين طياته اتهاماً مباشراً للإدارة الأميركية بتحميلها وزر ما جرى، مثلما سبق أن كانت وراء كثير من الأعمال الإرهابية التي وقعت في القوقاز إبان اندلاع الحركات الانفصالية في الشيشان ومناطق أخرى من شمال القوقاز في تسعينيات القرن الماضي.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن عن موقف مماثل أن الهجوم الأوكراني "الافتراضي" الذي استهدف الكرملين هذا الأسبوع بمسيرتين، ما كان ليحصل من دون أن تكون واشنطن على علم به، مضيفاً في معرض مؤتمر صحافي عقده على هامش اجتماعات وزراء خارجية "منظمة شنغهاي للتعاون" في نيودلهي "إن هذا عمل عدائي. من الواضح أنه ما كان ممكناً لإرهابيي كييف أن يرتكبوه من دون علم رؤسائهم"، ليعيد ما سبق من تصريحات حول أن موسكو ستتخذ "إجراءات ملموسة" للرد على هذا الهجوم، الذي أكد الكرملين أن هدفه كان اغتيال الرئيس.

 ومن اللافت في هذا الصدد ما حرص المعلق السياسي لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" ألكسندر غاموف، المعروف بعلاقته القريبة من الكرملين، على الإعلان عنه مؤكداً أن ذلك ليس سؤالاً يوجهه إلى الناطق الرسمي باسم الكرملين، بقدر كونه مجرد محاولة لإماطة اللثام عما يتردد في شأن أن المسيرة "مجهولة الهوية" انطلقت من إحدى المناطق الروسية، ربما من بعض الأحياء "الحضرية" على حد قوله وليس من الداخل الأوكراني، بما يعنى ضمناً "تأكيد فرضية وجود ممثلي الطابور الخامس أو العناصر الإرهابية التخريبية التي تواصل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الروسية الكشف عنها مع كل يوم جديد"، وهي الاستنتاجات التي سارع بيسكوف إلى اعتبارها "سخيفة للغاية"، معلقاً عليها بقوله "إن ذلك سؤال يمكن التوجه به إلى أجهزة التحقيق الروسية"، ومعرباً عن أمله في أن تصل هذه الأجهزة إلى النتيجة المرجوة، مثلما سبق ونجحت في تحديد هويات المخربين الذين وقفوا وراء تفجير جسر القرم، واغتيال الصحافية الروسية داريا دوجينا في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.

أفق السيناريوهات الخمسة

وانطلاقاً مما قاله بيسكوف حول أن موسكو تتدارس الرد على هجمات المسيرات "الأوكرانية" ضد الكرملين، وأن ما قد تقوم به موسكو سيكون "مدروساً ومتوازناً ويتماشى مع مصالح روسيا"، خلصت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" إلى سيناريوهات خمسة أوجزها نائب مدير معهد الدراسات والتنبؤات الاستراتيجية بجامعة "الصداقة بين الشعوب" في روسيا نيكيتا دانيوك، في احتمالات توجيه صواريخ "كينجال" (الخنجر) الباليستية الأسرع من الصوت لتصفية الرئيس الأوكراني زيلينسكي ومن معه من القيادات الأوكرانية. غير أنه سارع بتأكيد صعوبة اللجوء إلى مثل هذا السيناريو، على رغم أن ذلك قد يتسق ورغبات جزء كبير من المجتمع الروسي، على حد اعتقاده، مضيفاً "ذلك يتعارض مع منطق السلطات الروسية في سياق العملية العسكرية الروسية الخاصة".

أما السيناريو الثاني فيتلخص في اقتراح توجيه المنظومات الصاروخية لتدمير مركز القيادة الأوكرانية في لحظة عدم وجود زيلينسكي هناك، بما قد يسفر عن تدمير، ليس فقط مكتب الرئيس، وإنما المنطقة المحيطة به بأكملها، وهو أمر يعني الترهيب واستعراض القوة في خطوة رمزية قريبة لما شهدته موسكو من "حادثة المسيرات الأوكرانية في سماء الكرملين".

وتعليقاً على هذا السيناريو قال دانيوك إن "حسابات القيادة الروسية ليست دائماً عاطفية، بل باردة واستراتيجية، لذا فمن غير المحتمل أن يجرى تبديد المنظمات الصاروخية (كينجال) لمجرد استعراض القوة".

وعن احتمالات تصفية زيلينسكي نستعيد إلى الأذهان ما سبق وأعلنه نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل السابق في فبراير (شباط) من العام الماضي، حول أنه انتزع من الرئيس فلاديمير بوتين وعداً بعدم قتل الرئيس الأوكراني زيلينسكي.

وكان بينيت أحد الزعماء القلائل الذين زاروا روسيا في محاولة للعب دور الوسيط من أجل وقف الحرب. وننقل عنه ما ذكره خلال مقابلة "بودكاست" بثتها القناة الإسرائيلية 12 آنذاك، حيث سأل بوتين بشكل مباشر "هل تخطط لقتل زيلينسكي؟"، فرد الأخير بالقول "لن أقتله". أضاف بينيت في المقابلة التي استمرت بضع ساعات أنه اتصل بعد ذلك بزيلينسكي وأبلغه بتعهد بوتين قائلاً له "اسمع، لقد خرجت من اجتماع معه، لن يقتلك". وسأل زيلينسكي بينيت "هل أنت متأكد؟"، فرد الوزير الإسرائيلي السابق "100 في المئة لن يقتلك". فما كان من زيلينسكي إلا أن ذهب في مساء ذلك اليوم السعيد والتقط فيديو "سيلفي" أكد فيه أنه "لا يخاف الموت ولا بوتين"، وهو ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية في ذلك الحين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كل الاحتمالات مشرعة

نعود إلى السيناريو الثالث، الذي ذكره المتخصص الروسي نيكيتا دانيوك، لنشير إلى أنه يتناول "احتمالات تصفية مدبري العملية التي استهدفت الكرملين وأعمال التخريب الأخرى". وفي هذا الصدد قال إنه يقصد بذلك تصفية رئيس إدارة الاستخبارات بوزارة الدفاع الأوكرانية بودانوف، ورئيس وحدة أمن الدولة ماليوك، وغيرهما من القيادات الأمنية الاستخباراتية الأوكرانية.

أما السيناريو الرابع فيتسم بطابع "دبلوماسي" ويستهدف "إثارة مسألة الاعتراف بأوكرانيا كدولة إرهابية داخل روسيا وعلى الساحة الدولية"، وذلك ما يتفق وتوجهات روسيا التي "تحاول أن تثبت للعالم أن السلطات الأوكرانية غير ذات وزن يذكر، وأنه لا يمكن التعامل معها"، وإن كان ذلك لا يلبي توقعات جزء كبير من المجتمع الروسي.

على أن ذلك لم يكن ليروق لنيكيتا دانيوك الذي خلص إلى القول "إن الاعتراف بأوكرانيا كدولة إرهابية على مستوى الأمم المتحدة أمر مستحيل، كما أن الاعتراف بقيادتها الإرهابيين، حتى داخل روسيا، غير مرئي أيضاً، لكن إذا تغيرت موازين القوى بشكل كبير لصالحنا، فإن مثل هذه الأداة ممكنة".

ونأتي إلى السيناريو الخامس والأخير، وينص على ضرورة "استخدام الأسلحة النووية التكتيكية"، وهو السيناريو الذي قال دانيوك بضرورة عدم اعتباره "سيناريو حقيقياً" على الإطلاق، من منظور أنه من غير الممكن استخدام الأسلحة النووية، إلا إذا كانت روسيا على وشك الدمار.

وانطلاقاً من كل ما تقدم، ومما أعلنت عنه موسكو من أن "الانتقام" لن يتأخر طويلاً، تتناثر التساؤلات عن مدى الحقيقة في كل ذلك، وماهية الأسباب التي دفعت الرئيس الأوكراني إلى تعجيل ما يصفه بعضهم بـ"الفرار" من كييف بحجة زيارة كل من فنلندا وهولندا للقاء رئيس المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب اجتماعات أخرى مع القيادات السياسية هناك، والتي جاءت مقرونة بما حرص على ترديده من تصريحات ينفي فيها صلة بلاده بالحادثة التي يظل كثير في الداخل والخارج، ومعهم "المنطق والعقل"، حيارى أمام تفسير كل ما يكتنف مفرداتها وملابساتها من غموض، بما يبقي كل الأبواب مشرعة أمام شتى الاحتمالات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير