Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة الأيديولوجيات

بوتين يعيد الاعتبار للمشروع الأوراسي كهدف جيوسياسي "ضمن نظام أيديوقراطي له عقيدة سياسية محددة وتمارس الحكم فيه أقلية مقدسة"

الرئيس الصيني يركز على الأيديولوجيا الماركسية ودورها في قيادة الحزب الشيوعي من دون تجاهل البراغماتية التي كرسها دينغ شياو بينغ بعد رحيل ماو تسي تونغ (رويترز)

ملخص

لكن نعي الأيديولوجيا لم يدم طويلاً ونهاية التاريخ والجغرافيا تجاوزتها الأحداث الهائلة في العالم

القرن الـ20 كان قرن الأيديولوجيا بامتياز: الماركسية - الفاشية، النازية، الصهيونية التي بدأت في نهايات القرن الـ19، والإسلامية السياسية بفرعيها السني منذ تأسيس "الإخوان المسلمين" والشيعي الذي ازدهر بانتصار الثورة الخمينية في إيران وتطبيق "ولاية الفقيه"، وفي العقد الأخير منه شاعت نظريات معاكسة: "نهاية التاريخ" نهاية الأيديولوجيا، ونهاية الجغرافيا. أما في العقد الثاني من القرن الـ21، فإن ما شاع هو نظريات: عالم ما بعد الغرب، عالم ما بعد أميركا، صعود الشرق، ونهاية النظام الليبرالي العالمي الذي بنته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نظام، يقول مايكل بكلي أستاذ العلوم السياسية في جامعة تافتس، إنه "كان مصمماً ضد الاتحاد السوفياتي بحيث انهار بعد سقوط السوفيات، وكل الاقتراحات والأفكار حول البديل لم تفلح بسبب غياب تهديد خطر كفاية".

لكن نعي الأيديولوجيا لم يدم طويلاً، ونهاية التاريخ والجغرافيا تجاوزتها الأحداث الهائلة في العالم. ففي غياب الأيديولوجيا انحدرت أميركا إلى "القبلية" ورأى روبن بزيجتي من مجلس العلاقات الخارجية النافذ في نيويورك "أن أميركا اليوم تعاني انقساماً وسياسات قبلية حيث الموالاة للهوية الوجودية: عرق، دين، منطقة، زمرة، والحملة الانتخابية الأخيرة بدت معركة بين قبائل أكثر مما هي تنافس أفكار". وها هو الرئيس جو بايدن يعود إلى نوع من الأيديولوجيا عبر عنوان لمعركة عالمية وصراع بين "الديمقراطية والاستبداد"، والرئيس الصيني شي جينبينغ يركز على الأيديولوجيا الماركسية ودورها في قيادة الحزب الشيوعي من دون تجاهل البراغماتية التي كرسها دينغ شياو بينغ بعد رحيل ماو تسي تونغ والكارثة التي صنعتها "الثورة الثقافية"، والرئيس فلاديمير بوتين يعيد الاعتبار إلى المشروع الأوراسي كهدف جيوسياسي "ضمن نظام أيديوقراطي له عقيدة سياسية محددة وتمارس الحكم فيه أقلية مقدسة" بحسب المفكر الأوراسي ألكسندر دوغين. وبين الأمور التي قادت إليها حرب أوكرانيا وانعكاساتها وما يمكن أن يحدث بعد نهايتها، تقوية المواقف الأيديولوجية في أميركا وأوروبا وبالطبع في روسيا والصين، إلى جانب "عسكرة العالم".

أحدث كتاب حول الأيديولوجيا هو كتاب عازار غايت الصادر عن جامعة "أوكسفورد" تحت عنوان: "ترسيخ أيديولوجي: من العصر الحجري إلى الحروب الثقافية اليوم". والتركيز فيه ليس على عودة صدام الأيديولوجيات بمقدار ما هو على كون الأيديولوجيا "ضرورة وصورة عميقة للشرط الإنساني". لماذا؟ لأن الفلاسفة والعلماء جادلوا كثيراً وطويلاً بأن "البشر لا يستطيعون القبض الكامل على الحقيقة الموضوعية"، والأيديولوجيا تساعد الناس على "فهم العالم ورسم إطار له بحيث يستطيع العقل إنتاج صورة للحقيقة"، لكن المؤلف يستدرك ليحذر من أن الأيديولوجيا سيف ذو حدين، إذ هي "أداة ضرورية للإبحار في اللايقين وتعقيدات الحياة المعاصرة، وفي الوقت نفسه يمكن أن تصبح بسهولة ترسيخاً خطراً وأداة لحرب عصابات سياسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا عملياً ما أكد بالملموس في أوروبا أن سلبيات الأيديولوجيا أكبر من إيجابياتها، فما فعلته الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا والبلدان التي احتلها أدولف هتلر هو شر كبير دعا المفكرة حنة آرنت إلى صك عبارة "تفاهة الشر". وما فعلته الماركسية، لا من خلال الأفكار بل من خلال التطبيق على أيدي أحزاب شيوعية تختصرها لجنة مركزية يختصرها مكتب سياسي يختصره أمين عام هو تسطيح العقول والسجن والنفي والقتل بسبب الاختلاف في الاجتهاد بين الرفاق، وتركيز السلطوية الشمولية تحت عنوان "ديكتاتورية البروليتاريا"، ولم يكن للبروليتاريا عملياً دور في إدارة السلطة في الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الاشتراكي، الذين قلدوا هذه الأنظمة في العالم العربي ومجمل العالم الثالث من دون أن يكونوا ماركسيين صنعوا سلطويات شمولية شديدة القسوة.

حين نسي جوزيف ستالين أن يأمر المسؤولين بالعودة إلى التوقيت الشتوي بعد نهاية الصيف والتوقيت الصيفي، لم يجرؤ أحد على تذكيره بالأمر. واستمر التوقيت الصيفي في شتاءات روسيا الجليدية سنوات إلى أن تذكر ستالين الأمر لكن ستالين، على رغم المظالم والجرائم التي كشف عنها نيكيتا خروشوف في تقريره أمام المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي السوفياتي، صنع إنجازات كبيرة تتجاوز ما فعله فلاديمير لينين وبقيت أكبر مما فعله خلفاؤه في الكرملين حتى انهيار الاتحاد السوفياتي الذي يعتبره فلاديمير بوتين "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الـ20"، ومشكلات العالم وحلوله لا تنتهي بأيديولوجيا ومن دون أيديولوجيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل