Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما تداعيات حرب السودان على دول الجوار؟

ستعاني ضغوطاً أمنية واقتصادية تغذي مقومات الصراع الإقليمي

ملخص

لم تتبلور بعد رؤية واضحة حول مواجهة أبعاد ومدى تأثير تطور حرب السودان في البنية الهيكلية للنظام الإقليمي ودول الجوار

بدأت بوادر الحرب السودانية كصراع سياسي بين المكونين المدني والعسكري نشأت عنه انقسامات بسبب اختلافات جذرية حول هيكل وممارسة الحكم إلى أن انفجرت في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، وتطورت إلى نزاع عسكري. كل ذلك حدث خلال فترة انتقالية انقسمت نفسها إلى اثنتين شغل خلالها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك حكومتين مرتا بكثير من المطبات السياسية.

وإضافة إلى آثار الصراع الداخلي المحتدم المباشرة التي يكابدها السودانيون، من المتوقع أن تمتد تداعياته وآثاره إلى دول الجوار السبع، مصر وليبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وإريتريا. ولكل منها أزمة داخلية مختلفة وتعاني عدم استقرار سياسي أو اقتصادي أو تشابك قضايا إقليمية مثل سد النهضة، وكل منها تتأثر بطريقة أو بأخرى بالحرب. إضافة إلى الأثر الذي يمكن أن يطاول أمن البحر الأحمر وانعكاساته على التجارة الدولية عبر ممراته.

لا تغفل متابعة الأحداث التي يعيشها السودان اليوم، عن أن اشتعال الحرب الداخلية تتوفر إزاءها أيضاً مقومات الحرب الإقليمية، إذ يرافقها نضوب مقومات السلم والأمن. هذه الحالة مع أنها تبدو مشابهة لصراعات أخرى تحدث في أفريقيا والشرق الأوسط لكن تختلف في بعض خصائصها بأن مناطق حدودية متاخمة للسودان يقوم الصراع المتوارث فيها على معتقدات قبلية ضاربة بجذورها في تاريخ المنطقة، مما يتعذر معه الوصول إلى سلام دائم، وعليه فإن امتداد تأثيرها، ربما ينبئ بحرب أكبر مدى وأكثر اتساعاً.

ضغط مزدوج

قبل اندلاع الحرب بشهرين، أورد مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية معلومات بيانية عن توجهات الهجرة الأفريقية الواجب مراقبتها في عام 2023، بأن القارة السمراء تمثل حوالى 14 في المئة فقط من سكان العالم المهاجرين.

وحصر أسباب الهجرة في "البحث عن فرص عمل في المراكز الاقتصادية الإقليمية المجاورة، مثل جنوب أفريقيا وساحل العاج ونيجيريا وغيرها، وكذلك لأسباب تغير المناخ وأثرها في تسريع نمط الهجرة من الريف إلى الحضر إلى المدن الكبرى في أفريقيا".

كما توقعت معلومات المركز "نمواً لأكبر سبع مدن ساحلية في أفريقيا بنسبة 40 في المئة في الفترة بين 2020 و2030"، لكن الأزمة تكمن في أن الضغط المزدوج للنمو السكاني وارتفاع مستوى البحار على البنية التحتية والزراعة والوصول إلى المياه للمواطنين الأفارقة في المدن الساحلية، سيؤدي إلى زيادة مخاطر أزمات الحكم والأمن".

وأضاف "ستسهم الكوارث الطبيعية من فترات الجفاف الطويلة إلى العواصف والفيضانات القوية في زيادة معدلات الهجرة"، وللنزاعات المسلحة في بعض دول القارة دور كبير أيضاً في زيادة معدلات الهجرة.

هذه العوامل ربما تتجاوز دور الدولة في ظل انشغال الحكام في أغلب دول القارة بتوطيد نظم حكمهم، إلى الإيلاء بها إلى أجسام ومنظمات غير حكومية تعد الممثل الرئيس للعلاقات الإقليمية.

ويجيء في مقدمة اهتمام هذه المنظمات "الأمن والنواحي الإنسانية والسلام بتحييد القوة العسكرية إلا عند الضرورة"، ولكن بحسب التجارب السابقة فإنها انشغلت هي الأخرى عن فكرة إمكانية الإبقاء على استقرار القارة حتى بعد انحسار عوامل الهجرة لتحديات تتعلق بهيكلها التنظيمي، إضافة إلى غياب البناء التسلسلي للقضايا المتشعبة التي تواجهها.

نذر الأزمات

منذ الأيام الأولى للصراع في السودان بدأت نذر الأزمات الاقتصادية والإنسانية والصحية تتشابك مع الأزمة السياسية والعنف العسكري، وعكست بنية تحتية هشة كانت تعاني في الأساس، وتفاقمت بعد الأحداث التي صاحبت إسقاط نظام عمر البشير، وما تبعها من تحولات خلال الفترة الانتقالية.

ولعل الانهيار السريع زاد من الحاجة الماسة إلى المساعدات الإنسانية والغذائية، وتحديداً الماء والمأوى المناسب، في ظل استهداف منظمات الإغاثة ومستودعاتها في مناطق عدة بالنهب وقتل عدد من موظفيها ومغادرتها أخيراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كل هذه الظروف زادت من أعداد الفارين من دوامة العنف إلى الدول المجاورة إلى حوالى أكثر من 100 ألف شخص. ونبهت المفوضية السامية للاجئين، في مطلع مايو (أيار) الجاري، إلى "إمكانية فرار 800 ألف شخص في حال استمرار المعارك".

وأعلنت المفوضية كذلك أن "التدفق الأخير للنازحين سيضيف إلى تحديات جيران السودان، الذين يستضيفون أعداداً كبيرة من اللاجئين من نزاعات سابقة، فتشاد التي استقبلت من قبل 400 ألف فروا خلال السنوات الماضية بسبب نزاعات مسلحة، وصل إليها حوالى 30 ألفاً في الأسابيع الأخيرة يتوزعون على 13 مخيماً للاجئين". بينما يتم تحديد موقع جديد لاستضافة مزيد من الوافدين، وكذلك لدى المجتمعات المحلية المضيفة في شرق تشاد.

تسهيل العبور

في العام الماضي طلبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تقديم الدعم الدولي للجهود الإنسانية في جنوب السودان لمواجهة خطر سيول الأمطار والفيضانات، بصورة عاجلة للدولة التي تعاني في الأصل أزمة إنسانية كبيرة، حيث يوجد في البلاد أكثر من 2.3 مليون نازح داخلي بسبب الصراعات القبلية المستمرة.

الآن أوردت المفوضية أن فرقها "تعمل عند نقاط العبور الحدودية لرصد الوافدين الجدد وتقديم المساعدة لهم. وتم تسجيل ما يقرب من 4 آلاف شخص جنوب سوداني ممن عادوا عبر الحدود من السودان إلى بلدهم الأصلي، معظمهم من خلال معبر الرنك الحدودي في ولاية أعالي النيل".

وزادت "من المحتمل أن يصل مزيد من الأشخاص من خلال المعابر الحدودية غير الرسمية سيراً على الأقدام". وهذا اللجوء العكسي قد يطاول أكثر من 800 ألف لاجئ من دولة جنوب السودان يعيشون في السودان، حيث تأثر حوالى 200 ألف منهم في الخرطوم بالقتال بشكل مباشر.

وفي القاهرة أعلنت الخارجية المصرية أنه تم تسهيل عبور أكثر من 16 ألفاً ممن لا يحملون جنسيتها إلى داخل البلاد، من بينهم أكثر من 14 ألف سوداني ونحو ألفي أجنبي من 50 دولة وست منظمات دولية، بمساعدة الهلال الأحمر المصري، الذي يقدم خدمات إنسانية وإغاثية وطبية على منافذ العبور بين الجارتين.

وقدرت مفوضية شؤون اللاجئين، في آخر إحصاء لها هذا العام، "وجود حوالى 85 ألفاً و995 بين لاجئ وطالب لجوء من السودان، و24 ألفاً و701 لاجئ وطالب لجوء من جنوب السودان في مصر ".

التحام الأقاليم

 كحال كل الصراعات الداخلية في بلدان العالم فإن الحرب في السودان تشكل تهديداً أمنياً واضحاً، ولكن ما يزيد من استشعار خطر تفاقم الأزمة وتأثيرها المباشر في دول الجوار، هو التحامها مع الصراعات الموجودة داخل بعض الدول باتصال مباشر مع أقاليم السودان التي تعاني نزاعات سابقة.

هنا ستكون تشاد مهددة مثلما كانت على الدوام بالحرب القبلية في دارفور، وفي حين كان يتم إخمادها بين كل فترة وأخرى، فإن الصراع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سيستنفر قوات مسلحة أخرى ذات طبيعة إثنية تتولى الصراع نيابة عن الفاعلين الأساسيين، إضافة إلى غياب الحكومة حالياً وضعف مقدرتها على فرض وقف النزاع ولو موقتاً، كما يهدد الدولة الجارة انتشار السلاح وصعوبة جمعه من المواطنين.

أما إثيوبيا وإريتريا فستتأثران بأحداث شرق السودان التي طغى عليها صوت معركة الخرطوم، فقد ظلت "مجموعة الأزمات الدولية" تحذر من تجدد المواجهات في الإقليم الذي يعاني التهميش الاقتصادي والسياسي، ووقعت مواجهات عدة بينه وبين الحكومة المركزية في الخرطوم في كل عهود النظم الحاكمة، خصوصاً نظام البشير.

وتتأثر دولة جنوب السودان بامتداد الصراع من الخرطوم إلى منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة، وهو إقليم هش أمنياً ويشكل الحدود الجديدة بين الدولتين بعد الانفصال، ولم تخمد الحرب فيه تماماً على رغم توقيع اتفاق سلام جوبا عام 2020. كما يلعب النفط في منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها دوراً آخر في التأثير في دولة الجنوب يزيد من معاناتها مع صراعاتها الداخلية.

مواجهة التأثير

يظهر استقراء الحرب السودانية في ضوء تحليل النظام الإقليمي، إلى وجود حال من الاتفاق العام حول أهمية وعمق تأثير الحرب التي تزداد تعقيداً وتداخلاً مما ينعكس على سـيرة تطور هذا النظام. وربما يشهد تحولات لم تكن متوقعة من قبل، تدفعه إلى طريق استهلال مرحلة ربما تؤثر في الحدود بين الدول، خصوصاً في ظل الصراع الحدودي بين السودان وكل من إثيوبيا وجنوب السودان ومصر.

كما يتضح أن هذه الحدود تحمل في طياتها هشاشة أمنية ناتجة من عدم الاستقرار الإقليمي، مما نتج منه مشكلات تتعلق بالتهريب بما فيه تهريب البشر والسلع والتجارة غير المشروعة.

ويتوقع أن تزيد المخاطر على حدود السودان مع جيرانه بتزايد أمد الصراع مما يخرج هذه المشكلات عن إطار الحل الممكن، إضافة إلى ذلك ستوفر ظروف الحرب في السودان الذي يوصف بأنه معبر للهجرات والتهريب بيئة خصبة للجماعات الإرهابية التي ستستفيد من انعدام الأمن، وانشغال قوات الجيش على الحدود بالحرب في الداخل.

وقد تستفيد هذه الجماعات من وجود منافذ لا تخضع للتغطية الأمنية لتفتح نقاط اتصال بينها وبين مراكز الجماعات في دول أخرى، مثل ليبيا وتشاد ومالي وبوركينا فاسود ونيجيريا وغيرها، وتزودها بالأسلحة والدعم.

 ومع كل هذه الأخطار فإنه في ظل تسارع وتيرة القتال وانشغال دول الجوار بتهدئة طرفي الصراع لم تتبلور بعد رؤية واضحة حول مواجهة أبعاد ومدى تأثير تطور الحرب في البنية الهيكلية للنظام الإقليمي ودوله المتاخمة للسودان.

المزيد من تحلیل