Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحولات الإقليمية وأزمة الإعلام الإيراني المحافظ (4 - 4)

أشد ما يعبر عن المأزق ظهر من خلال آلية التعامل مع الاتفاق بين الرياض وطهران برعاية صينية

أشد ما يعبر عن هذا المأزق، ظهر من خلال أسلوب التعامل مع الخطوة النوعية التي حصلت في غفلة عن الصحافة المحافظة الإيرانية وأنتجت الاتفاق بين الرياض وطهران (أ ف ب)

ملخص

حاول النظام وأجهزته فرض آليات ذاتية أو رسمية على الإعلام، كانت تحدد مستوى من التعامل بينهما في الرقابة الذاتية أو التبليغ بالخطوط الحمراء

الإعلام الإيراني، في شقه الرسمي أو الناطق باسم التيار المحافظ والقوى المتشددة تحديداً، حكاية فيها كثير من المفارقات التي تصيب "الإعلام الموجه أو المؤدلج"، بخاصة في اللحظات التي تشهد تحولات دراماتيكية ومتسارعة تصل إلى ما يشبه الانقلاب، إذ يجد نفسه مجبراً على التخلي عن خطابه المنسجم مع مبادئه العقائدية، والانتقال إلى خطاب أو لغة لا تشبهه أو لا تنسجم مع تلك العقائد، مما يجعله مربكاً في التعامل مع التحولات المفاجئة أو التي تحدث من خارج سياق توقعاته والتعليمات السياسية التي تملى عليه أو يبلغ بها لترويجها.
وللإعلام الإيراني غير الموالي للنظام (الإصلاحي والليبرالي) أو الإعلام الخارجي العامل في إيران، حكاية تطول، إذ وفرت له التجربة الطويلة من التعامل مع النظام وأجهزته ومنظومته الأيديولوجية والأمنية والسياسية، قدرة على استشعار مكامن الخطر والحدود المسموحة والخطوط الحمراء وما يجب أن يقال، وما يجب ألا يقال، بحيث باتت الصحف الإيرانية أو الصحافيون الإيرانيون وغير الإيرانيين يمارسون رقابة ذاتية على ما يكتبون، ويتحايلون بشتى الوسائل والصنعة الأدبية واللغوية لتمرير فكرة ما يعتقدون أنها لا تقع في دائرة رضا النظام وأجهزته، مما وفر على السلطة إنشاء جهاز رقابة مباشر، إلا أن ذلك لم يمنع من تخصيص دائرة في "جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" كانت مهمتها المراقبة اللاحقة على كل الصحف وتشكيل ملفات لهذه الصحف أو الصحافيين أو الكتاب، ترفع إلى مكتب المرشد والجهات المعنية لتكون جاهزة للاستخدام غب الطلب عندما تستدعي الأمور إيصال رسالة إلى الإعلام، كما حدث في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في ولايته الثانية، حين تقرر إقفال نحو 100 صحيفة في يوم واحد، وزج عدد من الصحافيين في السجون بعد محاكمة بعضهم صورياً أمام محكمة المطبوعات أو محكمة الثورة بتهمة الترويج لدعايات مغرضة ضد النظام وتهديد الأمن القومي، وبعضهم الآخر سجن بتهم لا علاقة لها بالصحافة من دون محاكمة. والاعتقال لم يستثن الصحافيين من الإيرانيين الذين يحملون جنسيات أجنبية، أما المحظوظ من الأجانب فكان عليه مواجهة الطرد أو الإخراج من "الأراضي المقدسة للجمهورية الإسلامية" واعتباره شخصاً غير مرغوب به.
وفي مستوى آخر لهذه الرقابة، وفي التعامل مع بعض القضايا الاستراتيجية أو ذات العلاقة بالمصالح العليا، كانت الصحف الإيرانية تتلقى تبليغاً شفهياً وبعض الأحيان في كتاب رسمي – في ما ندر - بضرورة التقيد بما يصدر عن الجهات الرسمية أو المعنية في أحد المواضيع والقضايا، تحت طائلة الملاحقة القانونية، كما حصل في التعاطي مع الأزمة السورية والدور الإيراني والتدخل في الحرب، وأيضاً في ما يتعلق بالمفاوضات النووية والمسائل العسكرية والأحداث الأمنية. يعني أن النظام وأجهزته حاولا فرض آليات ذاتية أو رسمية على الإعلام، كانت تحدد مستوى من التعامل بينهما – في الرقابة الذاتية أو التبليغ بالخطوط الحمراء - لا يشبه ما كان يحصل في لبنان سابقاً على سبيل المثال، عندما كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، تكلف أو تعين شخصاً في كل صحيفة مهمته مراقبة ما تدفع به هذه الصحف للنشر، فإما يعمد إلى حذفه كله، أو حذف قفرات من أي خبر أو مقالة يعتقد أو يظن أن فيها تلميحاً أو تعارضاً مع سياسة الجهة التي يمثلها وتوجهاتها، بحيث تخرج الصحيفة في اليوم التالي بمساحات بيضاء داخل الخبر الواحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا ما كان حال الصحافة المحسوبة أو المقربة من القوى الإصلاحية والليبرالية، وحتى الصحافة الأجنبية على هذا النحو، فإن الفاجعة تبرز لدى الصحافة المحافظة أو الموالية للنظام ومؤسساته وأجهزته، لأن كل جهاز أو موقع قرار أو سلطة بات لديه جهازه الإعلامي من صحف أو وكالات أنباء أو منصات إلكترونية ومواقع تواصل اجتماعي. فهي وسائل ومؤسسات إعلامية حالها "يحرق القلب" ويستثير الشفقة عليها، لأنها مجبرة من منطلق عقائدي وأيديولوجي على الذهاب إلى الحد الأقصى في تبني الخطاب الرسمي والترويج له وتحويله إلى "قضيتها المصيرية" التي تخدم مصلحة النظام الإسلامي والدين والمذهب وبقاء النظام وعقيدة التمهيد للدولة الموعودة وإطاعة الولي الفقيه. وفي لحظة تجد نفسها مجبرة على الانتقال إلى المقلب الآخر، وأن تمسح خطابها القديم وكل ما قدمته من مسوغات عقائدية وأيديولوجية لموافقها وتضرب بها عرض الحائط، في محاولة للانسجام مع الموقف الرسمي الجديد ومواكبته بكل تفاصيله والدخول في عملية تنظير جديدة والتفتيش عن مخارج لهذا التحول المنهجي، بخاصة أن الخطاب القديم شكل ورقة أساسية في معركتها مع القوى السياسية المعارضة لها.
أشد ما يعبر عن هذا المأزق، ظهر من خلال آلية وأسلوب التعامل مع الخطوة النوعية التي حصلت في غفلة عن الصحافة المحافظة وأنتجت الإعلان عن الاتفاق بين النظام في طهران والسعودية برعاية صينية، وهو الاتفاق الذي جاء في غفلة وبعيداً من كل توقعات هذه المؤسسات الإعلامية على رغم أنها "رسمية" أو ناطقة باسم النظام وبعضها خاضع مباشرة لإشراف المرشد الأعلى، كما هو الحال في صحيفة "كيهان" التي يرأسها ممثل المرشد حسين شريعتمداري الذي شكل رأس حربة في المعركة الأيديولوجية والسياسية مع السعودية على مدى العقود الماضية، فالوصف الأقرب له انه "رئيس تحرير مزمن" لهذه الصحيفة، وتنطبق عليه الآلية المعتمدة لدى إدارة المرشد بالإبقاء على الأشخاص أنفسهم في مواقعهم بناءً على ولائهم والتزامهم بأوامر المرشد وتوجيهاته، وحتى الاستعداد لفتح معارك نيابة عنه، على مبدأ "الذي تعرفه خير من الذي تريد أن تتعرف عليه".
وبما أن هذه الصحيفة "كيهان" تعد المصداق الأول والأبرز للإعلام المعبر عن موقف الدائرة المقربة من المرشد، لذلك تعد النموذج والمثال الذي يشكل الشاهد على أزمة الإعلام المؤدلج والموجه. فبعد أن كانت الخط المتقدم في معارك النظام مع خصومه في الداخل والخارج، وما زالت، فقد وجدت ضالتها في الأزمة التي نشبت بين إيران والسعودية نتيجة الهجوم على سفارة الرياض وقنصليتها في طهران ومشهد في 2 يناير (كانون الثاني) 2016، تزامناً مع اقتراب موعد إقرار الاتفاق النووي في الكونغرس الأميركي، متخذة من إعدام الشيخ نمر النمر ذريعة لرفع السقف وشن هجوم على القيادة السعودية واتهامها "بالوقوف وراء الفكر التكفيري والتنسيق مع إسرائيل للقضاء على النظام الإسلامي في إيران" وكل حلفائه وأذرعه في المنطقة. وسعت "كيهان" لجعل الأزمة والحرب اليمنية غطاءً لهذه السياسية التي وصلت إلى مستوى تكفير السعودية وتصنيفها في خانة العداء، مع العلم أن "النمر" لم يكن على انسجام مع التوجهات الإيرانية، بل يمثل توجهاً مختلفاً، في حين أن الدخول الإيراني ونشاطه على الساحة اليمنية شكل مصدر خطر وقلق وتهديد للأمن والمصالح الاستراتيجية للسعودية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل