Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإعلام الإيراني المحافظ وأزمة الدور (3 -4)

اصطدمت وسائل إعلام النظام الرسمية والخاصة بحقيقة عجزها عن أن تكون بالمستوى المطلوب في مواجهة الإعلام الخارجي الناطق باللغة الفارسية

شكلت الانتفاضة الشعبية التي انطلقت على أثر وفاة الفتاة مهسا أميني ذروة التعبير عن أزمة الإعلام الإيراني (أ ف ب)

ملخص

الإعلام التحريضي الذي مارسته وسائل الإعلام المحافظة في إيران وما أدى إليه من توفير غطاء للجماعات المتشددة ترك أضراراً على الأوضاع الداخلية للبلاد

بعد التطورات الأخيرة التي حصلت على خط العلاقة بين إيران والسعودية والاتفاق الثلاثي الذي وقع بينهما برعاية صينية، وهو الاتفاق الذي وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لبيد بأنه "هزيمة للسياسة الخارجية لتل أبيب، وقد أدى إلى انهيار الجدار الدفاعي الإقليمي الذي بنيناه ضد إيران".

وانطلاقاً من هذه المتغيرات يبرز إلى الواجهة سؤال محوري حول الدور الذي لعبه الإعلام الإيراني المحافظ وحجم التخريب الذي مارسه، والتأثير الذي تركه في علاقات إيران الداخلية والخارجية، ولمصلحة أي جهة كانت كل الممارسات العدائية والتصعيدية التي كانت تستهدف الممثليات الدبلوماسية الأجنبية على الأراضي الإيرانية سواء السفارة البريطانية أو الهجوم وتخريب السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد.

لا شك أن الإعلام التحريضي الذي مارسته وسائل الإعلام المحافظة، وما أدى إليه من توفير غطاء للجماعات المتشددة التي استهدفت الممثليات الدبلوماسية الأجنبية ترك آثاراً وأضراراً واضحة على الأوضاع الداخلية، بخاصة في الجانب الاقتصادي، تضاف إلى الآثار الناتجة من تعطيل مفاعيل الاتفاق النووي الاقتصادية، والتحريض على الفريق المفاوض، وإيجاد أرضية ومساحة واسعة للأصوات والجماعات المتضررة من الاتفاق، لتعطيل أي جهود لإعادة إحياء المفاوضات أو الحوار من جديد، بخاصة في ظل حكومة الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه المفاوض بقيادة وزير خارجيته محمد جواد ظريف.

عندما خرجت صحيفة "كيهان" في مانشيت صفحتها الأولى الرئيس لترحب بالاتفاق الموقع مع السعودية، وتتوجه بالخطاب إلى القوى الإصلاحية ومسؤولي الحكومات السابقين، بأن عليهم "تعلم أسلوب التفاوض"، وتبعتها الصحف المحافظة الأخرى، بشكل يوحي بوجود غرفة تحرير واحدة تولت مسؤولية إبلاغ هذه الصحف بما يجب أن يكتب واللغة التي يجب أن تستخدم والآليات التي من المفترض أن تعتمد لتسويغ هذه الخطوة، التي تتعارض مع الخط والتوجه الأيديولوجي الذي اعتمدته على مدى عقود أمام القاعدة الشعبية للنظام والسلطة. فما كان محرماً ويتعارض مع المصالح القومية والوطنية ويشكل تهديداً للدين والعقيدة والثورة والنظام بات الآن مرحباً به، ويخدم المصلحة الوطنية، ويعزز مكانة الإسلام والدين والعقيدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم الجهد الكبير الذي بذلته وسائل الإعلام هذه في شيطنة كل الجهود الدبلوماسية ومساعي الحد من التوتر مع الجوار العربي وفي العلاقة مع المجتمع الدولي، والبحث عن مخارج لأزمة البرنامج النووي، فإنها تقف عاجزة عن تقديم مسوغات مقنعة تدعم روايتها وسرديتها حول الاتفاق الموقع مع السعودية، وما وصلت إليه المفاوضات مع المجتمع الدولي حول البرنامج النووي، بخاصة في النقطة المحورية لاتفاق بكين التي تتحدث عن تأكيد الطرفين العودة إلى اتفاقي عامي 1998 و2002 اللذين سبق أن جرى التوقيع عليهما في عهد الرئيس محمد خاتمي.

ومن المستبعد أن تعاني هذه الصحف ووسائل الإعلام أزمة في تسويغ التحول الذي طرأ على خطابها في هذه المرحلة في التعامل مع الخبر الخاص بالسعودية والأزمة اليمنية، بخاصة غياب أو تغييب هذه الأخبار عن صفحاتها الأولى وحتى الداخلية، بعد أن كانت تمارس قصفاً مركزاً ومباشراً، وبشكل يومي، وتمارس تعبئة إعلامية وعقائدية وأيديولوجية عدائية ضد السعودية وكل ما تقوم به، والسياسات التي تقوم بها على الصعيدين الداخلي السعودي والإقليمي العربي، وتحاول مصادرة هذا الحق أو أي حق طبيعي من منطلق موقعها القيادي في العالمين العربي والإسلامي، باعتبار أن هذا الدور والموقع من وجهة نظر هذه الصحف ووسائل الإعلام حق للنظام الإيراني، ومن غير المسموح لأي طرف أو دولة التدخل فيه، وأن تشكل تهديداً لمصالح النظام الأيديولوجية والاستراتيجية.

وإذا ما استطاعت وسائل الإعلام المحافظة أن تكون أداة فاعلة في الصراع بين التيارات السياسية وفريق النظام والفريق الإصلاحي أو المعتدل وحتى التيار المدني، وقد أدت دورها بجدارة وقوة مستفيدة من الدعم الذي حصلت عليه من المؤسسات التي تمثلها، سواء مكتب المرشد في حالة "كيهان"، أو المؤسسات العسكرية والرسمية للنظام كما هو الحال مع صحف مثل "جوان - رسالت - سياست روز - وطن امروز - عصر إيرانيان وغيرها"، أو وكالات أنباء مثل "تسنيم" و"تابناك" وغيرهما، إلا أنها اصطدمت بحقيقة عجزها عن أن تكون بالمستوى المطلوب في مواجهة الإعلام الخارجي الناطق باللغة الفارسية.

وبمقارنة سريعة ما بين الدعم المادي والمعنوي، وسهولة الحصول على المعلومة من مصادرها، والدعم الذي تحصل عليه المؤسسات ووسائل الإعلام العاملة في الخارج والناطقة باسم المعارضات الإيرانية أو التابعة لمؤسسات إعلامية دولية عريقة، فإن وسائل إعلام النظام الرسمية والخاصة وجدت نفسها أمام تحد حقيقي عندما واجهت حقيقة عدم امتلاكها الرواية الحصرية للحدث، وعدم قدرتها على التحكم في توجيه الرأي العام الإيراني، بخاصة الشرائح التي تشكل القاعدة الشعبية للنظام.

وقد شكلت الانتفاضة الشعبية أو الحراك الذي انطلق على أثر وفاة الفتاة مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) الماضي 2022 ذروة التعبير عن هذه الأزمة، وبدلاً من أن تنشغل هذه الصحف في مواكبة الحدث وحتى تقديم رواية النظام ومؤسساته الرسمية، تحولت صفحاتها إلى منصة لمهاجمة هذه المؤسسات العاملة في الخارج وكيل التهم إليها، تارة بالعمل على تنفيذ أجندة سعودية من خلال مؤسستي "إيران إنترناشيونال" التلفزيونية وصحيفة "اندبندنت" الإلكترونية بقسميها الفارسي والعربي، وتارة أخرى بإدراجها في خانة الإعلام العميل لإسرائيل، مهمته التآمر لإطاحة الثورة ونظامها ومصالحه الاستراتيجية والدور الذي يلعبه على رأس المحور الإقليمي، الذي تقوده إيران في مواجهة الهيمنة الأميركية والعنصرية الإسرائيلية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل