Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وهيبة باعلي "نوارة" الصحراء الجزائرية على المسرح

تمكنت من كسر قيود العادات والتقاليد وتسلقت سريعاً سلم التمثيل متسلحة بالجرأة والشجاعة

 قالت وهيبة إنها اكتشفت موهبتها في التمثيل المسرحي صدفة خلال المرحلة الدراسية حين كانت تشارك في العروض المسرحية المدرسية (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

 قالت وهيبة إنها كانت متفوقة في جميع الأطوار الدراسية إلا أن اصطدامها بالفشل في نيل شهادة البكالوريا لم يثن عزيمتها في المضي قدماً نحو تحقيق حلمها

رسمت الممثلة المسرحية الجزائرية وهيبة باعلي مساراً مليئاً بالتحديات لظروف البيئة الصحراوية وعادات وتقاليد المنطقة، لتتمكن من حجز مكان على خشبة المسرح وتسمع صوت عمق الصحراء الغني بالتراث والإبداع لعشاق الفن الرابع في الجزائر والعالم.

كسر القيود

وهيبة تمكنت من كسر قيود العادات والتقاليد في الجنوب الجزائري وتسلقت سريعاً سلم التمثيل المسرحي متسلحة بالجرأة والشجاعة قادمة من مدينة تمنراست التي تبعد حوالى 2000 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، حتى تقاطعت سياقات ظهورها بظروف صعود الممثلة المسرحية الجزائرية الراحلة صونيا.

 

وقالت وهيبة لـ "اندبندنت عربية" إنها اكتشفت موهبتها في التمثيل المسرحي صدفة خلال المرحلة الدراسية حين كانت تشارك في العروض المسرحية المدرسية في المنطقة، فتعلقت بهذا الفن وتمكنت من التعبير عن كوامن شخصيتها وإخراجها إلى الجمهور.

وتروي كيف كانت تضطر إلى اختلاق "أكاذيب بيضاء" عندما يطلب منها الأساتذة دعوة أوليائها لحضور العروض المسرحية التي تشارك فيها مخافة أن يتم اكتشاف أمرها ووقوع ما لا يحمد عقباه.

دوام الحال من المحال

ولأن دوام الحال من المحال فقد انتهى الموسم الدراسي وتحت ضغوط المدرسين والمكونين دعت وهيبة والديها إلى حضور حفل نهاية الفصل الدراسي بحجة أن الإدارة تريد تكريمهما، غير أن أبويها تفاجآ بصعود ابنتهما إلى المنصة للمشاركة في عرض مسرحي.

وتقول وهيبة، "كنت أتوقع توبيخاً من والديّ لدى اكتشافهما أنني أشارك في العروض المدرسية في منطقة محافظة لا تسمح للفتاة بفعل الكثير في المجتمع، إلا أن والدي استقبلني من منصة العرض بعناق كبير وبكينا معاً بدموع الفرح، وكانت اللحظة نقطة بداية الدعم العائلي من الوالدين والإخوة والعائلة الكبيرة الذي تواصل إلى غاية اليوم".

ولا مناص من التعرف على طفولة وهيبة باعلي، وهي من مواليد عام 1986، الملقبة باسم "سمراء الخشبة الجزائرية"، وأوضحت أنها عاشت طفولة عادية ضمن عائلة ميسورة الحال كان ترتيبها في عدد إخوتها الثالث بين ذكور وإناث، إلا أنها حصلت على حظوة من والديها وكان لا يرد لها طلب.

تحقيق الحلم

وعن دراستها قالت وهيبة إنها كانت متفوقة في جميع الأطوار الدراسية إلا أن اصطدامها بالفشل في نيل شهادة البكالوريا لم يثن عزيمتها في المضي قدماً نحو تحقيق حلمها وشق طريق النجاح في مجال التمثيل المسرحي، فكانت المرأة الأولى من الطوارق التي تحدت تقاليد المنطقة وفرضت نفسها في ميدان الفن الرابع.

 وأضافت، "في البداية كان عليّ كسر الحواجز المعنوية في العائلة ثم تلك المتعلقة بالعادات والتقاليد لدى المجتمع الطارقي المحافظ، وتجاوز الجغرافيا التي أعيش فيها وإثبات قدرة المرأة الطارقية على اقتحام المسرح ونقل صوتها إلى المسارح الوطنية والدولية، وإبراز الثقافة الثرية التي تزخر بها المنطقة التي ترعرعت فيها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابعت، "البدايات كانت صعبة بخاصة أن المجتمع محافظ، ولكن عندما يكون الوالدان مؤمنين بك فحتماً ستصل إلى ما تريد، ومن ثم تبدأ تكبر دائرة من يؤمنون بك من العائلة الصغيرة ثم الكبيرة فالجيران إلى جمهورك العريض، وكل هذا يتماشى مع التكوين الجاد والعمل الجاد أيضاً، إضافة إلى مواكبة الإنتاجات المسرحية سواء في الجزائر أو العالم العربي والعالمي".

استغراب

وتشرح الممثلة المسرحية الجزائرية، "كان هناك نوع من الاستغراب لدى المجتمع المحلي ونظرته إليّ، لكن مع مرور الوقت تمكنت من فرض نفسي في الميدان حتى أصبحت قاعة المسرح في المنطقة تكتظ بالجمهور الآتي من مختلف المناطق الذي يحرص على الحضور للاستمتاع بالعروض التي أقدمها، وأتلقى منه كل التشجيع والدعم مما منحنى جرعات أمل لمواصلة تقديم الأحسن على الخشبة".

ولا تخفي وهيبة باعلي امتنانها وعرفانها بالجميل لزوجها ومكتشفها عبدالقادر عزوز الذي لقنها أبجديات التمثيل المسرحي وأخرج لها عدداً من الأعمال المسرحية التي لاقت انتشاراً واسعاً على المستوى المحلي والوطني والدولي وتقول، "زوجي عبدالقادر ملهمي ومعلمي ومدربي وأشعر أنني محظوظة كثيراً لأنني التقيته واستفدت من خبرته ورصيده الكبير في المسرح".

بيئة معزولة مسرحياً

وفي بيئة معزولة مسرحياً وجدت وهيبة باعلي وعبدالقادر عزوز ما كانا محتاجين إليه، فعزوز ممثل شغوف ومتلهف لتلقي معارف مسرحية وخوض مغامرات جديدة، ووجدت وهيبة مخرجاً عارفاً متحكماً بنقاط قوتها فيصمم عروضاً مكنتها من إخراج شحنات إبداعها بكل اقتدار، كما استلهمت وهيبة من عدد من الفنانين المسرحيين الجزائريين، لا سيما المدير العام السابق للمسرح الجزائري المسرحي الكبير محمد بن قطاف الذي فتح لها أبواب الإبداع وتقديم التجربة الجنوبية للمسرح وأخرجها إلى النور، خصوصاً مسرح الطوارق الأمازيغي ذي الأبعاد الأفريقية.

كما تأثرت وهيبة باعلي بقامات فنية جزائرية كبيرة مثل الراحلة صونيا مكيو التي توفيت في مايو (أيار) 2018، وفتيحة بربار (1945 - 2015)، وبالراحل أحمد بن عيسى) 1944-2022).

تجربة مهمة

واعتماد الممثلة وهيبة باعلي على المطالعة والاحتكاك بكبار الفنانين الجزائريين والعرب في عالم الفن الرابع أكسبها تجربة مسرحية ثرية تجسدت في تقديم عروض مهمة داخل وخارج الوطن، إضافة إلى حصد كثير من الجوائز في مهرجانات دولية ووطنية ومحلية لعل أبرزها جائزة رئيس الجمهورية لأحسن ممثلة.

وترى وهيبة أن المسرح الأمازيغي الجزائري الأفريقي لا يزال تجربة مهمة غير مستغلة وبحاجة إلى التعريف بها وإيصالها إلى أبعد نقطة، ليكتشفها الجمهور في مختلف دول العالم.

"نوارة"

واكتشف جمهورها ظاهرة غريبة في مونودراما "ريق الشيطان" الذي افتك أكثر من جائزة وازنة، ومنها جائزة "الحبارى الذهبية" في "الأيام الوطنية الثانية للمونودراما في مدينة الأغواط، ومونودراما "نوارة"، أي الزهرة باللهجة الجزائرية، الذي توج بجائزة "وسام الواحات" في مدينة ورقلة، وتمكنت الممثلة بما تملك من قدرات من لفت الانتباه إليها في العروض الجماعية والسيطرة على الخشبة حتى أصبح حضورها الفردي كاسحاً حين استولت على أدوار الممثلين والممثلات بشكل لافت.

وأبدعت وهيبة باعلي في دورها في مسرحية "الجاثوم" للمخرج عزوز عبدالقادر وتأليف وفاء براهم شاوش التي عرضت أخيراً على المسرح الوطني الجزائري، واكتشف الجمهور من خلالها روح وتراث "الطاسيلي" والبيئة الصحراوية.

كما شاركت في مسرحية "نجمة" ومسرحية "الحب المفقود" وظهرت في مسرحية لعباس محمد إسلام بعنوان "آباء للبيع" و"الشيخ آمود" ومسرحيات "سالم والجدة" و"الموهبة" و"رقصة الموت" و"الكسوف" وغيرها.

وعن التحديات الحقيقية التي تواجهها قالت وهيبة، "كفنانة امرأة فإن من أهم التحديات الاشتغال على الذات وتطوير الموهبة من أجل تقديم الأحسن للجمهور سواء في المسرح أو التلفزيون، وبصفتي أنا من الجنوب فمسرحياً سواء وطنياً أو دولياً، أما السينما والتلفزيون فهذه الجهة تعاني نقصاً كبيراً وبالتالي نتمنى أن تتاح الفرص للجميع وللمبدعين".

التحدي الكبير

ويبقى التحدي الكبير الذي يقف أمام طموح الممثلة وهيبة باعلي هو بعد المسافة من المنطقة التي تقطن بها عن المدن التي تتوافر فيها مسارح كبيرة، إلا أنها تكابد برفقة زوجها مشاق التنقل وأحياناً عبر وسائل النقل البرية بالحافلات لحضور العروض والدورات في مدن الشمال أو في الخارج.

وختمت وهيبة متحدثة بكل فخر عن تجربتها في التمثيل المسرحي قائلة "الآن يرى فينا المجتمع المحلي ما لم يستطع هو تحقيقه".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة