Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقابر جماعية لأكراد العراق تعود إلى النقاش السياسي

بين فترة وأخرى تُكتشف في صحراء جنوب البلاد رفات ضحايا حملات الأنفال

أكتشفت المقبرة الجماعية الجديدة في صحراء منطقة السماوة العراقية (أ.ف.ب)

منذ أن أعلنت السلطات العراقية في 23 يوليو (تموز) الحالي، اكتشاف مقبرة جماعية جديدة في صحراء منطقة السماوة، تضم رفاة العشرات من الضحايا المدنيين الكرد العراقيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، دُفن بعضهم أحياء، في مقبرة جماعية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ضمن حملات الأنفال سيئة الصيت، التي نفذها النظام العراقي السابق بحق المدنيين الكرد وقتئذ، فإن مسألة الإبادة الجماعية التي طالت الكرد العراقيين عادت إلى متن النقاش السياسي والاجتماعي العراقي، خصوصاً أنها تجري في ظل علاقة قلقة راهنة بين إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية.

تفاصيل مؤلمة

دائرة شؤون المقابر الجماعية التابعة لمؤسسة الشهداء العراقية المرتبطة بمجلس الوزراء العراقي، أعلنت أن موظفيها اكتشفوا مقبرتين جماعيتين في منطقة الشيخة في بادية السماوة، التابعة لمحافظة المثنى الجنوبية (300 كيلومتر جنوب العاصمة بغداد)، مذكرة بأنها تضم رفاة قرابة 70 جثة لنساء وأطفال من إقليم كردستان، أُعدم بعضهم رمياً بالرصاص، وأن بعضها تعود إلى أطفال في حوالى العاشرة من أعمارهم.

مدير الطب العدلي في محافظة المثنى الدكتور زيد يوسف قال لوسائل الإعلام إن الدلائل الجنائية تشير إلى أن الضحايا أُعدموا عام 1988، مضيفاً أن النساء كن معصوبات العيون وتلقين طلقات نارية في الرأس، إضافة إلى طلقات نارية عشوائية في مختلف أجزاء الجسد.

المتابعون لأعمال المؤسسة أشاروا إلى أن الجثث المكتشفة ربما لا تكون الوحيدة، فما فُتح هو الطبقة العليا الأولى من المقبرة الجماعية فحسب. فتجارب المقابر الجماعية السابقة، دلت على أنها تكون عادة مؤلفة من طبقات عدة، تضم كل طبقة جثث العشرات أو المئات من الضحايا.

كانت الصورة التي نُشرت عن المقبرة شديدة التأثير في الرأي العام العراقي، الكردي والعربي على حدٍ سواء. فكثير من الممتلكات الشخصية مثل الساعات والملابس والأحذية وحتى الحلى، دلت على أن الضحايا كانوا في حالتهم المدنية العادية، وهم لا يحملون أي أسلحة ولم يكونوا يشكلون أي خطر على أمن النظام الحاكم.

المقابر الأخيرة المُكتشفة تُضاف إلى مقبرة جماعية أخرى، أعلنت مؤسسة الشهداء في شهر أبريل (نيسان) الماضي اكتشافها في المنطقة ذاتها، وقالت إنها من نوع المقابر الجماعية الكبرى، التي تُقدر أعداد ضحاياها بالمئات. وهي جزء من عمليات اكتشاف دورية في تلك المناطق الصحراوية الجنوبية.

جذور القضية

عملية الأنفال هي التسمية العامة لمجموعة من الحملات الأمنية والعسكرية التي نفذتها الأجهزة الأمنية وفرق الجيش العراقي بحق المدنيين الكُرد في السنة الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية، اعتباراً من خريف عام 1987، إذ مارست تلك الأجهزة عمليات قتل عام وتدمير للقرى وتهجيرٍ للسكان المحليين الكرد نحو المناطق الجنوبية، فقتلت ودفنت الغالبية منهم في مقابر جماعية في صحراء تلك المناطق. كانت تلك الحملات تبتغي كسر الانتفاضة المسلحة الكردية، التي كانت في أوج قوتها، بينما كان الجيش العراقي مُنهكاً من حربه الطويلة مع إيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول المؤسسات الإحصائية الكردية إن مجموع الضحايا الكرد خلال تلك الأشهر قُدر بحوالى 180 ألف ضحية مدنية، منهم أكثر من خمسة آلاف ضحية سقطت في يوم واحد جراء قصف مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيماوية، في مارس (آذار) 1988.

كذلك، فإن تلك المجازر تسببت بتدمير البنية العمرانية في عموم إقليم كردستان، إذ دمرت قرابة أربعة آلاف قرية كردية، خصوصاً على القوس الحدودي مع كل من تركيا وإيران، المُمتد لأكثر من 500 كيلومتر. وقالت السلطات المحلية الكردية إنها تمكنت من إعادة بناء الغالبية العظمى من تلك القرى، لكن سكانها المحليين لم يعودوا جميعاً إليها. فكثيرون منهم صاروا ضحايا عمليات الاغتيال الممنهجة.

منذ ثلاثة عقود، تكتشف السلطات المحلية في العديد من المحافظات الجنوبية العراقية، بين فترة وأخرى، واحدة من تلك المقابر الجماعية في صحاري تلك المناطق.

تجدد الذاكرة

تُكتشف هذه المقابر الجماعية الجديدة في وقتٍ تعلن دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء ودوائر الطب العدلي في إقليم كردستان العراقي بشكل شبه شهري اكتشافها مقابر جماعية تعود إلى ضحايا من الأيزيديين الأكراد، في المناطق التي احتلها تنظيم "داعش"، جنوب إقليم كردستان.

ففي بداية يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت تلك المؤسسة استخراج رُفات 94 من الضحايا الأيزيديين من مقبرة جماعية في قرية كوجو، أضيفت إلى مقبرة أخرى قريبة من تلك القرية، في منطقة الصباحية، التابعتين إلى قضاء سنجار ذي الغالبية الأيزيدية الكردية، الذي يقع ضمن محافظة الموصل.

عمليات فتح المقابر الجماعية الأيزيدية انطلقت منذ مارس الماضي، ضمن مخطط لاستخراج رُفات الضحايا من أكثر من 70 مقبرة جماعية مُكتشفة حتى الآن في قضاء سنجار، في حين أن عدد المقابر التي فُتحت حتى الآن يُقدر بـ20 فقط. فرفع رُفات الضحايا يتضمن أيضاً تحليل الجُثث وتحديد هوياتها وتأبينها وتسلميها إلى ذويها وتحديد حقوقها المدنية والمالية.

تجاذبات شعبية

اكتشاف المقابر الأخيرة خلق نوعاً من النقاش العام في إقليم كردستان العراق، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد تراوحت النقاشات بين المطالبة بإعادة التقدير للضحايا الكرد، سواء في الحيز العام أو في المناهج التربوية أو في الأدبيات السياسية الكردية. كذلك، فإن كثيرين من المعلقين الكرد طالبوا بإعادة إحياء المتابعة القضائية والجنائية للأفراد الذين اشتركوا في الأفعال ضد المواطنين الكرد. كثيرون آخرون طالبوا بأن تدفع القوى السياسية الكردية هذه الأحداث إلى متن نقاشاتها ومفاوضاتها مع الحكومة المركزية العراقية.

لجنة شؤون الشهداء والمؤنفلين وضحايا عمليات الإبادة والسجناء السياسيين في برلمان كردستان أصدرت بياناً حول هذه الأحداث، جاء فيه أن "هذه المقابر التي تُكتشف إنما هي دليل آخر على مدى وحشية النظام البعثي في العراق ومن الضروري أن يأخذ العالم هذه الجريمة بالاعتبار، ولهذا نطلب من الحكومة العراقية الالتزام بتعويض ذوي عمليات الإبادة الجماعية والمؤنفلين بحسب قرار المحكمة الاتحادية العراقية الصادر بهذا الخصوص، كذلك نطلب تشكيل لجنة مشتركة بين الجهات المعنية في إقليم كردستان والعراق للبحث عن رفات الضحايا من الشعب الكردي وإعادتهم إلى المناطق الأصلية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي