ملخص
القاهرة قالت إن وجود #الجنود_المصريين في السودان لإجراء تدريبات مشتركة بين البلدين وحميدتي أكد التعاون لتسهيل عودتهم من #مروى إلى بلدهم
مع احتدام الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، أثار انتشار صور ومقاطع تظهر احتجاز مجموعة من الجنود المصريين في نطاق مطار مروي السوداني، فضلاً عن وجود مقاتلات عليها العلم المصري، حالة من الجدل عكست مدى تعقد وتشابك العلاقات المصرية- السودانية التي لطالما مرت بمحطات مشحونة بالحساسيات والمخاوف المتبادلة.
وتباينت قراءة أسباب الوجود العسكري المصري في السودان، إذ أرجعته القوات المسلحة المصرية إلى "إجراء تدريبات مع نظرائهم في السودان"، في وقت زعمت أطراف سودانية بـ"دخول مصري عسكري لدعم أحد الأطراف".
بين هذا وذاك كانت سرعة تعاطي القاهرة مع التطورات السودانية لافتة، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، إذ بدا مشهد التطورات الميدانية في الجارة الجنوبية لمصر "مقلقاً على صعيد مصالحها القومية"، بحسب تعبير السفير محمد مصطفى عرفي المندوب المصري لدى الجامعة العربية الذي دعا طرفي الصراع في السودان "إلى ضمان سلامة جميع المصالح المصرية هناك".
وبحسب مصادر تحدثت إليها "اندبندنت عربية"، "تتخوف القاهرة من أن يقود اتساع المواجهة العسكرية الدائرة بين قوات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي" إلى خروج الأوضاع عن السيطرة وانزلاق السودان إلى صراع واسع النطاق يضع أمن واستقرار ووحدة الأراضي السودانية في مهب الريح"، وذلك في وقت تعاني البلاد انهيار الاقتصاد وتأزم الأوضاع السياسية واشتعال العنف القبلي.
"جنود مصريون" في المشهد
ظهر أمس السبت نشر حساب قوات الدعم السريع على صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً قالت إنه لقوات مصرية "تسلم نفسها" لها في قاعدة مروي الواقعة على بعد 350 كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم على الضفة الشرقية للنيل بولاية شمال السودان، وذلك إثر اشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأظهر المقطع الذي انتشر بكثافة عدداً من الرجال يرتدون ملابس عسكرية ويجلسون على الأرض ويتحدثون إلى أفراد من قوات الدعم السريع باللهجة المصرية، كما بدا ضابط مصري يعرف عن نفسه أنه المسؤول عن الجنود المصريين الموجودين في القاعدة.
وانتشر مقطع آخر يظهر لحظة إلقاء القبض على الجنود المصريين وقد طلب منهم الجلوس ووضع أيديهم على رؤوسهم، إضافة إلى انتشار مقاطع أخرى أظهرت استيلاء قوات الدعم السريع على طائرات مقاتلة عدة قالت إنها تابعة للقوات الجوية المصرية، إذ بدا العلم المصري يعلوها، إلى جانب أسلحة ومركبات عسكرية سودانية.
من جانبها أصدرت القوات المسلحة المصرية بياناً ذكرت فيه أنها "تتابع عن كثب الأحداث الجارية داخل الأراضي السودانية"، ودعا المتحدث باسم الجيش المصري العقيد غريب عبدالحافظ إلى الحفاظ على أمن وسلامة قواته الموجودة "في إطار إجراء تدريبات مع نظرائهم بالسودان".
في الأثناء نقلت قوات الدعم السريع في بيان أمس أن "كتيبة من الجيش والقوات المصرية سلمت نفسها لقوات الدعم السريع بمروي"، ولاحقاً أكد حميدتي في تصريحات تلفزيونية أن قواته مستعدة للتعاون مع مصر لتسهيل عودة الجنود المصريين الذين سلموا أنفسهم لقواته، مشدداً على أن "الجنود المصريين في أمان وأن قوات الدعم السريع زودتهم بالغذاء والماء".
في غضون ذلك، ووفق تقارير محلية مصرية نقلاً عن مصادر عسكرية، فقد تمكن المسؤولون في القاهرة من التواصل مع قائد الوحدة المصرية الموجود في السودان، مشيرة إلى أن الاتصالات أسفرت عن التأكد من سلامة قائد الوحدة والجنود التابعين لها.
وتعد الاشتباكات التي اندلعت أمس الأولى بين وحدات الجيش التي تدين بالولاء للبرهان وقوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي" منذ أن اشترك الطرفان في إطاحة الرئيس عمر البشير عام 2019.
ودعت الولايات المتحدة والصين وروسيا ومصر والسعودية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية. وكثفت دول مجاورة ومنظمات إقليمية جهودها اليوم لإنهاء العنف. وشمل ذلك عرضاً من مصر وجنوب السودان للوساطة بين طرفي الصراع وفقاً لبيان صادر عن الرئاسة المصرية.
وأمس دعت الخارجية المصرية الأطراف السودانية إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس"، وذلك على خلفية الإفادات الواردة من الخرطوم (صباح السبت) في شأن اشتباكات متبادلة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأكدت الخارجية المصرية أن القاهرة "تتابع بقلق بالغ تطورات الوضع في السودان على أثر الاشتباكات الدائرة هناك، وتطالب جميع الأطراف السودانية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب السوداني الشقيق وإعلاء للمصالح العليا للوطن".
جدل وغضب مصري
فجر انتشار مقاطع الجنود المصريين في السودان وطريقة التعامل معهم من قبل قوات الدعم السريع حالاً من الغضب في الأوساط المصرية وبين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي وقت اعتبر بعضهم أن "ما حدث للجنود في السودان مشهد محزن لأي مصري بغض النظر عن موقفه من نظام السيسي"، قال آخرون إن "تصوير الجنود المصريين بهذا الشكل إهانة، ومعروف أن رفع اليد خلف الرأس بهذا الوضع يعني ’استسلام‘".
من جهة أخرى تساءل كثيرون عن سبب الوجود العسكري المصري في السودان، فيما طالب آخرون بسرعة "تحرك القوات المصرية لحماية أبنائها هناك".
وعلى الصعيد السوداني، كان التباين سمة قراءة مشهد الجنود المصريين في قاعدة مروي العسكرية، إذ اعتبر بعضهم أنه أمر اعتيادي في إطار العلاقات المتشعبة التي تربط بين البلدين، فيما رأى آخرون أنه يعكس "التدخل المصري في الشأن السوداني".
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية"، قال رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية اللواء نصر سلام إن "وجود قوات عسكرية في السودان أمر اعتيادي في إطار خطط تدريبية مشتركة تجمع القوات المسلحة وأفرادها بين البلدين"، موضحاً أن "البلدين تربطهما علاقات سياسية وأمنية وعسكرية وثيقة تستدعي إجراء تدريبات ومناورات مشتركة في فترات معينة".
وتابع "القوات المصرية في السودان ضيوف وليست طرفاً في الصراع أو منحازة لأحد الأطراف، وعليه لا يمكن أن تكون هدفاً لأحد الأطراف لمهاجمتها أو الاعتداء عليها".
تعزيز العلاقات العسكرية ما بعد البشير
يشار إلى أنه بعد سقوط نظام البشير في 2019 بدأت مرحلة جديدة من العلاقات العسكرية بين القاهرة والخرطوم تم تدشينها خلال الاجتماع السادس للجنة العسكرية المشتركة بين الجانبين الذي عقد في شهر يوليو (تموز) من العام ذاته، فتم الاتفاق حينها على وضع أسس تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، نفذ الجانبان للمرة الأولى في تاريخهما مناورات جوية عسكرية مشتركة تحت اسم "نسور النيل – 1"، جرت فصولها على الأراضي السودانية بحضور رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق محمد فريد.
وعلى هامش هذه المناورات اتفق الجانبان حينها على أسس التبادل العسكري على كل المستويات، وكذلك إعادة تسيير دوريات عسكرية وأمنية مشتركة في المناطق الحدودية بين البلدين، وذلك لمنع تسلل العناصر الإرهابية وعمليات الهجرة غير الشرعية.
وكان التطور اللافت على صعيد العلاقات العسكرية بين البلدين في مارس (آذار) 2021، حين وقعت مصر والسودان اتفاقاً عسكرياً في الخرطوم بحضور قائدي جيشي البلدين اللذين أكدا أن البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.
واتفق وقتها على تعزيز التعاون العسكري والأمني بين القاهرة والخرطوم، خصوصاً في مجالات التدريبات المشتركة والتأهيل وأمن الحدود ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية، بحسب ما أورد بيان عسكري مصري آنذاك.
وفي مايو (أيار) 2021، أجرت القوات المسلحة المصرية ونظيرتها السودانية تدريبات عسكرية مشتركة حملت اسم "حماة النيل"، بمشاركة عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي والقوات الخاصة للبلدين.
وبحسب تصريحات رسمية سودانية، يعتقد بأن هناك وجوداً عسكرياً مصرياً منذ نحو عامين في مطار مروي العسكري يتعلق بالتدريب الجوي المشترك الذي تجريه القوات المسلحة في البلدين، إلا أنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي طالبت بعض الجهات السودانية من بينها لجان المقاومة بإنهاء الوجود العسكري المصري في قاعدة مروي الإستراتيجية السودانية.