Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أين تقود انقسامات الإدارة الأهلية الأزمة السودانية؟

تباين المواقف القبلية يحبط محاولات إغلاق الشرق والخرطوم

أعلن ناظر عموم البطاحين عن مبادرة لجمع الفرقاء في السودان بمن فيهم الأطراف العسكرية وطرفا الحرية والتغيير، فضلاً عن الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاق السلام (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ملخص

رفضاً #للاتفاق_الإطاري أعلن المجلس الأعلى #لنظارات_البجا والعموديات المستقلة إغلاق الطريق الرئيس بين ولايتي البحر الأحمر #وكسلا شرق السودان مع الخرطوم

منذ نشوب الأزمة السودانية، ظلت الإدارة الأهلية محل تجاذب واستقطاب بواسطة القوى المتصارعة، سواء المدنية منها أو العسكرية، ومع احتدام الأزمة في الآونة الأخيرة، شهدت المكونات الأهلية انقسامات داخلية كبيرة ما بين مؤيد ومعارض للتهديدات بإغلاق عدد من الطرق القومية بالعاصمة الخرطوم وولايات البلاد الأخرى رفضاً لـتوقيع الاتفاق النهائي الذي تأجل لموعد غير مسمى انتظاراً لحسم بعض قضايا الإصلاح الأمني والعسكري المعقدة حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش القومي، لكن، وقبل أن يتفق السياسيون بدأت المكونات الأهلية في التصدع، فإلى أين تقود انقسامات الإدارة الأهلية الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد؟

 

تهديدات الإغلاق

في خضم الصراع المحتدم منذ توقيع الاتفاق الإطاري، وفي مسعى لقطع الطريق على التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، أعلن عدد من الإدارات الأهلية في ولاية الخرطوم وشرق السودان إغلاق طرق قومية عدة، وبالخرطوم بشكل كامل، الأربعاء الخامس من أبريل (نيسان) الجاري، عشية الموعد المتفق عليه سابقاً للتوقيع على الاتفاق.

ورفضاً للاتفاق الإطاري الممهد لحل الأزمة السياسية، أعلن المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة إغلاق الطريق الرئيس الرابط بين ولايتي البحر الأحمر وكسلا في شرق السودان، مع العاصمة الخرطوم.

ورداً على إعلان الإدارة الأهلية بالخرطوم بواسطة المك عجيب ناظر الجموعية، أقدم قبائل ولاية الخرطوم، إغلاق شامل لولاية الخرطوم، أصدر شباب قبيلة الجموعية بياناً أكدوا فيه رفضهم التهديدات بإغلاق الولاية، وأكدوا وقوفهم ضد استغلال المواقف أو المتاجرة التي تقوم بها عناصر المؤتمر الوطني المنحل لإغلاق ولاية الخرطوم، وأنهم لن يكونوا جزءاً من هذا العمل المدمر لاقتصاد البلد.

وكشف البيان عن أن أكثر من 150 من القرى الممتدة من الريف الشمالي إلى الريف الجنوبي لولاية الخرطوم ترفض الإغلاق، منوهاً بأن قبيلة الجموعية ستظل وفية لدورها الوطني الذي ظلت تلعبه من دون متاجرة بمواقفها، إذ ظلت بحكم نشأتها وموقعها تمثل محور توازن ولاية الخرطوم وعمقها الأمني والاستراتيجي.

صراع وتصدع

وفي مقابل إعلان رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا، الناظر محمد الأمين ترك، عن إغلاق شرق السودان لمدة يوم واحد رفضاً للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي الذي كان محدداً له، مطلع أبريل، تعهد المجلس الأعلى للإدارات الأهلية شرق السودان، بعدم السماح بتمرير ما وصفه بأجندات سياسية تهدف لإغلاق الإقليم والميناء. وشدد مجلس الإدارات الأهلية على عدم السماح لأية جهة أو مجموعة بإغلاق الميناء مرة أخرى، مشيراً إلى أن أي تحركات تستهدف إغلاقاً سيقفون لها بالمرصاد، ولن يسمحوا بصعود الأجندة السياسية لتقوية موقف جهة ضد أخرى.

وحذر إبراهيم جامع مسؤول الإعلام بالمجلس من مغبة الإقدام على مثل هذه الخطوة، مؤكداً تصديهم لمنع الإغلاق، وأنهم لن يكونوا مطية ومدخلاً لتمرير أجندات عبر الإقليم، متوقعاً ما حدث بالفعل من عزوف المواطنين وعدم مشاركتهم في الإغلاق الذي كان معلناً سواء كان الميناء أو طريق العقبة المؤدي إلى بورتسودان.

وانتقد جامع قرار الإغلاق بواسطة مجلس البجا لجهة، أنه في المرة السابقة، وجد دعماً لا يتوفر له هذه المرة، مطالباً قيادات الكتلة الديمقراطية المناوئة للاتفاق الإطاري، بالابتعاد عن زج الشرق لصالح أجندتهم السياسية. ولفت إلى وجود مجموعات واسعة شملت إدارات أهلية وطرقاً صوفية ولجان مقاومة ومهنيين وسياسيين وشخصيات مجتمعية من أهل الشرق، دعمت الاتفاق وشاركت في ورشة قضايا الشرق ضمن المرحلة النهائية للعملية السياسية، في يناير (كانون الثاني) الماضي.

اتهامات بالتكسب

في السياق، وصف السلطان جعفر آدم سلطان عموم قبيلة الداجو بالسودان أن ما يجري الآن من قبل بعض الإدارات الأهلية من مواقف سياسية بأنه سعي للتكسب المادي من بعض القيادات مضيفاً "وستراهم غداً يقفون جميعاً خلف من يعتلي سدة الحكم".

وأوضح آدم أن العرف الساري والمعلوم هو أن يقف رجل الإدارة الأهلية على مسافة واحدة من كل المجموعات السياسية أو العسكرية، "فهي إدارة مجتمعية في المقام الأول لكن منذ نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات بدأت الأحزاب في جرجرة القبائل للمعترك السياسي". وتابع "مثل هذه الممارسات هي التي دفعت بالرئيس الأسبق جعفر النميري إلى حل الإدارة الأهلية في السبعينيات تماماً، لكنها أعيدت مرة أخرى من دون أي فاعلية أو دور سياسي، إلى أن جاءت حكومة عمر البشير وفعلت آليات الدين، وجعلت من رجل الإدارة الأهلية القوى الأمين سياسياً فضاعت الإدارة الأهلية ورجالها الذين أصبحوا أداة طيعة في يد أي حاكم أياً كان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الأثناء، أعلن ناظر عموم البطاحين وسط السودان منتصر خالد الشيخ طلحة عن مبادرة لجمع الفرقاء في السودان، بمن فيهم الأطراف العسكرية في الجيش والدعم السريع، وطرفاً الحرية والتغيير، فضلاً عن الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاق السلام (عبدالواحد محمد نور وعبدالعزيز الحلو).

وأكد طلحة، في بيان، أن مبادرته ستبدأ مع جميع المؤثرين والفاعلين في المشهد السياسي بهدف جمع كل الكيانات والأطراف والقوى المدنية قاطبة في السودان. وأضاف "نجلس مع طرفي المركزي للحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية ولجان المقاومة وحزبي الشيوعي والبعث انطلاقاً من مبدأ السودان الواحد الموحد الذي يسع الجميع".

أصداء للمركز

وعلى نحو متصل، أكد رئيس ومؤسس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة والأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة سيد أبو آمنة أن الانقسام السوداني حيال الأزمة السودانية لا يقتصر على مواقف الإدارة الأهلية في إقليم البجا شرق السودان فقط، إنما يمثل ذلك الانقسام مجرد انعكاس لانقسام القوى المركزية حول الأزمة ذاتها، "إذ يعتبر الذين أيدوا مسار الشرق ضمن اتفاق سلام جوبا جزءاً من تكتل مركزي له توجه يخدمه المسار، وكذلك يخدمه الاتفاق الإطاري، وهم الأقرب إلى السياسة العالمية المرسومة لبلادنا".

وتابع "بينما يعتبر رافضو المسار والاتفاق الإطاري امتداداً لقوى مركزية أخرى ترفض الاتفاق الإطاري وتحاول الخروج من ثورة ديسمبر (كانون الأول) بأقل قدر من التغييرات في بنية السودان التقليدي (وإن كانت هذه القوى لا ترفض المسار الأجنبي المدسوس على إقليم وشعب البجا باسم الشرق الجغرافي المراد استبدال سكانه)".

وشدد أبو آمنة على "أنهم في المجلس الأعلى للبجا لا ينحازون إلى هذا أو ذاك، لكن هدفهم الواضح هو حقوق شعبهم وإقليمهم، فإن وجدوها في العملية السياسية أيدوها من دون أي تردد، وإن وجدوها مع أي تيار وطني آخر أيدوه أيضاً بلا تردد"، مشيراً إلى أنهم مع حقوق شعبهم وليسوا أدوات لدى أحلاف الخرطوم وتكتلاتها المركزية المتعالية أصلاً على قضيتهم.

الدور المعكوس

واعتبر المحلل السياسي عبدالمنعم محمد إبراهيم أن الأحداث والبيانات والمواقف الأخيرة تجاه التطورات الخيرة للأزمة السياسية، كشفت عن انغماس الإدارة الأهلية بشكل مخيف في الصراع السياسي، لدرجة يمكن معها القول إنها أصبحت تلعب دوراً معكوساً ومخالفاً تماماً لدورها الطبيعي، فبدلاً من أن تعمل على لملمة النسيج المجتمعي على المستوى القاعدي، باتت تصدر وتنقل أمراض وخلافات السياسة إلى القواعد، وأوضح إبراهيم أن الانقسامات الأخيرة وسط الإدارات الأهلية في تبني مواقف سياسية متقاطعة داخل المكون الأهلي الواحد ألقت بظلالها على بذر الشقاق وسط مكونات المجتمعات المحلية، ما يعد أمراً خطراً يعمق الأزمة ويحولها من سياسية إلى مجتمعية، الأمر الذي كان يستوجب تحركاً عاجلاً، لكن المحزن أن الجهات الرسمية المنوط بها فعل ذلك أصبحت هي أيضاً شريكة في سعيها إلى استخدام الإدارات الأهلية ورجالاتها في تحقيق مطامعها السياسية. ورأى أن المرحلة المقبلة ستحتاج إلى عمل دؤوب من أجل إيجاد معالجات جذرية لوضع الإدارة الأهلية التي كادت تتحول إلى أجسام سياسية تسرب الخلافات السياسية بين مكوناتها، وابتعدت عن همومها المحلية والإدارية وقضاياها الأصلية.

معالجات وتقنين

وطالب إبراهيم بمعالجات جذرية في بنية وهياكل وأدوار الإدارة الأهلية، بخاصة بعد بروز الانشقاقات على أساس سياسي في صفوفها الداخلية، ما يؤكد ضرورة تقنين وضعها ودورها المحدد بشكل صارم، لا سيما بعد أن أهملت دورها الرئيس في حل النزاعات القبلية المتنامية وتحولها إلى كيانات جهوية وأذرع سياسية. وحذر المحلل السياسي من أن الاستمرار في ترك الإدارات الأهلية تلعب دوراً سياسياً سيؤدي إلى اضطلاعها بأدوار ليست لها.

ويعود دور الإدارة الأهلية إلى زمان سلطنات الفونج ودارفور وتقلي والمسبعات، لكن بمجيء الاستعمار الثنائي (الإنجليزي - المصري)، عمدت الإدارة البريطانية إلى تقنين عمل الإدارة الأهلية في الفترة بين 1937 و1942 مواكباً لما عرف بتقرير "مارشال" لتطوير الإدارة والخدمة المدنية في السودان الذي تبعته الحكومات الوطنية بعد الاستقلال.

ويقوم نظام الإدارة الأهلية على سلطات إدارية وشبه قضائية لرؤساء هذه الإدارات في المجتمعات المحلية، وتختلف تسمياتها وهياكلها بحسب طبيعة المنطقة والموقع الجغرافي لها، فهناك المشايخ والعمد والنظار والشراتي مفردها (شرتاي)، وتوسعت صلاحيات وسلطات الإدارة الأهلية، بعد أن كانت تختص فقط بإدارة شؤون مكوناتها القبلية، خلال محاولات عهد نظام عمر البشير لتوظيفها للكسب السياسي والولاءات القبلية لحزب المؤتمر الوطني، مما عزز الصراعات بين مكونات هذه الإدارات، وأسهم في زعزعة العديد من المناطق التي كانت مستقرة مع احتدام ظاهرة الاستقطاب السياسي للمكونات والقيادات القبلية.

المزيد من تحقيقات ومطولات