ملخص
كشفت تقارير صحافية، عن إغلاق #مشرحة مستشفى بشائر في جنوب #الخرطوم، بعد بدء نحو ألف جثة مجهولة في التحلل... لكن القضية ما لبثت أن وصلت إلى #المسرح
تواصل "مجموعة منطقة صناعة العرض"، بإشراف وليد عمر بابكر ضمن ما سمته مشروع "مسرح الشدّة"، عروضها لمسرحية "آيس دريم"، التي يشارك فيها نقيب الدراميين السودانيين الرشيد أحمد عيسى، والممثل السوداني القدير محمد أحمد الشاعر، إضافة إلى الممثلتين نمارق عبدالله ورماح القاضي، والموسيقي رامي السراج، والممثل آدم علي منقا.
قُدّمت مسرحية "آيس دريم" في ولاية سنار، وسط السودان، في مدينة سنجة، بالتزامن مع احتفالات اليوم العالمي في المسرح 27 مارس (اذار)، ومن ثم قُدمت في إقليم النيل الأزرق، في مدينة الدمازين، جنوب شرق السودان، في مسرح المجمع الثقافي في 29 مارس الماضي. وتُعرض "آيس دريم" في الثامن من أبريل (نيسان) في مركز أمدرمان الثقافي. عولجت مسرحية "آيس دريم"، ضمن مفهوم صناعة العرض المسرحي، الذي يتبناه وليد عمر بابكر، منذ عام 2010، وهو العام الذي أسس فيه مجموعة "منطقة صناعة العرض المسرحي".
استُوحيت المسرحية – بحسب وليد - من حدث واقعي عاشته مشارح مدينتي العاصمة الخرطوم وود مدني في وسط السودان، إذ كشفت تقارير صحافية قبل حوالى عام، عن إغلاق مشرحة مستشفى بشائر في جنوب العاصمة الخرطوم، بعد بدء نحو ألف جثة مجهولة في التحلل؛ إضافة إلى وجود جثث مجهولة الهوية في أوسع المشارح في السودان وهي مشرحة مستشفى أمدرمان.
يقول وليد: "انبعثت روائح الجثث إلى الخارج، وكأنما أرادت إيقاظ المجتمع والدولة، وكأن الموتى أرسلوا روائحهم للمطالبة بدفن جثثهم. وهؤلاء الموتى معظمهم قتلى من ضحايا فض الاعتصام وانقلاب 25 أكتوبر". ويضيف: "تروي المسرحية قصة الجثث التي قررت الخروج والبحث عن ذويها، وعندما خرجت فوجئت بأن المدينة مدمرة وخالية من الناس، فقرّرت دفن نفسها بنفسها".
مسرح القسوة
مسرحية "آيس دريم" هي من ضمن مشروع "مسرح الشدة". ويقول وليد شارحاً الفكرة، إنهم يعنون بمصطلح القسوة مستويين، الأول هو تقديم العرض المسرحي في المناطق التي تعيش أزمات أمنية أو بيئية أو كوارث طبيعية؛ أما المستوى الثاني فيتعلق بالموضوعات التي يتناولها العرض، بحيث يعالج موضوعات بالغة التعقيد، قد يخاف من التعرض لها الآخرون ويعتبرونها مسكوتاً عنه. ويضيف: "قدمنا هذا المشروع للصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، وتم تمويله على أساس تقديم العرض ضمن المشروع، وسيمتد المشروع لتقديم مسرحيات أخرى مختلفة".
وكان مخططاً للمسرحية أن تُعرض في ست ولايات – بحسب وليد - لكن التمويل الذي وصل يكفي لعرضها في ثلاث ولايات فقط. ومع ذلك يحلم وليد بأن تُقدم المسرحية في جميع ولايات السودان، لأنه يرى أن موضوعها حيوي، ويلامس مشاعر معظم السودانيين. ويضيف: "لن نتوقف عن عرضه متى ما توافرت الظروف الإنتاجية الملائمة، وقد وصلتنا دعوات من ولايات ومدن مختلفة من السودان لتقديم العرض، من بورتسودان، نيالا، النيل الأبيض، عطبرة، كسلا، والقضارف".
صناعة العرض
يتبنى وليد عمر بابكر، وهو أحد خريجي "قسم الدراما في قصر الشباب والأطفال" في التسعينيات، ودرس الفلسفة في جامعة الخرطوم، مفهوم صناعة العرض، بدلاً من مفهوم الإخراج المسرحي، وهو مفهوم تبلور لديه منذ 1999 كما يشير، وتأسست وفقاً لذلك "مجموعة صناعة العرض المسرحي".
يقول وليد شارحاً: "هو مفهوم جديد على الراهن المسرحي في السودان، ويرتكز على أن البيئة السودانية الثرية، هي مصدر أساسي لإعداد الممثل، ومصدر أساسي للتفكير المسرحي بكلياته، لأن أنماط الثقافة في السودان محفزة، ولديها القدرة على الإمداد بأدوات إعداد الممثل سواء عن طريق الرقص الشعبي بأشكاله المختلفة أو الأمثال والألعاب الشعبية وغيرها". ويقول إنه وجد عند زيارته هولندا، للمشاركة في مهرجان روتردام المسرحي في عام 2009، أن هناك تقارباً بين مفهوم صناعة العرض ومدرسة أمستردام للمسرح، التي أسسها المسرحي برونو أوتن في عام 2000.
وعلى رغم هذا التقارب، يرى وليد أن مفهوم صناعة العرض مقلوب لمفهوم الإخراج المسرحي، الذي يبدأ بالنص وينتهي بالعرض. ففي صناعة العرض يبدأ العرض من البحث والتدريب، ومن ثم يُبنى من أي عنصر من مكوناته المختلفة، سواء كانت الأزياء أو الأكسسوارات أو الديكور أو الموسيقى. وبحسب وليد، فإن النص المسرحي المكتوب ليس هو المصدر الأساسي للمسرحية في مفهوم صناعة العرض، ويقول: "يتطور مفهوم النص، فالأكسسوار أو الديكور أو الأزياء يمكن أن يكون أي منها نصاً يُبنى عليه، ويجلب بقية المكونات. أما الحكاية التقليدية المكتوبة على الورق كنص مسرحي، فليست هي المدخل الوحيد لصناعة المسرحية. نحن نصنع العرض على طريقة البناء والهدم وإعادة البناء، ليكون في حالة تنامٍ، ولا يكتمل من مشاهدة واحدة، لكنه يتمرحل، وفي كل مرحلة يتغير ويتطور".
مفهوم الممثل
" أما في ما يخص الممثل، يقول وليد، فلا يهم أن يكون الممثل محترفاً أو نجماً أو له تجربة سابقة في التمثيل، فالأساس في العمل هو الرغبة والحب والمغامرة". ثم يضيف: "معظم تجارب صناعة العرض كانت مع أشخاص بُنيت علاقتهم بالمسرح مع العرض الذي عملوا فيه، وحتى العروض التي تقدمت لمنافسات دولية كانت بطاقم تمثيل للمرة الأولى يعتلي المسرح". ويعتقد وليد أن مفهوم "الإخراج المسرحي" غير قادر على تعريف ما يقومون به في منطقة صناعة العرض، فهم يمضون إلى جعل البيئة السودانية هي المرجعية المعرفية للمسرح السوداني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول وليد: "في صناعة العرض نهتم بتوظيف المتاح من موارد، ونقصد بالموارد مستويات مختلفة، منها الموارد المادية والموارد البشرية"، ويضيف: "في المجتمع السوداني لدينا شخصية المغني والحكّاء وشخصيات لها خبرة في الأعمال اليدوية، وهؤلاء جميعاً يتم تسخيرهم في مسارات المسرح المختلفة سواء كانت في المكياج أو الموسيقى المسرحية، أو الحكاية".
يؤمن أعضاء "مجموعة منطقة صناعة العرض" بأن لهم دوراً تجاه الحركة المسرحية السودانية، وهو إمداد المسرح بخبرات طازجة وجديدة، خارج ما هو تقليدي. يقول وليد: "لم تتوافر لكل الناس في السودان دراسة الدراما في التعليم العام، أما الكليات المتخصصة في المسرح فمحدودة، ولديها تحدياتها في مجال المناهج. ولذا فإن أحد أدوارنا هو مد الحركة المسرحية بخبرات جديدة من خارج الطرق والأساليب التقليدية". ويضيف: "في "منطقة صناعة العرض" تجد المهندس والطبيب والميكانيكي، وأي شخص منهم لديه خبرة سيضيفها. ومما يجعلنا نتمسك بمفهوم صناعة العرض أن كثيراً من الناس يأتون بكل محبة ليشاركوا معنا، ومنهم من يشارك مرة واحدة، ومن ثم يواصل في مجاله، ولا مشكلة في ذلك".
دور اجتماعي
ويرى وليد أن للمسرح دوراً اجتماعياً ينبغي أن يقوم به، ويقول: "من قبل سخرنا عروضاً مسرحيةً لدعم المتضررين من السيول والأمطار في السودان لمدة سنتين، بالتنسيق مع المنظمات. وكان العرض في مرة من المرات لمصلحة الأطفال في وضعية الشارع (الفاقدي السند)، وجُمعت ملابس للأطفال، وتم توزيعها في دور الأطفال، وهذا النوع من أنواع الإنتاج يجعل الجمهور يُحس بمسؤوليته عن المسرح. وفي هذا إعادة تأسيس للعلاقة بين المسرحية وجمهورها، وليس بأسلوب قطع التذاكر والطريقة التقليدية التي تعتبر أن مرتبات الممثلين من جيوب الجمهور، ولكنه نمط من أنماط الإنتاج نستند فيه إلى ثقافتنا السودانية في الدعم والتكافل الاجتماعي".
ويضيف: "نحن نحاول وضع تقاليد وتربية مسرحية ونرفع من قيمة المسرح بوصفه فعلاً جاداً ومحترماً، وبالتالي من يأتي إلى "منطقة صناعة العرض" لو لم يصبح ممثلاً جيداً سيكون متلقياً ممتازاً على الأقل".