ملخص
عقب اغتيال #المراسل_العسكري الروسي أشارت #موسكو إلى تورط #أوكرانيا التي نفت بدورها
في موسكو تحوم الشبهات حول السلطات الأوكرانية التي قالت المصادر الروسية إنها تقف وراء حادثة اغتيال الصحافي والمراسل الحربي ماكسيم فومين، الذي اتخذ من "فلادلين تاتارسكي" اسماً مستعاراً، خلال لقاء جماهيري في أحد مقاهي سان بطرسبورغ، الذي يملكه ليفغيني بريجوجين مؤسس مجموعة "فاغنر" للحراسات الخاصة.
ما إن ذاع خبر اغتيال المراسل الحربي الروسي - الأوكراني الأصل حتى أعلنت المصادر الروسية عن تورط السلطات الأوكرانية في العودة إلى العمليات الإرهابية، وهي التي سبق واتهمت بالوقوف وراء اغتيال الناشطة السياسية الروسية والمراسلة الحربية داريا دوغينا في ضواحي موسكو في أغسطس (آب) من العام الماضي، بحسب ما خلصت إليه التحقيقات الروسية في تلك الحادثة.
وقالت مصادر لجنة التحقيقات المركزية إن الحادثة وقعت نتيجة انفجار عبوة ناسفة زنتها 200 غرام من مادة "تي أن تي"، كانت مخبأة في تمثال صغير نجحت فتاة تدعي داريا تريبوفا قدمت نفسها تحت اسم ناستيا، في تمريره إلى داخل مقهى "ستريت بار" الكائن في البناية رقم 25 بشارع أونيفيرستيتسكايا نابيريجنايا (كورنيش الجامعة) في وسط المدينة، لتقديمه إلى المراسل العسكري المعروف، خلال مشاركته في "أمسية إبداعية"، مما أسفر عن مقتل تاتارسكى وإصابة 32 شخصاً، نقل منهم 24 إلى المستشفى، و10 منهم في حالة خطرة، بحسب بيانات وزارة الصحة الروسية. وفيما توجهت السلطات الروسية بأصابع الاتهام إلى السلطات الأوكرانية في كييف، سارع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى الإعلان عن "أنه لا يفكر في ما يحدث في سان بطرسبورغ أو في موسكو. فموسكو هي التي يجب أن تفكر في ذلك، لكنه شخصياً يفكر في أوكرانيا". أما مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني ميخائيل بودولياك فقد سارع إلى نفي مشاركة أوكرانيا في الانفجار، مشيراً إلى أن الحادثة "وكأنما" نتيجة صراعات بين أطراف الأوساط السياسية في الداخل الروسي.
تصفية حساب
غير أن السيرة السياسية للمحرر العسكري الروسي - الأوكراني الأصل تقول إن الحادثة التي وقعت على غرار الجريمة السابقة التي أسفرت عن مقتل الناشطة السياسية الروسية داريا دوغينا، تبدو أشبه بتصفية الحسابات مع ماكسيم فومين الذي ولد في منطقة الدونباس عام 1982، وجرى اعتقاله من جانب السلطات الأوكرانية لأسباب تباينت التقديرات في شأنها، قبل أن يهرب من سجنه وينضم إلى ميليشيات دونيتسك العسكرية، ليتفرغ للقتال ضمن صفوف كتيبة "الشرق"، قبل تحوله إلى عالم الأدب والصحافة تحت اسم فلادلين تاتارسكي. وكان تاتارسكي، وهو كاتب وصحافي يحمل الجنسيتين الأوكرانية والروسية ولد في بلدة ماكييفكا بمنطقة الدونباس، شارك في العمليات القتالية ضد القوات الحكومية الأوكرانية التي استهدفت استعادة منطقة الدونباس في جنوب شرقي أوكرانيا، منذ الإعلان عن انفصال مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014.
بوتين علم بالحادثة فور وقوعها
تقول مصادر الكرملين إن الرئيس فلاديمير بوتين أحيط علماً بحادثة الانفجار فور وقوعها. وتعليقاً على هذه الحادثة قال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين "إن نظام كييف يدعم الأعمال الإرهابية، وربما يكون وراء مقتل فلادلين تاتارسكي، مثل عديد من الأشخاص الآخرين منذ عام 2014".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما وصفت لجنة التحقيقات المركزية الحادثة بأنها "عملية إرهابية"، جرى التخطيط لها في وقت سابق من جانب الأجهزة الأمنية الأوكرانية الخاصة، إلى جانب ما سارعت إلى الإعلان عنه في شأن اعتقال داريا تريبوفا المشتبه في ضلوعها في تنفيذ "الهجوم الإرهابي"، وهي التي اعترفت بأنها التي قامت بحمل التمثال الصغير المصنوع من الجبس بما احتواه من مواد ناسفة إلى داخل المقهى.
وتأكيداً لضلوع الأجهزة الأمنية الأوكرانية في الحادثة، أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب الروسية وجود الأدلة التي تثبت تورط هذه الأجهزة في التخطيط لهذا العمل الإرهابي، وأنها استخدمت في تنفيذه أعضاء في "صندوق مكافحة الفساد" المحظور نشاطها في روسيا، والذي كان يرأس مجلس إدارته المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي صدر الحكم بسجنه في روسيا منذ عام 2021.
سيدة التفجير
أما عن داريا تريبوفا المتورطة في هذا "الهجوم الإرهابي" فقد كشفت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" عن أنها من مواليد 1997 في مدينة بطرسبورغ، وأثناء دراستها الطب في جامعة بطرسبورغ كثيراً ما انتقدت زملاءها الطلاب لسماعهم أغاني ليسوفسكي الفنان والمطرب المفضل للرئيس فلاديمير بوتين كما يقول كثيرون.
وأشارت الصحيفة إلى أن تريبوفا تعرضت لكثير من المتاعب الأسرية التي قد تكون وراء اضطراب حياتها الخاصة، واعترافاتها التي لطالما سجلتها على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي حول رغبتها في الانتحار، على رغم تفوقها الدراسي والتحاقها بكلية طب الأسنان قبل تحولها إلى ممارسة كثير من أوجه النشاط التجاري الخاص.
ونقلاً عن معارفها، وما أسفرت عنه التحريات الأولية، التحقت داريا تريبوفا بجماعات معارضة وشاركت في كثير من مسيرات الاحتجاج ضد "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، وتم احتجازها وزوجها دميتري ريلوف "في تظاهرة في شارع نيفسكي ببطرسبورغ 24 فبراير (شباط) 2022، وقضت المحكمة باعتقال إداري لداريا لمدة 10 أيام".
ولم تكشف المصادر بعد عن تاريخ "تعارف" داريا تريبوفا، بتتارسكي (ماكسيم فومين) الذي اتصلت به لتسهيل دخولها إلى المقهى بحجة تسليمه تمثالاً نصفياً جرت صناعته خصيصاً لإهدائه له تقديراً لجهوده، لكن التسجيلات التي أذيعت كشفت عن أن تتارسكي كان يعرفها تحت اسم آخر وهو "ناستيا"، فضلاً عن كثير من مشاهد حياتها الخاصة، وتنقلها مع زوجها الهارب إلى جورجيا، منذ الإعلان عن "التعبئة الجزئية" في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، ثم عودتها إلى موسكو، ومنها إلى سانت بطرسبورغ، محل إقامتها في شقة مستأجرة. ونقلت وكالة "تاس" عن الأجهزة الأمنية الروسية ما قالته حول بدء عمليات البحث عن الزوج الهارب "حيث يشتبه في ضلوعه في تنسيق العملية الإرهابية".
وتشير التحقيقات الأولية إلى اعتراف تريبوفا منفذة "العملية الإرهابية" بتورطها في ارتكاب هذه العملية، لكنها لم تفصح بعد عن الجهة التي تقف وراء تجنيدها، مكتفية بالقول "إنها ستعترف بذلك في وقت لاحق".
ونقلت وكالة "تاس" عن اللجنة المركزية للتحقيقات ما قالته حول إن اللجنة تملك اليوم المعلومات التي تفيد بأن تنظيم الهجوم الإرهابي بمقهى في سان بطرسبورغ، الذي قتل فيه المراسل الحربي فلادلين تاتارسكي، تم الإشراف عليه وتنفيذه من أراضي أوكرانيا. وقالت المصادر الروسية إن "التحقيقات أسفرت عن وجود القرائن الدالة على ذلك، إلى جانب الإشارة إلى "استمرار التحقيقات في جميع ملابسات الحادثة، بما يحدد سلسلة كاملة من الأشخاص المتورطين في ارتكاب الجريمة من الجناة إلى العملاء".
رد فعل الاغتيال
وكانت الصحافة ووسائل الإعلام الروسية ومواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت بمختلف التعليقات التي يطالب بعضها بضرورة سرعة الثأر، انتقاماً من السلطات الأوكرانية التي قالوا بوجود ما يشير إلى "ضلوعها في تدبير الحادثة"، مثلما سبق وحدث في عملية اغتيال الناشطة السياسية والمراسلة العسكرية داريا دوغينا.
وانضم إلى هؤلاء شخصيات رسمية رفيعة المستوى مثل رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفيينكو التي أشادت بإنجازات المراسل العسكري الراحل وبدوره ليس فقط كمقاتل ضمن صفوف الميليشيات الشعبية دفاعاً عن منطقة الدونباس، بل وفي صياغة وجدان الجماهير بما كان ينشره من حقائق عن "العملية العسكرية الخاصة"، وضعته في مرمى نيران الأعداء. وقالت ماتفيينكو أيضاً إنه بذل كثيراً من أجل تقريب يوم النصر. أما نائب رئيس مجلس الدوما وحفيد الأديب الروسي العالمي ليف تولستوي بيوتر تولستوي فقد دعا إلى الثأر بما أعلنه حول "ضرورة المضي حتى النهاية من أجل القضاء على ما وصفه بـ(الطاعون النازي)، والقضاء تماماً على ما وصفها بـ(المنظمة الإرهابية الدولية التي تسمى أوكرانيا)"، على حد تعبيره الذي تناقلته كثير من المصادر الإعلامية الروسية.
ومن جانبها أوجزت الإعلامية الروسية المعروفة تينا كانديلاكي تعليقها في عدد من التساؤلات منها "متى ستبدأ الدولة بالرد؟ الإرهابيون لديهم كهرباء ومياه وسكك حديدية ومطاعم وشبكة الإنترنت تعمل، وقادة من وصفتهم بـ(القتلة) يسافرون في جميع أنحاء البلاد في ظل تغطيات كاميرات التلفزيون".
وانضم الشخصية السياسية ومخرج الأفلام الوثائقية ومعلق قناة "روسيا اليوم" يغور خوخلوغوروف إلى كانديلاكي في الدعوة إلى الثأر بقوله "أعتقد أن ماكسيم (فومين صاحب الاسم المستعار فلادلين تاتارسكي) سيذهب إلى الجنة. يجب أن تتحول الحياة في كييف إلى جحيم". ونمضي مع تعليقات مشاهير وأعلام الساحة السياسية والثقافية الروسية لنشير إلى ما قاله ألكسندر دوغين المفكر الروسي ووالد داريا دوغينا التي لقيت حتفها نتيجة "عملية إرهابية" في العام الماضي "تحدث واكتب فقط إذا كنت على استعداد لدفع ثمن الكلمات من حياتك". أما المدون الروسي إيليا يانسن فقد كتب يقول "نحتاج إلى إرهاب لم يشهده العالم من قبل. نحتاج إلى كل عابر أوكراني في روسيا الاتحادية أن يخاف من مغادرة غرفته. وينبغي لأوكرانيا أن تشتعل في هذه اللحظة، وتعوي مئات وآلاف الأرامل في الداخل الأوكراني".