Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرض المجهول مفهوم علمي ذكرت به جائحة كورونا

الوباء المقبل قد يأتي من أية عائلة جرثومية وربما يكون طفرة في عدوى تعايشنا معها سنوات طويلة

دروس جائحة كورونا تشمل ضرورة الاستعداد الدائم لمواجهة الجائحات (بيكسلز.كوم)

ملخص

لا وجود فعليا لعنصر اسمه #المرض_إكس لكن التسمية تشير إلى مفهوم علمي عالمي قوامه أن أي #ميكروب قد يظهر فجأة ويسبب #جائحة عميمة على غرار تلك التي سببها #كوفيد.  

ربما صار كورونا خلفنا، بمعنى أنه عاجلاً غير آجل سيكتب نهايته بوصفه حال طوارئ عالمية تثير قلقاً دولياً، على ما أعلنت "منظمة الصحة العالمية" قبل أيام. ولكن عاجلاً أم آجلاً سيظهر المرض "إكس" أو المرض المجهول التالي، فلطالما تخلل مسار التاريخ البشري نشوء ميكروبات ممرضة بالغة الصغر لكنها تكون جبارة لا ترحم. وقد خطف الطاعون أو "الموت الأسود"، حوالى 200 مليون شخص في القرن الـ 14.

وفي تسعينيات القرن الـ 19 تفشت الإنفلونزا الروسية "آتش 2 إن 2" H2N2 في مختلف أنحاء العالم، فيما أودت نظيرتها الإسبانية بحياة 50 مليون شخص في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وفي العقود الأربعة الماضية قتل فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" HIV مليون شخص.

وفي مقالة نشرتها صحيفة "تايمز" يعرج الكاتب بن سبنسر على "معهد الجائحات" Pandemic Institute  في ليفربول الإنجليزية. هناك، لا يفوت المسؤول عن السلامة تذكيره "من فضلك لا تلمس أي شيء"، فيما يشرح مدير المنشأة البروفيسور توم سولومون أنه وزملاءه يعملون "على بعض أخطر الفيروسات". ويوضح سولومون أن المختبرات والأدوات في ذلك المعهد كانت شاهدة على كثير من البحوث والاختبارات الأولية في شأن "كوفيد". ,وفق "تايمز"، تأسس المعهد في 2021 بغرض رصد الأمراض الناشئة والاستعداد لمواجهة أي تفش في المستقبل.

تندرج بين بحوث هذه المؤسسات أمراض عدة من بينها "إيبولا" و"زيكا" و"حمى لاسا" وفيروس "نيباه"، التي تشكل الجزء الأكبر من قائمة "منظمة الصحة العالمية" الخاصة بـ "مسببات الأمراض ذات الأولوية"، أي الأمراض التي تطرح الخطر الأكبر على الصحة العامة بسبب "انتشارها الوبائي المحتمل". ولكن العنصر الأكثر رعباً بينها يقبع في أسفل القائمة، إنه المرض المجهول "إكس".

وتشير تلك التسمية إلى أن ذلك العامل لم يظهر بعد، وقد يأتي على هيئة فيروس أو بكتيريا أو أحد الفطريات، بل ربما يطل علينا في شكل متحورة لمرض تعايشنا معه سنوات طويلة.

[يعني ذلك أن "المرض إكس" لا وجود فعلياً له، لكنه يعبر عن مفهوم تحرص منظمة الصحة العالمية على التذكير به، مشيرة إلى إمكانية ظهور مفاجئ لميكروب جديد يكون معدياً بشدة، فينشر جائحة مميتة لأن أجساد البشر لم تتعرض له سابقاً وبالتالي، فإنها تخلو من أي مناعة ضده].  

بفضل العلم الحديث نحن على جاهزية أفضل لمحاربة الأوبئة، لكن الأخيرة في المقابل منذ ثمانينيات القرن الـ 20 تتكرر على نحو أكبر وتتفشى حول العالم ثلاث مرات أكثر نتيجة تزايد عدد السكان والأسفار المستمرة والزراعة الصناعية المكثفة، فضلاً عن الإتجار غير المشروع في الحيوانات البرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانتقال من الحيوانات إلى الإنسان

لقد ظهر "سارس- 1" الذي تصاب به الخفافيش وحيوانات الزباد النخيل والبشر، في الصين عام 2002. ووصلت إنفلونزا الخنازير H1N1 في 2009 ووجد كورونا طريقه من الإبل إلى البشر في 2012، ما أسفر عن وفاة 36 في المئة من المصابين. وحصد "أيبولا" الذي يعتقد أنه نشأ في الخفافيش 11300 ضحية بين 2014 و2015. ورُصد "زيكا" الذي ينتقل من طريق لدغات البعوض في 86 دولة بين 2015 و2016، ثم حل "كوفيد- 19" علينا.

صحيح أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" ذكر الشهر الماضي إنه وجد أن حادثة تسرب من المختبر تعتبر التفسير الأكثر ترجيحاً لظهور كورونا، غير أن هيئات أميركية أخرى تعتقد أن السبب المحتمل وراء الجائحة انتقال ذلك الفيروس من الحيوان إلى الإنسان، أما نحن فالأجدر بنا أن نكون على أهبة الاستعداد للاحتمالين كليهما في المستقبل.

في هذا السياق، يشير البروفيسور سولومون إلى "التهاب الدماغ الياباني" Japanese encephalitis. لقد رصد لدى البشر للمرة الأولى في 1871، وينتقل في دورة بين البعوض والخنازير والطيور المائية والبشر. يعكف البروفيسور على دراسة عينات من ذلك الميكروب كان جمعها من فيتنام في تسعينيات القرن الـ 20. والآن، ينتشر ذلك الفيروس عبر أستراليا التي سجلت 45 إصابة وسبع وفيات حتى الآن. وفي حين تتوفر اللقاحات ضد "التهاب الدماغ الياباني" فإن التطعيم ليس أمراً روتينياً في أستراليا.

يشكل فيروس "غرب النيل" الذي نشأ في أوغندا مثالاً آخر تطرقت إليه "التايمز". ينتشر الفيروس حينما تلدغ البعوضة طائراً مصاباً ثم إنساناً مما قد يتسبب في مرض شبيه بالإنفلونزا وضعف العضلات، وفي بعض الحالات نوبات صرع. في العام الماضي سجل 965 إصابة معظمها في إيطاليا و73 حالة وفاة.

ووفق سولومون تتشكل قائمة التهديدات المهملة الأخرى من فيروس "نيباه" الذي يقتل نحو 75 في المئة من المصابين، وفيروس "ماربورغ" الشديد الشبه بـ "إيبولا" الذي يبلغ معدل وفياته 90 في المئة. ويضاف إلى تلك القائمة الجراثيم الخارقة التي يرى البروفيسور أنها ستقود إلى وفيات "مهولة" إذا تطورت وصارت عصية على المضادات الحيوية الموجودة في متناولنا.

ويبقى أن المرض الذي يقض مضجع علماء الفيروسات فعلاً هو "إنفلونزا الطيور" الناجم عن فيروس "إتش 5 أن 1". منذ رصده العلماء للمرة الأولى في هونغ كونغ في 1996، أصيب به نحو 900 شخص، وتوفي 56 في المئة من المصابين.

وبالمقارنة فحينما ظهر "كوفيد" للمرة الأولى أزهق أرواح 1.4 في المئة من المصابين، وعلى رغم معدل الوفيات المرتفع يبقى خطر فيروس "إتش 5 إن 1" على البشر محدوداً بالنظر إلى عدم توفر دليل على أنه ينتقل من إنسان إلى آخر.

في العقدين الماضيين شكلت الطيور المائية، خصوصاً البط والإوز والطيور الخواضة، المصدر الرئيس لأنفلونزا الطيور. إذ حملت الفيروس معها عندما كانت تطير إلى بريطانيا كل خريف من أوروبا والقطب الشمالي. وفي بعض المرات انتقل ذلك الفيروس إلى الدواجن مما أوجب قتلها في نهاية المطاف.

ووفق "التايمز" يتمثل ما يبعث على قلق كبير في العثور على الفيروس الآن في ثدييات على غرار أسود البحر في البيرو والثعالب وثعالب الماء في بريطانيا والدببة في أميركا الشمالية، وقد تأكد انتقال العدوى من ثدييات إلى ثدييات أخرى في مزرعة لحيوانات المنك في إسبانيا، وفي ذلك "علامة تحذير حقيقية"، بحسب البروفيسور بول ديغارد، عالم في الفيروسات في "معهد روزلين" في "جامعة إدنبرة".

ويشرح الدكتور ديفيد باور، عالم الفيروسات في "معهد فرانسيس كريك" في لندن، أن إنفلونزا الطيور قد تطرح أخطاراً على البشر عبر شكل من الخداع الفيروسي يسمى "إعادة التشكيل الجيني للفيروس" reassortment، أي حينما تصيب سلالتان من الإنفلونزا، مثل الإنفلونزا البشرية وإنفلونزا الطيور، المضيف عينه وتتبادلان في ما بينهما المعلومات الجينية، فـ"يكتسب الفيروس مجموعة جديدة من المستضدات السطحية، كما لو أنه يغير "معطفه" فيتعذر على جهاز المناعة التعرف إليه".

تذكيراً، كان السبب وراء جائحة إنفلونزا الخنازير عام 2009 "إعادة تشكيل جينية ثلاثية للفيروس". إذ أخذ فيروس "إتش 1 إن 1" في المكسيك أجزاء وراثية من فيروسات الطيور والخنازير كليهما، وانتشر في مختلف أنحاء العالم مخلفاً نحو نصف مليون ضحية.

ولكن في رأي سولومون استقينا من "كوفيد" درساً بألا نراقب عاملاً ممرضاً واحداً بمفرده بل مجموعة متنوعة من التهديدات.

إذاً من أين نبدأ؟ ومع وجود أخطار كثيرة تحدق بصحتنا، كيف للعلماء أن يحددوا العنصر "إكس" الذي قد يصلنا في المستقبل والحؤول من دون أن يتفشى؟

هكذا نمنع جائحة

تعتمد الوقاية من الجائحات المقبلة على المراقبة الباكرة كإجراء أساس مهم، ويهدف "تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة"، ومقره أوسلو، إلى وقف الأمراض الناشئة بعد 100 يوم من اكتشافها.

في رأي ريتشارد هاتشيت، الرئيس التنفيذي للتحالف، لو أن المراقبة جرت بطريقة أفضل وتوفرت شفافية أكبر لكان ممكناً تنبيه العالم إلى "كوفيد" في وقت باكر جداً.

لو جرى احتواء "كوفيد" في ووهان وتطوير لقاحات مضادة على وجه السرعة لكانت الجرعات ستتوفر في مواجهة 30 ألف حالة.

في نهاية المطاف ليست عمليات الإغلاق (الحجر) سوى انعكاس لفشل سياسة الصحة العامة، وليست سوى الملاذ الأخير. وضع "تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة" خطة كلفتها 3.5 مليارات دولار للشروع في إستراتيجية اللقاحات هذه مع إقراره بالحاجة إلى مزيد من التمويل.

وفي سياق موازٍ ثمة هدف يتمثل في إنشاء مكتبة للقاحات ضد نسبة كبيرة من الفيروسات ضمن 250 فيروساً نعلم أن في مقدورها إصابة البشر، ولن يحتاج كل فيروس إلى لقاح خاص به، فقد أظهر تفشي جدري القرود أخيراً إمكان الاستفادة من اللقاحات المتوفرة أصلاً، وهكذا قد تكون البداية في إنشاء بنك لمكونات أساس تلزم لصنع لقاحات أولية ضد كل من العائلات الفيروسية الـ 25 الرئيسة.

لحسن الحظ تبدو تلك الخطة قابلة للتنفيذ، ويأتي الدليل على ذلك الإمكان من اللقاحات التي تعتمد تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال"mRNA  التي قدمتها شركات "فايزر" و"بيونتيك - موديرنا" [حينما صنعت الشركتان لقاحهما المشترك ضد كورونا]، واللقاحات التي تعتمد على ناقل فيروسي من النوع الذي يوجد في الغدد اللمفاوية المتصلة بالجهاز التنفسي والتي طورتها "أكسفورد"، وبمجرد الكشف عن تسلسل أي فيروس يستطيع العلماء برمجة الجرعات المضادة ضده.

وفي ملمح مغاير تماماً وبعد 40 عاماً على ظهوره، ليس في جعبتنا حتى الآن لقاحات ناجعة ضد فيروس نقص المناعة البشرية مثلاً، إذ ينتمي هذا الفيروس إلى عائلة الفيروسات الارتجاعية أو العكسية لأنها تخوض عملية تكاثر معقدة معاكسة للنسخ الخلوي السائد لدى بقية الفيروسات، وبالتالي فإذا ظهر علينا فيروس مماثل فسنذوق الأمرين قبل احتوائه.

في المقابل، لقد فتح فيروس "كوفيد" أعيننا على الإنجازات التي يسعنا تحقيقها، إذ لم يسبق للعالم توزيع لقاحات على هذا العدد المهول من الناس بالشكل الذي حصل في 2021.

وفي 2014 أعرب لاري بريليانت، عالم الأوبئة الأميركي الذي أسهم في استئصال الجدري، عن قناعته بأن "تفشيات الأمراض أمر لا مفر منه، بيد أن انتقالها إلى مستوى الجائحة هو أمر اختياري". [بمعنى أن الاستجابة للتفشيات هي التي تحدد إن كانت ستحتوى أو تنفلت لتصير جائحة].

المزيد من صحة