Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبقري مجنون خلف فيلم الرعب الرديء "ويني الدبدوب"

مع انطلاق الفيلم وانتشاره بسرعة النار في الهشيم، يلتقي كريس إدواردز الكاتب / المخرج الذي حول الملكية الفكرية المحبوبة إلى فيلم منخفض الموازنة

"هناك كثير من اللحظات في الفيلم آمل أن يدرك الناس فيها أنني لست جاداً للغاية" (ألتيتيود)

ملخص

كيف تحولت قصة أطفال لطيفة "#ويني_الدبدوب" إلى #فيلم_رعب رديء وحققت نسبة أرباح خيالية؟

عندما تفتق ذهن آلن ألكسندر مايلن عن شخصية ويني الدبدوب للمرة الأولى، لم يخطر له أن الدب المحبب إلى القلوب سيقدم يوماً على قطع رقاب أربعة سائقي شاحنات من شرق ساسكس، ولم يخيل إليه مشهد الخنزير بيغلت وهو يضرب شخصاً حتى الموت بمطرقة ثقيلة في حمام سباحة. ولكن مثل هذه الجرائم حدثت فعلاً في "ويني الدبدوب: دم وعسل" Winnie-the-Pooh: Blood and Honey فيلم الرعب منخفض الموازنة الذي حول مخلوقات "غابة المئة فدان" Hundred Acre Wood إلى مسوخ آكلة للحوم البشر.

إن يبدو لكم هذا المفهوم قمة في السخافة، فهذا لأنه كذلك. بين سوء تصميم بو وانحطاط السيناريو وضعف الأداء التمثيلي، كل ما يتعلق بالفيلم يثير القهقهة والضحك أكثر من الأفلام الكوميدية العادية. وبرأي الكاتب والمخرج ريس فريك ووترفيلد، هذه الأمور كلها مقصودة، في إشارة إلى المشهد الذي يرمي فيه بو رأساً مقطوعاً باتجاه سيارة فيسقط أرضاً بدفع من ماسحات الزجاج الأمامي. "من المفترض أن يكون هذا هزلياً وغبياً"، يقول فريك ووترفيلد ضاحكاً، وفي كلامه استهانة بوابل المراجعات السلبية التي لذعته وضاهت (أو بالأحرى فاقت) أحداث الفيلم ضراوة.

وقد طرح فيلم "دم وعسل" في دور سينما مختارة الأسبوع الماضي تمهيداً لإطلاقه عبر خدمة الفيديو عند الطلب VOD يوم الإثنين، ومذاك وهو يتعرض لانتقادات نارية من كل حدب وصوب. ففي حين وصفته صحيفة "تلغراف" بـ"الفيلم الأكثر سفاهة" لهذا العام، شبهت "غارديان" تجربة مشاهدته بابتلاع العسل مع الزرنيخ وهتكت المراجعات الأخرى بجهود من أخرجه وكتبه ومثل فيه. ومع هذا كله، يؤكد فريك ووترفيلد أنه لا يأبه البتة لما قيل ويقال عنه. وفي اتصال عبر تطبيق "زووم"، يظهر من منزله في لندن وهو يضحك على الموقف برمته ويصر على أنه لا يأخذ نفسه أو فيلمه بجدية كبيرة - ولكن من الصعب التصديق بأنه لم ينزعج ولو قليلاً مما تبادر إلى مسمعه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "هذا غباء شديد. بعض التعليقات على شاكلة ’كما لو أن مثل هذه الأمور تحدث على أرض الواقع‘ [أو] ’لقد كان حماقة منها أن تتصرف بهذا الشكل‘. لكن هذا هو جوهر المتعة! في أفلام الرعب تتخذ الشخصيات قرارات غبية تارة، وتارة أخرى تتعثر من دون سبب أثناء هربها من الأشرار. لقد تعمدت تقديم هذه الأنواع من العناصر في الفيلم". إنه يشير إلى مشهد المرأة التي تجلس في الجاكوزي مثلاً، نراها تلحظ وجود بو وبيغلت مشوهين في خلفية إحدى صورها الشخصية، ولكنها لا تعبأ بذلك وسرعان ما تعود إلى الاسترخاء لسبب غير مفهوم. "ظننت أن [هذا المشهد] سيكون تهكمياً"، يقولها ضاحكاً.

أنا عن نفسي، أجد أنه من الصعب تحديد أي مشاهد الفيلم يفترض أن يكون مضحكاً وأيها سيئ لدرجة مثيرة للضحك. ففي مشهد سائقي شاحنات شرقي ساسكس المذكورين أعلاه، نسمع الممثلين يتحدثون بمزيج غير مبرر من لهجة أميركية جنوبية ولهجة كوكني اللندنية. وفي مشهد مروع وسخري آخر، نبصر بو وبيغلت يخطان بالدم كلمة "اخرجوا" على نافذة، موحيين لإحدى الشخصيات بأن القتلة "ربما كتبوا ذلك".

ومرة أخرى، يصر فريك ووترفيلد على أن هذا كان جزءاً من متعة الفيلم ويقول لي وفي عينيه بريق صفيق "أحياناً كثيرة لا تأخذ أفلام الكالت الكلاسيكية [فيلم اكتسب قاعدة جماهيرية كبيرة متفانية وعاطفية] نفسها على محمل الجد، وهذا ما أردت أن أبينه في هذا الفيلم. أردت أن أصنع فيلماً تشاهده الجماهير العريضة ويحظى بقبول عام".

وقد أصبح فيلم "دم وعسل" إمكانية قابلة للتحقيق في بداية 2022، مع سقوط حقوق الطبع والنشر لأول مجموعة قصصية أصدرها مايلن حول شخصية ويني الدبدوب عام 1926، وتحول محتواها إلى مادة مباحة يمكن لأي كان الانقضاض عليها والتلاعب بها. وقتذاك، كان فريك ووترفيلد - وهو موظف سابق في شركة "إي دي أف إنرجي" EDF Energy، انتقل إلى مجال صناعة الأفلام قبل عامين فقط - يبحث عن مفهوم رعب ينفذه. ولما علم بأن هذه الملكية الفكرية بالذات باتت لقمة سائغة لم يتردد في مد مخالبه لإمساكها والتهامها لكأنه وحش كاسر.

فكان فيلم "دم وعسل" الذي يطرح فكرة جديدة وفريدة من نوعها: بعد مغادرته "غابة المئة فدان" للالتحاق بالجامعة، يعود كريستوفر روبن الراشد أدراجه بعد سنوات طويلة ليكتشف أن صديقيه الأليفين، بو وبيغلت، تحولا إلى قاتلين متعطشين للدماء بعدما تخلى عنهما ورحل، هما الآن يعذبان ويذبحان وينهشان كل من يعترض سبيلهما - لا سيما النساء. (ولعل أحد أكثر الانتقادات شيوعاً للفيلم تعبيره عن كراهية عنيفة ضد المرأة، وهو أمر مفهوم إذا ما شاهدتم بو يقتلع رأس ضحيته من دون داع قبل رميها في قطاعة الخشب).

وبموازنة لا تزيد على 20 ألف جنيه استرليني (24 ألف دولار)، لم يتوقع فريك ووترفيلد لفيلمه أن يلقى نجاحاً بقدر "هالوين يقتل" Halloween Kills أو "مجزرة منشار تكساس" The Texas Chainsaw Massacre اللذين تأثر بهما أشد تأثير. كما لم يكن لديه مطلق الحرية بالتصرف، مع محدودية العناصر التي يمكنه استخدامها واستغلالها من كتاب مايلن الأصلي وتحديداً تأويلات ديزني اللاحقة بما فيها قميص بو الأحمر الذي يحمل علامة تجارية وصوته والعبارة الشهيرة "أوه، باذر" [تباً] "Oh bother" وحتى شخصية "تيغر" التي لم يقدمها مايلن حتى عام 1928، كلها كانت خارج الطاولة.

والحال كذلك، كان لا بد لفريك ووترفيلد من استحضار مظهر جديد ومغاير تماماً لـبو. غير أن موازنة الفيلم شبه المعدومة لم تسعفه وانتهى به الأمر مع شخصية رئيسة بهيأة رجل قوي البنية يرتدي قناعاً مطاطياً جامد الملامح وقفازات مطاطية (يجسده الممثل كريغ ديفيد داويست). في البداية، فكر فريك ووترفيلد باللجوء إلى المؤثرات البصرية لتصميم دب بطول قدمين، لكن ضغوط الموازنة وضيق الوقت والمخاوف بشأن الأداء الجسدي للشخصية حالت دون ذلك وفرضت على الفيلم اتجاهاً مختلفاً.

وكان فريك ووترفيلد يعلم أن هذه القيود ستقوض جودة الفيلم وأن النقاد سيتغاضون عن الإشارة إليها. فحسب قوله، "هم يترقبون فيلماً بملايين الجنيهات، قل عملاً يضاهي [موازنة] ’دب الكوكايين‘ Cocaine Bear البالغة 30 مليون جنيه استرليني (36.7 مليون دولار). وبما أن أفلام الرعب ليست من أنواع الأفلام التي يحسنون تقييهما وفيها من التوقعات والاستعارات ما لا يروق لهم في أغلب الأحيان، تجدنا نحارب على جبهات عدة: جبهة النوع وجبهة الموازنة وجبهة كل شيء آخر. أعتقد أنه ينبغي على الواحد منا أن يكون بليد الحس ليتمكن من التعامل مع النقاد، بحيث يتجاهل كل [ناقد] يوجه نحوه سهام اللؤم والوضاعة".

في جميع الأحوال شرعت المجسمات الرخيصة لبو وبيغلت، الأبواب واسعة أمام احتمالات وإمكانات أكثر بشاعة وسخافة. فبعد أن أصبح لكل منهما يدان وإبهامان، تطورت قدرتهما على حمل أشياء من قبيل السواطير والسلاسل والمطارق الثقيلة. وفي أحد المشاهد، يصعد بو في سيارة ويجلس خلف المقود ويدهس ببطء رأس ضحية من ضحاياه العاجزين لكأنه عنقود عنب رطيب. "آمل ألا يتجرأ أحد النقاد على اعتبار المشهد الذي يقود فيه بو السيارة مشهداً جدياً" يعلق فريك ووترفيلد ساخراً، ويضيف "فالفيلم يزخر بمثل هذه اللحظات وأرجو من [الجمهور] أن يفهم بأنها بعيدة كل البعد من الجدية."

ولكن ليس النقاد وحدهم من كان على فريك ووترفيلد التعامل معهم. فبعدما انتشرت لقطات من الفيلم العام الماضي، انقسم عشاق أفلام الرعب بين كارهين ومعجبين. وفيما تحمس كثيرون لرؤية كائن نصفه رجل ونصفه الآخر دب يحمل فأساً، اشتاظ آخرون غضباً ورفعوا التماسات تستهجن إصدار الفيلم ووجهوا إلى فريك ووترفيلد تهديدات شبه يومية بالقتل. وهذه التهديدات لا تزال مستمرة إلى اليوم. وقد ورد في نص أحدها لشخص ربما تشوهت ذكريات طفولته العزيزة عن الدبدوب ويني ما يلي، "يا لك من وغد! سأقتلك يا كيس القذارة!".

وكل هذا الهرج والمرج إنما صب في مصلحة الفيلم وروج له. والنتيجة: عرضه في دور السينما حول العالم، وتصدره قائمة الأفلام التي جنت أعلى أرباح في شباك التذاكر العالمي هذا العام عند ستة ملايين دولار (4.9 مليون جنيه استرليني)، وبدء العمل على إنتاج جزء ثان له بموازنة أعلى (أعلى بعشر مرات) وانكباب فريك ووترفيلد على إعادة تصور ملكيات فكرية كلاسيكية أخرى، على غرار "بامبي: وقت الحساب" Bambi: The Reckoning  و"بيتر بان: كابوس نيفرلاند" Peter Pan’s Neverland Nightmare.

بصرف النظر عما يعتقده النقاد، يرى فريك ووترفيلد أن الضجة التي أثيرت حول فيلمه والنجاح الذي حصده لاحقاً في شباك التذاكر خير إثبات على أن إيمانه بالمشروع كان مبرراً. "لقد أحببت ما حققه المفهوم الذي آمنت به من امتداد وانتشار". فهل يعقل أن يكون هذا هو مستقبل صناعة الأفلام منخفضة الموازنة؟ تحويل الملكيات الفكرية الجذابة والخالية من حقوق الطبع والنشر إلى أفلام رعب رديئة تشعل النقاش على موقع "تويتر" وتكثف مبيعات التذاكر؟ ربما. لكن، ما الذي يفترض بنا أن نشعر به إزاء ذلك؟ المسألة ساخرة ومحبطة من ناحية، ومن ناحية أخرى مرحة إلى حد الهيستريا. وإذا كان هناك من يضحك من أعماق قلبه الآن، فهو الرجل الذي أحرز للتو نجاحاً بملايين الجنيهات بفضل قناع هالوين وزوج من قفازات الجلي.

سيكون فيلم "ويني الدبدوب: دم وعسل" Winnie-the-Pooh: Blood and Honey متاحاً للإيجار والشراء اعتباراً من 20 مارس (آذار)

© The Independent

المزيد من سينما