Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف الركود تجتاح الأسواق وسط أزمات المصارف

القطاع المالي العالمي يعمق خسائره ويفقد نصف تريليون دولار وموجة بيع مكثفة لأسهم وسندات المؤسسات المالية ومراهنات على الأصول الآمنة

شهد عديد من أكبر البنوك تدفقاً لمليارات الودائع من المقرضين متوسطي الحجم في أعقاب انهيار بنك "سيليكون فالي" (رويترز)

ملخص

هل تتهاوى البنوك كأحجار "الدومينو" مع استمرار #البنوك_المركزية في رفع #أسعار_الفائدة؟

في فترة تقل عن أسبوعين، انقلب العالم المالي رأساً على عقب، تاركاً المستثمرين للتفكير في ما إذا كان التوسع الاقتصادي يقترب من نهايته، فما بدأ كمحنة خاصة بأحد البنوك التي تركزت على العملة المشفرة، تحول سريعاً إلى أزمة ذات تداعيات اقتصادية وسياسية ودولية.

فبعد أيام فقط من إغلاق مقرض العملات الرقمية "سيلفرغيت كابيتال كورب"، انهار بنكا "وادي السيليكون" و"سيغنتشر"، وازداد قلق المستثمرين في شأن مجموعة "كريديت سويس غروب إيه جي" و"بنك فيرتس ريبوبليك".

يأتي ذلك في وقت لا تزال تحطمت الثقة بين الشركات الناشئة والشركات الاستثمارية بوادي السيليكون، فيما اندفع المنظمون لوقف انهيار عدد قليل من البنوك من التحول إلى زوال عديد من البنوك الأخرى، مع بيع غاضب لأسهم وسندات المؤسسات المالية حول العالم.

وفي حين واجه المصرفيون، الذين اعتبروا إلى حد كبير أن العملاء سيحتفظون بأموالهم معهم، أحداثاً متسارعة، فالمستثمرون الذين أمضوا العام الماضي قلقين بشكل أساسي في شأن المدى الذي سيضطلع به مجلس الاحتياطي الفيدرالي في معركته ضد التضخم.

ويتعامل المصرفيون اليوم مع مجموعة جديدة من المخاوف، أبرزها إن كان سيتم احتواء التداعيات بين البنوك الإقليمية بسرعة نسبياً، مما يترك الاقتصاد إلى حد كبير على نفس المسار الذي كان عليه في السابق؟ أم إنها ستتحول إلى شيء أكبر، كما فعل بنك "ليهام بروذرز"، الذي انهار وتسبب في الأزمة المالية عام 2008، مما قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي طويل الأمد؟ 

خسائر فادحة

إلى ذلك مسح المستثمرون ما يقرب من نصف تريليون دولار من قيمة أسهم البنوك حول العالم في أسوأ هزيمة للقطاع المالي منذ ظهور جائحة "كوفيد -19" بحيث انخفضت الأسهم المالية هذا الأسبوع مع انتشار التداعيات الناجمة عن انهيار بنك "وادي السيليكون" في الأسواق العالمية، كما خسرت البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان مجتمعة 459 مليار دولار من القيمة السوقية حتى الآن هذا الشهر، في حين يعد الانخفاض البالغ 16 في المئة الأكبر منذ آذار (مارس) 2020. 

 ذعر في قطاع المصارف

وجاءت الخسائر الأكبر في الولايات المتحدة، حيث خسر مؤشر "كي بي دبليو بنك" (KBW Bank) 18 في المئة في مارس، كما انخفض مؤشر "ستوكس600" (Stoxx 600) للمصارف الأوروبية بنسبة 15 في المئة في حين تراجع مؤشر القطاع المصرفي الياباني "توبيكس" بنسبة 9 في المئة، بينما لم تنجح الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في النظام المالي وتجنب الذعر الأوسع نطاقاً إلا جزئياً. كما هبطت الأسهم في بنك كاليفورنيا المضطرب "فيرست ريبابليك" أكثر من الربع في فترة ما بعد الظهر أول من أمس الجمعة على رغم ضخ نقدي بقيمة 30 مليار دولار من بنوك "وول ستريت" بما في ذلك "جي بي مورغان تشيس" و"غولدمان ساكس".

افتراضات عالم المال 

بوحسب عديد من المتخصصين لا يزال من السابق لأوانه معرفة ذلك، فحتى الجمعة الماضي، استمرت التداعيات، حيث تقدمت الشركة الأم لبنك "وادي السيليكون" بطلب الحماية بموجب الفصل 11 من الإفلاس، مما يمثل أكبر طلب إفلاس ينشأ عن فشل البنك منذ انهيار "واشنطن ميوتشوال" عام 2008. 

وربما أبرز ما تم استخلاصه من الأسبوع الماضي هو أن عديداً من افتراضات عالم المال حول الكيفية التي ستنتهي بها الفترة المتبقية من عام 2023 قد انقلبت رأساً على عقب. 

وقال كبير الاقتصاديين والشريك في "أبولو غلوبال مانجمنت" تورستن سلوك لـ"وول ستريت جورنال"، إنه يعتقد أن الاقتصاد يسير في حالة سخونة لدرجة أنه لن يكون هناك "هبوط"، والآن يعتقد هو وكثيرون آخرون أن احتمالات حدوث ركود قد زادت بشكل كبير. 

وأضاف سلوك أن "التباطؤ الذي كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يحاول تحقيقه لفترة طويلة قد يأتي أسرع بكثير مما كنا نظن قبل أسبوعين فقط". 

أحداث الأيام الأخيرة لم تكن مفاجأة كاملة، فمنذ أن بدأت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة بسرعة العام الماضي لكبح جماح التضخم، كان المستثمرون والمحللون والاقتصاديون يبحثون عن إشارات إلى أن شيئاً ما في الأساسيات المالية بالسوق كان ينهار.

تداعيات انخفاض الفائدة

يرجع ذلك إلى أن أسعار الفائدة كانت في الحضيض لسنوات بعد الأزمة المالية عام 2008، وساعد ذلك في تغذية ارتفاع تاريخي بالأصول الخطرة، لكن عندما ترتفع الأسعار ترتفع كلفة الاقتراض أيضاً، ويمكن أن يضغط ذلك على الأسواق ويسبب اضطرابات في الإقراض، خصوصاً عندما ترتفع أسعار الفائدة بشكل كبير في إطار زمني قصير نسبياً، كما حدث العام الماضي.

وإثر ذلك بدأت الشقوق في الظهور، حيث تراجعت أسواق المملكة المتحدة خلال الخريف بعد أن قالت الحكومة إنها ستمضي في تخفيضات ضريبية مفاجئة، وأدى ذلك إلى انهيار الأدوات المالية المعقدة التي تحتفظ بها صناديق المعاشات التقاعدية التي تسمى "الاستثمارات المدفوعة بالمسؤولية"، مما أجبر بنك إنجلترا على إطلاق تدخل طارئ لمنع الضرر الأوسع نطاقاً وليتم التراجع عن التخفيضات الضريبية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما انهار اللاعبون الرئيسون في سوق العملات المشفرة، وحتى وقت قريب كان هناك القليل من الإحساس بأن القطاع المصرفي الأميركي، موطن عديد من المؤسسات المالية الأكثر أهمية في العالم، ضعيفاً أيضاً. 

من جانبه، قال يوهان غراهن رئيس استراتيجي السوق في "ألاينز أي أم" وصندوق تداول في البورصة "لا أعتقد أن أي شخص في وول ستريت لم يكن يتوقع حدوث أي شيء مع ارتفاع الأسعار من نحو الصفر إلى خمسة في المئة".

 وأضاف "كان من المتوقع دائماً أن ينكسر شيء ما، لكن كما هي الحال مع كل شيء آخر، قبل حدوثه، لا تعرف ماذا سيكون". 

موضع تساؤل

كانت قد جاءت أولى بوادر المشكلات الأوسع في الثامن من مارس (آذار)، عندما كشفت مجموعة "أس في بي" المالية عن تعرضها لخسارة قدرها 1.8 مليار دولار باستثمارات بيع.

وقال بنك كاليفورنيا الذي يلبي حاجات المستثمرين في رأس المال المغامر والشركات الناشئة بمجال التكنولوجيا، إنه سيحاول زيادة رأس المال من خلال طرح الأسهم. 

ومن ثم هرب المودعون من البنك، وتدخلت المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع للسيطرة على البنك المتعثر صباح 10 مارس، لكن بحلول ذلك الوقت، بدأت أسهم البنوك الأخرى في الانهيار. 

وسرعان ما ركز المستثمرون على المقرضين الآخرين الذين يشتركون في بعض السمات نفسها التي أدت إلى انهيار بنك "سيليكون فالي" وهي الاعتماد على الودائع غير المؤمن عليها، أو تلك التي تزيد على سقف مؤسسة التأمين الفيدرالي البالغ 250 ألف دولار، ومحفظة كبيرة من السندات الحكومية وأوراق الدين الأخرى التي انخفضت قيمتها مثل بدء بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة. 

وعندما فشل المسؤولون الحكوميون خلال عطلة نهاية الأسبوع في العثور على مشتر لبنك "سيليكون فالي"، عادوا إلى دليل الأزمات بسلسلة من الإجراءات الطارئة التي تهدف إلى تعزيز الثقة الضعيفة في النظام المالي.

مساء ذلك الأحد، قال المنظمون الأميركيون، إنهم سيضمنون جميع ودائع بنك "وادي السيليكون"، وسيوفرون مزيداً من الأموال لدعم البنوك الأخرى في حالة مواجهة تدفق مماثل على ودائعهم، كما استحوذ المسؤولون أيضاً على "بنك سيغنيتشر"، وهو لاعب رئيس في صناعة العملات المشفرة، وتعهدوا جعل جميع المودعين لديهم وصول كامل لأموالهم أيضاً. 

وعلى رغم أن الإجراءات الحكومية غير العادية بدت لإنقاذ العملاء في بنكي "سيليكون فالي" و"سيغنتشر"، فإن الأزمة لا تزال تهدد بالانتشار إلى البنوك الإقليمية الأخرى، ففي صباح الإثنين الماضي، فتحت أسهم مقرض أميركي آخر وهو بنك "فيرست ريبوبليك"، على قيمة أقل بكثير بعد إغلاق، ظهر الجمعة الماضي، وعلى رغم من ذلك، انطلقت أكبر البنوك في البلاد للإنقاذ.

وفي المجموعة التي ضمت كلاً من "جي بي مورغان أند تشيس" و"بانك أوف أميركا كورب" و"ويلز فارغو أند كو"، وضعت خطة لإغراق بنك "فيرست ريبوبليك" بالأموال ونوقشت الخطة مع وزيرة الخزانة جانيت يلين ومسؤولين أميركيين آخرين وكشف النقاب عنها، الخميس، حيث سلمت 30 مليار دولار من الودائع غير المؤمن عليها للمقرض. 

كما شهد عديد من أكبر البنوك تدفقاً لمليارات الودائع من المقرضين متوسطي الحجم في أعقاب انهيار بنك "سيليكون فالي"، وكانوا يعيدون فعلياً بعض الأموال لمساعدة بنك إقليمي آخر على وشك المعاناة من المصير نفسه، وقد ساعدت هذه التحركات في طمأنة بعض المستثمرين. 

قال كبير مسؤولي الاستثمار في "نورث وسترن ميوتشوال ويلث مانجمنت" برنت شوت "على رغم من مخاوف الأسبوع الماضي، ما زلت أعتقد أن خطر العدوى هنا محدود إلى حد ما". 

وأضاف شوت أن البنوك والمستهلكين يبدون وكأنهم أقل مديونية مما كانوا عليه في الفترة التي سبقت الأزمة المالية لعام 2008، وهذا لا يعني أنه لن يكون هناك تأثير آخر غير مباشر، لكن بشكل عام، أعتقد أننا في مكان مختلف كثيراً". 

في حين لم يقتنع كل المستثمرين بتلك الطمأنة، حيث استؤنفت عمليات البيع في أسهم البنوك، الجمعة، بعد فترة وجيزة في اليوم السابق، مع انخفاض أسهم بنك "فيرست ريبوبليك" بنسبة 33 في المئة. 

كما يشعر المستثمرون بالقلق من أن "كريديت سويس" قد يكون التالي في السقوط، لتمتد الأزمة فوق المحيط الأطلسي في بداية الأسبوع الماضي إلى أوروبا، حيث أصبح المستثمرون قلقين بشكل متزايد في شأن مصير البنك. 

كان ينظر عديد من المستثمرين إلى البنك العالمي، الذي يتخذ من سويسرا مقراً له على أنه مقرض مضطرب، بسبب سلسلة من الفضائح والخسائر الكبيرة وعمليات السحب من عملائه الأثرياء، الذين يعدون مفتاح استراتيجية التحول للبنك.

وقال شوت، إنه على مدى سنوات كان كثيرون في "وول ستريت" ينظرون إلى بنك "كريديت سويس" على أنه "أكبر حطام قطار بطيء الحركة". 

وثم بدأ الانهيار في أسهم البنوك، ليس فقط من المقرضين الأميركيين، لكن البنوك في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك "كريديت سويس"، وحتى في نهاية الأسبوع، الجمعة، لم يكن واضحاً إلى أي مدى سيستمر مسار البنك ومدى تأثيره على الاقتصاد. 

تداعيات استمرار رفع الفائدة

من ناحية أخرى، أمضى المستثمرون والاقتصاديون معظم العام الماضي في توقع أن زيادات أسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي ستسبب ركوداً، لكن ثبت خطأها مراراً وتكراراً. 

في حين يعتقد البعض، بما في ذلك الاقتصاديون بـ"غولدمان ساكس"، أن الاحتياطي الفيدرالي سينتهي بإبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير في اجتماعه هذا الأسبوع المقبل في محاولة لإعطاء الأولوية للاستقرار المالي، في حين يخشى آخرون أنه إذا قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في وقت مبكر جداً، فلن يؤدي ذلك إلى إطالة مهمته في كبح جماح التضخم فحسب، بل من المحتمل أيضاً أن يخيف الأسواق.

وقال غراهن "قد يبدأ الناس في التفكير، ما الذي يعرفه بنك الاحتياطي الفيدرالي ولا أعرفه؟"، مضيفاً أنه لهذا السبب يعتقد أن البنك المركزي سيواصل رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال الأسبوع المقبل. 

في حين راهن التجار على أن الأزمة الحالية ستجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على إيقاف زيادات أسعار الفائدة قريباً والانتقال إلى خفض أسعار الفائدة بحلول النصف الثاني من العام، وقد يمثل هذا انعكاساً حاداً لما قبل تهاوي البنوك الأخير، عندما اعتقد عديد من المستثمرين على نطاق واسع أن بنك الاحتياطي الفيدرالي من المرجح أن يبقي أسعار الفائدة مرتفعة لبقية العام.