ملخص
على #تويتر في #الهند، تتجسد العنصرية تجاه آلام الدورة الشهرية. فالرجال يشرحون #للنساء كيفية التعامل معها، بينما تتجاهل الأسر والموظفون والمشرعون الآلام التي تعاني منها النساء.
عسر الطمث أو آلام الدورة الشهرية وتقلصاتها يفضح، أكثر من أي موضوع آخر، التحيز الجنسي ضد المرأة الكامن لدى مستخدمين على "تويتر" في الهند. الرجال، يتعاطون مع هذه المسألة النسائية بعجرفة وفوقية ذكورية، والعائلات لا تعره اهتماماً، ويبدو غير مرئي بالنسبة إلى أرباب العمل، فيما النواب في البرلمان الهندي يعرقلون الأهداف المطلوبة في شأنه، أما النساء فيكابدن خلال الحيض أوجاعاً وصفها العلماء بأنها أشبه بشدة ألم النوبة القلبية.
وفق "الجمعية الإسبانية لأمراض النساء والتوليد"، يعاني نحو ثلث النساء خلال الحيض ألماً شديداً يعرف باسم "عسر الطمث" أو dysmenorrhea بالإنجليزية. ومع ذلك، نجد أن النساء اللاتي يواجهن حالة حادة من عسر الطمث غير منظورات عملياً بالنسبة إلى المحيطين بهن، إلى حد أنه عندما تفجر نقاش في شأن "إجازة الحيض" أو الطمث [مدفوعة الأجر] على وسائل التواصل الاجتماعي في أواخر فبراير (شباط) الماضي، كان رد الفعل الأولي، لا سيما من جانب الرجال، سريعاً ومتعالياً ورفضياً.
غرد أحد المستخدمين، "تخيل لو أن طبيبتك" أخذت إجازة الحيض "في يوم الجراحة" المقرر لك. نُشر هذا الكلام في اليوم الذي أصدرت فيه إسبانيا تشريعاً يمنح إجازة [مدفوعة الأجر] لمدة ثلاثة أيام مع إمكان التمديد إلى خمسة أيام "لمن يواجهن خلال فترة الطمث أوجاعاً تعيقهن عن أداء أعمالهن". إزاء ذلك، انقسم "تويتر" الهندي إلى معسكرين رئيسين: مؤيدون لإجازة الحيض، ورافضون لها.
يبدو مثيراً للاهتمام، أن المعركة تزامنت مع قرار المحكمة العليا في الهند الاستماع إلى التماس حول هذا الموضوع المثير للجدل. (وقد بتت لاحقاً أمر الالتماس، وأحالته إلى السلطة التنفيذية بغية صوغ القواعد).
ما بدأ على شاكلة تغريدات متفرقة على "تويتر"، سرعان ما تحول إلى مهرجان قبيح من التصيد الإلكتروني ("الترول" troll) [بمعنى إثارة الجدل بين المتحاورين وتأليبهم على بعضهم بهدف الحؤول دون وصول الموضوع المتناقش حوله إلى نهاية].
ذلك أنه، كما ترى، لا يعير الرجال المساواة بين الجنسين في مكان العمل اهتماماً إلا عندما يتعلق الأمر بالمزايا غير المتاحة لهم- خذ إجازة الحيض مثلاً. تصيب تشنجات الدورة الشهرية بشكل رئيس النساء اللاتي تتوافق هويتهن الجندرية مع الجنس المعين لهن عند ولادتهن. إذا أتيحت لهن إجازات شهرية لهذه الحالة، "ما النظير الذي سنناله نحن؟"، سأل الرجال الذين تتوافق هويتهم الجندرية مع الجنس المعين لهم عند ولادتهم. كان التلميح إلى الإجازة ميزة للنساء ولا يبشر خيراً في ما يتصل بالمساواة ما لم يحظ الرجال بإجازة مماثلة تعويضاً عما تقدمه الشركات للنساء.
سرعان ما أصبح واضحاً أن إحدى الحجج الرئيسة وراء رفض الإجازة الادعاء أنها ستؤثر سلباً في إنتاجية مكان العمل، وحتى معنويات الرجال، إذا كان على الرجال أن "ينجزوا المهمات" المنوطة بالنساء اللاتي احتجن إلى يوم إجازة شهرية، أي 12 يوماً في السنة، وفق البعض.
إذ نفكر في الأمر، نجد أن اللائمة تقع أساساً على نظرة المجتمع إلى ألم المرأة بوصفها الوضع الطبيعي. واضح أن الرجال الذين طالما رأوا النساء في دور مربيات حاضرات دائماً لتقديم الرعاية للمحيطين بهن طوال حياتهن، كشقيقات وبنات وأمهات وزوجات، يطبخن وينظفن ويغسلن رغم ألم الحيض والنزف الشديد، لا يرون الخطب الجلل هنا.
منذ سن البلوغ، تتعاطى النساء الهنديات مع ألم الحيض، وبسبب كم المسؤوليات الملقاة على عواتقهن من الولادة حتى الوفاة، كما لو أنه الوضع الطبيعي، لذا عندما يطالبن بالراحة، يترك مطلبهن صدمة كبيرة بالنسبة إلى الجميع، من بينهم أصحاب العمل. ما بالكم ببلد مثل الهند- حيث ما زال الطمث من التابوهات الكبيرة في ظل أعراف دينية تمنع النساء الحائضات من دخول أماكن من قبيل المعابد والمطبخ – وعالمياً، ما زالت النساء مادة للسخرية. يشار إليهن بـ"المتأثرات بالهرمونات" و"متقلبات المزاج في الدورة الشهرية" فقط لأنهن يعبرن عن مشاعر طبيعية.
هل تتذكر كيف سلم لاعب الغولف الأميركي تايغر وودز سدادة قطنية لأحد منافسيه على سبيل المزاح، رابطاً بين النزف لدى النساء وكون منافسه قد خسر أمامه؟
ولكن إجازات الحيض ليست بالظاهرة الجديدة ولا هي متطرفة. على مستوى العالم، إجازة الحيض موجودة في دول مثل اليابان وتايوان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وزامبيا. منذ 1992، تقدم ولاية بيهار الهندية- التي تعد إحدى أكثر الولايات تأخراً من الناحية الاقتصادية، يومين شهرياً كإجازة بسبب الحيض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سادت إجازة الحيض في روسيا السوفياية في عام 1922، ولكنها ألغيت في 1927 بعدما أعرب الناس عن مخاوفهم من أنها ربما تؤدي إلى التمييز. بدورها، تسمح كوريا الجنوبية للموظفات بأخذ يوم عطلة كل شهر.
في 2020، قدمت شركات خاصة عدة في الهند إجازة شهرية للموظفات لديها وللمتحولين جنسياً.
في يناير 2023، منحت ولاية كيرالا الهندية إجازة الطمث للطالبات في مختلف الجامعات الحكومية.
إحدى الحجج الرئيسة (والوجيهة) ضد إجازة الحيض أنها ستفضي إلى تمييز ضد المرأة التي ستفقد وظيفتها. إذا ضربنا مثلاً بإسبانيا، حيث تتطلب الإجازة مذكرة من الطبيب ويتحمل نظام الضمان الاجتماعي العام، أي الحكومة، التكلفة، تصبح نموذجاً يُحتذى به مسنوداً بردود فعل سليمة وبحوث ملائمة.
أضف إلى ذلك أن التصدي الكبير لإجازة الحيض ينبع أيضاً من الخوف من أن النساء، اللاتي لا ينلن سوى حقوق محدودة أصلاً، سيتعرضن لمزيد من النبذ والعزلة عن الحياة العامة إذا سعين إلى إضفاء الطابع الطبي على فترات الحيض بوصفها أمراً يلزمهن بالراحة. ذكر كثيرون أن النساء لا يحتجن إلى إجازة إضافية- لم لا تعمد الشركات إلى تمديد أيام الإجازة المرضية ببساطة؟ إليكم العيب الذي يشوب هذا الاقتراح. الحيض ليست مرضاً. لكل من الرجال والنساء عدد محدود من الإجازات المرضية في العمل، ولكن الرجال الذين تتوافق هويتهم الجندرية مع الجنس المعين لهم عند ولادتهم لا يمرون بفترة الحيض.
عليه، لسنا إزاء مشكلة يسعنا التعامل معها مع مراعاة المساواة بين الجنسين. بل إنها مسألة إنصاف في الحقيقة- تتنافس المرأة مع الرجل في مختلف المجالات بوجود أوجه حرمان لا تعترض الرجل. عندما فرضت الحكومات نظام الثماني ساعات في اليوم، أو 40 ساعة في الأسبوع، أو عطلات نهاية الأسبوع، كان متوقعاً خروج انتقادات قائمة على حجج متعلقة بالإنتاجية. ولكن تقرر تحديث قوانين العمل مع مراعاة نوعية حياة العمال. نتفهم معارضة إجازة الحيض. ولكنها أسوة بحقوق العمال الأخرى كافة، ستصبح أيضاً الوضع الطبيعي إذا تفهمت الحكومات أن التجارب الحياتية التي تعيشها النساء تختلف عن نظيرتها لدى الرجال. ما زالت النساء العاملات بأجر في البلدان النامية، من قبيل الهند، يتحملن عبء الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال والمسنين. وأخذ يوم إجازة، بالنسبة إلى من يحتجن إليها، سينفع كثيراً في راحة النساء خلال فترة الحيض.
الأجدر بالرجال (وأرباب العمل من الذكور) أن يفهموا أن النساء اللاتي يعانين آلاماً موهنة مع عدم وجود دعم من المجتمع لا يطالبن بالإجازة فقط من أجل الاسترخاء. سيبقى عليهن إنجاز الأعمال المنزلية. ولكن لا بد من أن تكون هذه الإجازة متاحة إذا احتجن إليها. علينا أن نفهم أيضاً أن فترات الحيض ليست هي نفسها عند جميع النساء. تحتاج بعض النساء إلى إجازة في اليوم الأول من الحيض مرة كل أربعة أو خمسة أشهر. ويأتي بعضهن الآخر إلى العمل ظناً منهن أنهن قادرات على تدبير أمورهن، ولكن سرعان ما يشعرن بضرورة العودة إلى المنزل عندما يصبح الألم لا يطاق. كذلك تحتاج بعض النساء إلى اليوم الأخير من الحيض بسبب النزف الحاد. وتحتاج غيرهن إلى استراحة من الهمل لبضع ساعات فقط. أما بعضهن الآخر فيحتاج إلى إنجاز مهماته عن بعد من المنزل. تختلف فترات الحيض باختلاف النساء.
إذا رفضت شركة ما النساء لأنه يتعذر عليهن السيطرة على ألم عصي على الاحتمال، فإنها ستشهد تطوراً أو ستغلق أبوابها. إذا كان إقصاء النساء من مكان العمل لأنهن يحتجن إلى الراحة نتيجة حالة جسدية منهكة، على الحكومة أن تتدخل. ليست جودة العمل بعدد ساعات عمل المرأة في مكان الوظيفة- وقد أثبت إغلاق "كوفيد" هذه الحقيقة.
وحتى في خضم هذا النقاش برمته، نفكر في المقام الأول في وظائف ذوي الياقات البيضاء. تخيل الراحة التي ستحظى بها النساء اللاتي يتولين الأعمال اليدوية عندما يصبح قانونياً طلب المساعدة في الأيام السيئة. ما كشف عنه هذا النقاش برمته ليس فقط كيف ينظر قليل من الناس، خصوصاً الرجال إلى فترات الحيض حقاً، ولكن أيضاً مدى خلوهم من التعاطف مع النساء من حولهم خلال الحيض.
عند النظر في السياسات ووضعها، فإنها تتم لصالح الفقراء باعتبارها القاسم المشترك الأدنى. وفي الهند، غالباً ما يُجرد المحرومون من حق الاختيار. إنهم الأشخاص الذين يعملون في ظروف غير إنسانية- العاملون بأجر يومي والعاملون في الخدمة المنزلية، والمصانع. وعندما تصدر الحكومة تشريعات، لا بد من أن تضع هؤلاء في الاعتبار كي لا يتحملون وزر عدم اكتراث صاحب العمل.
© The Independent