ملخص
وضعت هيئة صحية بريطانية متخصصة دواء "بروزاك" الشهير ضمن قائمة تضم 30 من العقاقير الشائعة في علاج الكآبة، للتدقيق في علاقاتها كلها مع الانتحار. ويهدف التحقيق إلى تقصي مدى فاعلية التنبيهات المتضمنة في ورقة المعلومات المرفقة بتلك الأدوية، في شأن تأثيراتها الجانبية المحتملة.
تجري الهيئة التشريعية البريطانية المتخصصة بالأدوية، مراجعة لـ30 دواءً شائع الاستعمال ضمن المملكة المتحدة في علاج الكآبة المرضية، فيما تشير الأرقام إلى أنها وصفت لمئات ممن انتحروا أو ألحقوا بأنفسهم الأذى.
ويندرج دواء "بروزاك" الشهير ضمن تلك الأدوية التي وصفت لملايين المرضى لكنها ستخضع للتدقيق على يد "الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" Medicines and Healthcare products Regulatory Agency، اختصاراً "أم أتش أر أي" MHRA.
وتأتي تلك الخطوة عقب مخاوف ثارت لدى عائلات في بريطانيا في شأن مدى ملاءمة إجراءات السلامة المطبقة بهدف حماية متناولي تلك الأدوية، على غرار التنبيهات المتعلقة بالتأثيرات الجانبية لتلك العقاقير، والتي توضع في النشرات الطبية المرفقة بها.
ووفق رسالة من وزيرة الصحة العقلية ماريا كولفيلد رأتها صحيفة "اندبندنت"، سيدقق المشرعون في فاعلية تلك الإنذارات المعتمدة بالفعل حاضراً.
وقد شهدت إنجلترا ارتفاعاً ضخماً في استعمال أدوية علاج الكآبة، مع وجود 85 مليون وصفة طبية حررت في الفترة بين عامي 2022 و2023، ارتفاعاً من 58 مليون وصفة بين عامي 2015 و2016، بحسب أرقام هيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، اختصاراً "أن أتش أس" NHS.
وفي حديث إلى "اندبندنت"، ذهب البرلماني المستقبل وعضو اللجنة النيابية المشتركة "أبعد من حبوب الدواء" Beyond Pills، نايجل كريسب، إلى أن ما "يترتب على الإفراط في وصف أدوية مضادة للكآبة، هو كلف ضخمة في المعاناة الإنسانية. ويرجع ذلك إلى أن كثراً أضحوا متعودين عليها، ثم باتوا يكافحون من أجل التخلص من ذلك التعود. ويضاف إلى ذلك أن الأمر يشكل تبديداً للمصادر الحيوية لـ’أن أتش أس‘".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكذلك تجيء المراجعة في ما يتبين أن أكثر من 515 من الإنذارات المتعلقة بالوفيات تمتلك روابط مع تلك الأدوية، تشمل حالات تمجيد الانتحار وأذية الذات. وقد وصلت تلك الإنذارات إلى "أم أتش أر أي" بداية من عام 2000 (لا تعتبر تلك الإنذارات تأكيداً مباشراً لسبب وفاة شخص ما).
أعطيت بعض الأدوية المضادة للكآبة إلى أطفال لم تتجاوز أعمارهم سن الرابعة. ووصلت الكلفة الإجمالية لتلك العقاقير في موازنة "أم أتش أر أي" للفترة بين عامي 2022 و2023، إلى أكثر من 231 مليون جنيه استرليني.
وقد تشمل التأثيرات الجانبية لكثير من الأدوية المضادة للكآبة معاناة القلق وظهور أفكار انتحارية، بحسب "المعهد الوطني للتمييز في الصحة والرعاية" Health and Care Excellence، اختصاراً "نايس" NICE، مع ملاحظة أنها ليست من التأثيرات الشائعة والمألوفة.
وعبر صحيفة "اندبندنت"، تواصلت الأم البريطانية، لين ريتشاردسون، مع جهة منظمة للقوانين في شأن مراجعة إجراءات السلامة المتعلقة بدواء "ميرتازابين" بعد أن وضعت ابنتها حداً لحياتها عقب أسبوعين من وصف ذلك الدواء للابنة.
وكذلك أكدت تلك الجهة لـ"اندبندنت" أن مجموعة عمل متخصصة ستنظر في أمر 30 دواءً مختلفاً، بما في ذلك "فلوأوكزتين" fluoxetine، المسمى العلمي الصنفي للدواء الذي يباع تحت الاسم التجاري "بروزاك"، إضافة إلى عقاري "ليثيوم" lithium و"سيتالوبرام" citalopram. [يستعمل ليثيوم في علاج اضطرابات نفسية شديدة كالشيزوفرينيا. ويستخدم سيتالوبرام في علاج الكآبة، ويندرج في الفئة نفسها التي ينتمي "بروزاك" إليها].
وبحسب بيانات "الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" تراكمت منذ عام 2000، يتحمل الـ"فلوأوكزتين" المسؤولية عن إصدار المرضى إنذارات جدية ومميتة [بمعنى التهديد بالانتحار أو أذية الذات] ترتبط بتأثيرات جانبية للدواء مؤذية لهم. ومن بين تلك الإنذارات، ارتبطت 438 حالة مع "سلوكيات انتحارية ومؤذية للذات"، فيما ربطت 286 حالة مع معاناة أعراض القلق النفسي.
كذلك توحي البيانات بوجود روابط بين 73 وفاة حدثت خلال العقدين الأخيرين، وبين سلوكيات الانتحار وأذية الذات لدى مرضى يتناولون "فلوأوكزتين". وفي المقابل، لا تجزم تلك البيانات بأن الدواء الوارد آنفاً يمثل السبب المباشر للموت.
وخلال الأسبوع الماضي، سلطت "اندبندنت" الضوء على نداء وجهته السيدة ريتشاردسون إلى جهة منظمة للقوانين تطلب فيها النهوض بمراجعة لإجراءات السلامة المتعلقة بالـ"ميرتازابين". وجاءت الرسالة بعد أن وضعت ابنتها، ريبيكا كروزا، حداً لحياتها بعد أسبوعين من تلقيها وصفة طبية بتناول ذلك الدواء.
وكذلك ظهر الـ"ميرتازابين" كموضوع في 59 إنذاراً تتعلق بسلوكيات الانتحار وأذية الذات. ويذكر أن الولايات المتحدة أرفقت ذلك الدواء بتنبيهات شبهت بـ"الصندوق الأسود" بسبب تأثيراته الجانبية المحتملة [يعني ذلك أن متناولي الدواء باستطاعتهم الاتصال بجهة معينة كي يسجلوا أي تأثير جانبي للدواء، كي يصار إلى تجميعها وتحليلها وتقييم وضعية الدواء بالاستناد إليها]. ومن ثم، أدى ذلك إلى أن المشرعين الأميركيين وضعوا تحذيرات أكثر وضوحاً [عن التأثيرات الجانبية] في العلب المحتوية على ذلك الدواء.
وسيُدرج ذلك في المراجعة التي تزمع "أم أتش أر أي" إجراءها.
وفي رسالة وجهتها إلى السيدة ريتشاردسون، أوردت الوزيرة كولفيلد أن المراجعة التي تجريها "أم أتش أر أي" ستدقق في فاعلية التنبيهات المقدمة إلى المرضى الذين توصف لهم أدوية علاجات الكآبة.
ومع تعاظم استعمال الأدوية المضادة للكآبة، أظهرت بيانات حديثة جمعت بين مارس (آذار) 2023 وديسمبر (كانون الأول) 20023، أن 331 ألف مريض تراوحت أعمارهم ما بين الـ10 والـ19، وصفت لهم أدوية مضادة للكآبة خلال تلك الفترة. ومثل ذلك الرقم ارتفاعاً عن 240 ألفاً وصفة طبية خلال الفترة نفسها بين عامي 2015 و2016.
وفي العام الماضي، وجهت لجنة "أبعد من الحبوب" البرلمانية دعوة إلى الحكومة كي تعمل الأخيرة على معاكسة الاتجاه المتمثل في زيادة الوصفات الطبية لتلك الأدوية.
وكذلك حذر البروفيسور المشارك المتخصص في علم النفس في "جامعة رويهامبتون" والعضو في اللجنة البرلمانية "أبعد من الأدوية"، جايمس ديفيس، حذر من عدم كفاية ما يقدم من بدائل اجتماعية ونفسية لتلك الأدوية، ووصفها بأنها "غير كافية".
وفي مقابل حصول 8.5 مليون شخص على وصفات للأدوية المضادة للكآبة بين عامي 2022 و2023، لم ينخرط سوى 1.2 مليون شخص في ما يسمى العلاجات "الكلامية" [أي العلاج النفسي المعتمد على التفاعل الحواري بين المكتئب ومقدم الرعاية الصحية].
وأورد البروفيسور ديفيس، أنه "في كل سنة، نحصل على أكثر من 85 مليون وصفة لتلك الأدوية. ثمة مصدر آخر للقلق يتمثل في أننا نشهد ارتفاعاً ضخماً في معدلات تلك الوصفات المقدمة إلى الجمهور العام، إضافة إلى أننا نلاحظ زيادة مماثلة في المدة التي يطلب من المرء أن يقضيها في تناول تلك الأدوية. ويتمثل أحد الأسباب لذلك الأمر بعدم كفاية ما تقدمه ’أن أتش أس‘ من بدائل اجتماعية ونفسية".
وكذلك حذر البروفيسور ديفيس من عدم متابعة المرضى بصورة ملائمة عقب إعطائهم تلك الوصفات.
وأضاف، "يجب علينا ألا نصف تلك الأدوية الفاعلة نفسياً للشباب. ويجب علينا تقديم ما يلزم من الدعم النفسي والاجتماعي الضروري للشبيبة بهدف تمكينهم من التغلب على الصعوبات التي يواجهونها".
في ذلك الصدد، أفادت "الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" أنها لا تستطيع تأكيد المدى التي ستشمله تلك المراجعة أو الأفعال التي قد تتخذ بالاستناد إليها. وأرجعت ذلك إلى أنها ما برحت في طور العمل على انعقاد لجنة الخبراء.
"نضع في الوقت الراهن اللمسات الأخيرة على اختيار الأعضاء الأساسيين في مجموعة عمل الخبراء، ونأخذ في الاعتبار خطر الإجراءات التي تكتفي بالحدود الدنيا في شأن الأدوية المضادة للكآبة، ونتوقع أن يعقد اللقاء الأول للخبراء في يوليو (تموز) المقبل. وسوف يشمل عمل اللجنة كل الأدوية المضادة للكآبة في السوق البريطانية".
في المقابل، أبرز البروفيسور ديفيس مخاوف تتعلق بقدرة منظمي القوانين على إجراء تلك المراجعة. وأفاد بأن "هنالك تقارباً كبيراً بين ’أم أتش أر أي‘ وجهات صناعة الأدوية، مما يبعدها عن الموضوعية في تلك المراجعة، بحسب وجهة نظري. ثمة مخاوف جدية في شأن ما نشير إليه بأنه إمساك بالمفهوم التنظيمي، الذي يحدث حينما تضحى جهات صناعة الأدوية لصيقة القرب من الجهة التنظيمية التي يناط بها صوغ تشريعاتها باستقلالية".
في ذلك الصدد، أفاد ناطق بلسان "أم أتش أر أي" أن تلك الجهة تمتلك "آليات راسخة ومتمكنة في شأن ظهور تضارب في المصالح. وتغطي تلك الآليات موظفي ’أم أتش أر أي‘ وأعضاء هيئة المحلفين فيها، وكذلك الأشخاص الذين يقدمون إلى لجان ’أم أتش أر أي‘ نصائح مستقلة تستند إلى الخبرة".
وكذلك أعلن د. آميت أغراوال الذي يعمل في "رابطة صناعة الأدوية البريطانية" Association of the British Pharmaceutical Industry، واختصاراً ABPI، أن الشركات تدعم "وصف الأدوية بطريقة أخلاقية تستند إلى الأدلة"، وترغب في مساعدة المرضى ومتخصصي الرعاية الصحية، على الوصول إلى قرارات معقولة في شأن المعالجة الأفضل.
وأورد متحدث بلسان وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أن العلاجات الكلامية تشكل الخط الأول الموصى به في علاج الكآبة، وأنه سيجري توسيع البرنامج المتعلق بتحسين الوصول إلى تلك العلاجات، كي يشمل 384 ألف شخص إضافي خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأضاف، "يتخذ القرار المتعلق بوصف دواء معين في العيادة، ويجدر به أن يستند إلى الحاجة الطبية للمريض، مع الأخذ في الاعتبار الخطوط الإرشادية لـ’نايس‘ التي توصي بعدم الركون إلى إعطاء الأدوية المضادة للكآبة بصورة روتينية، ولا اعتبارها الخط الأول في علاج الأشكال الأقل شدة في الكآبة".
كذلك أبلغت شركة "إلي ليلي" Eli Lilly المنتجة لدواء "بروزاك" "اندبندنت"، أنه "لا شيء أكثر أهمية لدى ’ليلي‘ من سلامة أدويتها. وعلى مدى عقود، عملت ’ليلي‘ على تقديم بيانات سلامة دواء ’فلوأوكزتين‘ إلى السلطات التشريعية حول العالم، بما في ذلك ’أم أتش أر أي‘ و’أف دي أي‘ [إدارة الغذاء والدواء] FDA الأميركية. وقد نال ’فلوأوكزتين‘ موافقة ’أم أتش أر أي‘ و’أف دي أي‘، ويستمر في اعتباره دواءً تنظر السلطات التنظيمية بصورة إيجابية في شأن المقارنة بين منافعه وأضراره، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأطباء والمرضى في أرجاء العالم".
© The Independent