Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طالب الرفاعي يعتمد السخرية لفضح أعطاب المجتمع

"الدكتور نازل" مجموعة قصصية ترصد قضايا اجتماعية شائكة

لوحة للرسام عادل داوود (صفحة الرسام - فيسوبك)

ملخص

"الدكتور نازل" #مجموعة_قصصية لـ #طالب-الرفاعي ترصد قضايا اجتماعية شائكة

في معاجم اللغة تعني كلمة نازل، منحدراً، أو متجهاً إلى أسفل، لذا جاء اختيار الكاتب الكويتي طالب الرفاعي عبارة "الدكتور نازل"، عنواناً لمجموعته القصصية الأحدث (دار ذات السلاسل- الكويت) توطئة لما تفجره من قضايا تشي بحال السقوط التي تهدد المجتمع في مناح شتى. والعبارة نفسها تنطوي كذلك على دلالة على ما يغلف السرد من سخرية، امتدت طوال أربع وعشرين قصة، تشاركت السياق نفسه والفضاء المكاني، واسم الشخصية المحورية، والغاية ذاتها في نكء جراح الواقع، وما حل به من عطب، ما جعل المجموعة أقرب لمتتالية قصصية، وإن اتسمت بانفصال الأحداث، وتعدد الرواة.

وكما يحمل اسم الشخصية المحورية في النص "نازِل" دلالة تحيل إلى تدني الشخصية، وأيضاً إلى طبيعة القضايا التي قرر الكاتب أن يطرقها، والتي تتصل بمشكلات المجتمع، وما يضرب في بعض أركانه من هبوط وفساد، اختار لبقية شخوصه أسماء ذات دلالة تخدم الغاية نفسها، منها "مهاوِد" المساعد الذي يستخدم الأساليب غير الأخلاقية لتحقيق رغبات "نازل، و"دلال" الزوجة المولعة بالمظاهر، التي تدفع زوجها (باعتناقها التفاخر) دفعاً إلى طريق النزول، أما الابنة "دلول"، والابن "نزول"، فهما كما تشي دلالتا اسميهما، نتاج منطقي، وامتداد لسلوك الأب والأم.

قضايا شائكة

 

بدأ الكاتب مجموعته بقصة "شهادة تاون"، متتبعاً مراحل ظهور ونمو واستشراء الفساد، الذي ينطلق عادة من ذمة فاسدة، كما في "نازل" بطل هذه القصة وبقية قصص المجموعة، تساعده قوة المال على شراء شهادة من جامعة أميركية عريقة، وعقب تخرجه يبدأ رحلة جديدة في تخريب المجتمع وإفساد الآخرين، ويواصل الرفاعي عبر بقية القصص طرق قضايا اجتماعية شائكة، منها قضية تهديد الهوية، وإغراق المجتمع في القيم الاستهلاكية، وإنماء الثروات بطرق غير مشروعة، وإهدار المال العام، والرشوة، والكذب، والخداع، والشيزوفرينيا الدينية والأخلاقية، واستبعاد الكفاءات، وتراجع وفساد التعليم، والسطو على الجهد والأفكار، والتفكك الأسري والاجتماعي.

وحرص كذلك على إبراز حضوره الذاتي داخل القصص ليعزز من صدقية وواقعية سرده، وقد تجلى هذا الحضور باسمه وصفته الحقيقية، وعبر ما جاء على ذكره من أحداث وقعت بالفعل، كانت وقود مخيلته، ومرجعاً لما نسجه من قصص، ما أتاح له إنتاج "ميتا سردية" يتداخل عبرها العالمان الواقعي والمتخيل، على نحو منسجم، لا يمكن معه الفصل بينهما... "ناقشت الرقيب لمعرفة أسباب المنع: أستاذ طالب، لا يمكن نشر المجموعة ... سيقاضيك  كثيرون، أنت والناشر، وستدخل الإدارة في مساءلة. قل لي ما هو الممنوع وأنا أتصرف" ص 199. ولتحقيق مزيد من صدقية وحميمية السرد، اعتمد الكاتب في أغلب قصص المجموعة، أسلوب السرد الذاتي بضمير المتكلم، وبلغ عبره أعماق شخوصه، وأفكارها ورغباتها، وتناقضاتها ونواقصها. بينما لجأ إلى التنويع الأسلوبي، واستخدم ضمير المخاطب في مواضع أخرى، كما في قصة "أموال"، مستفيداً من الأثر الفني لهذا الأسلوب، الذي حقق غايته في نقد التحولات الإنسانية، والتحلل من القيم، والركض وراء الثراء وفق منهج ميكافيلي، يجعل من المال غاية، تبرر أية وسيلة للحصول عليه، وإن تجاوزت الشرف والنزاهة. كما اتسق هذا الصوت الخارجي مع القضية الرئيسة للقصة، التي تتصلب السطوة الخارجية للقيم الاستهلاكية، وتداعيات العولمة وتأثيرتها، التي تتجلى في انسحاق الفرد، واستسلامه للسباحة مع تيار فاسد. وقد أتاح تنوع أصوات السرد الداخلية والخارجية رؤية أشمل وأكثر اتساعاً، لواقع مأزوم بعديد من القضايا والإشكالات.

كوميديا سوداء

 

تمثل السخرية أعلى درجات الوعي في الخطاب السردي، وإن اقترنت بالمبالغة والمغالاة. وقد عمد الرفاعي إلى توظيفها لإنتاج مفارقات دلالية، أتاحت له انتقاد الواقع، ومساءلة قيم اجتماعية سائدة، من بينها عدم الفرز، وإفساح المجال للمحتالين لممارسة الكذب والاحتيال. فالبروفيسور "نازل" الذي حصل على شهادته الأميركية بقوة المال، يُعلّم الشباب (عبر دورة تدريبية بشهادات معتمدة) أسرار النجاح! ومجلة "النازلة نيوز" تعد تحقيقاً موسعاً أشار فيه خبراء التعليم الدوليون، إلى إمكان أن يساعد البخور على رفع ترتيب جامعة الكويت، في تصنيف "كيو أس" للجامعات العالمية!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستمرالكاتب في توجيه سهام السخرية، لكل صور وأشكال التردي، لا سيما ما ترسخ في المجتمع من عقدة الخواجة، التي تبعتها مشكلة أكثر خطورة، وهي فقدان الهوية، كما في قصة "إيميل"، التي دارت أحداثها حول "نزّول"، الطفل الذي أصرت أمه على دخوله المدرسة الأميركية ليتعلم الإنجليزية، لأنها كما تظن أهم من العربية! هذا الطفل الذي شب لا يعرف شيئاً عن لغته، بمساعدة المدرسة والمربية الفلبينية، حين تقدم لشغل وظيفة في إحدى الشركات العابرة للقارات في بلده، واثقاً بكل ما حققه من تفوق دراسي خلال سنواته التعليمية، رُفض لأنه لا يعرف لغته الأم!

وعلى رغم أن الكويت كانت الفضاء المكاني الذي اختاره الكاتب للأحداث، فإنه وسع من دائرة النقد، لتطال كثيراً من المجتمعات العربية، التي يعيش فيها شبيهو "نازل"، من الذين يقتاتون على سرقة الجهد والأفكار... "هذه قصة رائجة عن الدكتور نازل سمعتها في أكثر من مجلس، ومن أكثر من شخص، وبأكثر من صياغة في الكويت والقاهرة والشارقة ودمشق وبيروت والبحرين والمغرب، وفي كل مرة كنت أكتفي بالاستماع وأتردد في الكتابة" ص 55.

التراثي والحداثي

استدعى الرفاعي في نصوصه كثيراً من صور الموروث الشعبي، التي وظّفها في خدمة الأحداث، وبرزت عبر الأمثال الشعبية، مثل "اتبع العيّار لباب الدار"، "الذيب ما يهرول عبث". وبرزت مرة أخرى عبر استدعاء بعض العادات الموروثة، مثل التطيب بالبخور واستخدامه في طرد الحسد، وعبر الزي التقليدي "الشماغ والعقال"، والاجتماع في المجالس والدواوين، وفي دلال القهوة، إضافة إلى عادات أخرى يصر بعض الكويتيين على إحيائها، مثل زفاف العروس بالهودج، والعريس فوق جواد عربي أصيل.

ومثلما يمتزج التراثي بالحداثي في الواقع المعيش، كانت القصص انعكاساً صادقاً لهذا الامتزاج. فكما استدعى الكاتب بعض الموروث الشعبي الباقي والممتد، جسد صنيع العولمة في المجتمع الكويتي، وما طرأ عليه من ثقافة استهلاكية، وما تحويه سوقه من ماركات عالمية، إضافة لما استحدث من وسائل التواصل الاجتماعي، ومن تقنيات تكنولوجية أتاحت إنتاج فيديوهات بكاميرات منزلية، وتعديلها ببرامج "الفوتو شوب". وجاء استدعاء تلك المستحدثات كضرورة سردية، أكثر منه تعبيراً صادقاً عن الواقع، وذلك بسبب آثارها الخطيرة على النسيج الاجتماعي، واتصالها بالقضايا التي طرحها الرفاعي عبر السرد. كذلك عمد إلى الحلم، ووظفه في خدمة الأحداث. واستجلى عبره مخاوف وهواجس الراوي في قصة "خوف"، من تزايد أعداد الوافدين من جنسيات مختلفة في المجتمع الكويتي، وتوغلهم في سوق العمل على حساب الكويتيين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة