Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حلم البيت الأبيض يتراقص في أخيلة المشاهير

من أرنولد شوارزنيغر إلى ماريان ويليامسون وأوبرا وينفري وأنجلينا جولي و"ذا روك"... السلطة تغازل الإنتلجنسيا الأميركية

رونالد ريغان افتتح الطريق من هوليوود إلى البيت الأبيض (موقع التاريخ الأميركي)

ملخص

من #أرنولد_شوارزنيغر إلى #ماريان_ويليامسون و#أوبرا_وينفري و#أنجلينا_جولي و"ذا روك"... حلم الوصول إلى #البيت_الأبيض يتراقص في أعين المشاهير الأميركيين

هل كان فوز دونالد ترمب بمقام الرئاسة الأميركية عام 2016، أحد أهم الأسباب التي شجعت عديداً من الوجوه الأميركية البعيدة عن الساحة السياسية، للتجرؤ على الحلم بالدخول إلى البيت الأبيض، والجلوس على مقعد المكتب البيضاوي، ذاك الذي يمثل وقع وموضع أهم صانع قرار حول العالم حتى الساعة؟

المؤكد أن ترمب لم يكن أبداً سياسياً، بالمعنى المتعارف عليه، كما أنه لم يعرف عنه أنه شغل من قبل منصباً سياسياً أو حتى حزبياً، بدءاً من عمدة أصغر المدن الأميركية، وصولاً إلى تمثيل الشعب تحت قبة الكونغرس، وكل ما ملأ سيرته الذاتية موصول بحياته المهنية، كبائع عقارات وصاحب ناطحات سحاب، ورجل صفقات.

غير أن الحقيقة تقودنا إلى القول إن العلاقة بين البيت الأبيض وبين عوالم وعواصم الفن والسينما والصحافة والكتابة، لها قصة  مثيرة، حيث إغواء السلطة لا يقل شهوة عن سلطة الإغراء الفنية، وهناك تجارب سابقة في هذا السياق عبر العقود الماضية... ما الذي يدفعنا لإعادة فتح هذا الملف في هذه الأوقات؟

ماريان ويليامسون من الكتابة إلى السياسة

في الرابع من مارس (آذار) الجاري، أعلنت الكاتبة الأميركية ماريان ويليامسون، البالغة من العمر 70 سنة، التي توصف بأنها "راعية أوبرا وينفري"، نيتها خوض انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2024، كأول اسم ديمقراطي يفكر في الترشح ومزاحمة الرئيس بايدن (80 سنة)، الذي يبقى موقفه لجهة خوض غمار الانتخابات الرئاسية ضبابياً حتى الساعة.

رؤية ويليامسون لمسيرة الانتخابات، تبدت في تصريحات لها نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي، وفيها قالت "لن أترشح للرئاسة إذا لم أكن على اعتقاد جازم بمقدرتي على الإسهام في تسخير الإحساس الجماعي الذي أشعر أنه أعظم أمل لنا في هذا الوقت".

في تصريحاتها اعتبرت ويليامسون، أن الشركات الأميركية تحاول امتصاص الديمقراطية، واتهمت المشرعين بعدم القيام بما يكفي لتقليص سلطة الشركات.

تقسم ويليامسون الأشخاص الذين يديرون الحكومة إلى فئتين، أولئك الذين إما لا يهتمون بإصلاحها، أو الذين لا يملكون الجرأة لإصلاحها، وشددت على أنه "لا ينبغي أن تدير أي من الفئتين هذا البلد".

تقطع ويليامسون بأن مهتمها حال وصولها إلى البيت الأبيض، تتمثل في "خلق رؤية للعدالة والمحبة، قوية إلى درجة تسمح بالتغلب على قوى الكراهية والظلم والخوف".

سعي ويليامسون للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لها لسباق الرئاسة ليس الأول من نوعه، فقد حاولت الأمر نفسه في الانتخابات الرئاسية السابقة 2020، لكنها لم تنجح، بل على العكس، اكتسبت سمعة سلبية.

غير أنها على رغم ذلك، تركت بصمة واضحة لدى كثير من الأميركيين الذين تابعوا ملاحظاتها وتعليقاتها ذات الطبيعة الإيمانية الروحانية، بخاصة على شبكة الإنترنت.

مرشحة سياسية برؤية "يوتوبية"

عشية إعلان ترشحها، كتبت ويليامسون التي تعد واحدة من أشهر الكاتبات الأميركيات المتربعات على عرش الكتب الأكثر مبيعاً تقول "أشعر أن سنواتي الأربعين التي أمضيتها قريبة من محنة آلاف الأشخاص، تعطيني منظوراً فريداً في شأن ما يتطلبه الأمر لإصلاح أميركا"، وتضيف "إننا نحتاج إلى سياسات تعالج ليس فقط الأعراض، ولكن السبب أيضاً، وهذا لا يعتمد على الضرورات الفجة لأرباح الشركات التي لا نهاية لها، ولكن على المتطلبات الأبدية لمبادئنا وقيمنا".

بعد نشر كتابها "عودة إلى الحب"، الذي لقي رواجاً كبيراً عام 1992، دعيت ماريان ويليامسون مراراً إلى برنامج أوبرا وينفري، لتقديم نصائحها حول التنمية الشخصية.

من بين مقترحات ويليامسون، إنشاء وزارة "السلام الأميركية"، ودعوة الحكومة الفيدرالية لدفع تعويضات مالية ضخمة للأميركيين من أصول أفريقية، عن قرن من العبودية والتمييز.

في سباق الرئاسة 2020 الذي انسحبت منه سريعاً، والذي حصدت فيه أقل من نصف في المئة من الأصوات، اتسمت تصريحاتها بحالة من الشاعرية إن جاز القول، حول "قوة الحب"،  وقد أخذت موقفاً مندداً مما أسمته "القوة النفسية المظلمة لدونالد ترمب".

هل ويليامسون شخص مرحب به في صفوف الحزب الديمقراطي، بالتالي يمكن أن يكون لها حظ ما في الفوز بترشيح الحزب لها؟

الثابت أنها تواجه ردود فعل عنيفة من داخل حزبها، بخاصة بعد أن أعلنت تحديها للرئيس بايدن، والعهدة على شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، ومرد الأمر الخوف من تفتيت الأصوات وتفريق الإجماع من حول الرئيس بايدن الذي ينتظر أن يعلن ترشحه ما لم يحدث أمر جلل يمنعه من ذلك.

تقول ويليامسون "إنني أترشح للرئاسة للمساعدة في إنهاء فصل شاذ من تاريخنا وللمساعدة في ولادة بداية جديدة".

غير أن الواقع العملي، ربما يحتم علينا استنتاج أن فرصها شبه معدومة في الوصول إلى البيت الأبيض، ما يدفعنا في طريق علامة استفهام، ما الذي يشاغب عقل ويليامسون ونفسها ويدفعها لمثل هذا الترشح؟

الرئاسة من ريغان إلى شوارزنيغر

شهدت الحياة السياسية الأميركية نموذجين شهيرين، تشابكت خيوطهما وتقاطعت خطوطها، ما بين الفن والسياسة، وإن كان أحدهما قد أوفى له الحظ، فيما أخلف الآخر.

أما الأول، فهو رونالد ريغان، الرئيس الجمهوري الأربعين في الفترة ما بين 1981 ـ 1989، الذي بدأ حياته مذيعاً بعد أن تفوق في عالم الرياضة كسباح ولاعب كرة قدم، ثم معلقاً رياضياً في ولاية كاليفورنيا عام 1932.

خلال زيارة عابرة لاستديوهات "هوليوود" في 1937، وقع ريغان في غرام عالم السينما، حيث جرى توقيع أول عقد له مع شركة "وارنر برذر" مقابل 200 دولار في الأسبوع لمدة سبع سنوات، قبل أن يتحول أجره بعد أربع سنوات إلى 52 ألف دولار عن العمل الواحد.

حضور ريغان في عالم الفن، دفعه وإن بطريق غير مباشر للدخول إلى عالم السياسة والسياسيين، إذ البداية جرت بها المقادير من خلال النقابات المهنية والفنية، والدفاع عن حقوق العمال هناك، وقد عاصر فترة تصاعدت فيها المخاوف من ذيوع وشيوع الأفكار اليسارية، وأضحى لسان حال عديد من المؤسسات السياسة التي عرفت كيف تستقطب ريغان ليلقي خطبه النارية في تجمعاتها.

حقق ريغان نجاحات واسعة، دفعت به ليضحى في عام 1966  رمزاً مهماً للحزب الجمهوري، وليهزم حاكم كاليفورنيا  الديمقراطي بات براون، وبفارق واضح في الأصوات وصل إلى نحو مليون صوت.

إغراء السلطة مضى بريغان إلى البيت الأبيض في توقيت كانت أميركا فيه متألمة وتعاني إلى أبعد حد، كان ذلك على إثر قيام الثورة الدينية في إيران واحتجاز الرهائن الأميركيين، وإخفاق الرئيس الطيب جيمي كارتر في الإفراج عنهم إن سلماً أو حرباً.

طفا ريغان على سطح الأحداث السياسية، كفارس ينتشل أميركا من وهدتها، واستطاع أن يجد لنفسه موقعاً وموضعاً بين أسماء أهم رؤساء الولايات المتحدة في القرن العشرين، سيما أنه كان السبب الرئيس في تفكيك الاتحاد السوفياتي، وإن وقع خلفه بوش الأب على شهادة وفاة حلف وارسو.

النموذج الهوليوودي الآخر، الذي أغوته هالة السياسة، لكن بعد نجاحات عريضة في "هوليوود"، على عكس أعمال ريغان الفنية المتواضعة، تمثل في الممثل النمسوي الأصل أرنولد شوارزنيغر، الذي حط برحاله على الأراضي الأميركية مهاجراً في عام 1968، كلاعب كمال أجسام لتختطفه "هوليوود"، اعتماداً على  مواصفاته وإمكاناته الجسمانية، الأمر الذي دعا المنتجين والمخرجين ليقبلوا عليه، وليقدم عديداً من الأفلام ذات اللمحات الموصولة بالذكاء الإصطناعي، وعالم السايبورغ، مثل "ترميناتور"، وما شابه.

اقتربت مساقات شوارزنيغر من عالم السياسة، على نحو خاص، حين تزوج من ماريا أوينز، المنتمية إلى عائلة الرئيس الأميركي الأسطوري جون كينيدي.

تكررت تجربة ريغان مع شوارزنيغر، إذ وجد نفسه أول الأمر عضواً في مجلس ولاية كاليفورنيا، وهناك بدأت تتضح للجماهير رؤاه السياسية المتميزة، الأمر الذي جعل اختياره كحاكم للولاية أمراً طبيعياً فوصل إلى المقعد عام 2003، ليستمر هناك حتى عام 2011.

نجح شوارزنيغر في أن يترك بصمة واضحة على الحياة السياسية في الولاية الأميركية الكبيرة، التي تسهم بما قيمته ثلاثة تريليونات دولار من إجمال الناتج القومي الإجمالي للولايات المتحدة، وبنسبة 14في المئة، الأمر الذي يدعو كثيرين فيها لطرح حديث الانفصال، وإعلان جمهورية مستقلة.

لعب شوارزنيغر دوراً مهماً في إصلاح أحوال اقتصاد كاليفورنيا، قبل أن يشاغبه "شيطان الفن وإلهاماته" مرة جديدة في 2010.

حلم شوارزنيغر عام 2013 بالترشح للرئاسة الأميركية، لكن عائقاً دستورياً وقف في طريقه، ذلك أنه لابد لمن يود الترشح لمنصب الرئاسة أن يكون أميركي المولد، الأمر الذي لم يتوافر له، ولهذا   أبدى رغبته في إدخال تعديل على الدستور الأميركي يسمح له بخوض سباق الانتخابات الرئاسية.

لم يكن حلم شوارزنيغر يسير التحقق، ذلك أن تغيير الدستور الأميركي أمر يتطلب موافقة أغلبية الثلثين في مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما لم يحدث، لكن من يدري ما الذي يمكن أن تجري به المقادير في مقبل الأيام، سيما في ضوء التغيرات الديموغرافية التي تحدث على صعيد الجمهورية التي يكاد حضور الرجل الأبيض فيها يتراجع دون بقية الأعراق.

أوبرا وينفري ومعارج المجد

دغدغ حلم مقعد البيت الأبيض ذات مرة، المذيعة الأميركية الشهيرة أوبرا وينفري، التي صعدت معارج المجد عبر رحلة كفاح طويلة، بدأتها بعذابات كبيرة وألم شخصي في طفولتها على يد والدتها بنوع خاص.

الذين تابعوا خطاب النصر لباراك أوباما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، لفت انتباههم الدموع التي ملأت مآقي عينيها، حينما بدت واقفة مستندة إلى ذراع القس الأسود جيسي جاكسون، الذي جرب حظوظه في الترشح للرئاسة الأميركية مرتين الأعوام 1984 و1988.

هل كان نجاح ترمب هو السبب في أن يغازل حلم الرئاسة مُخيال أوبرا؟

ربما كان ذلك كذلك، فقد صرحت في 2017 بأن "فوزه يجعلني أفكر بجدية في الترشح للرئاسة الأميركية".

لم يكن هذا هو التصريح الأول لها، ففي 2008 وقفت أوبرا في جامعة كولومبيا وسط حشد أغلبه من الأميركيين الأفارقة الجذور، متحدثة بالقول "إن حلم مارتن لوثر قد وقف عند حدود الحلم، أما نحن فلا يجب علينا الاكتفاء بالحلم فقط، علينا أن نحول الحلم إلى واقع".

في 2020 كشفت وينفري عن تواصل عدد من كبار الأثرياء معها، أولئك الذين عرضوا عليها نحو مليار دولار للإسهام في حملتها.

في حوار تلفزيوني لاحق قالت أوبرا "سأجرب حظي في عالم السياسة بشرط واحد فقط، وهو أن ترسل لي السماء إشارة".

غير أنه من الواضح حتى الساعة، أن رسالة السماء لم تصلها، ولهذا لم يستمع إليها أحد لاحقاً تتحدث في شأن الترشح...

من أيضاً حلم بالبيت الأبيض؟

أنجلينا جولي وكانييه ويست

وجه آخر من وجوه نجوم "هوليوود" البارزين، أصحاب الصفوف الأمامية في الأعمال الفنية، إنها أنجلينا جولي، سفيرة النوايا الحسنة، التي ألمحت خلال استضافتها عبر برنامج BBC" "Today قبل عامين إلى أنها يمكن أن تتبع خطوات دونالد ترمب.

أنجلينا القريبة من عالم السياسة الدولية، قالت في اللقاء "سأفعل ما أظن أنه يمكن أن يحدث التغيير بالفعل".

الذين يعرفون أنجلينا من قرب، يدركون أنها تحمل رؤية وطنية متسامحة ومتصالحة، وبعيداً من المذاق العنصري والعرقي، إذ تحب وتقدر أوطان الآخرين أيضاً.

وتضيف "أن تكون وطنياً معناه أن تفخر ببلدك، أن يكون أولاً، لكنك لا تعتقد أن بلدك أفضل من غيره".

جرب كذلك مغني الراب الأميركي الشهير كانييه ويست حظوظه في انتخابات عام 2020، لكنه لم يقنع أحداً، حيث قرأ المراقبون  ترشحه هذا على أنه نوع من أنواع الدعاية بأكثر من نيته الحقيقية  لخوض غمار معركة تكسير عظام وتفتيش في الخصوصيات، تلاحق من يحلم بهذا المقام الرفيع.

"ذا روك" يفكر في البيت الأبيض

لم يكن ريغان أو شوارزنيغر فقط هما من أغوتهما أضواء البيت الأبيض، إذ تطول القائمة، ومن أحدثها اسم النجم الأميركي دوين جونسون المعروف بـ "ذا روك"، صاحب الحضور السينمائي الطاغي والمميز عبر الشاشة الذهبية والفضية على حد سواء.

في فبراير (شباط) من عام 2021، تحدث جونسون عن فكرة ترشحه لانتخابات الرئاسة، وكيف أنها تراوده، لا سيما إذا كان هذا ما يريده الأميركيون، على حد تعبيره.

فكر جونسون في الترشح للرئاسة عام 2017، انطلاقاً من مناهضته التامة للرئيس ترمب، وبعد أربع سنوات أي قبل نحو عامين جدد "ذا روك" الفكرة.

لاحقاً وفي أكتوبر (تشرين الثاني) 2022، تراجع جونسون عن الأمر، معلناً أنه لن يترشح لرئاسة أميركا 2024، على رغم تفوقه في استطلاعات رأي سابقة، مفضلاً اختيار أسرته ودوره كأب على حساب أي مشاركة سياسية أخرى، وموضحاً أن بناته حالياً في سن حرجة ويحتاج للتواجد بقربهما أفضل من أي شيء آخر في الحياة، على رغم حبه الكبير لبلده.

هل حان أوان العودة لتقديم جواب عن شهوة السلطة التي تدفع كثيراً من المشاهير إلى هوس السلطة، سيما أن المكتب البيضاوي له تاثيره وألقه الذي لا يقاوم؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المشاهير والمثقفون والمسؤولية الاجتماعية

من أفضل المفكرين الذين تناولوا قصة العلاقة بين المثقف والسلطة، سيما إذا كان من نوعية المثقف العضوي الذي تحدث عنه المفكر الإيطالي اليساري أنطونيو غرامشي، كان الدكتور إداود سعيد، رجل الاستشراق الشهير في كتابه "المثقف والسلطة".

بحسب غرامشي، فإن جميع الناس مفكرون، ولكن وظيفة المثقف أو المفكر في المجتمع، لا يقوم بها كل الناس.

يقسم غرامشي وظيفة المفكر أو المثقف إلى قسمين، الأول يضم المثقفين التقليديين مثل المعلمين ورجال الدين.

الثاني يضم المثقفين المنسقين المرتبطين مباشرة بالطبقات أو المشروعات التي تستخدم المثقفين في تنظيم مصالحها.

هل يمكن اختزال صورة المثقف في أصحاب مهنة بعينها، أم أنه من الوارد أن يكون الفنان والممثل، عطفاً على الكاتب والإذاعي على درجة من الوعي الثقافي، ما يمكنه من حمل رسالة ما أو تمثيل وجهة نظر بعينها، ومن ثم يتجسد ذلك والإفصاح عنه عبر مجتمع ما، وتمثيل ذلك باسم المجتمع؟

تكاد الأمثلة السابقة تقدم لنا صورة للفنان المستقل، والمفكر أو الكاتب المتجرد عن الحزبية، التي تعد صورة للشخصيات القليلة الباقية المؤهلة لمقاومة ومحاربة التنميط.

هنا لا يضحى اشتباك المشاهير مع عالم السياسة، أو التطلع إلى البيت الأبيض مجرد شهوة عابرة، بل فعل تلاحم حقيقي بهدف تغيير الواقع.

والشاهد أن الذين لديهم علم من كتاب أحوال المؤسسة السياسية الأميركية، يدركون عمق الإشكالية، إذ باتت مهترئة وفاسدة في جزء غالب منها، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام رموز المجتمع  من المثقفين باختلاف مشاربهم الفكرية للمشاركة في استنقاذ  الولايات المتحدة، والبحث عن وجوه غير ممجوجة قادرة على  استنهاض الحياة السياسية، وتجديد الدماء في شرايين السلطة التنفيذية للبلاد، حيث البيت الأبيض في المقدمة من تلك السلطة، بل وعلى رأسها.

مشاهير أميركا ورؤية جورج أورويل

عرف الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل صاحب رائعة "1984"، بأنه أحد أهم المفكرين الذين تناولوا قضية "الأخ الأكبر" في عالم السلطة.

في الوقت عينه، يمكن اعتباره من أفضل الذين قدموا لدور المثقف الأميركي تحديداً، وما يتوجب عليه القيام به، وذلك من خلال عبارته الشهيرة "نحن في عصر أصبح فيه من واجب الأعمال الإبداعية أن تطلق الرصاص".

هل يمكننا تصور أفكار المشاهير الساعين للعب دور في الحياة السياسية الأميركية كطلقات رصاص مجازية تبدل الأوضاع وتغير الطباع، كما يتبدى بخاصة في الرؤى اليوتوبية والأحلام الطهرانية التي تطلقها الكاتبة الأميركية ماريان ويليامسون، أحدث وجوه  الإنتلجنسيا الأميركية المنضمة إلى قافلة مطلقي الرصاص، على حد تعبير أورويل؟

ربما يتمتع الفنان والكاتب والأديب، بقدرة أكبر على استجلاء المشهد العام بأبعاده الزمنية، لا سيما المستقبلية منها، فالفن والأدب، والسينما والمسرح، والكتابة والقراءة، تجعل صاحبها ينفتح على العالم، ويخوض في مجال ما هو غير مرئي، يفتح الآفاق الواسعة للحلم، وبرؤية نقدية للمجتمع الذي ينتمي إليه، وللمنظومة الإنسانية بشكل أكبر وأعمق، ليغترف من تجارب الأمم المتباينة، من غير خجل أو وجل، ومن دون عقد أو حساسيات، وقيمته تتساوق مع قدرته على الاقتراب من مواطنيه، والإحساس بهم، وفي الوقت نفسه مع مقدرته على الحفاظ على مساحة أمان من السلطة  الحاكمة.

من المؤكد أن ما يحدث في قصة الترشح للرئاسة الأميركية، يمكن فهمه عبر رؤية الشاعر والناقد والمصلح التربوي الإنجليزي "ماثيو أرنولد"، الذي ذهب إلى أنه من المفترض أن يتولى أهل الثقافة الإفصاح عن الذات الفضلى، وعن الأفكار.

المثقفون لا يعيبهم أن يكونوا مشاهير، إنهم أفراد تؤهلهم قدرتهم على التفكير والحكم لتمثيل أفضل الأفكار، وتمكينها من السيادة والغلبة لمصلحة ونفع المجتمع كله.

المزيد من تقارير