Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دق ناقوس شح المياه في تونس يهدد مشاريع اقتصادية وزراعية

متخصصون يدعون إلى إعلان حالة طوارئ وسط تراجع برامج التحلية واستنزاف الهدر

تأثرت زراعة الخضراوات في تونس بالنقص الكبير في الأمطار مما جعل أسعارها ترتفع بشكل لافت (وزارة أملاك الدولة)

ملخص

تأثرت #زراعة_الخضراوات في #تونس بالنقص الكبير في #الأمطار مما جعل أسعارها ترتفع بشكل لافت لتزيد الوضع صعوبة على مستوى تراجع القدرة الشرائية

دق عدد من المتخصصين والأكاديميين التونسيين ناقوس الخطر في ما خص وضع المنظومة المائية في البلاد، داعين الحكومة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الوضع بخاصة العمل على توفير مياه الشرب. وشدد المتخصصون على أهمية الاستثمار في قطاع المياه لكونه مجالاً أضحى استراتيجياً وحيوياً في العلاقة بالتغيرات المناخية التي أثرت بشكل واضح في القطاع الزراعي في البلاد.

وتأثرت زراعة الخضراوات في تونس بالنقص الكبير في الأمطار، مما جعل أسعارها ترتفع بشكل لافت لتزيد الوضع صعوبة على مستوى تراجع القدرة الشرائية للمنتجات الفلاحية.

وليس المواطن فقط المتضرر من هذا الوضع، بل تعرض عديد من المزارعين لصعوبات عدة مما جعل نشاطهم مهدداً، ولا سيما قطاع تربية الأغنام بسبب فقدان المراعي الطبيعية جراء انحباس الأمطار وسط غلاء كبير للأعلاف الصناعية الموردة.

وإجمالاً فإن الدورة الاقتصادية للنشاط الزراعي في تونس معرضة للانهيار، في ظل عدم التفكير في بدائل وإرساء استراتيجيات يتموقع خلالها البحث العلمي الفلاحي المكانة البارزة.

وليس القطاع الزراعي وحده المهدد، بل إن أنشطة صناعية مهمة ومصدر للنقد الأجنبي ستجد نفسها عرضة لنقص الماء مما سيؤثر في تنافسيتها وإنتاجها ومواطن الشغل كذلك، على غرار صناعة النسيج والملابس ومواقع غسل الفوسفات التي تحتاج إلى كميات هائلة من المياه.

تراجع نسبة هطول الأمطار بـ48 في المئة

وتظهر المؤشرات والمعطيات العلمية أن تونس دخلت فعلاً مرحلة الشح المائي بسبب انحباس الأمطار بفعل التغيرات المناخية لارتفاع درجات الحرارة في فترات تكون فيها البلاد بحاجة إلى الأمطار. ودليل ذلك أن درجات الحرارة المسجلة خلال شهر يناير (كانون الثاني) وصلت في بعض الفترات إلى 17 درجة مئوية، وهو أمر غير معتاد وفق المتخصصين في المناخ في البلاد، وأظهر الملخص المناخي الذي يصدره معهد الرصد الجوي الحكومي أن معدل هطول الأمطار خلال يناير عرف نقصاً بنسبة 48 في المئة.

الاستثمار في الماء ضرورة قصوى

وخلصت دراسة حديثة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات (جمعية غير حكومية) أعدها الأستاذان الجامعيان مختار الكوكي وروضة قفراج إلى ضرورة الاستثمار في قطاع الماء في تونس بالعقود المقبلة، والحرص على تثمين مصادر الماء لحماية أشجار الزيتون كقطاع استراتيجي وضمان مستوى إنتاج فلاحي لتحقيق الأمن الغذائي، وأبرز الباحثان، في دراستهما التي جاءت تحت عنوان "الشح المالي: الخيارات الاقتصادية والأمن الغذائي"، "أهمية الاستثمار في الماء من أجل حماية المنتجات الزراعية في تونس".

واعتبر الكوكي أن الاستثمار في تحلية مياه البحر واستغلال جزء من المياه المحلاة في ري زراعات الزيتون والحبوب سيمكن من ربح قيمة مضافة أعلى خمس مرات من الكلفة المستثمرة.

وفي ما يتعلق بانعكاس الشح المائي على الأمن الغذائي، أبرزت قفراج، الخبيرة في التصرف بالموارد المائية، أهمية تقليص نسبة إهدار الماء على جميع المستويات بدءاً من الحقل وحتى صحن المستهلك، في بلد يقوم باستيراد 50 في المئة من حاجاته من القمح الصلب، وتحدثت في هذا السياق عن إهدار الخبز في تونس، المقدر بـ900 ألف وحدة من في اليوم، أي ما يعادل 113 ألف طن في السنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقدر هذه الخسائر نقداً بـ100 مليون دينار سنوياً (32.3 مليون دولار) ما يقابل إهداراً للماء بين 170 و180 مليون متر مكعب، وبحسب قفراج "لا يمكن لتونس ضمان أمنها الغذائي خلال السنوات المقبلة من خلال التعويل فقط على التساقطات لري الزراعات"، موضحة أن "من الضروري التوجه نحو بدائل أخرى، لا سيما استعمال المياه غير التقليدية للري وتحقيق القيمة المضافة للفلاحة السقوية التي لا تمثل سوى الثلث مقابل الثلثين للفلاحة المطرية".

التعويل على التكنولوجيا

وأوصت قفراج بأهمية تثمين شجرات الزيتون واللوز وتحسين أدائها من خلال اللجوء إلى التجديد التكنولوجي والزراعة الدقيقة التي تعتمد على التكنولوجيا والأقمار الصناعية وأنظمة المعلومات الجغرافية، لدفع وضمان ديمومة الإنتاج الفلاحي وتصويب أكثر لاستعمال الموارد المائية.

وفي المقابل يشهد البحث العلمي الفلاحي في تونس صعوبات عدة من خلال تواضع الموارد المالية المرصودة في الموازنة العامة وتواضع الدراسات والبحوث العلمية والتطبيقية في مجال الماء.

وضعية دقيقة

من جانبه لاحظ الكوكي أن تونس تعيش حالياً وضعاً دقيقاً في ما يتعلق بتوفر الموارد من المياه المتجددة بسبب تكاثف فترات الجفاف، إذ تصنف البلاد، مع توفر معدل 355 متراً مكعباً من الماء لكل ساكن في السنة، تحت عتبة ندرة المياه أو الشح المائي والمقدرة بـ500 متر مكعب لكل ساكن في السنة. وتطرق إلى الصعوبة في سد حاجات مختلف القطاعات من الماء في مواجهة تراجع الإنتاج والتبعية المفرطة للخارج، خصوصاً، في ما يتعلق بالقمح اللين والشعير مما يهدد رأس مال الفلاحة المطرية.

استنزاف المائدة المائية

وأطلقت قفراج صرخة كبيرة في شأن استنزاف المائدة المائية في البلاد عبر تنامي ظاهرة حفر الآبار العشوائية لاستغلالها في الري، وأحصت الباحثة أكثر من 21 ألف بئر عشوائية عام 2020، مقابل نحو 1600 بئر عشوائية عام 2010، مما يطرح تساؤلات عدة في "تسامح" أجهزة الدولة مع تنامي هذه الظاهرة الخطيرة.

وينتشر حفر الآبار العشوائية بصفة كبيرة في محافظات الوسط والجنوب التي ترتفع فيها مستويات نقص وندرة المياه واستغلال الآبار لري الزراعات والشؤون اليومية للمواطنين.

حالة الجفاف

وطالب المتخصص في المياه، الذي تقلد سابقاً خطة كاتب دولة مكلف المياه في عام 2016 في عهد حكومة يوسف الشاهد، عبدالله الرابحي، بالإعلان رسمياً عن حالة الجفاف في تونس. وشدد في تصريحات صحافية على ضرورة التفاعل السريع مع الوضع قبل ضياع الوقت، معتبراً أن الموسم الزراعي 2022-2023 حتى الآن يعد استثنائياً إذ اتسم بقلة التساقطات، وما زاد الوضع حدة استمرار حالة الجفاف لثلاث سنوات متتالية. وتابع الرابحي "منذ مطلع سبتمبر (أيلول) وحتى نهاية يناير 2023 لم يبلغ معدل تساقطات الأمطار على الصعيد الوطني سوى 33 في المئة من المعدل الموسمي للفترة نفسها من السنة الماضية، وانعكست قلة الأمطار بشكل ملحوظ على احتياطي المياه الجوفية والمياه السطحية (مياه السدود)".

ويعد وضع السدود اليوم خطيراً، فحتى نهاية شهر يناير لم يتجاوز المخزون الإجمالي للسدود 708 ملايين متر مكعب مقابل 1147 مليون متر مكعب خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية، أي بانخفاض يقدر بـ38 في المئة، ويعتبر هذا المخزون أدنى مستوى تم تسجيله خلال العشرية الماضية مما ينذر، بحسب الرابحي، بخطورة الوضع المائي.

وجوب المصارحة

وشدد الرابحي على أن الحكومة مدعوة اليوم للتواصل بشكل علني مع المواطنين حول واقع الوضع المائي الحرج في تونس لا سيما أنها دخلت الشح المائي، "وفي الوقت الراهن يقدر متوسط نصيب التونسي من المياه بـ430 متراً مكعباً سنوياً، وسينخفض إلى أقل من 350 متراً مكعباً بحلول سنة 2030". وتابع محذراً "لم يعد بإمكاننا السماح بإهدار مواردنا والتفريط فيها، ويجب إيقاف تسربات المياه في أنظمة الإمداد على جميع المستويات وقنوات توزيع المياه، وفي مختلف القطاعات مع التركيز على الصيانة المستمرة لقنوات وأنابيب التوزيع المختلفة، ومن الضروري إعادة تدوير مياه الصرف الصحي واختيار المعالجة الثلاثية التي تهدف إلى القضاء على الملوثات غير القابلة للتحلل".

ويتعين، بحسب المتخصص نفسه، ضبط إطار قانوني لهيكلة قطاع المياه وتحسين إدارته، مما يحتم المصادقة على مجلة المياه التي يتم النظر فيها حالياً من قبل رئاسة الحكومة التي ستؤدي إلى الانتقال لنموذج جديد للحوكمة الذي يتقاطع نهائياً مع النموذج القديم الذي استوفى حظه.

تجدر الملاحظة أن الحكومة رصدت ضمن قانون الموازنة للعام الحالي مخصصات بقيمة 20 مليون دينار (6.4 مليون دولار)، ستخصص للمواطنين على شكل قروض لمساعدتهم على بناء "مواجل"، وهي طريقة تقليدية لتخزين مياه الأمطار التي تخصص عادة للاستخدام المنزلي.

تأخر مشاريع تحلية مياه البحر

وعلى غرار عدد من القطاعات الحيوية تعرف مشاريع تحلية مياه البحر في تونس تأخراً لافتاً في ظرف دقيق وحساس تعيشه البلاد من ندرة المياه، إذ ما زالت مشاريع تحلية مياه البحر تتعثر منذ سنوات بسبب صعوبات في تنفيذ الصفقات وعدم توفر الإمكانات المالية اللازمة، وتعرف أشغال ما لا يقل عن ثلاثة مشاريع كبرى لتحلية مياه البحر شبه توقف، على رغم أنه كان يفترض أن تدخل حيز الاستغلال منذ عام 2021، إذ إن "محطات تحلية المياه في كل من محافظات قابس (جنوب شرق) وسوسة (وسط) لم تكتمل بعد، وتم الشروع منذ فترة وجيزة في إنجاز محطة في محافظة صفاقس (وسط).

إجراءات صارمة في الأفق

وأمام الوضع المائي الحرج والصعب الذي تعرفه تونس فإن معطيات تحصلت عليها "اندبندنت عربية" تفيد بأن وزارة الزراعة التونسية أعدت حزمة من القرارات والإجراءات يتم تجهيزها وسيتم الإعلان عنها قريباً في ما يخص حسن ترشيد استعمال الماء.

وتتعلق هذه الإجراءات، التي تم وصفها بالصارمة، في التفكير الجدي باعتماد توقيت ليلي لفتح وقطع الماء على عدد من المناطق التي يتم فيها تسجيل إهدار كبير للماء، كما يتم التفكير بشن حملة واسعة على محطات غسل السيارات تجنباً لإهدار الماء، لا سيما أن عدد هذه المحطات آخذ في التطور.