ملخص
هدد وزير الخارجية المصري بأن بلاده ستتخذ الإجراءات الضرورية لحماية حقوق شعبها المائية في حال استمرار #إثيوبيا بتصرفاتها الأحادية حيال #سد_النهضة
تدفقت المياه من جديد في مجرى الخلاف المصري - الإثيوبي حول سد النهضة، بعد أشهر من الهدوء في شأن الأزمة المستمرة للعام الثالث عشر على التوالي من دون ظهور بارقة لتوافق ينهي ما تعتبره القاهرة "خطراً وجودياً" بالنسبة إليها، بينما ترى أديس أبابا في السد حقاً لا يمكن التنازل عنه.
جدد وزير الخارجية المصري سامح شكري دعوته لإثيوبيا من أجل العودة إلى التفاوض بغية التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد، بينما ردت الخارجية الإثيوبية بتأكيد استمرار تشييد وملء السد.
خطاب شكري جاء خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، الأربعاء الماضي، حين اتهم أديس أبابا بانتهاك القانون الدولي وعدم التزام البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر (أيلول) 2021، مشيراً إلى أن الممارسات الإثيوبية الأحادية المتمثلة في استمرار بناء وملء سد النهضة من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب مصر والسودان قضية سيكون لها تبعات مصيرية على أمن مصر القومي، و"تحمل معها خطراً جماً على مصر التي تعاني ندرة مائية فريدة من نوعها، باعتبارها الدولة الأكثر جفافاً في العالم، ولاعتمادها شبه المطلق على نهر النيل".
ودعا وزير الخارجية المصري إثيوبيا إلى الأخذ بما سماه "الحلول الوسط" التي طرحت على مائدة التفاوض، والتي ثبت أنها تحقق مصالح إثيوبيا الاقتصادية بشكل كامل، من دون الافتئات على مصائر شعوب دولتي المصب، بحسب تعبيره.
حماية المصريين
أعقب خطاب شكري تبني المجلس الوزاري العربي قراراً يدعو إثيوبيا إلى إبداء مرونة في قضية سد النهضة باعتبارها قضية متصلة بالأمن القومي العربي، وهو ما أثار حفيظة أديس أبابا التي أعربت على لسان المتحدث باسم خارجيتها عن استيائها من قرار جامعة الدول العربية، مؤكدة أنه يجب ترك إدارة واستخدام نهر النيل للأطراف المعنية في أفريقيا.
وشددت الخارجية الإثيوبية على التزامها مواصلة ملء وتشغيل سد النهضة، وفقاً لاتفاق إعلان المبادئ في مارس (آذار) 2015، الموقع بين إثيوبيا ومصر والسودان، واعتبرت أن مناقشة الجامعة العربية قضية السد تعد "تسييساً" للمسألة ولا تدعم جهود التوصل إلى حلول ودية، بل واتهمت مصر باتخاذ موقف "متشدد" في التمسك بحصص المياه "على أساس الحقبة الاستعمارية، ومحاولاتها المستمرة تدويل الأمر"، معتبرة أن ذلك هو سبب تأخر مفاوضات سد النهضة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد ساعات من البيان الإثيوبي حذر شكري خلال مؤتمر صحافي من أن مصر ستتخذ الإجراءات الضرورية لحماية حقوق شعبها المائية، في حال استمرار إثيوبيا بتصرفاتها الأحادية من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، فيما لم يحدد ماهية تلك الإجراءات، متهماً أديس أبابا بالضلوع في إفشال محاولات الوساطة المتعاقبة على مدى عقد.
وشهدت الأشهر الماضية هدوءاً في الخطاب المصري تجاه ملف سد النهضة، حيث اقتصر على كونه بنداً في البيانات الرسمية في شأن أية مباحثات يجريها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع قادة ومسؤولين أجانب، وكذلك لقاءات الدبلوماسيين المصريين نظراءهم في الخارج.
الملء الرابع
بحسب أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة عباس شراقي تستعد إثيوبيا للمرحلة الرابعة من ملء خزان سد النهضة في أغسطس (آب) المقبل، عن طريق زيادة ارتفاع مياهه نحو 20 متراً لتخزين نحو 13 مليار متر مكعب، ليصبح إجمالي مراحل التخزين على مدى أربع سنوات 30 مليار متر مكعب من المياه، وبذلك يبلغ الملء الرابع نحو 75 في المئة من الكمية التي تم تخزينها في السنوات الثلاث الماضية.
يرى وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي أن حديث شكري عن ملف سد النهضة في هذا التوقيت سببه عدم إظهار الجانب الإثيوبي أية بوادر اهتمام بمطالب الدولة المصرية، وسط أنباء عن الشروع في الملء الرابع من دون مراعاة لحقوق دولتي المصب، مؤكداً لـ"اندبندنت عربية" أنه كان من الضروري التنبيه أمام العالم بخطورة الوضع الحالي.
وأعرب العرابي عن عدم اعتقاده بوجود رغبة حقيقية لدى الجانب الإثيوبي في التفاوض بعد كل هذه السنوات، لكن الضغوط الدولية هي التي قد تدفعه إلى ذلك وهذا هو الحل الوحيد، لافتاً إلى أنه على رغم الإعلان عن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إثيوبيا وتأكيد الولايات المتحدة قدرتها على القيام بدور لحل هذا الملف، فإننا لم نرَ حتى الآن إلا مجرد تصريحات.
يعول العرابي على اكتشاف بلينكن خلال زيارته مدى تعقيد وضع سد النهضة ومساسه بالأمن القومي المصري، مشدداً على ضرورة مراعاة الولايات المتحدة حقوق مصر إذا كانت تعتبرها شريكاً استراتيجياً بالمنطقة.
زيارة بلينكن
ويزور بلينكن أديس أبابا الأربعاء المقبل، بحسب ما أعلنت الخارجية الأميركية في بيان الأسبوع الماضي، ولم يذكر أن ملف سد النهضة على أجندة لقاءاته مع مسؤولي إثيوبيا والاتحاد الأفريقي، لكن مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية إبراهيم الشويمي أكد أن طرح الملف غير مستبعد، كون الولايات المتحدة كانت لها تجربة سابقة فيه، واحتضنت مفاوضات الدول الثلاث، وأعدت مسودة مرضية لجميع الأطراف في فبراير (شباط) 2020، لكن إثيوبيا رفضت التوقيع في الجلسات الأخيرة.
وقال الشويمي لـ"اندبندنت عربية" إن التحذير المصري لإثيوبيا قبل الملء الرابع لسد النهضة مهم جداً لاختبار النوايا الإثيوبية، موضحاً أن مصر اختارت الطريق السلمي لتسوية هذه المسألة، وهي مصرة على الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم لجميع الأطراف في شأن ملء وتشغيل السد.
وأشار إلى أن مصر تحاول التنويع في تحركها الدبلوماسي بما يحقق لها الفائدة الأكبر، مؤكداً أنه على رغم فشل المفاوضات على مدى السنوات الماضية فإن مصر لا يزال لديها أوراق متعددة لاستخدامها من أجل الضغط على إثيوبيا وضمان عدم المساس بحصتها من المياه.
مجلس الأمن مجدداً
وعلق الدبلوماسي المصري على تقارير صحافية تحدثت عن احتمالية لجوء مصر إلى مجلس الأمن مجدداً لطرح ملف سد النهضة، قائلاً إنه إجراء قد تتخذه الخارجية المصرية لكشف مدى تعقيد الأمور وخطورة الوضع، في ظل اتخاذ إثيوبيا قرارات أحادية في قضية بهذه الخطورة، مما يجعلنا أمام موقف يهدد الاستقرار بالمنطقة، باعتبار مجلس الأمن هو المنوط به حل النزاعات بالطرق السلمية بدلاً من تطور الأوضاع، وعودة مصر إليه هو توضيح للموقف وإثبات عدم وجود نية لدى الطرف الإثيوبي في الوصول إلى حل.
وأكد الشويمي أن التعنت الإثيوبي في ملف سد النهضة وعدم احترام قواعد القانون الدولي أو التزام المعاهدات الدولية وإنكارها يهدد الاستقرار في المنطقة والأمن في العالم، في ظل اضطراب الأوضاع دولياً نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية، موضحاً أنه ليست هناك ضمانة أو تأكيد لكسب مصر تأييد العالم على حساب إثيوبيا في مجلس الأمن، لكن من حق الخارجية المصرية وضع مستجدات القضية التي تهدد أمن وسلامة المنطقة على جدول أعمال المجلس وكشف حقيقة تعنت الجانب الإثيوبي، وهي رسالة تحذيرية أمام العالم أجمع، حتى وإن لم يتخذ مجلس الأمن قراراً يدعم الموقف المصري.
لكن العرابي يعتقد أن الوضع الدولي غير مهيأ للجوء مصر إلى مجلس الأمن مرة أخرى لعرض مستجدات أزمة سد النهضة، مشيراً إلى أن الخطوة لن تؤثر في الجانب الإثيوبي، لأنها ستكون مجرد ضمانة قانونية وتأكيداً لسلمية الموقف المصري.
وعقد مجلس الأمن جلستين لبحث ملف سد النهضة عامي 2020 و2021 بناءً على طلب من مصر والسودان، وفي أول جلسة أحال المجلس الملف على الاتحاد الأفريقي للقيام بمفاوضات للوساطة، وفي العام التالي أصدر المجلس بياناً رئاسياً دعا فيه مصر والسودان وإثيوبيا للعودة إلى المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بغرض الانتهاء سريعاً من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة في إطار زمني معقول.
قوبل البيان بترحيب مصري وسوداني، غير أنه أثار رفضاً من الجانب الإثيوبي الذي أعرب عن أسفه لتدخل المجلس في مسألة "تخرج عن نطاق اختصاصه"، بحسب وصف بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية.
ونفت أستاذة الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة هبة البشبيشي أن تكون هناك أية دعوات جديدة للجوء مصر إلى مجلس الأمن لحل أزمة سد النهضة، قائلة "ذهبنا قبل ذلك وجاءت جميع التوصيات بالرجوع إلى الاتحاد الأفريقي وإجراء حوار بين الدول المتضررة، بمعنى أصح لا داعي ولا جدوى من أية دعوات جديدة للجوء إلى مجلس الأمن".
العودة إلى الإطار الأفريقي
وأكدت البشبيشي أن تحرك الخارجية المصرية من جديد في ملف سد النهضة أمر طبيعي، بخاصة مع إعلان الجانب الإثيوبي البدء في إجراءات الملء الرابع بما قد يؤثر في حصة مصر التاريخية من المياه، مشددة على ضرورة التوصل إلى اتفاق لحماية الحقوق المصرية.
وشددت على أن الحكومة الإثيوبية تصر على اتخاذ إجراءات أحادية في قضية سد النهضة، وتتعنت ضد الوصول إلى اتفاق ملزم لملء وتشغيل السد، مضيفة أن إثيوبيا تتعامل مع مصر على أنها غير موجودة ولا تضعها في حساباتها وقت اتخاذ القرارات.
وحول الأوراق المتبقية لدى مصر تعتقد أستاذة الدراسات الأفريقية أن الحل ما زال ممكناً من خلال الاتحاد الأفريقي من دون الحاجة إلى طرح القضية في المحافل الدولية، بخاصة أن مجلس الأمن أوصى بالرجوع إلى الاتحاد الأفريقي لتسوية الخلافات في شأن سد النهضة.
وأشارت إلى أنه حتى الآن لم تتقدم أي من دولتي مصب النيل سواء مصر أو السودان، بتقارير أو احتجاجات رسمية إلى الاتحاد الأفريقي تفيد بتضررها نتيجة إجراءات إثيوبيا الأحادية في سد النهضة، فالوضع قانوناً أمام المجتمع الأفريقي لا تشوبه أضرار على حياة أحد.
استمالة السودان
رأت البشبيشي أن هناك استمالة من الجانب الإثيوبي للسودان لتقريب وجهات النظر ومحاولة زعزعة التماسك المصري - السوداني، بدليل ما شاهدناه من زيارات متبادلة واجتماعات على مستوى القيادات في الآونة الأخيرة بين الخرطوم وأديس أبابا، لكن حتى الآن ليس هناك تأثير في مصر من هذا التقارب.
كذلك أكد الشويمي عدم وجود خلاف بين مصر والسودان في ملف سد النهضة.
في يناير (كانون الثاني) الماضي زار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الخرطوم. وأكد رئيس المجلس السيادي السوداني عبدالفتاح البرهان توافق البلدين حول جميع القضايا المتعلقة بسد النهضة، في حين قال أحمد إن "سد النهضة لن يسبب أي ضرر للسودان بل سيعود عليه بالنفع في مجال الكهرباء".
وعلى مدى أكثر من ثماني سنوات تسعى القاهرة والخرطوم إلى توقيع اتفاق ملزم في شأن المبادئ التوجيهية لملء السد وتشغيله بموجب اتفاق "إعلان المبادئ" الذي وقعته الأطراف الثلاثة في مارس 2015.
وكانت آخر جولات التفاوض في أبريل (نيسان) 2021 فشلت بعد عقدها على مدى أيام في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، التي كانت تترأس في ذلك الوقت الاتحاد الأفريقي، وقدم السودان خلال تلك الجولة من المفاوضات مقترحاً أيدته مصر بتوسيع الوساطة الدولية لتشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تمسكت إثيوبيا بوساطة الاتحاد الأفريقي فقط.
ومنذ إعلان إثيوبيا عن تشييد سد النهضة عام 2010، نشب خلاف بين أديس أبابا والقاهرة التي ترى في الكم الكبير من المياه في خزان السد البالغ 74 مليار متر مكعب وفق المخطط، مهدداً لأمنها المائي الذي يعاني محدودية الموارد في ظل اعتمادها على نهر النيل مصدراً وحيداً تقريباً للمياه، وثبات حصتها من النهر منذ عام 1959، وهي 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.