ملخص
يقول الموسيقي #غدي_منصور_الرحباني إن #الأغنية_التراثية_اللبنانية تعود إلى مزيج حضارات وشعوب خصوصاً السريانية والبيزنطية وإنها تأثرت بفولكلور بلاد الشام والموسيقى المصرية والتركية
قبل نحو قرن بدأت الأغنية اللبنانية تتكون، فكانت الموسيقى البدوية تصاحب رقصة "الدبكة" المنتشرة مع موسيقى الرعاة التي اعتمدت على المزمار. ومع استقلال لبنان بدأ تشجيع الفنون وبرز موسيقيون لبنانيون وسموا الموسيقى اللبنانية بطابع فلكلوري. من ثم تطورت هذه الأغنية مع أسماء عديدة كرست هوية الأغنية اللبنانية التي استطاعت على مدار عقود أن تسحر الجمهور العربي والاغترابي. ولكن بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975 تعثرت الفنون عامة. ومع وفاة الكبار تكاد الأغنية التراثية اللبنانية تنقرض حروفاً وأصواتاً. شعراء ومطربون وملحنون رحلوا ومنهم الأخوان عاصي ومنصور الرحباني الرائدان ووديع الصافي ونصري شمس الدين وزكي ناصيف و فيلمون ووهبي سلوى القطريب وسواهم... وغابت صباح شحرورة العتابا والميجانا، ووحدها بقيت السيدة فيروز نجمة ذاكرتنا الغنائية منذ ما يزيد على نصف قرن. غاب أيضاً شعراء جبلوا حروفهم بسهول لبنان وجباله مثل أسعد سابا وميشال طراد وعبدالجليل وهبي ومارون كرم وميشال طعمة وأسعد السبعلي وطانيوس الحملاوي والأخوين الرحباني... مخلفين وراءهم أروع الشعر الشعبي. لكن المؤسف اليوم هو تغييب هؤلاء الكبار عن الشاشات والإذاعات بالتالي عن الذاكرة العريقة وعن اهتمامات أجيال تنمو على تجديد مفتعل وصرعات غربية ليس فيها مقدار من الأصالة اللبنانية.
من المسؤول عن هذا التغييب؟ ربما الوزارات المعنية والإعلام على أنواعه وروافده الإلكترونية الحديثة. ويجب الإقرار بأن الباحثين والخبراء لم يتوصلوا بعد إلى تاريخ وتأصيل الأغنية اللبنانية. الموسيقي غدي منصور الرحباني يقول لـ"اندبندنت عربية" في هذا الصدد: "الأغنية اللبنانية التراثية يعيدها بعضهم إلى مزيج حضارات وشعوب سكنت هذه البلاد، خصوصاً السريانية والبيزنطية. إن هذا التراث وبفعل تقادم العصور وارتباط اللبنانيين بتقاليد وعادات تحول إلى ما يعرف باللهجة المحكية ومنها ’ردات‘ غزلية وطنية واجتماعية، باتت بعد ذلك تعرف بالأغنية الفلكلورية اللبنانية. التي تتشكل من أبيات قليلة تعكس أحاسيس أصحابها وأفكارهم وتطلعاتهم بأسلوب مبسط".
مصادر الأسماء
ويضيف الرحباني: "في أواسط القرن الماضي اتخذت الأغنية اللبنانية أسماءها من محتوياتها ومعانيها، وأشهرها العتابا والميجانا والروزانا وأبو الزلف، تليها الدلعونا والهوارة وسكابا وغيرها. وكلها كانت من مشتقات الزجل الشعبي اللبناني، ولكل منها جذورها وشروطها ومفاعيلها وقواعدها ومناسباتها". ويتابع : "الأغنية اللبنانية كانت مزيجاً من فولكلور بلاد الشام أي الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، وفي هذه الفترة كان تأثير مصر وتركيا كبيراً في روح الأغنية اللبنانية. وهذه الأعمال وصلت إلينا عبر تسجيلات ’فيني‘ من خلال أصوات مثل عبدالفتاح قبالي ومحي الدين بعيون وبولس سليمان ومحمد الجاويش وإبراهيم الغلاييني وحسيبة موشيه وغيرهم. وعندما ظهر في عام 1908 ’الغرامافون‘ اهتمت ثلاث شركات بتسجيل هذه الأعمال. وفي عصر ظهور الراديو حصلت تحولات مميزة في هوية الأغنية اللبنانية. وفي عام 1938 أنشئت الإذاعة اللبنانية في عهد الرئيس اميل اده، وسميت ’راديو الشرق‘، وعين الشاعر سعيد عقل مذيعاً باللغة العربية. وتم تعيين الملحنين والمطربين في البرامج الخاصة فقدموا برامج مباشرة على الهواء، ومن هؤلاء الملحنين خالد أبو النصر وسامي الصيداوي وغيرهما، وقد تعاونوا مع أسماء كثيرة مثل نجاح سلام وسميرة توفيق ونور الهدى وسواها".
فنانون رواد
يعود غدي الرحباني إلى عام 1943 الذي شهد ولادة الأغنية اللبنانية الصرفة، وأنشئت لجنة مؤلفة من أسعد السبعلي وأسعد سابا وعمر الزعني وعبدالجليل وهبي، كانت مهمتها اختيار الأغاني المميزة. وفي تلك الفترة ظهر كل من زكي ناصيف وفيلمون وهبي وحليم الرومي الذي اكتشف فيروز وعرفها على الأخوين الرحباني اللذين كانا يعملان في انطلياس. لكنهما ما لبثا أن انتقلا بمعية ميشال خياط الذي أعجب بروحهما الفنية وموهبتهما الكبيرة، إلى الإذاعة في بيروت. في البداية استهجن أعمالهما لأنهما قدما ألحاناً مغايرة عن السائد، حين كانت الروح المصرية والتركية تصبغ الأغنية. لكن الأخوين رحباني استخدما المفردات اللبنانية، وعملا إلى جانب زكي ناصيف وتوفيق الباشا وعبدالغني شعبان، على تأسيس ما سمي بـ"عصبة الخمسة". وهذه "العصبة" طورت الموسيقى اللبنانية من خلال تعلمهم الموسيقى الغربية الكلاسيكية، على أستاذ أجنبي لمدة تسع سنوات. ومن هنا اكتشفت هذه "العصبة" روحية الأغنية اللبنانية التي انتشرت بصوت "نجوى". ولكن بعد تعارف الأخوين عاصي ومنصور الرحباني على فيروز في الإذاعة، وهي كانت تغني الأناشيد مع فرقة فليفل، قاموا بتأليف الثلاثي الذهبي: الأخوين الرحباني وفيروز. ومن هنا انطلق العمل وغنت فيروز مئات الأعمال الغنائية التي كانت مدتها لا تتعدى أربع دقائق، وانتشرت في كل أرجاء لبنان والعالم العربي. في تلك الفترة ظهر أيضاً وديع الصافي الذي أيقظ عند الشعب غناء المواويل والميجانا، ونشأت صداقة بينه وبين الأخوين الرحباني وعملوا معاً لفترة طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويسترسل الموسيقي غدي قائلاً: "انتشرت الأغنية اللبنانية من خلال الإذاعة الرسمية في بيروت التي كان بثها يصل إلى بلاد الشام وأطراف مصر وقبرص. ثم جاء دور إذاعة ’الشرق الأدنى‘ التي لعبت دوراً كبيراً في نجاح الأغنية اللبنانية وانتشارها. وفي تلك المرحلة نشات مؤسسة عبدالله شاهين التي استحوذت على الريبرتوار اللبناني وطبعت على اسطوانات ’فيني‘ ووزعتها في كل أنحاء العالم. وفي خضم هذا الزخم الفني تأسس المسرح الغنائي، والبداية كانت مع مسرحية ’موسم العز‘ عام 1960، بطولة صباح ووديع الصافي، وكانت مبنية على الحوارات الغنائية. ثم كرت السبحة فأبدع الأخوان الرحباني عشرات الأعمال المسرحية الغنائية مع فيروز وأسماء كثيرة. ومعهم كان ظهور الفنان الموهوب بالفطرة روميو لحود الذي مشى على الطريق نفسه وقدم أول مسرحية له بعنوان ’الشلال‘ عام 1963. واستمرت نهضة الأغنية اللبنانية في عصرها الذهبي طوال فترة الستينيات والسبعينيات، ثم بدأت التحولات الجديدة وهذه تحتاج إلى لقاء خاص".