Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما آفاق منطقة التجارة الحرة الأفريقية؟

تطوير القارة يتطلب اهتمام دولها بالتعليم والاقتصاد وإيمان قادتها بمواردها البشرية

اتفق رؤساء الدول والحكومات الأفريقية على إنشاء منطقة التجارة الحرة للقارة (أ ف ب)

ملخص

الدعم الأميركي لتدشين منطقة #التجارة_الحرة_الأفريقية قد يجعل من دول القارة منصة #للتبادل_التجاري_الدولي

يشكل مشروع منطقة التجارة الحرة الأفريقية أحد أهم المشروعات المطروحة على الصعيدين القاري وربما الدولي حالياً والتي تلقى دعماً مباشراً من الاتحاد الأفريقي، كما برزت مؤشرات عن بداية اهتمام أميركي بها بما يرشح هذه المنظومة أن تكون رافعة قارية للاقتصادات الأفريقية، كما يمكن أن تكون منصة تبادل تجاري أفريقي دولي تحقق مصالح متبادلة.

ويمكن القول إن منطقة التجارة الحرة الأفريقية المعلنة عام 2019 لم تولد من فراغ ولكنها تأسست على تعاون اقتصادي جهوي في أفريقيا بمعنى أنه على مدى الثلاثة عقود الماضية كانت هناك منظمات تعاون إقليمي تجاري واقتصادي بين الدول الأفريقية على شاكلة الكوميسا التي تأسست عام 1994، وتضم 21 دولة متضمنة دولاً عربية هي كل من مصر والسودان وجيبوتي وجزر القمر، ويقع نطاق عملها في مناطق شرق وجنوب أفريقيا وكذلك السادك التي هي منظمة دول أفريقيا الجنوبية بعضوية 14 دولة وبدأ عملها قبل الكوميسا بعامين، بينما كانت الإيكواس هي منظمة التعاون الاقتصادي والدفاعي في منطقة غرب أفريقيا، فضلاً عن منظمتي شرق أفريقيا والإيجاد وهما المنظمتان اللتان تقاطعتا بين دول شرق القارة ونظيرتها في حوض النيل.

ففي الوقت الذي اهتمت فيه الكوميسا بخفض أو إلغاء التعريفة الجمركية بين الدول الأعضاء بهدف دعم التعاون التجاري، فإن دول السادك مثلاً اهتمت بالتكامل الاقتصادي بمعنى أن تكون كل دولة منوطة بمهمة معينة لغرض التنوع الذي يضمن القدرة على التبادل فبينما كانت هناك دول منوط بها الزراعة والأمن الغذائي كأنغولا كانت جنوب أفريقيا مثلاً منوطاً بها التحول نحو الصناعة، وقد تكون أقوى هذه التكتلات الأفريقية هي مجموعة  منظمة دول غرب أفريقيا (الإيكواس) التي تنجح في تطويق أي تغييرات غير دستورية في دولها من قبيل الانقلابات العسكرية، وتنفيذ عقوبات مؤثرة ضد هذه الدول، وهو ما فعلته أخيراً ضد كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا.

وعلى رغم النجاحات المهمة التي أحرزتها هذه التجمعات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا فإن التقييم النهائي لها الذي صدر في تقرير للاتحاد الأفريقي عن حالة هذه التجمعات في 2019 لم يكن محققاً لأهداف المخططات الأفريقية.

على صعيد التبادل التجاري بين الدول الأفريقية فلم يسجل أكثر من 18 في المئة نهاية 2021، بينما كسرت دول الاتحاد الأوروبية حاجز الـ70 في المئة، حيث أنه لا توجد دولة أفريقية اندمجت في منطقتها بالكامل، وأكبر دولة حققت هذا التكامل وهي جنوب أفريقيا لم تتجاوز على المؤشر الصادر عن الاتحاد الأفريقي عام 2019 أكثر من 1 في المئة.

في هذا السياق كان من الطبيعي أن يتوجه الأفارقة نحو منظومة أوسع وقادرة ربما على عملية تكامل واندماج أنجح خصوصاً أنه قد رصد أن عضوية الدول في أكثر من منظمة جهوية قد شكل إرباكاً على نحو ما وربما تنافساً لم يكن مطلوباً على الصعيد القاري.

ويبدو الهدف العام لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية خلال العقد المقبل هو تحقيق تطلعات أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، إذ يمكن أن يزيد الدخل الحقيقي للأفارقة بمقدار 571 مليار دولار إضافية، مما يخلق 17.9 مليون وظيفة جديدة، وكذلك ينتشل 35 مليوناً من الفقر المدقع.

ويعتمد هذا المخطط الأفريقي على مجموعة من المعطيات منها القوى البشرية الشابة في أفريقيا والتي تشكل أكثر من 60 في المئة من مجموع سكان القارة الذين يقتربون من حاجز المليار ونصف المليار، وكذلك الموارد الطبيعية الهائلة في جميع القطاعات الطاقية والزراعية والتعدينية.

ربما هذا ما لفت أنظار الأطراف الدولية من حيث اتساع حجم السوق الأفريقية حيث أشار الرئيس الأميركي جو بايدن إلى هذا المعطى الجديد على الساحة الاقتصادية الدولية وقال على هامش القمة الأميركية - الأفريقية المعقودة في يناير (كانون الثاني) الماضي إن إدارته ستدعم منطقة التجارة الحرة الأفريقية.

تحقيق الآمال الأفريقية تقف أمامه الكثير من التحديات منها ما هو متعلق بالنموذج الهيكلي الذي ستتبعه منطقة التجارة الحرة، ومدى تماثله مع حالة الاقتصادات الأفريقية، حيث تمت مثلاً هيكلة التجمعات الأفريقية خلال العقود السابقة على نمط الاتحاد الأوروبي وهو نموذج صناعي بينما تفتقر الدول الأفريقية للتصنيع من ناحية وتعاني ضعفاً أحياناً يصل إلى حالة الندرة في البني التحتية، وهو الأمر الذي جعل التكتلات الاقتصادية الأفريقية لا تسجل إلا نجاحاً محدوداً.

اقتصادات ريعية

على صعيد مواز فإن الاقتصادات الأفريقية تواجه مشكلتين، الأولى أنها اقتصادات ريعية وليست إنتاجية في غالبيتها إذ تعتمد على تصدير الموارد الأولية من دون تصنيعها، بما يجعل قدرات التبادل التجاري محدودة، كما يخلق حالة تنافسية يضعف فيها الموقف الأفريقي إزاء المستورد.

المشكلة الثانية للاقتصادات الأفريقية هي مستوى كفاءة الموارد البشرية، أي مدى مهارة العامل الأفريقي وقدرته على التواصل مع التكنولوجيا في ضوء ارتفاع معدلات الأمية والفقر وضعف الاستثمارات الأفريقية في التنمية البشرية.

وطبقاً لهذه الحالة ربما يكون من المطلوب لإنجاح منطقة التجارة الحرة الأفريقية في تقديري عدد من القضايا المفصلية:

أولاً: وضع عملية توسيع وتحسين البنية التحتية الأفريقية كهدف أساس للأفارقة خلال العقد المنتهي في 2030 وذلك بما تشتمله من شبكات للنقل والمواصلات البرية والبحرية والنهرية وكذلك السكك الحديدية، الأمر الذي يتطلب زيادة الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من الموارد الوطنية، من دون إهمال القدرات التمويلية الدولية، وكذلك استخدام صناديق تطوير البنية التحتية الإقليمية والعالمية وغيرها من أدوات التمويل المبتكرة مصحوبة بمنافسة تمنع الاحتكار وشفافية في عمليات الشراء والبناء تمنع الفساد.

ثانياً: التحول المدروس نحو الصناعة بمعنى ضمان تنوع المنتجات في الإقليم أو الجهة الأفريقية الواحدة حتى لو تماثلت الموارد فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك دولتان معظم مواردهما هي الزراعة فيكون المخطط أن تتخصص واحدة في إنتاج المحاصيل بينما تتخصص الأخرى في التصنيع الغذائي وهكذا. وهو ما يتطلب في هذه الحالة تحسين الشبكات الإقليمية التوزيعية والتسويقية للبلدان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثالثاً: على مستوى الكوادر البشرية فإن رفع كفاءة القوى العاملة الأفريقية مطلوب وبإلحاح لتتناسب مع متطلبات التكنولوجيا ودعم قدرات الإنتاج الاقتصادي، وهو ما يعني الاهتمام بعملية التعليم في كل الدول الأفريقية ووضعها على رأس الأولويات وتوجيه الاستثمارات المناسبة لها من الموازنات العامة، وهو ما انتبهت له بعض الدول الأفريقية متوسطة القوة مثل إثيوبيا التي تنفق ما يزيد على 4 في المئة من الموازنة العامة على التعليم بينما ما زال هذا العنصر غائباً في السياسات المصرية.

رابعاً: في ما يخص الشق الإداري فإنه من المأمول ألا ترث منطقة التجارة الحرة الأفريقية التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2021 ميراث التكتلات الأفريقية  السابقة عليها في نمط التصويت الجماعي لاتخاذ القرارات والتي تعد من  أهم العقبات المؤثرة في جهود التكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية، فعلى رغم أن الهدف من تطبيق هذه القاعدة يتمثل في تفادي الانشقاقات والصراعات عند عملية التصويت، بما يكفل التزام الجميع بتطبيق القرارات بوصفها صادرة عن الإرادة الجماعية للأعضاء، ولكنها أسهمت في استهلاك وقت كبير في عملية التوافق، وكذلك صدور القرارات بمحتوى ضعيف، وهو الأمر الذي يتطلب معالجات جديدة قد تتطلب نوعاً من خلق المحفزات المناسبة لالتزام كل الأعضاء بتنفيذ القرارات.

شرط الاستقرار السياسي

وبطبيعة الحال فإن نجاح منطقة التجارة الحرة في تحقيق مستهدفاتها الاقتصادية سيكون مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بحالة الاستقرار السياسي في القارة ومدى القدرة على تطويق وإخماد الصراعات المسلحة المنتشرة فيها أو التغييرات غير الدستورية المرتبطة بالانقلابات العسكرية أو امتداد النظم السياسية، استناداً إلى تغييرات دستورية غير مرغوبة، ولا تتصل بمتطلبات نظم الحكم الديمقراطية.

وجود الصراعات المسلحة تحد ثانٍ كبير أيضاً، فالحرب في شرق الكونغو الديمقراطية على سبيل المثال لا الحصر لها امتدادات إقليمية في كل من روندا وبرندي وأوغندا والثلاث أعضاء في تكتلي شرق أفريقيا والكوميسا. كما أن الحرب الداخلية في إثيوبيا بين مركز الدولة وإقليم التيغراي كانت لها انعكاسات على العلاقات الإثيوبية - السودانية تتعمق بسبب المشكلات الحدودية بين الدولتين، وعلى رغم عقد اتفاق سلام فإن الوضع ما زال هشاً في حالة مماثلة للأوضاع بجنوب السودان.

وقد لعبت الظاهرة الإرهابية خلال العقد الأخير دوراً أساسياً في عملية عدم الاستقرار السياسي بالدول الأفريقية، وهو ما كلف الاقتصادات الأفريقية الشاملة 171 مليار دولار خلال العقد الأخير وحده، وتؤثر في مجموعة كبيرة من الدول بكل من شرق وغرب أفريقيا.

إجمالا يتطلب نجاح تجربة الأفارقة الجديدة في التكامل الاقتصادي سياسات لها طابع محلي كالاهتمام بالتعليم، وبتخطيط الاقتصاد المحلي بشكل يتكامل مع المحيط الإقليمي، أما على الصعيد القاري فيتطلب قادة أفارقة من أوزان زعماء حركة التحرر الوطني الأفريقي التاريخية فتطوير القارة يتطلب إرادة تؤمن بأفريقيا القارة والبشر.

المزيد من تحلیل