Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حامل الصحف القديمة" رواية ترصد أزمات الواقع الشائكة

إبراهيم عبدالمجيد يستعيد لحظات الانكسار مع بعض الأمل

عالم بيع الصحف في القاهرة (أ ف ب)

ملخص

في طريق ملغومة بـ#النوستالجيا، قرر #إبراهيم_عبدالمجيد أن يخطو عبر روايته الأحدث نحو ماض قريب مستعيدا لحظات الإنكسار مع بعض الأمل 

في طريق ملغومة بالنوستالجيا، قرر إبراهيم عبدالمجيد أن يخطو عبر روايته الأحدث "حامل الصحف القديمة" (دار الشروق – القاهرة) نحو ماض قريب، مستعيداً لحظات فارقة، تلت ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 في مصر، وامتد تأثيرها حتى اللحظة الراهنة في قضايا سياسية واجتماعية شائكة.

انطلقت أحداث الرواية في فضاء زمني، يواكب بداية تفشي وباء كورونا في موجته الأولى، ورصدت ما تبعه من إجراءات الإغلاق والعزلة التي جعلت الناس سجناء منازلهم، خوفاً من انتقال العدوى. هذه العزلة كانت أشد وطأة على "إيمان الناظر"، الشخصية المحورية في النص، وهو الكاتب الذي اعتاد صخب الحياة، ولقاءات المقاهي، والفضاءات المفتوحة بلا جدران، لتصبح الأحداث في تعاقبها محاولات متمردة من قبل البطل، للتغلب على المرض والعزلة، وتجسيداً لسعيه في تربية الأمل، على رغم اليأس المقيم، والأجواء الخانقة والمحبطة.

علاقة دافئة ربطت بين البطل وزوجته "ابتهال" تسرب دفئها إلى السرد، فاكتسب منها حميميته، لا سيما أن الزوجين اللذين بلغا عمر الكهولة أصابا كبد المحبة وعرفا جوهرها. تخلى "إيمان الناظر" عن الكتابة وعزف عن السياسة بعد هرب حلم يناير إلى شاطئ غير متفق عليه. ولم يبقَ له سوى قنديل الحب الذي تضيئه زوجته، تكسر به ظلمة اليأس من الواقع والمخاوف من الوباء. حتى يتلقى رسائل من صديق، تحوي أجزاء من مقالات قديمة له فتنتعش ذاكرته التي تستعيد كل ما كتب، وتعيده والقارئ إلى أحداث مفصلية تعاقبت بعد ثورة يناير. يتكئ عبدالمجيد على تلك الرسائل لتوثيق وقائع يتقاطع فيها كلا الفضاءين، الواقعي والمتخيل، فقد نشر الكاتب بالفعل هذه المقالات في أوقات سابقة في موقع "اليوم السابع"، ثم أعاد توظيف الأجزاء التي استدعاها منها داخل أحداث الرواية.

ثنائية الحاضر والماضي

تدور الأحداث في عدة فضاءات مكانية أبرزها منطقة وسط القاهرة، وقد اختارها الكاتب لما لها من خصوصية ثقافية وسياسية تتسق مع القضايا التي طرقها، ومع طبيعة شخصيته المحورية، إضافة إلى منطقة "حدائق الأهرام" غرب القاهرة حيث منزل البطل. وامتد الفضاء المكاني للأحداث فبلغ مدينة الإسكندرية، مسقط رأس الكاتب/ البطل. ووظف عبدالمجيد كل فضاءاته المكانية لخدمة هاجسه حول لعنة البدايات الجميلة، التي سرعان ما يأتي عليها القبح. وليست الأماكن وحدها مصابة بتلك اللعنة وإنما الآمال والأحلام والثورة أيضاً!

 

استخدم الكاتب أسلوب السرد المركزي، فمنح الراوي العليم صوت الحكي، بينما لم يترك الحرية لشخوصه سوى عبر مساحات الحوار التي تخللت النسيج، لا سيما في المقالات التي جاءت دائماً في صورة حوار بين "إيمان الناظر" وصديقه الذي جاء بلا اسم، بهدف إبراز دوره في حمل الصحف القديمة إلى الكاتب، الراغب في الهرب من الحاضر واللوذ بالماضي. أحاديثهما كانت دائماً حول الأزمات والمشكلات الراهنة، ما أحال بدوره، إلى كون هذه الصحف القديمة مجرد وسيلة اتخذتها الشخصية، للتحايل والفرار من تبعات انتقادها الحاضر وتفنيده. كذلك لجأ عبدالمجيد إلى تيار الوعي، ليستجلي ما يعتمل في دواخل شخصيته المحورية، من صراعات بين الرغبة في الهرب من الواقع، والانغماس فيه كلياً. وأبرز ما يتصل بهذا الصراع هو ضبابية النفس التي ربما دفعتها رغباتها إلى اختلاق شخصية حامل الصحف القديمة من محض خيالات وأوهام! وعبر هذه الضبابية مرر الكاتب الكثير من التشويق، وأشرك قارئه في لعبة السرد.

النوستاليجيا والواقعية

على رغم النوستاليجيا ومحاولات الهرب إلى الماضي، طرق الكاتب من خلال شخصياته كثيراً من القضايا الراهنة، والتي اصطبغ غالبها بصبغة محلية، مثل قضية القمع وتكميم الأفواه، وسيطرة الدولة العميقة بعد ثورة يناير، والإحجام عن المشاركة السياسية، وشراء أصوات الناخبين بأثمان زهيدة، وإسكات المعارضين والقبض على الأبرياء وإسناد تهمة جاهزة لكل صوت معارض، وهي الانتماء إلى جماعة محظورة، وكثرة الإعدامات، وتشويه الطبيعة ومحو الجمال وإزالة الأثر، واستخدام الدين كما يحدث دائماً في البلاد المتخلفة، كأفضل وسيلة وأسرع حصان لتحقيق مآرب وأهداف مستترة، إضافة إلى شيوع أنواع متنوعة من الفوبيا، منها فوبيا التدين وفوبيا المنع وفوبيا التجريم وفوبيا التخوين والاتهام بالعمالة وفوبيا التكفير، وقضايا أخرى مثل العنف والتسول. وبالمثل طرق الكاتب بعض القضايا ذات الصبغة الدولية. وكشف عن ميله إلى نظرية المؤامرة، التي ترجع أسباب ظهور وتفشي فيروس كورونا إلى تخليقه في معامل الصين أو الولايات المتحدة الأميركية، كما تطرق إلى الأوضاع المتردية في العراق وسوريا وغزة وليبيا، وممارسات "داعش" الإرهابية، وانتهاكاتها في حق النساء، وأيضاً ترمب وصداقته لديكتاتوريات العالم الثالث، وتأثره بها حد رفضه نتائج الانتخابات، التي أطاحته وجاءت ببايدن خلفاً له. ورصد مفارقة متابعة المصريين الانتخابات الرئاسية الأميركية، في حين استمروا في عزوفهم عن الانتخاب والتصويت في المجالس النيابية المصرية!

الفانتازيا والكوميديا

 

على رغم الواقعية التي تتسم بها الأعمال الروائية لإبراهيم عبدالمجيد تجد الفانتازيا طريقاً إلى نصوصه، لكنها تأتي دائماً منسجمة مع الحس الواقعي للنص، وتؤكد الغايات نفسها في انتقاد الواقع وإظهار سوءاته، أما السخرية والفكاهة فكانت وسيلة انتهجها لإنعاش نسيجه، وبلوغ أهدافه في إبراز قضاياه. فزوجة حامل الصحف القديمة "المتوفاة" ظلت تدلي بصوتها في انتخابات مجلس الشورى! و"إيمان الناظر" ظل يكتب أعواماً ولم يلتفت أحد إلى ما يكتبه، لكنه عندما دعا ساخراً إلى إنشاء شاطئ للعراة خاف أن يحدث للمرة الأولى أن تهتم الحكومة وتمتثل! أما صديقه فارتدى الملابس الشتوية في طقس حار، خشية الوقوع في مخالفة الفصول الأربعة! كما ذهب عبدالمجيد في ما استعاده من إحدى مقالاته، التي كتبها في مايو (أيار) 2014، وأعاد توظيفها في نصه الروائي - بعد ما لاحظه من تعمد انتقاد ثورة 25 يناير 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك، ومدح ثورة 30 يونيو (حزيران) التي أنهت حكم جماعة "الإخوان المسلمين" - إلى تصور أن تصبح كل الأشهر يونيو!

مكونات واقعية

لتعزيز واقعية السرد، نقل الكاتب كثيراً من مفردات الواقع المعيش إلى فضائه السردي، فلم يكتفِ بما طرحه من قضايا، وما صنعه من شخوص مألوفة وحقيقية، وإنما عمد إلى نقل مفردات الواقع الافتراضي، وأثر منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، التي حظيت بحضور كثيف داخل النص، ولعبت دوراً محورياً في تحريك الأحداث، لا سيما أنها باتت جزءاً أصيلاً من حياة المصريين، بعد الدور السياسي الذي لعبته في الحشد لثورة يناير. وكذلك بعد اتساع مساحتها في الحياة اليومية، بخاصة أنها كانت الوسيلة الآمنة للاتصال مع العالم ومعرفة المعلومات، في ظل وباء أرغم الناس على الاحتماء بجدران منازلهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يدعم حضور هذه المنصات واقعية السرد وحسب، بل كان أيضاً ضرورة حتمية تتسق مع طبيعة البطل، الذي كان يعمل بالصحافة، وظل على رغم اعتزاله الكتابة معجوناً بالهم العام. وكما كان الواقع الافتراضي مكوناً بارزاً من مكونات البناء تزاوجت عديد من الأجناس الأدبية داخل السرد، فوظف الكاتب الشعر والأغاني، إضافة إلى الاستهلالات الفلسفية، وأقوال بعض الفلاسفة والكتاب والشعراء، التي استدعاها في مقدمة فصول روايته، ومرر عبرها رؤى ضمنية، وإشارات دالة تتسق وما حمله النص من رؤى.

وأسهم كل ما استدعاه الكاتب من موروث فلسفي، وأجناس أدبية متنوعة، وما استعاده من أحداث مضت، في إذكاء حالة النوستاليجيا التي هيمنت على السرد، وبدت مرات في الحنين إلى الأغاني والمطربين القدامى، وفي الحنين إلى الأماكن الجميلة، التي التهمها الماضي واستحال جمالها إلى عشوائية وقبح، ومرات إلى الأمل الذي جسدته ثورة يناير ثم تلاشى، وأيضاً إلى المجد الذي صنعه نصر أكتوبر، وما زالت تذكيه مشاهد الحرب، وتستعيده الذاكرة المصرية الجمعية.

عن العلاقة الوثيقة بين المرأة والحب والحياة مرر الكاتب رؤاه ضمناً وصراحة، فالحب كان وقود السفينة التي حملت "الناظر" وزوجته وأبحرت بهما على رغم أمواج الحياة العاتية، وهو أيضاً سر مأساة "منيرة ياسين"، التي فقدت رغبتها في الحياة بموت حبيبها داخل المعتقل. أما المرأة فظلت كما كانت دائماً في المشروع الأدبي لإبراهيم عبدالمجيد الجمال الذي يزين وجه الدنيا، فيخجل منه كل قبح، بينما كان الإنسان وحقه الأصيل في الأمل والحياة الهم الأكبر الذي يهيمن على النص. وعلى رغم ما رصده الكاتب من واقع مأزوم وقضايا شائكة، فإنه أفسح مجالاً للأمل، والتقط الضوء في نهاية النفق، وظل يشهر السخرية والحب والمقاومة في وجه الظلم، ويسمح للحياة أن تمنح الفرص، وللقلوب أن تجتمع على هدف نبيل، فكان لإنقاذ "منيرة" دلالات أبعد من إنقاذ شخصية ثانوية، دلالات تحيل على إمكانية إنقاذ الأمل، والوطن أيضاً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة