Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأميركية أليس ماكديرموت تتأمل في فن الرواية

كتابها الجديد يحمل رؤيتها الى مفهوم الكتابة المتفردة واللغة

الروائية الأميركية أليس كاديرموت (صفحة الكاتبة على فيسبوك)

ينطوي عمل كل روائي على تصوره الخاص لفن الرواية، لكن الكاتبة الأميركية أليس ماكديرموت لم تكتفِ برؤيتها المضمرة في رواياتها الثماني عن هذا الفن الملغز، أو ما سمته "السعي المجنون" في كتابها الصادر حديثاً بعنوان "ماذا عن الطفل: أفكار عن فن الرواية" (دار فارار ستروس أند جيرو)، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات تقدم طائفة من الآراء المتنوعة والرسائل والمحاضرات حول الكتابة، استشهدت في ثناياها بعدد هائل من القصص ومقتطفات من روايات لمؤلفين مشهورين، ومسرحيات لشكسبير، ولآخرين أقل شهرة. والهدف توثيق رؤيتها بمنتهى الوضوح عن موهبة الكتابة الفريدة ومدى الأهمية القصوى لاستخدام اللغة. إلى جانب استدعاء أفكار من بعض الكتاب حول هذا الموضوع، ومنهم تولستوي، وفولكنر، ونابوكوف، ووولف، وموريسون، وهو ما اعتبره النقاد مرجعاً ثرياً وقيِّماً للقراء والكتاب على حد سواء.

كيف نسيطر على العالم

ولدت ماكديرموت في بروكلين عام 1953، وقضت معظم حياتها في لونغ آيلاند، ولما كانت طفلة، لم تكن تستطيع إكمال جملة واحدة على مائدة العشاء، لا سيما أنها نشأت بين شقيقين يعملان في المحاماة ويجيدان التحدث بطلاوة، انصرفت بكليتها إلى الكتابة، التي على حد قولها "لم تمكنني فحسب من إكمال جملة، بل تعويضي كذلك أمام شقيقيَّ اللذين انبهرا من تألق أختهما الصغرى".

وجدت ماكديرموت وسيلتها الناجعة للسيطرة على العالم بمجرد أن أحست بعدم امتلاكها من القوة سوى قدر ضئيل جداً. وكان أول ما كتبته في إحدى ورشات الكتابة، عبارة عن مقال سيرة ذاتية. عرضه المدرس على شاشة طولها اثنتا عشرة قدماً مع غيره من نصوص الطلاب، مبدياً ملاحظاته عن أهمية حساب كل كلمة يختارها الكاتب. وفي حديثه تطرق إلى ما كتبته ماكديرموت، مصنفاً إياه على أنه قصة سيرة ذاتية، وعندما انتهى، قال "ماكديرموت، أريد التحدث معك بعد الفصل. اعتقدتُ أنه سيذكرني أن هذه دورة عن الكتابة غير الخيالية. لذلك ذهبت إليه يملؤني شعور بالخجل، فقال لي (عندي لكِ أخبار سيئة يا فتاة. أنت كاتبة، ولن تستطيعي التخلص من ذلك أبداً). كنت أعرف ذلك قبل أن يخبرني به، وأدركت أيضاً أنني لم أكن لأعرفه أبداً لو لم يخبرني. لقد غير حياتي".

تعمل ماكديرموت حالياً أستاذة العلوم الإنسانية في جامعة جونز هوبكنز وعضو هيئة التدريس في مؤتمر كتاب سيواني. صدر لها إلى الآن ثماني روايات منها "ابنة المضار"، و"تلك الليلة " و"في الأعراس والصحوات"، و"الساعة التاسعة"، و"شخص ما"، و"بعد هذا "، وثلاث منها أدرجت في القائمة النهائية لجائزة "بوليتزر"، أما روايتها الرابعة "تشارمينغ بيلي"، فقد حصلت بالفعل على جائزة الكتاب الوطني لعام 1998.

توقعات ماكديرموت عن الخيال

يبدأ الكتاب بقصة رائعة عن رجل وكلب، سبق أن قرأتها الكاتبة في مجلة إيرلندية. ووجدت أن جمالها ينبع من بساطتها، فراحت تحكيها مراراً وتكراراً للآخرين بأسلوبها الذكي المدعم بملاحظات دقيقة عن فن الحكي الشاق والغامض في الآن ذاته.

في مقال بعنوان "ما أتوقعه"، تبدو توقعات ماكديرموت عن الرواية محلقة للغاية، سواء في ما تكتبه أو تقرأه. فهي تتوقع أن يسعى الخيال لفهم الحياة والموت؛ وأن يتمكن من التقاط مرارة العيش وحلاوته؛ أن يجلب لها حياة تختلف تماماً عن حياتها. فالأدب العظيم من وجهة نظرها، هو ذلك الذي يسمح للمرء بنسيان عقله والدخول في حياة إنسان آخر، إذ يمكننا التعرف على إنسانيتنا المشتركة والاستماع إلى صوتنا الداخلي، وإلقاء نظرة خاطفة على دواخلنا.

من ضمن ما تتوقعه أيضاً أن تحمل الرواية التي تقرأها قناعة بأنها مكتوبة "من دون أي دافع آخر غير أنها ينبغي كتابتها"، وألا تقتصر وظيفة اللغة في الأدب على نسج الشخصية أو حكي القصة؛ إذ لا بد أن تسجل اللغة أيضاً ما هو حدسي، "ما لم يسمع قط، ولم يُستشعر أو يُجرب مطلقاً".

العلاقة الشائكة بين الأدب والدين

يقدم الكتاب أيضاً لمحة ذاتية عن حياة الكاتبة التي على الرغم من تمردها على الدين في سن المراهقة، وتصريحها مراراً وتكراراً بأن الابتعاد عن الكنيسة كان مصحوباً باكتشاف الأدب، فقد اضطرتها الأمومة اضطراراً إلى حضور القداس بانتظام لتنشئة أطفالها على ما كانت تدرك تماماً بأنهم "سيثورون عليه في النهاية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعترف ماكديرموت، وهي المعروفة بحساسيتها الشديدة في استخدام اللغة، أن الفضل في ذلك يعود إلى الكنيسة، "لقد أعدتني الكنيسة للأدب من خلال الترديد والتكرار والصلاة. على الرغم من أنك تقول الشيء مئات المرات، فإن اللغة تتجاوز نفسها وتستقر في الباطن، كنت أجد ذلك في الأدب: النمط والإيقاع، اللغة التي تعمل كتعويذة، تستحضر الأرواح".

هناك مشهد ترويه في فيلم "أماديوس"، يؤلف فيه ساليري مقطوعة صغيرة احتفاءً بموتسارت، وحين يحسها جميلة، ينظر إلى الصليب ويقول "شكراً لك". ثم يأتي موتسارت ويدمر القطعة. يعزفها بنفسه ويرى ساليري كم تبدو عادية. المشهد التالي هو سقوط الصليب على الأرض. تعلق ماكديرموت على المشهد قائلة "اللحظة التي أفكر فيها أن (الله بارك عملي) هي اللحظة التي أواجه فيها مشكلة. كما لو أن الله ليس لديه أشياء أفضل ليفعلها أكثر من القلق بشأن ما إذا كان بإمكاني كتابة هذه الشخصية أو هذا الفصل أم لا".

صوت الجمال في العالم

يضم الكتاب البالغ عدد صفحاته 256 صفحة نصائح مفيدة للكتاب الطموحين، منها مثلاً "تأكد أن حكايتك ليست مثقلة بأفعال غير ضرورية مثل (كان)، و(لكنت). أن يكون خيالك وخيالي وخيال الآخرين، أكثر صحة من الحياة". إلى جانب مطالب القراء "لقد حصلوا على قصة بداخلها طفل، وكانوا يريدون تماماً ذلك الطفل المروي عنه". وتطرق بين الحين والآخر إلى نقاط الضعف في الحياة العامة "لم أقتنع أبداً بأن فكرة تحويل عملي إلى فيلم هي بمثابة ترخيص نهائي لروايتي، على الرغم من تشجيع الأصدقاء والغرباء بترديدهم: (ربما يحولون روايتك إلى فيلم)، كما لو كنت أهدف إلى كتابة سيناريو طوال الوقت ولكن بطريقة ما، أخطأت وكتبت رواية!".

هناك قصة إخبارية حدثت في 17 يونيو (حزيران) 2001، راح ضحيتها ثلاثة من رجال الإطفاء الإيرلنديين الكاثوليك في مدينة نيويورك في مواجهة حريق في أستوريا، كوينز. هذه القصة دفعت الكاتبة إلى قراءة قصة قصيرة من "الحدائق البيضاء" لمارك هيلبرين، وهي قصة خيالية عن حدث مشابه. وبعد أن تتشارك مع القارئ تلك القصة، تقول ماكديرموت "اللغة في الخيال ملزمة باستحضار ما لا يمكن قوله، ما سمته فيرجينيا وولف في روايتها (إلى الفنار)، (صوت الجمال في العالم)".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة