Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أهوال حرب أوكرانيا لا نظير لها

أصدقاء ماتوا وتعرض كثيرون منا للقذائف والرصاص ونحن نحاول تغطية المعارك. شهادة من محرر اندبندنت في القضايا الدولية كيم سنغوبتا

خمسة صحافيين قتلوا في الشهر الأول من القتال الذي يستمر لأكثر من عام الآن (أ ب)

ملخص

"حتى في عالم المخاطر والاقتتال هذا، تبقى الحرب في #أوكرانيا مختلفة عن باقي الحروب" هكذا يصف محرر #اندبندنت في القضايا الدولية كيم #سنغوبتا الحرب المستمرة منذ أكثر من عام

"هؤلاء بشر، وقد رموهم كأكياس نفايات"، همست إرينا بوندارينكا عند مقبرة جماعية خلف كنيسة القديس أندرو في بوتشا، حين كانت تبحث عن جثة شقيقها المفقود. جُمعت الجثث الموضوعة بأكياس بلاستيكية سوداء في حفرة غير عميقة. بعضها كان مشوهاً، متفرق الأجزاء ومبعثر الأشلاء والأطراف؛ ومن التراب برزت راحة يد كأنها تبتهل دعاءً.

نيكولاي بوندارينكو اعتقله الجنود الروس واقتادوه بعد سقوط تلك البلدة. جسده – بأصابعه المحطمة وضلوعه المسحوقة ورأسه المثقوب برصاصة من الخلف – عثر عليه أخيراً في قبو منزل محترق، إلى جانب جثتين أخريين. وهذا لم يكن سوى فصل واحد من عملية عنيفة وممنهجة لانتهاك حقوق الإنسان مارستها القوات الروسية في المناطق المحتلة.

تعذيب، واغتصاب، وقتل، واختطاف مدنيين، صدى حزن العائلات التي تركت لمصيرها هو الأسى والشفقة المألوفان للحرب. إنها مشاهد عاينها أمثالنا ممن غطوا النزاعات في كثير من الأمكنة حول العالم. وفي سياق تغطية أحداث الحرب شهدنا أيضاً أعمال عنف موجهة ومقصودة، كما حصل في العراق حين تعرض فندقنا ببغداد لهجوم انتحاريين أدى إلى مقتل أكثر من 40 شخصاً. زملاء صحافيون وأصدقاء، مثل جايمس فولي وستيفن سوتلوف، تم اختطافهم وقتلهم على يد داعش  في سوريا.

الحروب الروسية
حرب روسيا على أوكرانيا في مطلع العام 2021، سبقتها تجربتان أصغر نطاقاً: الأولى حرب خاطفة على جورجيا عام 2008، والثانية ضمّ شبه جزيرة القرم عام 2014. وبذلك، شهدت الألفية الثالثة يقظة الدب الروسي، تمهيداً لبداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية.
Enter
keywords

 

لكن، حتى في عالم المخاطر والاقتتال هذا، تبقى الحرب في أوكرانيا مختلفة عن باقي الحروب. إذ إن ما حدث هنا طوال السنة الماضية له وقع زلزالي، وهو فصل مشهود يؤثر في مجرى التاريخ الحديث، مثل انهيار جدار برلين وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) وما تلاها. فقواعد الجغرافيا السياسية ومعاييرها التي نعرفها تشهد هنا تحولاً جذرياً.

إنه النزاع التقليدي الأول الذي يحدث في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. مدن حديثة تتعرض للتدمير بواسطة الصواريخ الباليستية والقصف المكثف، وأسراب من المسيرات تنفذ مهامها الحربية في مناطق مأهولة بالسكان. ومن المتوقع أن تستمر عمليات القتل والتدمير بالأسلحة المتطورة والحديثة، إذ يقوم الطرفان بنشر مزيد من أنواعها الأكثر تطوراً، وذلك في إطار محاولة كل منهما إخراج نفسه من المأزق الدموي العالق فيه.

عندما أمر بوتين ببدء الاجتياح سرى حديث قال إن ما قام به الروس في الشيشان سيتكرر في أوكرانيا. أولئك الذين كانوا في كييف بذلك الوقت، مثلنا، أخطروا بأن العاصمة الأوكرانية ستسوى بالأرض تماماً مثل غروزني. وانتشرت مشاهد لأرتال الجيش الروسي ممتدة لأربعين ميلاً وهي تتوجه نحونا (نحو كييف). كما جرى إبلاغنا مراراً وتكراراً عبر إحاطات رسمية من لندن وواشنطن بوجوب مغادرة المدينة.

ثم حصل نزوح عام من كييف عبر الطرق المؤدية إلى غرب أوكرانيا وباتجاه الحدود البولندية، حيث اكتظت تلك الطرق واختنقت بأرتال النازحين. كما أغلقت المتاجر والمكاتب، وراحت المدينة تقفر وتخلو حسب الساعة ووفق ضراوة القصف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك سارع صحافيون دوليون كثيرون إلى المغادرة حيث لجأ بعضهم إلى لفيف وأقام فيها، فيما غادر آخرون البلاد. أما بالنسبة إلى الوسط الإعلامي الذي لم يغادر، فإن الأجواء غدت أهدأ، وهيأ الذين قرروا البقاء أنفسهم لفترة ستطول. كان لمعظمنا نسبياً خبرة في هذا المجال، لكن وجب علينا تذكير أنفسنا بأنه لم يسبق لنا اختبار حرب بين دولتين أوروبيتين لديهما سلاح ثقيل، ونحن لم نغطِّ حدثاً مثل هذا من قبل.

راحت كييف تقصف في النهار والليل. وتمكنت الدفاعات الجوية الأوكرانية من إسقاط عدد كبير من الصواريخ التي ضربت نحونا، لكن بعض تلك الصواريخ نجح في اختراق الأجواء وأصاب مجمعات شقق سكنية ودمر بيوتاً وقتل سكاناً وشوههم.

مع تتابع الاشتباكات العنيفة عند أطراف العاصمة، راحت تغطية تلك المعارك تزداد خطورة. خمسة صحافيين قتلوا في الشهر الأول من القتال. كان من بينهم بيار زاكريفسكي وبرينت رونو، اللذان أعرفهما شخصياً، وقد قتلا في غورينكا وإربين تباعاً. أما فريق "سكاي نيوز" الذي ضم ستيوارت رامساي، ودومينيك فان هيردين، ومارتن فويلز، وريتشي موكلر، فقد حالفهم الحظ وتمكنوا من الهرب أحياء إثر كمين تعرضوا له في بوتشا أصيب فيه كل من ستيوارت وريتشي.

كثيرون منا تعرضوا للنيران فيما كنا نحاول تغطية المعارك – حصل ذلك مرة في إربين، شمال غربي كييف، حيث كنا برفقة متطوعين لتقديم المساعدات. عزل الجنود الروس الشوارع حول الكنيسة التي كانت توزع فيها المساعدات وراحوا يطلقون النار. فهرع السكان إلى داخل الكنيسة وسارعنا نحن إلى المغادرة. قتل في تلك الواقعة شابان، هما الأخوان يوري وفالينتين أوستابينكو عندما أصيبت سيارتهما. تركنا سيارتنا وغادرنا عابرين من تحت بقايا جسر مدمر قصفه الأوكرانيون لإيقاف تقدم العدو. ثم حظينا بمن يرجعنا إلى وسط كييف. استغرقت الرحلة 28 دقيقة: بهذا المقدار كان الروس قريبين من قلب كييف ومركز حكومتها.

وإزاء تقدم القوات الروسية في دونباس بفصل الربيع راحت تغطية الأحداث في تلك المنطقة تزداد خطورة. وقد تعرضت بلدة ليسيتشانسك لهجوم وقصف عنيفين حيث حوصرت القوات الأوكرانية. وأصاب صاروخ مبنى كانت توزع فيه المساعدات، فأصيبت بجروح خطيرة امرأة أجرينا معها مقابلة قبل 10 دقائق. وبعد يوم واحد توفي الصحافي ومصور الفيديو الفرنسي، فريديريك ليكليرك-إمهوف، حين أصيبت بالشظايا شاحنة استقلها كانت ذاهبة لإخراج السكان.

خلال هذه الأحداث كلها راح يتربص بأذهاننا أمر بدا غير معقول، وهو احتمال استخدام الأسلحة النووية أو وقوع كارثة نووية بشكل من الأشكال. لكن في كل مرة كان الكرملين يقرع فيها طبول الحرب النووية، أو تتطاير القذائف والصواريخ بأجواء محطتي تشيرنوبيل وزابوريجيا النوويتين، كانت تسود التساؤلات بأوساط الصحافيين فيما إذا خصص أحد ما بعضاً من وقته لدراسة إجراءات السلامة والطوارئ في حال حصول هجوم نووي، أو لمعرفة الاتجاه الذي تهب منه الرياح.

واليوم، مع بلوغ الحرب سنتها الأولى، الشيء الوحيد الذي يدركه المرء جيداً هو أننا في مكان يشهد كارثة. نحو 100 ألف من الأوكرانيين الذين انضموا إلى القوات المسلحة للدفاع عن بلادهم، قتلوا أو جرحوا، إضافة إلى آلاف المدنيين. ونحن نظراً إلى السنوات التي قضيناها في العمل هنا نعرف بعض الذين قتلوا وجرحوا.

كما أننا ندرك جيداً أن ما خبرناه كصحافيين يعملون في تغطية الأحداث من هنا، لا يقارن بأي شكل من الأشكال بالمعاناة التي كابدها الشعب الأوكراني وسيستمر بمكابدتها في ظل هذا النزاع الذي لا تلوح أي نهاية له في المستقبل القريب.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير