Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ضحك ومفارقات وتنمر... "بالطو" يعيد طبيب الأرياف إلى الشاشة

السينما المصرية قدمته كمناهض للجهل والخرافة والأعمال الحديثة ركزت على وجهه الكوميدي

المسلسلات التلفزيونية أعادت اكتشاف وجوه أخرى لطبيب القرية بعد أن كان دوره محدوداً (صفحة "وواتش إت" على فيسبوك)

ملخص

بالتزامن مع النجاح الذي يلقاه مسلسل "#بالطو" الذي يدور حول حياة طبيب شاب في #قرية_مصرية، عاد الحديث عن شخصية طبيب الريف الثرية درامياً والتي ظهرت في أعمال درامية كتب لها النجاح

بميزانية متوسطة وفريق تمثيل من نجوم الصفوف الثاني والثالث وحتى الرابع، نجح مسلسل "بالطو" الذي يبث حالياً عبر منصة "واتش إت" المصرية في أن يجتذب محبي الكوميديا، الفن الذي بات شحيحاً جداً حالياً في ظل التقدم المذهل لما يسمى "إفيهات السوشيال ميديا".

فالأفلام السينمائية ذات الميزانيات الكبيرة شهدت خلال الفترة الأخيرة انحداراً متواصلاً في مستوى الإضحاك نظراً إلى عدم قدرتها على منافسة كوميديا الهواة عبر "فيسبوك" و"تيك توك"، ليأتي "بالطو" بحوار طازج يستند إلى واقع الريف المصري ويغرد منفرداً، فيما الشخصية المحورية وهي الدكتور عاطف أيضاً من صميم الحياة في هذه البقعة، فطبيب القرية تيمة لعبت عليها الدراما كثيراً، لكنها كانت في الغالب تظهر كشخصية شديدة الجدية، كما كانت في كثير من الأحيان تأخذ مساحة أقل مما يمكن أن تقدمه تلك الشخصية التي تحمل ثراءً هائلاً يمكن استغلاله كوميدياً وتراجيدياً.

وحتى في عصر متمدين ومتقدم تكنولوجياً وطبياً يبقى للريف في أي مكان بالعالم خصوصية وتفرد، بالتالي فإن العمل الذي يخرجه عمر المهندس حفيد الكوميديان الكبير الراحل فؤاد المهندس ويكتبه الطبيب أحمد عاطف في أولى تجاربه الفنية، يمكن اعتباره صفقة رابحة وذكية حول عالم غير مطروق كثيراً، بخاصة في الفترة الأخيرة، فقد ظهرت شخصية طبيب القرية ولو بشكل هامشي كثيراً في الأعمال الفنية القديمة، لكن بات من النادر أن يتطرق إليها صناع الدراما الحديثة.

اتهامات بالتنمر والإساءة

يمكن القول إن المسلسلات التلفزيونية أعادت اكتشاف وجوه أخرى لطبيب القرية، بعد أن كان له دور محدود، فعاطف بطل مسلسل "بالطو" على سبيل المثال، الذي يؤدي دوره عصام عمر، شاب حديث التخرج يجد نفسه مديراً للوحدة الصحية بإحدى قرى مراكز محافظة كفر الشيخ، ويصطدم بالروتين وأيضاً بالاختلاف الكبير بين ما اعتاد عليه في المدينة وطريقة تعامل المرضى معه باعتباره متخصصاً في جميع فروع الطب، وأيضاً في ما يتعلق بحاجز اللهجة والتقاليد وغيرها، وتتفجر مواقف كوميدية في غاية التلقائية بينه وبين العاملين في المركز الطبي والمترددين عليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كالعادة اتهم العمل بالتنمر على أهالي المحافظة والريف المصري، على رغم أن القرية نفسها تم اختيار اسم مستعار لها ليس له وجود هو "طرشوخ الليف"، لكن التأكيد أنها ضمن قرى مركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ التي تقع في أقصى شمال مصر جلب المتاعب لفريق العمل، إذ يهدد بعض الناس برفع قضايا تطالب بإيقاف المسلسل في حين اضطر صناعه إلى التبرير والتوضيح، وبينهم مؤلفه أحمد عاطف الذي كتب أيضاً السيناريو المأخوذ عن كتابه "بالطو وفانلة وتاب"، إذ قال إنه لا يقبل أبداً الإساءة لأي بلد، وإن صناع المسلسل من المستحيل أن يتعمدوا إهانة أية محافظة، لافتاً إلى أن القرية التي تدور بها الأحداث غير حقيقية، وهي فقط منسوبة إلى مركز يقع بمحافظة كفر الشيخ.

خلال الحلقات نشاهد مفارقات كوميدية، سواء بسبب الارتباك حول الألفاظ التي تكتسب معاني لدى الطبيب القاهري غير المعاني لدى أهالي القرية، وأيضاً بسبب المهام الثقيلة التي وجدها ملقاة على عاتقه في حين أنه لتوه كان قد تخرج في الجامعة، ليأتي تكليفه بالعمل في مكان يبتعد جغرافياً وثقافياً عن حياته.

يقول عاطف إنه كطبيب شاب بالفعل عايش تلك الأحداث، ووجد نفسه وقد أنيط به توقيع القرارات الإدارية التي لا يفقه فيها شيئاً، وكذلك شهادات الميلاد والوفاة والإجازات التي لا يعرف الفرق بين أنواعها، وكان مطلوباً منه اتخاذ مواقف حاسمة مع الموظفين باعتباره مدير الوحدة الصحية.

يرى الناقد الفني محمد عبدالرحمن أن كون القرية متخيلة يرفع الحرج عن فريق المسلسل، ويحسب للسيناريو أنه يضع يده على الهنات التي يمكن أن تلتفت إليها وزارة الصحة لتفاديها من أجل صالح المنظومة واستفادة أكبر للأهالي في القرى من الخدمات، كما يؤكد أن العمل نبه إلى أهمية أن يكون تكليف الطبيب ملائماً لموقع سكنه كي لا ينتظر أول فرصة ويترك مهام عمله، بخاصة في ظل صعوبات كثيرة تواجه الطبيب في الأقاليم مثل سيطرة الخرافة والدجل والعادات الضارة.

الدكتور ربيع والدكتور عاطف

بالمقابل نجح مسلسل "الكبير قوي" في الهروب من مأزق الزراية بمنطقة سكنية بعينها أو فئة معينة من الناس، إذ اختار أن يكون اسم المكان الذي تدور فيه الأحداث مخترعاً تماماً وهو "المزاريطة" من دون توضيح إلى أية محافظة مصرية ينتمي، وهو أمر أخرجه من دائرة الاتهامات بالطبع، أما شخصية الدكتور ربيع، التي جسدها بيومي فؤاد وحققت جماهيرية وشعبية على مدى ستة أجزاء من العمل، فعلى رغم أنها ليست محورية فإنها أساسية تماماً، فهو الطبيب الذي يمكنه أن يجري عملية تجميل أو جراحة في الجهاز الهضمي، وأن يتابع أمراض النساء والتوليد، على رغم أن مؤهله العلمي الغامض لا يكفل له ممارسة المهنة، لكنها مبالغة مقبولة في إطار عمل من نوعية "الكبير قوي"، الذي بدأ عرضه عام 2009 وسيعرض جزؤه السابع خلال أسابيع في الموسم الرمضاني.

 

لقد باتت "إفيهات" الدكتور ربيع هي الأكثر حفظاً واستعادة بين المتابعين، فحضوره في المشهد ينافس بقوة حضور البطل أحمد مكي، لكن الناقد الفني محمد عبدالرحمن يشير إلى أن هناك فروقاً جوهرية بين العملين، فعلى رغم أن شخصية الدكتور عاطف في "بالطو" ذكرت الجمهور بدور الدكتور ربيع، فإن هناك فارقاً كبيراً في التناول، فمن خلال "الكبير قوي" ظهرت شخصية طبيب الوحدة الصحية في الريف بطريقة كوميية وخيالية تماماً، بينما في "بالطو" يتم الاستناد إلى تفاصيل أكثر واقعية على رغم المبالغة فيها بالطبع، إذ إن هناك تركيزاً على الأزمات الإدارية، وعلى مشكلة قلة الثقافة الصحية بين كثير من سكان الريف.

وجوه أخرى لطبيب الأرياف

من المؤكد أن دراما التلفزيون منحت استمرارية أكبر على الشاشة لمهنة طبيب القرية، حيث شاهدنا الدكتور فيصل (أحمد سلامة) في مسلسل "الضوء الشارد" عام 1998، الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع كبار العائلات في الصعيد، بينما يمارس مهامه بجدية وإتقان في أكثر من تخصص، فهو طبيب نساء إذا لزم الأمر، وجراح إذا اقتضت الحاجة، وطبيب باطني في أوقات أخرى، وأهل القرية باختلاف مستوياتهم المادية يعتمدون عليه بشكل كامل ويمثل طوق نجاة لهم في مواجهة الأمراض، كما يوجد خط إنساني في دوره جعله من أهم شخصيات العمل.

كما ظهرت شخصية الطبيب الذي يعمل في وحدة صحية ريفية بشكل إيجابي من خلال مسلسل "القاصرات"، من بطولة صلاح السعدني، والذي عرض عام 2013، وكان الطبيب يحاول ردع البطل عن عادته بالزواج من قاصرات لم يبلغن السن القانونية، ورفض التعاون معه أو أن يكون غطاءاً قانونياً لتصرفاته.

في مواجهة "حلاق الصحة"

لكن التأريخ الأبرز لطبيب القرية ودوره في محاربة عناصر الجهل والخرافة كان في سينما الأبيض والأسود من خلال أعمال عدة نبهت إلى ضرورة الاحتكام إلى العلم، في وقت كان "حلاق الصحة" يسيطر على حياة البشر في المناطق النائية، وحلاق الصحة هو شخص غير مؤهل لأي ممارسة طبية، ولا يحمل شهادة علمية تمكنه من ذلك، ومع ذلك كان أهالي الريف يثقون في تشخيصه، وفي بعض الأوقات يقوم بجراحات بسيطة أيضاً.

حاولت السينما المصرية سرد المواجهات بين الطبيب وهذه الشخصية في أعمال عدة، قد يكون أبرزها "عاصفة في الريف" الذي قام ببطولته يوسف وهبي عام 1941، وفيه يحاول الطبيب أشرف أن يقنع أهالي القرية بأن العلاج بالأدوية واتباع قواعد النظافة هما العدو الأكبر لمرض الطاعون المتفشي، لكنهم كانوا يلجأون لنصائح العطار وحلاق الصحة، ويستمعون إلى توجيهات عمدة القرية الذي كان يأبى أن يقر بأن الطبيب على حق، ومن ثم يجد الدكتور أشرف نفسه في مواجهة موروثات تفضل تركيبات العطارة على العلم الموثوق به، وبعد صراع طويل واستنزاف لموارد أهالي الريف القليلة للغاية من قبل المستغلين ينجح أخيراً في إقناعهم بأفكاره، والفيلم من إخراج أحمد بدرخان.

طبيب القرية والأوبئة

في عام 1962 قدم المخرج توفيق صالح فيلم "صراع الأبطال"، الذي تناول ظروف قرية نائية معدمة في صعيد مصر خلال عام 1947 حينما انتشر وباء الكوليرا، ليأتي دور الدكتور شكري (شكري سرحان) هنا محاولاً إنقاذ أهلها من عاداتهم التي أدت إلى انتشار الوباء، لكنهم في البداية يرضخون لتعليمات الإقطاعي عادل الذي يستغل مجهودهم ويسيطر عليهم، ويرفضون نصائح الطبيب الذي يجد نفسه في مواجهة كبرى من النساء اللاتي يستعن بالقابلة البدائية لتساعدهن في عملية الولادة على رغم العواقب الوخيمة التي تحدث، وتتكاثر عليه التحديات ومن بينها العادات والتقاليد الصارمة، بخاصة حينما يصر على استخراج إحدى الجثث ليؤكد لمن حوله أن الوفيات التي تحدث بسبب وباء الكوليرا هي نتيجة عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية أو نظافة الأطعمة، وعلى رغم ذلك لا يستسلم ويتمكن في النهاية من انتشال أهل القرية من الجهل والفقر.

 

الوجه الإيجابي للطبيب ظهر أيضاً في فيلم "الخرساء"، الذي عرض عام 1961، من إخراج حسين الإمام وبطولة سميرة أحمد وعماد حمدي، حيث يواجه الدكتور حسين استقواء من كبير القرية عتريس المسيطر على الأهالي.

لكن السينما أيضاً تعرضت لعمليات الخداع الخاصة بتلك المهنة، ففي عام 1968 قدم فريد شوقي في فيلم "أنا الدكتور" دور ممرض ينتحل صفة طبيب ويكتسب ثقة أهالي إحدى القرى ويحقق من ورائهم ثروة كبيرة عبر إقناعهم بأنهم مرضى على رغم كونهم أصحاء، ويساعده في ذلك قلة خبرتهم وأيضاً عدم حصولهم على قسط كافٍ من التعليم، فالجهل هنا هو أساس كل وباء، وفي نهاية الأحداث يندم البطل على تصرفاته ويحاول التكفير عنها، والفيلم شاركت فيه نيللي وكتبه وأخرجه عباس كامل.

الدراما العالمية تحتفي 

كان لطبيب الريف أيضاً حضوره في عالم الأدب، وبخاصة من خلال قصص الكاتب يوسف إدريس، بحكم أنه طبيب بالأساس، إذ قدم رصداً دقيقاً وصادقاً لتجاربه مع أهالى القرى، وقبل عامين كذلك قدم الطبيب والكاتب محمد المنسي قنديل تجربة لافتة من خلال روايته "طبيب أرياف"، التي تناولت سيرة طبيب شاب في إحدى قرى صعيد مصر.

كما أن الدراما العالمية حرصت على توثيق تلك التيمة الثرية من خلال أعمال عدة احتفت بخصوصية الحياة في الريف وطرق الأطباء في التعامل مع سكانه، فالهدوء والسكينة والتقارب بين من يعيشون في تلك المناطق يصحب معه أيضاً بعض العادات التي قد يعتبرها بعضهم جموداً وبدائية، ومن أشهر المسلسلات هنا البريطاني "دكتور مارتن"، الذي بدأ بثه عام 2004 وقدم على مدى تسعة أجزاء، وتقوم قصته حول طبيب يعاني رهاب الدم فيتوقف عن إجراء العمليات الجراحية على رغم براعته، ويكتفي بعمله ممارساً عاماً في قرية بالقرب من العاصمة الإنجليزية لندن، وخلال الأحداث تظهر براعته في التشخيص وفي إنقاذ الأرواح، كما أنه يحاول مقاومة العادات السيئة والإهمال اللذين يسيطران على سلوكيات بعض من يقطنون القرية، كما يمتلئ العمل بكثير من النصائح الطبية المفيدة في إطار درامي خفيف يحمل لمحات من الكوميديا ويتعرض السيناريو للعلاقات المتشابكة التي تربط أهالي الريف بعضهم بعضاً.

أجواء "دكتور مارتن" مشابهة للمسلسل الأميركي "Virgin River" الذي بُث منه موسمان ما بين عامي 2019 و2020، إذ تعتمد قرية بأكملها على طبيب تثق به ومعه ممرضة أيضاً تتمتع بخبرة وذكاء، وتشكل عيادته البسيطة أملاً لكثيرين، حيث يتم تشخيص جميع الأمراض مهما كانت مستعصية، وعلى جانب آخر يتابع المشاهد دراما رومانسية اجتماعية من خلال حياة سكان القرية البسيطة، التي تبدو مزعجة في بعض الأوقات بسبب تدخلاتهم في تفاصيل ويوميات بعضهم بعضاً.

وانتهى أخيراً عرض مسلسل تركي يحمل عنوان "طبيب القرية" حول الجراح الناجح هاكان، الذي يترك مستقبلاً مشرقاً في المدينة حيث كان يعمل، ويختار مضطراً خدمة أهالي قرية صغيرة مستفيداً بخبرته التي اكتسبها في المستشفى الكبير الذي كان ينتمي إليه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة