Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع الأرقام والمذاهب في لبنان قابل للتفجير

سجال بشأن عدد المسيحيين وإحصاءات غير مطابقة للمواصفات

البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي (موقع البطريركية المارونية)

ملخص

انفجر السجال بين #البطريركية_المارونية والرئيس #نجيب_ ميقاتي بشأن #عدد_المسيحيين في #لبنان

أشعل رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي السجال حول عدد المسيحيين في لبنان عندما أعلن في حديث تلفزيوني عن "تقرير ورد إلى البطريركية المارونية يشير إلى أن نسبة المسيحيين في لبنان باتت 19.4 في المئة".

على رغم أن الرئيس ميقاتي قال إن "التقرير وصلني لكنه ليس مؤكداً"، حصلت ردود فعل كثيرة اعتبر البعض أنه تعمّد الإعلان عن هذا الرقم لأهداف سياسية تتعلّق بعلاقته مع البطريركية المارونية، التي تحفّظت على عقد الجلسات الحكومية تحت غطاء الضرورة في ظل عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. كما ذهب بعض من انتقد هذا الإعلان، إلى اعتبار أن الرئيس ميقاتي يريد أن يوظّف هذا الرقم في زيارة سيقوم بها خلال مارس (آذار) إلى الفاتيكان حيث يلتقي البابا فرنسيس ليبحث معه في الوضع في لبنان، الذي التقاه أيضاً في عام 2021. من المفترض أن ميقاتي يعرف المسؤولية التي تقع عليه في إيراد أي معلومة، ولو في معرض التشكيك فيها، لأن هذا الأمر يجعلها راسخة في الأذهان، فلماذا قال ما قال خصوصاً أن الأرقام تتعلّق بدراسة أقر أنها قُدِّمت إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي؟

جواد عدرا، رئيس ومؤسس "الشركة الدولية للمعلومات"، اعتبر أن هذا الكلام يغذّي التوجّه الموجود عند قواعد مسيحية واسعة باتت تطرح اليوم أكثر من السابق مسألة تغيير النظام. وقصد الجهات التي تطالب بلامركزية مالية وإدارية موسعة، كما فعل رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أو تطالب بنظام فيدرالي وفق فيدرالية خاصة تعيد توزيع المناطق والصلاحيات في ظل حدود الدولة الحالية، أو كما تحدّث رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن إعادة النظر بالتركيبة اللبنانية، رفضاً لاستمرار سيطرة "حزب الله" على القرار اللبناني ومنعه عملية الإنقاذ من الانهيار ومحاولاته فرض نظام حياة جديد على كل اللبنانيين.

 

الرقم غير موجود

بعد إثارة هذا الموضوع نفت البطريركية المارونية أن تكون أصدرت مثل هذا التقرير الإحصائي حول أعداد المسيحيين في لبنان، ومعدلات تناقصهم، بسبب تفجير مرفأ بيروت والهجرة والأوضاع السائدة في لبنان ودول الجوار. البطريركية استغربت "إثارة هذا الموضوع المتعلّق بالعدد في لبنان، طالما أنه قد تمّ تجاوزه في متن الدستور، وبإجماع اللبنانيين على قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين". واعتبرت أن "ما يثير الاستغراب أكثر وأكثر هو توقيت هذا الكلام، وطرح هذه المسألة الوطنية الأبعاد في هذه المرحلة، التي تقتضي المزيد من الالتزام بموجبات الدستور والميثاق الوطني على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع اللبنانيين"، مضيفة أنها "لم تصدر أي تقرير يتضمن إحصاء لنسبة المسيحيين، وبالتالي لم تسلّم أيّ مرجع داخلي او خارجي أي تقرير أو إحصاء من هذا النوع".

أما "المؤسسة المارونية للانتشار"، التي تعمل تحت غطاء البطريركية المارونية، قالت "نستغرب أن يصدر عن دولته هذا الكلام، فيما أظهرت الانتخابات الأخيرة في العام 2022 أن نسبة المسيحيين في القوائم الانتخابية تناهز الـ34.42 في المئة وأن نسبة المقترعين المسيحيين من مجمل المقترعين ليست بعيدة من هذه النسبة".

إحصاء سياسي لا ديمغرافي

يقول طانيوس شهوان، الباحث في الشؤون الإحصائية ورئيس مؤسسة "غلوبل فيجن" للاستشارات والإحصاءات، إن "رقم الـ 19 في المئة قيل على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في سياق حديث سياسي، وهو بالتالي رقم سياسي وربما كان الهدف من وراء رميه بهذه الطريقة إيصال رسالة سياسية إلى البطريركية المارونية وإلى دوائر الكرسي الرسولي في الفاتيكان قبل زيارته لها ولقائه مع البابا فرنسيس". يقول شهوان أيضاً "كإحصائيين نعمل بحثاً قد يبلغ مئة صفحة حتى نصل إلى رقم معيّن يمكن تثبيته والدفاع عنه. ولذلك في ظلّ غياب آلية لإنتاج هذا الرقم لا يمكن أن نقول أي شيء في هذا الموضوع. هل هذا الرقم هو عن عدد المسيحيين الباقين في لبنان مثلاً؟ أم هو عن عددهم المقيم والمسافر أو المهاجر؟ هل بحثت الدراسة التي أَنتجَت هذا الرقم في عدد المسيحيين فقط أم في أعداد الطوائف الأخرى؟ وهل كانت شاملة أم محدودة؟ وهل هناك دراسة إحصائية في الأصل أم إنه مجرد رقم استنتاجي من دون أساس بحثي وعلمي إحصائي؟".

يفرّق شهوان بين لوائح الشطب الانتخابية وبين سجلات النفوس التي يتم تسجيل كل الولادات عليها. ويعتبر أنه "لتحديد نسبة الأعداد الصحيحة يجب الإرتكاز على سجلات النفوس وليس إلى لوائح الشطب الانتخابية التي ارتكز عليها معظم الباحثين اليوم لأنه لا توجد إحصاءات غيرها. وهذه اللوائح لا تعكس العدد الفعلي للمسيحيين والمسلمين بل تعكس عدد الناخبين. في الدول المتحضرة يحصل مسح سنوي للسكان وليس إحصاء، والفرق كبير بينهما. في المسح يتم إلزام كل الناس بالتسجيل داخل البلد وخارجه، تحت طائلة التغريم، لكي يتكوّن الرقم الحقيقي للذين ينتسبون إلى هذه الدولة. مثل هذا المسح لم يحصل في لبنان إلا عام 1932 على أيام الانتداب الفرنسي. ولكن حتى في ذلك الإحصاء لم يتم تسجيل إلّا المقيمين من دون سائر الرعايا المهاجرين الذين فقدوا بالتالي الجنسية لاحقاً، لأنهم لم يسعوا بأنفسهم إلى استعادتها باتباع آلية لا تخلو من التعقيد. وفي عام 1924 أجرت السلطات الفرنسية إحصاءً تقديرياً للمقيمين والمهاجرين ولكن عدداً من المسلمين الذين كانوا يرفضون الإنضمام إلى دولة لبنان الكبير ويريدون البقاء ضمن الدولة السورية أحجموا عن المشاركة فيه. هذا الأمر قاد لاحقاً وبعد سبعين عاماً إلى خلل كبير في مرسوم التجنيس الذي أصدرته الحكومة عام 1994 في ظل عهد وصاية النظام السوري على لبنان واختلال الميزان السياسي، والذي منح الجنسية اللبنانية لنحو 400 ألف غالبيتهم الكبرى من المسلمين وفاقم في الخلل الديمغرافي بحيث أن الطعن المقدم بهذا المرسوم لم يتم البت به". وعلى رغم تأكيد بطلان ملفات تجنيس كثيرة لم يصحَّح لاحقاً. فقسم كبير من الذين هاجروا في بدايات القرن العشرين لم يعيدوا تسجيل أنفسهم ولا أولادهم كما أن عدداً كبيراً من الذين هاجروا بعد الحرب في عام 1975 أو بعد حربي "التحرير" و"الإلغاء" عام 1989 – 1990 لم يسجِّلوا أولادهم وإن كانوا هم مسجَّلين.

 

"الدولية للمعلومات" تنفي

بعد زجّ اسمها في المسؤولية عن هذا الرقم (19.4 في المئة) أصدرت "الشركة الدولية للمعلومات"، التي تهتم بالإحصاءات والدراسات وتتمتع بصدقية عالية، بياناً قالت فيه "إنّ الخبر والنسبة عاريان عن الصحّة". واعتبرت أنه "مع غياب الإحصاءات الرّسميّة، لا يمكن تأكيد الرّقم الصّحيح والدّقيق، ولكن، بالعودة إلى الإحصاءات الرّسمية المتوافرة من خلال عدد الناخبين المسجّلين (وإن تضمّنت بعض الشوائب والأخطاء)، نجد أنّ عدد الناخبين المسجّلين في انتخابات عام 2022، هو 3967508 ناخبٍ، يتوزّعون بين المسلمين بنسبة 65.4 في المئة، والمسيحيّين بنسبة 34.49 في المئة، والإسرائيليّين (اليهود) بنسبة 0.11 في المئة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورد ميقاتي على الانتقادات في مستهل جلسة مجلس الوزراء اليوم وقال "بعد الحديث التلفزيوني الذي أجريته صدر كلام من خارج سياق الحديث، علماً بأن الموضوع طُرح في إطار سؤال عادي. أنا من المؤمنين بأن غنى لبنان في تنوعه، ولا يجوز أن يشعر أحد وكأن هناك مخططاً لتحجيم دور أي مكوّن لبناني أو النيل منه. عيشنا واحد وعاداتنا واحدة، واللبنانيون عائلات وجماعات تتكامل مع بعضها روحياً ووطنياً، خارج منطق العدد، ونفتخر بأن نوعية لبنان بتنوعه.

أرقام من مئة عام

في نظام المتصرفية الذي أعطى جبل لبنان نظام حكم محلّي في ظل حكم السلطنة العثمانية، كانت النسبة الأكبر من السكان هي من المسيحيين، بما يقارب 80 في المئة والدروز بنسبة 20 في المئة مع عدد قليل من السنة والشيعة. عند قيام دولة لبنان الكبير وضم مناطق طربلس وصيدا وصور وعكار والبقاع وبيروت، التي كانت تتبع ولايات عثمانية، بلغت النسبة نحو 55 في المئة من المسيحيين و45 في المئة من المسلمين، وهذا ما جعل التمثيل النيابي على قاعدة ستة نواب مسيحيين مقابل خمسة للمسلمين حتى عدَّل هذا الخلل "اتفاق الطائف" الذي جعل العدد متساوياً في النواب والوزراء وموظفي الفئة الأولى. اتُّفِق على رفع عدد النواب إلى 108 في البداية. لكن، ولرغبة النظام السوري بإيجاد مقاعد لعدد من حلفائه، عُدِّل في انتخابات عام 1992 قانون الانتخابات وجُعِل عدد النواب 128 نائباً أي بإضافة 10 نواب مسلمين و10 نواب مسيحيين.

"اتفاق الطائف"

على أساس اتفاق الطائف تكرس في الدستور رفض كل خلل في التوازن الديمغرافي لناحية تأثيره في التوازن السياسي. وكان رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري أكّد أن العدّ قد توقّف للتأكيد على أن ميثاق العيش المشترك بين اللبنانيين لن يتم من خلاله تجاوز المناصفة في عدد النواب والوزراء والرئاسات. ولكن في كل مرّة تحصل محاولات للتذكير بالتفاوت في الأرقام، وتحصل مطالبة بأن يكون التمثيل السياسي بحجم التمثيل الديمغرافي. هذا الأمر يؤدي حكماً إلى نفور مسيحي من هذه النظرية التي تحرم المسيحيين من المشاركة المتوازنة في السلطة خصوصاً بعد تجربة عهد النظام السوري حين جرى تطبيق معادلة اختيار شخصيات مسيحية تشارك في الحكومات وفي مجلس النواب من دون أن تعكس حقيقة التمثيل الشعبي للمسيحيين. من خلال المحافظة على المناصفة في العدد تمّ اختيار ممثلين عن المسيحيين لا يحظون بتغطية شعبية شرعية انتخابية من خلال التحكم بالقرار السياسي ومن خلال قوانين للانتخابات كانت تفرض هذا الخلل في التمثيل. ولذلك جرت محاولات حثيثة للوصول إلى قانون انتخابات يعدّل التوازن الداخلي ويؤمّن للمسيحيين اختيار العدد الأكبر من نوابهم. ولكن على رغم ذلك لم يسقط الصراع حول الأرقام. صحيح أن عدد المسيحيين أقل من عدد المسلمين، ولكنهم في مطلق الأحوال ليسوا أقلية. والمشاركة في الحكم لا تتم على أساس العدد بل على أساس التعددية التي حرص على تأكيدها الرئيس رفيق الحريري خوفاً من أن محاولة الإخلال بها يمكن أن تؤدي إلى الإخلال بالتركيبة السياسية الأمر الذي قد يدفع نحو رفض المسيحيين لإخضاعهم لمنطق العدد الطائفي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير