Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عادة المنزول"... تونسيون يحفرون قبورهم قبل الوفاة 

الرواية المتداولة ترجع العادة إلى سكان الأندلس المهجرين واستمرارها مع الظروف الاقتصادية الصعبة بات موضع تساؤل

تنتشر عادة المنزل حصرا في مدينة تستور التونسية حيث يحفر الشخص قبره قبل وفاته (مواقع التواصل)

ملخص

عادة المنزول تشكل استثناء في #الطقوس_الجنائزية حيث يحفر #تونسيون قبورهم ويهيئون لحودهم من مادة الطين لتذكرهم بالتراب الذي خلقوا منه

في مدينة تستور التابعة لمحافظة باجة الواقعة شمال غربي تونس، يتوارث الأهالي عادة "المنزول" التي تعني حفرهم لقبورهم قبل الوفاة، مما يشكل استثناء في الطقوس الجنائزية.

وعلى رغم وجود رواية سائدة حول خلفيات هذه العادة مفادها بأنها موروثة عن الأندلس بعد استقرار الموريسكيين بها إثر حملة التهجير التي قادها ضدهم الملك فيليب الثالث في أبريل (نيسان) من عام 1609، إلا أن هناك أصواتاً تشكك في تلك الرواية، خصوصاً في ظل غياب مصادر تاريخية موثوقة لتفسير تلك العادة.

عادة أندلسية

تعد تستور المدينة الوحيدة التي تنتشر فيها هذه العادة والتي نشأت بحسب مصادر عدة بعد قدوم الأندلسيين إليها فارين من الملاحقة إبان حكم فيليب الثالث عام 1609، وبالنظر إلى ارتفاع عدد ضحايا الحرب والأموات اضطر آنذاك هؤلاء إلى تجهيز القبور قبل حتى الوفاة.

ولا تخلو هذه العادة من رمزية ورسائل دينية إذ يعكس حفر القبر وتجهيزه استعداداً للموت الذي قد يأتي بأية لحظة.

يقول الكاتب العام لجمعية تراث تستور البحري البوغانمي، "من جاء بالعادة هم الأندلسيون الذين أجبروا أعداءهم الموريسكيين في إطار الموجة الثالثة على الهجرة في عهد عثمان داي عام 1609 وتوزعوا في أكثر من 22 مدينة وقرية من بينها تستور".

وتابع البوغانمي لـ"اندبندنت عربية" أن "من قدموا إلى تستور فيهم من ينحدر من فالنسيا وقشتالة وأراغون، وأنشأوا ثلاثة أحياء، حي الرحيبة وحي الثغريين (سكان الثغور) وقلب مدينة تستور".

ولفت إلى أنه "كما أن من عادة المسلم الأندلسي أن يزين منزله برونق خاص، حيث نجد البيوت ومعها الأرنجة والياسمين والقرنفل، وهو ما دفعه إلى التفكير في بيت الحياة الأخرى من خلال المنزول أي قبره الذي سيوضع فيه بعد الوفاة، مما يعكس تفكيراً في ساعة الموت".

وفي تفسيره لتفاصيل العادة، يقول البوغانمي إن "من بين الأشياء التي تميز عادة المنزول أنه بعد إعادة تهيئته، يجري تحضير اللحود المكونة من مادة الطين ويستخدمها المسلمون في غلق قبورهم مع الرمل، حتى يذكرهم بالتراب الذي خلقوا منه" مشيراً إلى أن "هناك أيضاً قصبة يستخدمونها لكتابة وصيتهم لكي تشفع لهم عند إغلاق القبر بعد وفاتهم، وهي طقوس وعادات خاصة جداً".

وأردف أنه "حتى في طقوس تلقي التعازي هناك تقاليد وعادات خاصة  بالمدينة، وهذه تعكس فكرتين، الأولى الاستعداد للموت والثانية الحياة بعد الموت، والأخيرة موجودة في كل الأديان تقريباً والمعطى المهم أيضاً أنه إذا لم يتوف المعني بالأمر أي الذي حفر القبر وتوفي أحد أفراد أسرته قبله فإنه يدفن فيه".

اختلاف في نسب العادة

لكن هناك اختلافاً بات واضحاً حول نسب العادة بأكملها إلى الأندلس، إذ يوضح أستاذ التاريخ والحضارة في الجامعة التونسية زهير بن يوسف أن "المتخيل الشعبي يقول إن ضحايا محاكم التفتيش في إسبانيا بعد حروب الاسترداد بلغت في المستوى الكمي درجة أعجزت الأهالي عن دفن موتاهم، فتحسباً لتلك الإشكاليات أصبحوا يحفرون قبورهم قبل موتهم، لكن هذه الرواية ليست ثابتة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأبرز بن يوسف في تصريح خاص أن "هناك روايات أخرى أهمها ما كتبه الرحالة الإسباني خيمينيز الذي زار تستور عام 1724 بعد قرابة قرن من الهجرة ولاحظ أن سكانها ما زالوا متمسكين بعاداتهم الإسبانية وهو يدرك أنهم يحملون الديانة المسيحية وأن لغتهم وقتذاك الإسبانية، لكنهم سيكتسبون اللغة العربية بالتدريج في تستور".

وأشار إلى أنه "عند حلول خيمينيز كان هؤلاء في حاجة لإثبات تدينهم وإيمانهم العالي لذلك اتخذوا في مستوى طقوسهم الجنائزية منازل أي قبور مؤجلة إلى حين للتعبير عن استعدادهم الدائم للموت، لكن هذه الرواية ضعيفة أيضاً ولا يمكن تأكيدها أو نفيها".

إمكانية الصمود

وفي ظل الأوضاع الصعبة التي تئن تحت وطأتها تونس، فإن التساؤلات التي تطرح الآن في شأن ما إذا كانت هذه العادة ستصمد، خصوصاً أن كلفة تجهيز "المنزول" تقدر بأكثر من 125 دولاراً أميركياً.

وبعد التغيرات التي طرأت على التونسيين وبعض عاداتهم انسجاماً على ما يبدو مع التطور التكنولوجي وغيره، فإن مسألة استمرار هذه العادة وإمكانية أن تأخذ طريقها نحو الانصهار موضع تساؤل أيضاً.

وقال زهير بن يوسف إن "هناك قانوناً وضعته البلدية لتنظيم عادة المنزول وهناك معلوم معين في شأنه، وفي مثل هذه الظروف والأشياء تنتفي الحاجة ويصبح بإمكان كل واحد فينا أن يدفع مقابل المنزول ولا يمكن التعلل بالمقدرة الشرائية أو غير ذلك".

وشدد على أن "العادة لم تتراجع في الواقع وهي متواصلة، لكن هل ستتواصل مع الأجيال القادمة؟ وهل ستنقرض وتندمج في مختلف مكونات المجتمع التونسي في إطار طقس جنائزي واحد؟ تساؤل مشروع، لكن هذا مستبعد في اعتقادي لأن حتى طريقة الدفن في تستور مختلفة إذ تشعر من خلالها بألفة الموت من خلال طريقة إيداع الميت في القبر وغير ذلك".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات